- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
العقدة الكبرى والعقد الصغرى
الحلقة الخامسة والثلاثون
خامسَ عشَرَ: عقدة الأولاد والبنات
لقد منَّ الله على عبادِه بأن خلقَ لهم من أنفسِهم أزواجاً، وجعلَ لهم من أزواجهم بنين وحفدة، فقال سبحانه وتعالى: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)، ووضع في فطرة كل إنسانٍ ما يدفعه لحفظ نوِعِه البشريِّ، وبهذا التقديرِ من الله سبحانه وتعالى استمرَّ الجنسُ البشريُّ منذ آدمَ عليه السلام وإلى يومنا هذا، وبهذا يستمرُّ إلى أن يرث الله الأرضَ ومن عليها.
ولكن الشياطين لم تتركْ للبشرِ باباً ينفذون منه إلى معصية الله ومخالفة المفاهيم الصحيحة التي أرسلها الله سبحانه وتعالى مع رسله، لم تترك باباً إلا وفتحتْه لهم، فوجد فيهم من يئدُ البنات، ووجدَ فيهم يُفضّلُ الأولادَ على البنات، ووجدَ فيهم من يبتعد عن إنجاب الأولاد والبنات بتأثير من المبدأ الرأسمالي الغربي، وغزوِه الفكري، ووجدَ فيهم من يقتصر على واحد أو اثنين، ويتعذّر بذلك بقوله: حتى يستطيع تربيتهم، وتنشئتهم وتعليمهم، حتى يحفظ لهم مستوى معيناً من العيش، وكأنه هو الذي خلقهم ورزقهم، ونجدُ فيهم من يغلبُ مظاهرَ البقاءِ عندَه على كثير من مظاهر النوعِ، فلا يسمح لأحدٍ أن يشاركَه حياته ووقته ومتعته، ووجدَ فيهم من يضحّي بدينه من أجل أولاده، ومنهم من يرتكب الحرام لأجلهم، ونجدُ من الناس من يفضلُ أولاده على الله ورسوله والجهاد في سبيله.
يخطئُ كثير من الناس بقولهم: نريد أن نحفظ لأولادنا مستوى عالياً من العيش، ويقولون: واحد واثنان يمكن أن تكفيهم حاجاتهم بمستوى مرتفع، ولو كانوا أكثر، لتقسّمَ الدخلُ على عدد أكبر، فيتدنى المستوى الذي سيناله كلُّ واحدٍ، يقولون هذا القول ويظنون أنهم هم الذين يرزقون أولادهم، فيخترعون فكرة التقسيم، فيجعلون المقسوم عليه قليلاً ليكون الناتج لكل واحد أكبر، وما دَرَوْا أنَّ الله تعالى قسَم لكل ولدٍ رزقه، وقسم لكل بنتٍ رزقها، ومهما بلغ عددهم فإنّ الله تعالى لم يخلق مخلوقاً دون أن يقسمَ له رزقه، فيتألّوْنَ على الله تعالى بما يسوّلُه لهم الشيطان، ويمنيهم فيه.
إن حفظ النوع البشري أمر غريزيّ عند الإنسان، يتمثل في مظاهر متعددة، تسبب القلق للإنسان إن لم يتمَّ إشباعُها بنظام صحيح، وربما تكون مصدر شقاء للإنسان، فيشقى الإنسانُ بما يحملُ من مفاهيمَ ما أنزل اللهُ بها من سلطان، كمثل التي ذكرناها أعلاه.
إن من أول ما قررته العقيدة الإسلامية –الحلُّ الصحيحُ للعقدة الكبرى- أنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي يَهَبُ عبادَهُ الإناث، ويهبهم الذكور، ويهبهم الذكور والإناث، ويجعلُ من يشاءُ عقيماً، فهو مالك السموات والأرض وما فيهما، قال الله سبحانه وتعالى في آخر سورة الشورى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ). فهي نعمةٌ من نعمِ اللهِ على الإنسانِ، يحتاجُ الإنسانُ أن يكونَ عندَه أولادٌ وبنات، يعينونه في هرمِه، فمنَّ الله سبحانه وتعالى علينا بذلك، فله الحمد وله الشكر. قال سبحانه: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ)، وأخبرنا سبحانه أن المال والبنين زينة الحياة الدنيا: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)، ولكنّ الذي هو من المال والبنين هو الأعمال الصالحة التي تبقى إلى يوم القيامة، يحتسبها الله سبحانه في سجل عبدِهِ.
ومنفعة الأولاد والبنات لآبائهم هي في الدنيا فقط، ولا يناله منهم إلا ما قدّمه لهم من تربية صالحة يؤجرُ عليها، وما يقدمونه له من دعاء بعدَ موتِه، أما يوم القيامة فإن كل الأسباب بين الناس تتقطع، وحينها لا ينفع ولدٌ أباه، ولا أبٌ ولدَه، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)، بل في ذلك اليوم كل قريبٍ يهربُ من قريبِه، يقول عزّ وجلَّ: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) فلا أحدَ ينفعُ أحداً لم يكن نفعَه من قبلُ، بل إن المجرم يودُّ لو افتدى نفسَه من النارِ بأولاده: (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ)، وحينها لا ينفعُ إلا من جاءَ ربّه بقلبٍ سليم، مؤمنٍ بالله عاملٍ للصالحات: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ {88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير
أبو محمد – خليفة محمد - الأردن