- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إرضاء الله تعالى وطاعته هو ما يستحق العناء
ما يلفت الإنتباه في يومنا هذا هي السطحية الشديدة في طرح المسائل أياً كانت، وابتعاد الناس عن "إتعاب عقولهم" بالتفكير في المسائل المهمة وتفاصيلها بعمق واستنارة حيث يعتبر "مملاً" و"عناءً" لا يطيقونه من جهة، ومن جهة أخرى ليس لديهم الوقت للقراءة والمتابعة من كثرة الضغوط اليومية. هذا "الفصل" بين الإنسان وبين استخدامه لعقله في التفكير المستنير والبحث عن واقع وحقيقة المسائل والقضايا التي تؤثر عليه وتهم مجتمعه والدولة والاطلاع والتمحيص بدقة وتعمق فيها فصل خطير يجب التوقف عنده والتعامل معه على أنه مشكلة كبيرة ومنتشرة عند الناس عامة وخاصة عند المسلمين، مما يناقض واقع الإنسان الذي كرمه الله تعالى بالعقل - أي بالتفكير - وميزه عن بقية المخلوقات به، وذلك يناقض النصوص الشرعية وأدلتها من القرآن الكريم والسنة الشريفة التي توجه الإنسان لضرورة التفكر والتعلم، ويناقض أيضا تاريخ المسلمين العظيم ونهضتهم الفكرية والعلمية ونشرهم للقيم الإنسانية عندما حكموا وسادوا العالم وارتقوا بالبشرية في كل المجالات قبل سقوط الخلافة العثمانية؛ التي سقطت معها نهضة البشرية، وذلك لعدة أسباب؛ أهمها الغزو الثقافي الغربي الذي ركز على إفساد وتخريب الطريقة الصحيحة للتفكير عند الأجيال حتى وُصفت الأمة بالتخلف والجهل والرجعية لأن التدين أفيون العقول، ولأن المتدين إرهابي متشدد ومتطرف، بينما انبهر العالم بنهضة الغرب العلمية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، لتغطي على حقيقة الانحطاط الفكري الذي تُعاني منه البشرية بعد أن ساد المبدأ الرأسمالي وانتشرت قيمه المنحلة في العالم، والتي وإن وفرت للإنسان الجانب المادي ولكنها أنشأته على أفكار الكفر والتمرد وتحدي الله عز وجل، مما يطعن في نهضة الغرب بالإنسان، وحتى نهضة الغرب العلمية مسروقة من المسلمين كما سرقوا ثرواتهم وقسموا أراضيهم عندما استعمروا بلادهم، فلن تنفع الإنسانَ نهضةٌ مادية وعلمية بينما يعيش الإنسان حياة الشيطان الرجيم الظلامية التي تطلب منه إلغاء عقله وقراره ومعصية خالقه عز وجل والتعامي عن انتهاك محارمه ومسايرة الواقع الفاسد! والأسوأ أن الإنسان يتعب ويشقى وينفق أمواله على طريق آخر بعيد عن طريق الله وهكذا خسر الدنيا والآخرة!
لذلك على المسلمين أن ينتقدوا طريقتهم في التفكير! وأن ينتقدوا الأنظمة التي تحكمهم وأن ينتقدوا الأدوات التي تلوث عقولهم من مؤسسات إعلامية تابعة للنظام ومناهج التعليم الاستعمارية في بلادهم حتى تخرج الأمة من جحر الضب الذي حشرهم فيه الكفار - أهل التخلف والجهل الحقيقيون - ولتنهض من جديد لتنشر الإسلام وتطبقه في نظام الحكم وتعود به إلى مركز القيادة والريادة؛ ذلك لأن النهضة الحقيقية نهضة فكرية، تضمن للإنسان لاحقاً النهضة المادية والعلمية والاقتصادية والتكنولوجية والأهم أنه يكون على طريق الإيمان كما أراد الله تعالى له.
جاء في كتاب "التفكير" لكاتبه مؤسس حزب التحرير العالم الجليل الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله وننصح بقراءته:
"إن الإنسان هو أفضل المخلوقات على الإطلاق، حتى لقد قيل - وهو قول حق - إنه أفضل من الملائكة. والإنسان فضله إنما هو في عقله، فعقل الإنسان هو الذي رفع شأن هذا الإنسان وجعله أفضل المخلوقات، ولذلك لا بد من معرفة هذا العقل، وبالتالي لا بد من معرفة التفكير، ولا بد من معرفة طريقة التفكير، لأن هذا الواقع المسمى بالتفكير هو الذي يجعل للعقل قيمته، وهو الذي يعطي هذه الثمرات اليانعة، التي بها تصلح الحياة، ويصلح الإنسان، بل يصلح الكون كله بما فيه من كل شيء حتى الجماد والنبات والحيوان."
إذاً لن تجد الأمة مخرجاً حتى تعود للطريقة الصحيحة للتفكير التي تؤسس لقاعدة فكرية متينة تنبثق عنها سائر الأفكار الأخرى ألا وهي قاعدة العقيدة الإسلامية التي يصل إليها الإنسان باستخدام عقله بالتفكر والتدبر وقراءة الواقع قراءة صحيحة وربطه بمعلوماته السابقة وعدم تعقيد وفلسفة الأمور كما علمت الناس طريقة التفكير الغربية المعوجة السطحية - سطحية لأنها جعلت البحث العقلي وأدلته في واقع الإنسان والحياة والكون وأصل الخلق ووجود الخالق ووجوب عبادته وطاعته عز وجل في جميع شؤون الحياة مسائل "مملة" و"لا تستحق العناء" - ووسوست له بأن الطريق السهل هو طريق الشهوات والرغبات وإشباعها كما يريد، وفضلت على الطريقة الراسخة اليقينية المقطوع بها في التفكير، طريقة متذبذبة ظنية ثقافتها فصل الدين عن الحياة والحل الوسط والاحتمالات والنظريات الخاضعة للصحة والخطأ، طريقة مشوشة تحجب خاصية التفكير عند الإنسان، وتحظر عليه استخدامها إلا في نطاق الفجور والقسوة والأنانية، وذلك بتمييع الأمور المهمة والترويج لعدم التقيد بقوانين الخالق وعدم الاعتراف بأن الإنسان مخلوق ضعيف، فتجد الكافر ومن يعيش حياة الكفار يلهث وراء الماديات والحريات ويكون عُرضة دائماً للإفساد فيتمكن منه الشيطان ويزين له الحرام ويطمس عنه الأفكار والمفاهيم الإسلامية كالتقوى والالتزام بطاعة الخالق وعبادته والسير على منهجه واتباع رسوله e، فلا يستشعر قوة الإسلام في إخراجه وإخراج البشرية من الظلمات إلى النور، ويفوته تحصيل وتوفير المعلومات الضرورية للحياة المستقيمة واتباع المنهج السليم لحياة إسلامية مطمئنة، فينزلق في طريق ينكر فيه وجود الخالق عز وجل ويقصي العيش وفقاً لأحكامه الشرعية التي تنظم وتعالج وتحفظ كرامة الإنسان وتعلمه طريقة استخدام عقله وتفكيره وتعلمه ما يحتاج إليه في حياته فعلياً وتأخذه في طريق الهدى واعترافه بأنه مخلوق لخالق ويرضى بعبوديته لله تعالى.
إن هذا الإجرام الفكري الذي نقل أمراض العقول والقلوب من الكفار الغربيين والعيش كالأنعام في تخلف ورجعية الكفر إلى بلاد المسلمين فتركوا إسلامهم وكان سبب إلصاق ديباجة التخلف والرجعية بالأمة حتى لم يدركوا قوة عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله الفكرية السياسية، وعلمهم التقليد الأعمى للغرب وأورثهم عقدة "الخواجة"، وحطم عقليتهم ونفسيتهم الإسلامية ففقدوا الثقة بالإسلام وأنظمته وأوجد عندهم كسلا فكريا يقوم على أساس المبدأ الرأسمالي الخبيث؛ فصل الدين عن الحياة، قد اختلط عليهم الحق بالباطل بخلط الحقائق باتباع طريقة علمية في التفكير جردت الإنسان من قدرته على الفصل وعلى التمييز فتاه في الشك والظن فلم يحسم أمره ولم يحدد موقفه، وكان ذلك ضمن مؤامرة محكمة ضد الإسلام والمسلمين دُرست في مدارسهم وفرخت المفكرين والمثقفين المتمرسين في طريق الكفر والضلال، وأسموه تحضراً وتقدماً وحداثة! وأصبح طريق الرحمن وجعل الغاية من الوجود والخلق ليس إرضاء الله تعالى وأصبحت أمانة الاستخلاف طريقاً قديماً وصعباً ومعقداً!؟
إن واقع البشرية المزري اليوم لن يتغير إلا بنهضة الأمة الإسلامية من جديد بتمسكها بالإسلام والانسلاخ الكامل عن أنظمة الكفر؛ وذلك لن يتأتى إلا بقياس الأفكار والمفاهيم بمقياس الشرع، وفهمها الفهم الشرعي الصحيح، وتنزيلها على أرض الواقع كما فهمها وطبقها صحابة رسول الله e رضوان الله عليهم أجمعين، فيجب العمل على نشرها والتصدي لمن يعمل على طمسها، فلا بد من التعمق ولا بد من البحث ولا بد من التفكير المستنير ولا بد من التعب ولا بد من بذل الوسع والمجهود فيما يفيد وفيما هو ضروري، فإنها أمانة وهي حقوق وواجبات وفروض ونواهٍ وجنة ونار يوم الحساب، أفلا يستحق إرضاء الله تعالى والنجاة من النار والفوز بالجنة منا العناء، بعيداً عن التأفف والتذمر والتمسك بالقشور والاكتفاء بالأكل والشرب حتى أصبحنا لا نستطيع تقدير حجم الأمور فعزفنا عن الاستجابة لنداء ربنا؟!
قال تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [سورة النور: 54-55]
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة محمد حمدي - ولاية السودان