السبت، 21 محرّم 1446هـ| 2024/07/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
النهضة بالفكر والعلم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

النهضة بالفكر والعلم

 


أي نظام تعليم إن لم يكن الهدف منه أن يرتقي بالفكر وينهض به، فإنه نظام يهوي بالإنسان إلى أسفل الدركات... وهذا هو حال التعليم في البلاد الإسلامية - مع الأسف -. والسبب هو أن الأنظمة الحاكمة هي أنظمة جبرية سلطها الغرب الكافر على الأمة حتى يبقى مسيطراً مهميناً عليها وعلى البلاد والعباد.


والأمة الاسلامية منذ أن هدم الغرب الكافر المستعمر دولتها، وهي تعيش حياة الذل والهوان والجهل والتخلف، بعد أن كانت تعيش في عزة وكرامة ورفعة، تربعت خلالها وعلى مدى عقود على عرش التقدم والرقي والازدهار.
فما الذي هوى بالأمة إلى هذا الوادي السحيق من الجهل والتخلف؟


قال الإمام مالك رحمه الله: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها). وأوائلنا وسلفنا الصالح هم الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأئمة الدين العدول كالأئمة الأربعة وأهل السُّنَّة والجماعة، طبقوا الإسلام كاملاً كما نزل على سيد المرسلين محمد e، الذي أسس دولة الإسلام في المدينة وطبق الإسلام في كل نواحي الحياة.


وما يعنينا في هذا المقال هو سياسة التعليم التي طبقت في عهد النبي e ومن بعده الخلفاء الراشدين ومن تبعهم من الخلفاء حتى عهد الخلافة العثمانية.


إن سياسة التعليم في دولة الاسلام تقوم على أساس العقيدة الإسلامية، فتوضع مواد الدراسة وطرق التعليم على الوجه الذي لا يحدث أي خروج في التعليم عن هذا الأساس، من أجل تكوين العقلية والنفسية الإسلامية فتوضع جميع مواد الدراسة التي يراد تدرييسها على أساس هذه السياسة.


لأن الغاية من التعليم هي إيجاد الشخصية الإسلامية، وتزويد النّاس بالعلوم والمعارف المتعلقة بشؤون الحياة، وعليه فإنه يجب تعليم الثقافة الإسلامية في جميع مراحل التعليم.


ولأن الخلفاء الراشدين ومن تبعهم من خلفاء الدولة الاسلامية، تمسكوا بهذه السياسة التعليمية على مدى قرون طويلة، ازدهرت الحضارة الاسلامية في العلوم والصناعات والاختراعات والاكتشافات، بل امتدت هذه الحضارة لتشع على بلاد الغرب، فنهل منها وانبهر بها. ظهرت الجامعات الإسلامية لأول مرة في العالم قبل أوروبا بقرنين، وكانت أول جامعة "بيت الحكمة" أنشئت في بغداد سنة 830م ثم تلاها جامعة القرويين سنة 859م، ثم جامعة الأزهر سنة 970م، في حين إن أول جامعة في أوروبا أنشئت في سالرنو بصقلية عام 1090م على عهد روجر الثاني وقد أخذ فكرتها عن المسلمين هناك.


كانت الجامعات في الدولة الإسلامية توجد فيها المدن الجامعية المجانية، ويطلق عليها الأروقة، والطلبة كان يطلق عليهم المجاورون لسكناهم بجوارها. وكان في الجامعة الواحدة أجناس عديدة من الأمم والشعوب يعيشون تحت مظلة الإسلام والعلم، فكان يرتاد الجامعات من الصين وأفريقيا وأوروبا وآسيا.


أما نظام التدريس فيها فكان في حلقات؛ بعضها يعقد داخل الفصول وبعضها في الساحات، وكان لكل حلقة أستاذها، ولم يكن هناك سن للدراسين بهذه الجامعات المفتوحة، وكان الخلفاء يحضرون لهذه الحلقات، وكانوا يقدمون أقصى التسهيلات لأبحاثهم، وساعد هذا على انتشار العلم وانتقال الحضارة الإسلامية.


كانت دولة الخلافة تهتم بالمرافق الخدماتية والعامة، فكانت تقيم المساجد ويلحق بها المكتبات العامة المزودة بأحدث الإصدارات في عصرها.


هذا غيض من فيض مما كان عليه التعليم في عهد دولة الإسلام التي ظلت قروناً طويلة عزيزة منيعة تتصدر قيادة الشعوب والأمم، لأنها كانت متمسكة بكتاب الله منفذة لأحكامه...


ما الذي حدث لأمة الإسلام وجعلها تهوي في أودية الجهل والضياع والتخبط؟


إن الكفار بحقدهم الدفين على الإسلام وأهله، كادوا لهذه الأمة المكائد، وجيشوا كل طاقاتهم وإمكانياتهم وشنوا حربا شرسة على دولة الخلافة، واستطاع الغرب الكافر أن يهدم دولة العز والكرامة، وصار يعمل على إضعاف العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين لهدم الدولة الإسلامية التي تحكم رعاياها بنظام الإسلام، ليتمكنوا من هزيمة المسلمين والسيطرة عليهم.


فبدأوا أساليبهم الخبيثة وكانت البداية من خلال التعليم، فاتصلوا بأبناء المسلمين وأرسلوهم في بعثات مجانية حيث ثقفوهم بالثقافة الغربية المبنية على أساس وجهة النظر الرأسمالية وهي فصل الدين عن الحياة، والتي تعني حصر الدين في المساجد كما حصروا الدين عندهم في الكنائس. وأطلقوا الحريات دون أي قيود، ولقّنوهم مفاهيم القومية التي تفرقهم وتمزقهم.


هدمت دولة الاسلام ومزقت إلى كيانات كرتونية أسموها دولاً، وسلطوا على كل كيان عميلاً أسموه حاكماً، وجيشوا المضبوعين بثقافة الغرب الكافر وأرسلوهم إلى بلاد المسلمين لينشروا سمومهم في عقول أبناء الأمة ونجحوا في ذلك أيما نجاح!


فكان الغزو الفكري أشد فتكاً على الأمة من الغزو العسكري، فبعد أن أوهم الغرب المستعمر أنهم خرجوا من بلاد المسلمين عسكرياً، غزوا الأمة بغزو فكري شرس، وكان التعليم على رأس القائمة، فتسلم وضع المناهج الحكومات الجبرية الطاغوتية، وكانت تلك المناهج قائمة على أساس المبدأ الرأسمالي الخبيث وهو فصل الدين عن الحياة وإنكار تأثيره فيها وبالتالي في الدولة التي تنظمها.


عندما ألبسوا كثيراً من هذه الأفكار والمفاهيم الخطرة ثوباً إسلامياً، تقبلها المسلمون بدون تمحيص وبدون نقدها على أساس العقيدة الإسلامية، وأمثلة على هذه الأفكار والمفاهيم الخاطئة التي ضللت الأمة ومنعت نهضتها نذكر:
1- الديمقراطية: والتي تعني حكم الشعب للشعب، وضللوا المسلمين فقالوا إنها شورى وإنها آلية لانتخاب الرئيس، مع أن الديمقراطية في حقيقتها تعني أن المشرع هو الشعب وليس الله سبحانه وتعالى، وبهذا فإن الديمقراطية نظام كفر يحرم أخذها والمناداة بها، والأصل العمل للتغيير لتطبيق نظام الإسلام في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة والوفاء ببيعة خليفة واحد للمسملين.


2- الوسطية: وهي مصطلح دخيل لم يظهر عند المسلمين إلا في العصر الحديث مصدره المبدأ الرأسمالي الذي بني على عقيدة الحل الوسط، الذي نشأ نتيجة صراع بين الكنيسة والمفكرين والعلماء في الغرب، وبعد صراع مرير قرروا الاعتراف بالدين باعتباره علاقة بين الإنسان والخالق على أن لا يكون لهذا الدين دخل في الحياة، واليوم جعلوا من الإسلام دين عبادات فردية فقط لا دخل له بالأنظمة السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، وذلك افتراء خطير؛ فالإسلام نظام كامل يشمل الدنيا والآخرة. ولإلباس الحق بالباطل قالوا إن الاسلام دين وسطي لا غلو فيه ولا تشدد أو تطرف بالمعنى الغربي للمفهوم مستدلين بالآية الكريمة: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ [البقرة: 143]


مع أن الناظر في تفسير هذه الآية يجد معنى آخر وهو أن الأمة الإسلامية أمة عـدل، والعدل مـن شروط الشـاهد في الإسلام، والأمة الإسلامية شاهدة عـلى الأمم الأخرى عـلى أنـها بلــّغتها الإسلام. إلا أنهم ساووا بين الإسلام وبين العقائد الأخرى بحجة الاعتدال وتقبل الرأي والرأي الآخر والحوار بين الأديان وأباحوا الإلحاد والردة عن الإسلام.


3- الإرهاب: مفهوم اختلقته أمريكا المستعمرة واتخذته ذريعة لتنفيذ سياساتها الاستعمارية السياسية والعسكرية في بلاد المسلمين حيث سنت قوانين وتوصيات ربطت المسلم الذي يتمسك بالإسلام الصحيح والذي يعمل لتغيير أنظمة الكفر، ربطته بـ(الإرهاب) ونعتته بـ(الإرهابي) وفرضت على عملائها في الأنظمة الحاكمة اعتقال وتعذيب من زعمت أنهم (إرهابيون) سواء أكانوا أفراداً أم أحزاباً، وجاء ذلك صراحة في تقرير راند 2007 الأمريكي، من كان سياسياً ويطالب بإقامة الخلافة على منهاج النبوة ومن يدعو للجهاد، وعملوا على حذف آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة التي تذكر هذه الفروض في الكتب المدرسية حتى لا يصبح الطفل متشرباً بأفكار "إرهابية" بينما الإرهاب الحقيقي هي دعوتهم للرأسمالية العلمانية الكافرة التي شقي بها الإنسان في كل العالم.


4- الحوار بين الاديان


هذه الفكرة الخبيثة تدعو إلى إيجاد قواسم مشتركة بين الأديان، بل تدعو إلى إيجاد دين جديد ملفق يعتنقه المسلمون بدلاً من الإسلام، ويريدون من أبنائنا من خلال نشر هذا المفهوم الخطير إلى أبنائنا الطلاب أن يعتنقوا هذا الدين الملفق، خاصة من الفئات العمرية الصغيرة في الصفوف الأساسية، لأن أصحاب هذه الفكرة والداعين لها هم الكفار الغربيون. فالنصارى يقولون عيسى ابن الله، واليهود يقولون عزيز ابن الله ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾، والله سبحانه جل وعلا يقول: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ﴾.

 

5- الجهاد


الجهاد في الإسلام هو ذروة سنام الإسلام. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَغَدْوَةٌ أو رَوْحَةٌ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما فيها» (رواه البخاري ومسلم وأحمد).


ولأن - كما ذكرنا - من يضع المناهج هم الحكام العملاء للغرب الكافر المستعمر، وصفوا الجهاد (بالإرهاب)، وكل من يدافع عن دينه وأمته بالتصدي للكفار وعملائهم يتم وصفه بأنه (إرهابي).


هذه بعض من المفاهيم الخطرة التي توضع في المناهج في البلاد الإسلامية، فمواد التدريس محشوة بالأفكار والمفاهيم الغربية، لا يتسع ذكرها كلها، والتي ما أن ينهي الطالب دراسته حتى يكون قد أُجري له غسيل دماغ، ويكون قد تشرب كل الأفكار الهدامة والخبيثة، ويصبح يُسير حياته على أساسها ومن ثم ينقلها لغيره، وإن لم يعتنقها ويعمل بها، يكون قد تخرج وهو أكثر جهلاً وضياعا، وهذا ما تهدف إليه الأنظمة الحاكمة العميلة الخائنة لدينها ولأمتها. وهذا هو حال أبنائنا في البلاد الإسلامية. لقد نجح الغرب الكافر عن طريق أدواته من الحكام والعملاء والمفكرين في تخريج شخصيات مهزوزة مشتتة تائهة، فكيف السبيل إلى الخروج من هذا المستنقع الذي تعيش فيه الأمة منذ عقود؟


إن الأمة تحتاج الى أن يكون لديها وعي عام على أفكار الإسلام الرئيسة المراد إيجاد التغيير على أساسها في أذهان الناس؛ عقيدةً وأحكاماً، عند عامة الناس في المجتمع؛ أي حصول الوعي على عموم أفكار الإسلام عند عامة المجتمع، وهذه الأفكار العامة مثل وحدانية الله عز وجل، وأنه هو المشرع فقط، فلا يجوز أخذ تشريع من غيره، وأن التشريع من غير الله كفر لا يُقبل أبداً. ويجب على الآباء والأمهات أن يكون لديهم الوعي على ما تحوكه الأنظمة الحاكمة ضد أبنائهم، فكثير منهم هم أنفسهم وقعوا ضحايا هذه الأفكار والمفاهيم الخطرة، فكيف سيستطيعون توجيه أبنائهم وتوعيتهم إذا كانوا هم بحاجة إلى توعية وتوجيه؟!


لا خلاص للأمة إلا إذا توحدت وعادت إلى التمسك بعقيدتها الإسلامية، تعود لتحمل الأفكار والمفاهيم الإسلامية الصحيحة، وكل الحركات والجماعات الإسلامية التي حملت شعار "الإسلام هو الحل" فشلت في الوصول لتحقيق هذا الشعار، ولا يوجد إلا حزب التحرير الذي منذ نشأته حتى الآن، أثبت أنه الحزب القادر على قيادة هذه الأمة. فهو الذي يدعو ويعمل من أجل إعادة نهضة المسلمين، وذلك من خلال عمله بإخلاص وجدّ من أجل إعادة استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. فلا خلاص لنا ولأبنائنا للخروج من سراديب الجهل والضياع إلا بالالتفاف حول حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله.

 


كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير


دعد الطويل - فلسطين

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع