الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

علم الجهل!!

 

إن الجهل من الأخطار التي تخفي معالم مستقبل الحضارات والأمم، فهو أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، ولأن الإنسان أودع الله فيه قوة إدراكية، لذلك إذا طلب العلم أكد عقيدته وإنسانيته، وإن ترك العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، فجاء الغرب وعمد إلى تخريب عقولنا وفقدنا هويتنا الإسلامية من خلال صناعة جديدة سموها "صناعة الجهل"، وطبعا ضمن مفاهيمهم أنها من "تطور العلم" على أن يتم تجهيل الناس وتسويقه بين شرائح مدروسة في المجتمع، وهو ما اجتهد به صانعو الجهل ولأجله عقد مؤتمر هنري كامبل - بانيرمان - والذي انعقد في لندن ودام سنتين كاملتين، وتم فيه رسم السياسة المتعلقة بالمنطقة العربية، قبيل انهيار الدولة العثمانية، وبهذا المؤتمر رسموا الخطوط العريضة لنشر الجهل بين الناس وتركيزهم على هذه الفئات المستهدفة لهذه السلعة الملعونة ومنهم:

 

1) الفقراء، وجلهم من الفئات الصغيرة طبقيا ودينيا.

 

2) المتدينون الذين يؤمنون بالقدرية، فهم مستسلمون للقدر الذي يظنون به أنه لا يتغير، وعلى عاتقهم تقع مسؤولية تجهيل أكبر عدد ممكن من الناس.

 

3) المغفلون الذين يعملون في الحكومات، وعلى وجه الخصوص حكومات الدول الفقيرة، وبالتحديد فئة التكنوقراط (الفنيين) الذين يقدمون النصح والمشورة لمتخذي القرار في دولهم. فيتم تدريب هؤلاء على تمرير الجهل وتبريره تحت مسمى "النظرية والعلم والإمكانيات والموارد"، ويأتي في مقدمتهم المعنيون بالشأن السياسي والاقتصادي، إذ تنحصر مهامهم في بث روح اليأس في نفس صاحب القرار من إمكانية الإصلاح وممارسة الكذب على عامة الناس وترسيخها في أذهانهم على أنها حقائق لا بد أن يدافعوا عنها

 

وقد أخذ مفهوم التضليل والتجهيل من أحد أرشيفات كبرى شركات التبغ، حيث تبين أن أبرز استراتيجية لنشر الجهل، كان عن طريق إثارة التشكيك في البحوث العلمية التي تربط التدخين بالسرطان. لذلك تم إنشاء لوبي تحت رعاية أمريكية لرعاية أبحاث علمية مزيفة لنشر الجهل، ولهذا نجد أن الجهل لا يضادّ المعرفة فقط بل يصنع صناعة، فالجهل اليوم أصبح منتجاً وماركة عالمية مختلفة الألوان. وأهم وسائل التضليل الإعلامُ الذي دخل كل منزل ووسائل التواصل الإلكتروني بكل أشكالها والتي تعمل على التضليل والتشكيك بالثوابت حتى بوجود الله عز وجل وبآياته المحكمات.

 

فانقسم المجتمع إلى فئات؛ منهم أولئك الذين يركضون وراء الدين دون إدراك أو تفكير، وأصبح الدين عندهم عادة خرجت من طور التفكر إلى طور العبادة؛ فلا يفكرون في شيء، وأخطرهم الذين تركوا الحياة وتفرغوا للزهد والتعبد.

 

ومنهم من أنبهر بلمعان الثورة العلمية والتكنولوجية والتي أخرجتهم من إنسانيتهم واجتماعيتهم إلى مجرد آلة أو مستهلك. والنتائج كانت سلبية جدا على أنفسنا بجهلنا لعقيدتنا وحضارتنا وعراقتنا وتاريخنا الإسلامي الذي هو مليء بالانتصارات والفتوحات العظيمة، والدليل ما نراه في زماننا الآن من حروب وكوارث وصراعات مغلفة باسم الدين، هذه العولمة والحداثية اللعينة سلبت المسلمين هويتهم وعقيدتهم وثقافتهم؛ بحجة العلم والتقدم على زعمهم، وراح المسلمون يتهافتون وراء كل ما هو حداثي وجديد، ونسوا دينهم الذي علمهم قيمتهم، (روى الإمام مسلم رحمه الله عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: «أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ، عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» ...)

 

وبدأ علماء السلاطين يروجون لفتاوى تجعل المسلمين في جهل حتى نستسلم ولا ندافع عن ديننا ولكن ملأوا عقولنا بليّ النصوص واستخدام كلمة حق يراد بها باطل وإلزامنا بطاعة ولي الأمر وما هم بأولياء أمور، وجعلونا نظن بالله ظن السوء، وأن لا مكانة للإسلام إلا في المساجد ودور العبادة، فلا نصر لنا بعد الآن لأننا لا نملك القوة الكافية لمواجهة الأعداء فيكفي لنا أن نصلي وندعو الله على أن ينصرنا! وهذا منافٍ لديننا الذي علمنا أن نحسن الظن بالله وأن ننصره فقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾، حينما يعتقد الإنسان أن الله لن ينصر المسلمين، فهذا ظن سوء، وينطلق من جهل فاضح، أو أن الله تخلى عنهم، أو أن الله ينصر الكفار، أو أن الله لن يحاسب، وهذه الدنيا ليس بعدها شيء، من كان غنياً فهو في جنة، ومن كان فقيراً فهو في نار، من ظن أن الدنيا هي كل شيء فهذا من أشد أنواع الجهل ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.

 

أما المسلمون في زمن الرسول ﷺ فرغم فقرهم كانوا أقوياء، وقفوا في وجه أقوى جبابرة الأرض بعقيدتهم وبفكرهم. فقيمة كل مسلم على قدر علمه وإيمانه بعقيدته، فلم يبق لدينا ثقة بأنفسنا فأصبحنا مضبوعين وراء أفكار الغرب في كل شيء، حتى صرنا نسبح في بحر الجهل. نعم أحياناً يكون مع الإنسان أعلى شهادة، لكنه لم يستنر بنور الله، ولم يهتدِ بهدي الله، فهو جاهل مع أنه متعلم، فالذي لا يعرف الله عز وجل، ولا يعرف سر وجوده، ولا غاية وجوده فهو في ظلمات الجهل، يقول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» (رواه البخاري).

 

وها نحن أصبحنا نفخر بكل ما هو غربي، وننتقد كل ما هو لنا، وأصبحت شخصيتنا مهزوزة وهشة، أصبحنا فقراء فكريا وثقافيا. ونعتز بالقوة المالية والتي لا يصاحبها فكر وعقيدة راسخة فتودي بصاحبها إلى الذل والهوان.

 

أيها المسلمون:

 

إن الجهل ليس مجرد مشكلة فردية بل هو خطر ووباء يهدد المسلمين وعقيدتهم، قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، فيجب أن نعمل على نهضة عقولنا بالفكر المستنير، ونلازم من هم أكثر وعياً حتى لو كانوا فئة قليلة، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾.

 

ليس هناك من صفة تزري بالإنسان كالجهل، والجاهل عدو نفسه، والحقيقة أن العدو الأول للمسلمين ليس الغرب ولا اليهود، بل العدو الأول هو جهلهم، لأنهم لو عرفوا الحقيقة؛ أنهم هم مصدر القوة وأن وعد النصر مرتبط بوجود تطبيق الشريعة، لنصرهم الله تعالى لأن الله عز وجل يقول: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾.

 

فاتعظوا يا أصحاب العقول... لعلكم تعقلون!

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

دارين الشنطي

 

1 تعليق

  • Mouna belhaj
    Mouna belhaj الخميس، 18 كانون الثاني/يناير 2018م 15:58 تعليق

    نقل جيد للواقع المرير نسأل الله أن يرد الأمة الإسلامية له ردا جميلا،ولا خلاص لها إلا بقيام دولة الخلافة فهي الأمل الوحيد للتخلص من دياجير الظلام إلى النور

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع