- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أحكام الإسلام الاقتصادية متسقة مع بقية الأحكام الأخرى يأخذ بعضها برقاب بعض
دعت دكتورة رجاء حسن خليفة نائب الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية لتفعيل دور المنظمات الطوعية في تخفيف وطأة الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد حاليا بقيادتها بإشاعة روح التكافل والتراحم في المجتمع وكفالة الأيتام ورعاية الأسر الفقيرة وأصحاب الحاجات. الخرطوم 2018/1/14م (سونا)
في البداية نذكر بإقرار النائب الأول لرئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، بكري حسن صالح، بفشل الحكومة في معالجة الأزمة الاقتصادية، في خطابه أمام البرلمان وطالب بمدرسة جديدة، حيث قال: "إن المدارس السابقة لإدارة الاقتصاد رغم اجتهادها إلا أن (الحكاية واقفة) لذلك اقتصاد البلاد بحاجة إلى مدرسة جديدة"، هذا اعتراف صريح بالفشل الاقتصادى.
عندما يعيش الناس أوضاعاً غير عادية كهذه التي تعجز فيها الدولة، بمواردها العامة وممتلكاتها وثرواتها، عن تلبية الحاجات الأساسية للناس، وتعجز كذلك عن القيام بوظائفها وواجباتها تجاه الرعية، ينبري لنا أمثال هؤلاء الذين يحضون الناس على التكافل بين أفراد المجتمع ليس لأنها أحكام شرعية يعملون على ترسيخها بل لضمان استمرار الأوضاع على ما هي عليه لأنهم إن كانوا يحضون الناس على التكافل فالأوْلى حض الدولة على تطبيق أنظمة الإسلام، التي هي رحمة للبشرية وليس للمسلمين وحدهم، وهي حل مضمون قال رسول الله e: «حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا»، ولكنهم يصرفون الناس عن واجب الدولة ومسؤوليتها ويلقون المسؤولية على الناس يلومونهم على عدم اقتسام الفتات الذي توفر لهم. نعم إن الإسلام شرع في أحكامه رعاية المسلم لأخيه المسلم، فالمسلمون يقومون فيما بينهم بالتعاطف والتراحم والتآلف والتعاضد، كما حث الإسلام على الصدقات الجارية والأوقاف وغيرها، لكن هذه الأحكام تسير جنبا إلى جنب مع أحكام رعاية الدولة لرعيتها فتخلق اتزانا تاما لأن أحكام الإسلام يأخذ بعضها برقاب بعض، فكيف لبلد يعترف المسؤول الثاني فيه بانهيار اقتصاده وترفع الدولة يدها عن أدنى مساعدة ورعاية تقدمها للناس بسياسة رفع الدعم الخبيثة، كيف لهذا البلد أن تخفف المنظمات الطوعية فيه وطأة الظروف الاقتصادية؟! وأين تذهب موارد الدولة خاصة الذهب الذي يصرح وزير المعادن بأن السودان ستتجاوز جنوب أفريقيا كأول دولة لإنتاج واحتياطي الذهب في أفريقيا؟! إذا كان الإسلام قد أعطى عناية كبيرة لأحكام التكافل، فإنه لم يكتف بها بل أقام أولا الأحكام العامة التي جعلها من مسؤولية الدولة ومن واجباتها تجاه أفراد الرعية.
لكن منذ أن هدمت دولة الخلافة وغاب الإسلام عن معترك الحياة، وحكمت أنظمة الغرب العلمانية، وطبق النظام الاقتصادي الرأسمالي علينا في بلاد المسلمين، أصبحنا تحت وطأة توصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فسمعنا كثيراً عن الخطط الاقتصادية وبرامج الإصلاحات (برامج الإفقار والتجويع)، وكلها باءت بالفشل وزاد الفقر والحرمان يوماً بعد يوم، لأن العلاج لم يكن من مبدأ الأمة وعقيدتها، فأصبحت المعالجة هي أصل الداء وأس البلاء، ومعظم هذه الإصلاحات هي رفع الدعم عن السلع والخدمات لتقابل الدولة سداد الربا المأخوذ من هذه المؤسسات والذي يرون فيه الحل الوحيد لعلاج المشكلة الاقتصادية، فيزدادون ديناً بالربا ويزيد غضب الله وتنزع بركته فيتبدى كل صباح أنها فعلا حرب أوقدت نارها هذه الدولة المرابية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ + فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾.
وتُركت أحكام الإسلام الاقتصادية من مثل أحكام الملكية العامة التي تنفَق وارداتها على حاجات الناس كالتعليم والصحة والمرافق العامة، وهذه الملكية أضحت ملكا للمتنفذين يتصرفون فيها كأنها ملك لهم إما بتصديرها بثمن بخس من الدولارات ووضع هذه الدولارات في بنوك الغرب أو بتعطيل إنتاجها، ما أقصى جانبا مهما وعظيما من ثروات الأمة كفيلاً بحل المشاكل بل وكفيلاً بأن يعيش كل فرد في رفاهية تامة، وذلك أمر ممكن بل لا يحتاج سوى استثمار المحيط الطبيعي للدولة وما ينطوي عليه من ثروات باستخراج معادن الأرض وكنوز البحار، وكافة الثروات التي أودعها الله في هذه البلاد الغنية.
أما أحكام ملكية الدولة التي يتم من خلالها إعطاء الفقراء مالاً ليرفعوا صفة الفقر عنهم فأصبحت هذه الملكية لمن يؤيد الدولة ويُحرم منها مَن هم في أمس الحاجة لها، وهي أموال عظيمة لا تدخل في الملكية العامة، لأنها أعيان تقبل الملك الفردي كالأرض والأشياء المنقولة، ولكنه قد تعلَّق فيها حق لعامة المسلمين فصارت بذلك ليست من الملكية الفردية. وملك الدولة هو ما كان الحق فيه لعامة المسلمين والتدبير فيه للدولة تنفقه في رعاية مصالح الناس، أحكام الملكيات الآن لا وجود لها بل أصبح كل المال لأفراد استغلوا سلطتهم في نهب وسلب مقدرات الأمة، وكذلك عطلت أحكام تحريم كنز المال؛ والاحتكار والتي تعني استثمار المال في مشاريع تعود بالعمل على من لا يجد عملا ما أفرز عطالة عن العمل.
أما المؤسسات الربوية من بنوك ومصارف، والتي تقوم على الربا وتنتهك أحكام تحريم الربا فقد جعلت المال غير متوافر في السوق في دورة الإنتاج، فانحصر أثره على المرابين وحرم منه السواد الأعظم من الناس، فنتج تفاوت عظيم بين الناس في مستوى المعيشة وشوهت أحكام الزكاة وأصبحت للعاملين عليها أكثر من غيرهم، هذه الزكاة التي إن وصلت أموالها فعليا إلى من يحتاجون المال من الأصناف الثمانية لخففت حاجة المحتاجين. ولكنها لا تجبى على الوجه الشرعي، وكذلك لا تنفق على الوجه الشرعي.
إن الأوضاع الاقتصادية الخانقة ليس سببها عدم التكافل ولا تعود إلى قلة ثروات البلد ولا إلى قلة مواردها، بل تعود إلى أسباب رئيسية هي عدم الحكم بما أنزل الله، وعدم توزيع المال بالحق والعدل، والسير في ركاب المؤسسات الربوية المسخرة لخدمة الغرب والتي تضع سياساتها الاستعمارية لينفذها حكام لا يهمهم إلا مصالحهم الآنية الأنانية، ولا يهمهم مصلحة الشعب أو الناس، فقاموا بتسليم ثروات الأمة للدول الكبرى، هذه السياسات أوجدت في المجتمع آثاراً سلبية سيئة، منها أن الفقر قد يؤدي إلى الكفر أو الفسق أو العمالة أو الارتماء في أحضان منظمات مشبوهة. وإهدار نسبة كبيرة من طاقات المجتمع بالعطالة، وعدم وجود حركة اقتصادية مما يسبب الركود الاقتصادي والتضخم، وتؤدي سياسة الإفقار إلى تمزق الأسرة والمشكلات الإنسانية، ويسبب الجرائم وانتشار العصابات ووجود جيل متمرد على كل القيم، وبالتالي يفقد المجتمع العيش الهنيء والسكينة في المجتمع وهذا ما وصلنا إليه.
الإسلام ليس فلسفة خيالية، بل هو العلاج الناجع للمشاكل الاقتصادية؛ فقد وضع أحكاما عملية منها أنه قرر أن العمل بكل أنواعه المشروعة هو السبب الأول والطريقة الأصلية لحصول الإنسان على المال. وإن عجز الفرد عن توفير النفقة له ولأهله وجبت تلك النفقة على أقاربه، وإن عجز من تجب عليه النفقة من أقاربه عن تقديم النفقة له، أو لم يكن له أقارب انتقلت حينئذ على بيت المال فيجب على بيت المال أن يقوم بتوفير جميع الحاجات الأسـاسـية للعاجز وإشباع حاجاته إشباعاً كلياً من ديوان الزكاة (أحد دواوين بيت مال المسلمين)، وإن لم يجد الإنسان العمل فعلى الدولة أن توفر له عملا لأنها مسئولة عنه، قال سيدنا محمد e: «فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». رواه البخاري ومسلم.
وعلى الدولة توزيع الزكاة على الأصناف الثمانية بعد إحصاء جميع الفقراء والمساكين والغارمين وتوزع عليهم حسب الحاجة، وإن لم يكف ديوان الزكاة لسد حاجات الفقراء والمساكين يجب على الدولة سد حاجاتهم من موارد بيت المال الأخرى، قال e: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنْ عَلَى الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ، فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَيْنـا أَوْ ضِيَاعًا فَلْأُدْعَى، وَأَنَا مَوْلَاهُ، وَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ مَالًا فَلِلْعَصَبَةِ مَنْ كَانَ»، وإن لم يكف بيت المال بدواوينه الأربعة (ديوان الزكاة، ديوان الملكية العامة، ديوان ملكية الدولة، ديوان الطوارئ) انتقلت الرعاية إلى أغنياء المسلمين وعندها تفرض الدولة ضرائب على الأغنياء فقط وبقدر الحاجة لسداد العجز وإشباع حاجات الناس، وحرم الإسلام كنز المال، وأوجب تداوله وفرض على الدولة إعطاء من قصرت به الحاجة من أموالها الخاصة التي تملكها منقولة وغير منقولة، وجعل الإرث كوسيلة من وسائل تقييم الأموال، ومنع الإسلام التقتير ومنع البذخ والإسراف، وفرض أن الإنسان لا بد أن يأخذ المال لأجل الحياة، وبأنه لا يحل المشاكل والضوائق الاقتصادية إلا دولة الخلافة الراشدة التي تقضي على مخططات البنك الدولي وصندوق النقد الاستعماريين، وعلى خطط الاستعمار الخبيثة، وعلى أنانية المستفيدين من الأوضاع الفاسدة، الذين نهبوا الثروات وجوعوا الشعوب ليحتفظوا بكراسي منقوصة السيادة.
كتبته للمكتب الإعلامى المركزى لحزب التحرير
الأخت/ غادة عبد الجبار – أم أواب