- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
حوار الأديان: هل يلتقي الحق والباطل في منتصف الطريق؟
شارك وزير الدولة بوزارة الإرشاد والأوقاف، أحمد عبد الجليل النذير الكاروي في مؤتمر حوار الأديان الثالث عشر بالعاصمة القطرية الدوحة، والذي حظي بمشاركة كبيرة من مختلف الطوائف والأديان، وقدمت خلاله أوراق عمل عدة حول حوار الأديان. (الاثنين 2/26 صحيفة آخر لحظة).
وقد نظم مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان هذا المؤتمر، يومي 20 و21 شباط/فبراير المنصرم، تحت عنوان الأديان وحقوق الإنسان، ولن نخوض هنا في موضوع المؤتمر لكن نريد أن نبحث في أسس وقواعد هذا الحوار، وهل فعلا يمكن إجراء حوار للوصول إلى الحقيقة لأتباع الديانات التي لا قواسم مشتركة بينها؛ الإسلام والنصرانية واليهودية؟ أم إنه حوار للالتقاء في منتصف الطريق؟ وعندما يكون الحق لأحدهم هل يترك الباقون تعاليم دينهم التي لامست عقولهم وقلوبهم ليركنوا لآراء تناقض ما يدينون به؟ أم ما هي حقيقة هذا الحوار الذي يحاول المتحاورون فيه الجمع بين المتناقضات؟
في بداية القرن الـ20 الميلادي استغل أصحاب النظرة البراغماتية الرأسمالية، فكرة النسبية العلمية لبناء مذهبهم، متخذين النفعية مقياسا للحقيقة، وأصبحت حقيقة الشيء تكمن في نافع ومفيد.
وظهرت مقولات مثل: "الحق المطلق لا يملكه أحد"، أو "لا أحد يدعي امتلاك الحقيقة"، أو "الحق نسبي"... وغيرها من العبارات المشابهة التي اتخذها هؤلاء حلا سريعًا يلجأون إليه عندما يريدون التملص والتخلص من التزام الحق؛ حيث تكون الأمور فوضى لا ضابط لها، ولا حقيقة ثابتة يعرفها الناس ويتحاكمون إليها! بل أنت تعتقد أن هذا الأمر (حقيقة)، وغيرك يعتقد خلافه (حقيقة)، وكلاكما على صواب، ولا يُنكر أحد على أحد... فتُمرر جميع أنواع الكفر أو الشبهات أو الشهوات على أنها هي الحقيقة المنشودة!
واستناداً إلى هذه الآراء الباطلة تتجة فكرة حوار الأديان باعتبار أن الحقيقة في كل الأديان نسبية، وأنه لا يجوز للمسلمين أن يحتكروا الحقيقة، ويجب إخضاع كل حقائقهم التي يزعمونها للديمقراطية، فإن وافقت عليها الأغلبية كانت أقرب للحقيقة، وإن رفضتها الديمقراطية كانت باطلة، فالجهاد مثلاً حقيقة إسلامية يجب إخضاعها للديمقراطية الغربية، فإن وافق الغرب عليها كانت حقيقة وإن رفضها الغرب كانت إرهابا يجب محاربته... وهذا ما يتم تنفيذه بالفعل، وهكذا يكون تعدد الزوجات عنفاً ضد المرأة... وقس على ذلك كل شيء في الإسلام يتعارض مع الغرب وحضارته المادية.
في المقابل يجب أن يتبنى المسلمون التعايش السلمي، والانفتاح، ونبذ التعصب، والعولمة... هذه المفاهيم التي تتناقض مع الإسلام جملة وتفصيلاً باسم التجديد!!
وهكذا خرجوا بحوارهم هذا بالأفكار الرأسمالية ولكن سوقوها على أنها لا تخالف الإسلام، ومنها فكرة الوسطية، وحرية الاعتقاد، والتعددية، والديمقراطية، وبالتالي انتهت فكرة الحق والباطل، كما ينبغي أن ينظر لأفكار الإسلام مثل الجهاد والحدود وتعدد الزوجات، وغيرها على أنها متشددة وتشكل عنفاً، ما يعني الدعوة لتركها لمواكبة الأفكار العصرية المطروحة.
وكأنما صمم هذا الحوار خصيصا لتبديل دين الإسلام، فوصفُ الغربيين دين الإسلام بأنه دين (الإرهاب)، هو دعوة صريحة لترك الأفكار والأحكام الإسلامية، وفي المقابل لم نسمع يوما بهذه الأوصاف أطلقت على اليهودية أو النصرانية، ما يؤكد أن هذا الحوار له هدف وحيد؛ هو تمييع الإسلام وتفريغه عن محتواه، ليواكب عقيدة فصل الدين عن الحياة الذي تبنته اليهودية والنصرانية، لأنها لا علاقة لها بمعترك الحياة، فهي أديان الكهنوت والأديرة والكنائس، وهذا يتناقض مع دين الإسلام الذي هو عقيدة ومنهج حياة، كان مسجد النبي e مكانا للعبادة ومكانا للحكم والسياسة والاقتصاد، وتسيّر منه الغزوات والسرايا...
وهذا التفاوض والحوار المزعوم يعني حقيقة تنازلات يمليها الغرب على دين الإسلام، كدين له طرائق عيش خاصة تنفي أي طريقة عيش أخرى، بل وتبطل أي طريقة عيش أخرى، وتثبت أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هذه الحقيقة العظيمة، والتي بني عليها دين الإسلام، والتي لا يمكن أبدا إخضاعها لمعايير الغرب النسبية، وهذا وحده كفيل بإبطال فكرة حوار الأديان، لأنه لا يمكن أن يجتمع الحق والباطل في منطقة بينهما قابلة للتحاور، ففي أي شيء يلتقي من يوحد الألوهية والربوبية كمسلم، وبين من يشرك المسيح وعزيراً من يهود ونصارى، كيف يمكن أن يصل هؤلاء إلى حل يتراضون عليه؟
إن من أهم سمات المرحلة المكية، في الدعوة إلى الإسلام، هي الثبات على المبدأ، والصلابة في الحق، وعدم التنازل، ورفض أي شكل من أشكال المفاوضات وأنصاف الحلول، مهما كان شكلها، لذلك ظل رسول الله e صامداً أمام الإغراءات والعروض ولم ينثن أو يتراجع أمام التحديات وأساليب التهديد والترهيب التي مارسها إزاءه المشركون؛ فلم يساوم قط في دينه، وهو في أحرج المواقف العصيبة في مكة، وهو محاصر بدعوته، وأصحابه القلائل يُتَخَطّفُون ويُؤْذَوْنَ في الله أشد الإيذاء، وهم صابرون محتسبون. وقد اتخذت مساومة المشركين له في دعوته صوراً شتى؛ من المساومة على الدعوة كلها بأساليب التهديد والترغيب كما جاء في كتب الحديث والسيرة، إلى المساومة على جانب منها للالتقاء معه في منتصف الطريق، كما قال تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾.
إن فكرة الحوار بين الأديان هي فكرة خبيثة ودخيلة ولا أصل لها في الإسلام لأنها تدعو إلى إيجاد قواسم مشتركة بين الحق والباطل، يتنازل فيها المسلمون خاصة، عن دينهم الحق، ليتعايشوا مع الباطل، وبالأحرى إن حوار الأديان هو إيجاد دين جديد ملفق يعتنقه المسلمون بدلاً عن الإسلام، ونتيجة لذلك قامت أمريكا وعملاؤها بطبع كتاب خليط من القرآن والإنجيل والتوراة، ويوزع منه في الكويت على طلاب المدارس الخاصة...
ويجب أن يعلم هؤلاء المتهافتون على حوار الأديان أنه لا التقاء في منتصف الطريق مع أعداء الدين من الكفار المشركين، إنما هي الدعوة إلى التوحيد الخالص بطريقة الإسلام الشرعية وهي دولة تطبق الإسلام وشريعته، في كل نواحي الحياة علينا بوصفنا مسلمين، ثم حمله للعالم بالدعوة والجهاد، وهنا تكون البراءة الكاملة، والمفاصلة التامة، والحسم الصريح: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غاده عبد الجبار – أم أواب