- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
البيعة
اخترت هذا العنوان الكبير!! نعم هو عنوان كبير يتكون من كلمة واحدة (البيعــة)، فكثيرا ما استخف بعض أبناء الأمة الإسلامية بالبيعـة ويعتبرونها أمراً ساذجاً لا يغني ولا يسمن من جوع على حد زعمهم!! ويعتبرون من يتحدث عنها كأنه يتحدث عن خيال يستحيل تنفيذه، ومن هنا كان لزاماً على حملة الدعوة أن يبينوا لأبناء الأمة الإسلامية معاني البيعـة، وأنواعها، وطريقة تنفيذها: (من الذي تؤخذ منه البيعة، ولمن تعطى البيعة، ومحل البيعة، وتفعيل صلاحيات البيعة، والمكان الذي تمارس فيه صلاحيات البيعة). وهل الفئة التي تمتلك السلطان الكافي لإقامة دولة قوية متينة موجودة في بلد واحد أم نحتاج لتجميعها من أكثر من بلد، وكيف تكون البيعة حال عدم توفر فئة قوية في بلد واحد؟
بسم الله نبدأ، ونقول: إن البيعة حسب ما ورد في السيرة النبوية العطرة وتعريف الفقهاء لها، هي عقد رضا واختيار بين الحاكم والمحكوم على أن يحكم الحاكم بما أنزل الله وعلى المحكوم طالما أن الحاكم يأمر بما أنزل الله السمع والطاعة.
ومن هذا التعريف نصل إلى أن نظام الحكم في الإسلام يؤسس برضا الناس ولا يكون جبرا عنهم! وهذا يعني أن النظام الإسلامي منذ يومه الأول يكون ثابتا قويا متينا، لأن الناس يعتبرونه منهم، وهم منه، كما عبر عن ذلك صلوات ربي وتسليماته عليه عند بيعة الأوس والخزرج له في بيعة العقبه الثانية قال: «أَنْتُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْكُمْ...»، هذا أبلغ تعبير ممن أوتي جوامع الكلم، حبيبي رسول الله ﷺ.
ولماذا سميت بيعة! ولم تُسمَّ مثلا (عقد الحكم) أو عقد مراضاة!!
إن المولى عزّ وجل أشار إليها في كتابه فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ...﴾، فطالما أن الله اشترى إذن هناك عملية بيع فيها بائع وفيها مشترٍ، فالمشتري هو رب العزة الغني القوي، والبائع هم المؤمنون، وهناك سلعة وهي النفس والمال، وهناك ثمن وهو الجنة، لذلك الرسول ﷺ عندما سأله الأوس والخزرج ماذا لنا إن وفينا لك بذلك (يقصدون البيعة)؟ قال لهم الثمن؛ قال: «الْجَنَّةُ»!!
وإذن الإسلام اختار هذا المصطلح مصطلح (البيعة) بعناية فائقة وجعل الطرفين في البيعة بائعي الأنفس والأموال لله تعالى، وبالتالي الإسلام جعل البيعة أمرا مقدساً بحيث تعني معنى واحدا هو طاعة المؤمنين (المحكومين وحاكمهم) لله تعالى، لأنهم جميعا طرف واحد حسب تعبير الرسول ﷺ «أَنْتُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْكُمْ...» وهم طرف واحد لأن حاكمهم ومحكومهم باع النفس والمال للشاري وهو الله تعالى، وطالما أن الحاكم والمحكوم طرف واحد فهذا يعني أنه لا توجد حصانة لدى الحاكم ولا تقديس له، ولا توجد كذلك حصانة للناس، فليست آراؤهم تشريعا على الخليفة تقديسها والالتزام بها إلا ما كان من الإسلام وعندهم فيه قوة الدليل في حال مخالفة الخليفة لشرع الله تعالى، وإنما هناك توزيع أدوار؛ للحاكم دور ومسؤولية وللمحكوم دور ومسؤولية.
وللبيعة نوعان:
1- بيعة انعقاد
2- بيعة طاعة
بيعة الانعقاد: هي البيعة التي يتحقق فيها تسليم رجل يحمل شروط الخليفة سلطة كافية لممارسة الحكم؛ فهي بين رجل يحمل مواصفات الخليفة، وبين عدد كاف من المسلمين مكون من قاعدة شعبية وأهل قوة ومنعة لهم القدرة الكافية لتسليم الرجل سلطة على بقعة معينة من الأرض.
وهناك مسألة متعلقة ببيعة الانعقاد في حال تمت بيعة خليفتين، فلا يقتل الثاني مباشرة، وإنما ينظر في البيعة الأولى هل توفرت أركانها أم لا، فينظر إلى مواصفات الخليفة هل منطبقة عليه؟ هل هو واع على محل البيعة على تطبيق الإسلام؟ وأنه يستمد سلطانه فقط من المسلمين وليس من أعداء الإسلام، وهل الذين أعطوه السلطة مسيطرون على منطقة فيها مقومات الدولة وأنهم قوة كافية لإقامة سلطان قوي ومتين وقادر على توحيد بلاد المسلمين؟ لأنه إذا كانت سلطة ضعيفة فإن الدولة ستنهار وتصبح البيعة غير فعالة ولاغية، فإذا لم تتوفر سلطة كافية والمبايَع ليس من أهل الكفاية لا يحمل وعيا كافيا لتطبيق الإسلام فهذه بيعة باطلة غير منعقدة كأنها لم تكن حتى ولو كان هذا الأمر سبق بيعة الخليفة الثاني، وإذا توفرت الأركان في البيعة الثانية تصبح هي الشرعية، فيخاطب الأول حتى يترك ما هو عليه، فإن أبى يقتل هو ومن معه إلا من خضع منهم وسلم ورضي بالخليفة الثاني صاحب البيعة المنعقدة مكتملة الأركان.
بيعة الطاعة: هي التي يتحقق فيها زيادة نفوذ الخليفة أو الحاكم، ويتحقق فيها الاطمئنان على استقرار ورضا الناس عن هذا الحكم المؤسس حديثاً. فهي استنطاق للناس عن رضاهم واختيارهم لهذا الرجل الذي نصب خليفة عليهم. وفيها أيضاً ناحية إعلامية واسعة. وأما في حال ظهور رضا الناس عن بيعة الانعقاد فلا داعي لأخذ بيعة الطاعة لأنها ستكون بمثابة تحصيل حاصل، فالرسول ﷺ لم يأخذ بيعة الطاعة عندما ظهر له رضا الناس حين استقباله في المدينة، ولكن سيدنا أبا بكر أخذها حينما حصل اضطراب ونفور من القبائل التي ارتدت والتي منعت الزكاة.
ويمكن للخليفة كلما أحس بتدني مستوى رضا الناس عنه أن يطلب منهم بيعة الطاعة وله أن يكررها، فإذا مرت الدولة بظروف قاسية أو طارئ يهدد وحدة الصف خلفه يمكنه حتى يقوي دولته أن يطلب من الناس بيعة الطاعة حتى يجدد ثقة الناس به، لأنه استمد السلطان من الأمة برضاها فإذا فقد الخليفة رضا الناس عزلوه حسب طريقة العزل الشرعية وبايعوا من رضوا عنه، فالرسول ﷺ، طلب بيعة الطاعة عندما تأخر عثمان بن عفان عن عودته من مفاوضات قريش أيام الحديبية، ليتأكد من رضاهم عنه فأنزل الله تعالى فيهم آية تتلى إلى يوم القيامة فقال سبحانه: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ...﴾ صدق الله العظيم.
وطريقة تنفيذ البيعة تشمل الآتي:
1- تحديد من تؤخذ منه البيعة.
2- لمن تعطى البيعة.
3- محل البيعة.
4- تفعيل مسؤوليات البيعة.
5- تحديد المكان الذي تمارس فيه مسؤوليات البيعة من قبل الطرفين.
أولاً: تؤخذ البيعة من جهتين: الأولى هي القاعدة الشعبية التي تبنت قضية استئناف الحياة الإسلامية، والثانية أهل القوة والمنعة أهل السلاح الذين يعبرون عن تلك القاعدة الشعبية وهم لا ينفصلون عنها ويتبنون كل قضايا القاعدة الشعبية. فيمكن أخذ البيعة من القاعدة الشعبية وأهل القوة المادية أهل السلاح معاً؛ كما حصل في بيعة سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه. أو أخذ البيعة من أهل الحل والعقد الذين يعبرون عن القاعدة الشعبية وعن أهل السلاح معاً، كما حصل في بيعة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه. لأن السلطان بيد الأمة فالرسول ﷺ عندما سأله الصحابة في حديث أبي حازم (قالوا فما تأمرنا يا رسول؟ قال: «فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ...») فالنبي بيّن أن السلطان بيد المسلمين وهم مطالبون بإعطاء البيعة وهم مكونون من قاعدة شعبية وأهل قوة وسلاح؛ لأن السلطان لا يؤخذ إلا من هاتين الجهتين معاً، أما إذا أخذت البيعة من جهة دون أخرى فإنه لا يكون سلطانا تاماً أو هو سلطان منقوص آيل للسقوط وضعيف. ولمزيد توضيح في حديث «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا»، هنا سوف تحرك القاعدة الشعبية أهل القوة والسلاح فيها لقتل الخليفة الثاني ومن معه لأجل توحيد صفها. وهنا يظهر أن السلطان بيد القاعدة الشعبية التي معها أهل القوة والسلاح فيها. ولذلك عندما دخل رسول الله ﷺ المدينة سلمته القاعدة الشعبية قيادة أهل السلاح فيها فأعطوا النبي خمسمائة فارس حوله ليمارس بهم صلاحيات الحكم. وهاتان الجهتان هما من استقبل الرسول ﷺ في المدينة.
ثانياً: تعطى البيعة لمن تتحقق فيه شروط الانعقاد وهي كما وضحها الفقهاء بالتالي: (مسلم، بالغ، عاقل، ذكر، حر، عدل، من أهل الكفاية؛ قادر على القيام بأعباء الحكم) الذي تمثّل فيه مشروع الإسلام أو من هو واعٍ على أنظمة الإسلام. ولا تعطى لمن لا يملك تصوراً عن أنظمة الإسلام في الحكم، فإذا أعطيت لمن يرى أن الإسلام مجرد حدود وشعائر وليس أنظمة حياة ويفهم الإسلام كما يريد العدو فهذا لا يصلح حتماً ليقوم بتطبيق الإسلام كما نزل غضاً طرياً على محمد ﷺ لأنه لا يعي على محل البيعة أو لماذا أسلموه سلطة!
ثالثاً: محل البيعة هو موضوع البيعة وهو تحقيق عبادة الله ونوال رضوانه سبحانه، وتحقيق عبادة الله تعالى تكون بإظهار شرعه وتطبيقه في الأرض، والبيعة بمثابة التعاون على البر والتقوى لتطبيق شرع الله وعبادته وحده في الأرض.
رابعاً: تفعيل مسؤوليات البيعة: بما أن البيعة هي اتحاد إرادتين، فإرادة الأمة هي أن يأمر الحاكم بما أنزل الله؛ أي تطبيق نظام الإسلام، وإرادة الحاكم هي الحصول على السلطة التي هي؛ السمع والطاعة له من قبل الأمة (القاعدة الشعبية وأهل القوة والسلاح فيها) ما دام يطبق الإسلام. فتفعيل البيعة هو تنفيذ مسؤوليات الطرفين، وفي حال عدم تفعيل صلاحيات أي طرف تكون البيعة في خبر كان، أي ليس لها وجود! فيفقد الحاكم السلطة وتفقد الأمة تطبيق الإسلام الذي هو محل البيعة.
خامساً: المكان الذي تمارس فيه مسؤوليات البيعة هو المكان المتوفر فيه الطرفان بكامل إرادتهما التي تعين كل طرف في ممارسة مسؤولياته المنصوص عليها في البيعة. فالحاكم لا يمارس عليه أي نفوذ غريب عن البيعة سياسياً أو مادياً أو نفسياً أو عاطفياً، بل هو حر يملك كل إرادته ليس له أي ارتباط من أي نوع مع أي جهة غير الجهة التي بايعته. أما القاعدة الشعبية وأهل القوة فيها، فهم أصحاب سلطان حقيقي في البقعة التي يعيشون فيها، فلا يتعرضون لأي ضغوط تفقدهم سلطتهم أو تمنعهم من ممارسة سيطرتهم السياسية والمادية على أراضيهم. فالرسول ﷺ في مكة ما كان حراً في تحركاته، بل كان مطارداً، فمثلا كان يضطر لأن يلتقي بأصحابه سراً، أما في المدينة فكان حراً في تحركاته مستقراً. أما القاعدة الشعبية وأهل القوة فيها أو من يعبر عنهما فكانوا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين كانوا في مكة ليسوا بكامل حريتهم يفعلون ما يشاؤون جهاراً نهاراً،
بل كانوا ضعافاً جداً لا يقدرون على حماية أنفسهم، لذلك بايعوا النبي ﷺ سراً في الخفاء مع أخذ كامل احتياطات الأمن والسلامة من التعرض لأي اعتداء من قريش عدوة الإسلام وقتها.
وأخيراً وليس آخراً، البعض يتساءل هل الفئة التي تمتلك السلطان الكافي لإقامة دولة قوية متينة موجودة في بلد واحد أم نحتاج لتجميعها من أكثر من بلد وكيف؟
الجواب: البعض يستصغر جميع بلاد المسلمين على سواء، فيقول بأنه لا توجد فئة صاحبة سلطان قوي في أي بلد من بلاد المسلمين أو غيرها، وهذا كلام مجافٍ للحقيقة وللواقع ابتداء، فمثلا اليمن قالوا عنه ضعيف ولكن الأعداء في الغرب حتى يركّعوه صنعوا له حلفا مكونا من حوالي سبعة جيوش، وهذا يدل على قوة الفئة التي تعيش في اليمن. وكذلك ظن البعض أن فئة المسلمين في الصومال ضعيفة فإذا بهم طردوا أقوى جيش في العالم اليوم شر طردة وهم عزل! فإذا اجتمعت إرادة أهل اليمن لإقامة الخلافة فهم فئة تمتلك سلطانًا قويًا قادراً على إقامة دولة فتية ذات قدرة على توحيد بلاد المسلمين. وكذلك السودان لوحده تعيش فيه فئة قوية قادرة على إقامة دولة فتية واعدة، والدليل حجم المؤامرات التي مورست وتمارس عليه الآن، قاموا بتقسيمه وإضعاف جيشه وإفقار أهله وتحطيم التعليم وتدمير البنى التحتية وصناعة الأمراض (دفن نفايات نووية وجلب نفايات إلكترونية) وتدمير الزراعة وتثبيط شبابه بصناعة العطالة والبطالة ومحاربة الإنتاج، هل كل هذا لأجل تدمير قوة من وحي الخيال؟!!! كلا هذه الحرب هي لأجل تدمير جبال راسيات يسعون لهدمها منذ عقود من الزمان ولا زالت أعمال الهدم مستمرة، فالجبل ضخم شامخ!
ومن هنا نخاطب بعض أبناء أمتنا الذين لا يرون توفر فئة قوية في أي بقعة من بلاد المسلمين منفردة وقادرة على إقامة الدولة، ولذلك حرفوا تفكيرهم نحو تجميع أكثر من فئة لإقامة الخلافة، وصاروا يسألون عن ما هي الآليات لتحقيق البيعة هذه، وبالتالي ترسخ في أذهانهم استحالة البيعة من الأساس لعدم وجود فئة من المسلمين منفردة ذات سلطان كافٍ، واستحالة تجميع أكثر من فئة معاً أو استحالة تجميع أكثر من بلد معاً لتكوين فئة أكبر يتوفر فيها الكفاية. نخاطبهم بأنه يتوفر لدينا فئات منفردة قوية كما أسلفنا، لذلك العدو في الغرب فطن لتوفر هذه الفئات فشرع في مشروع سايكس بيكو جديد أسماه الشرق الأوسط الكبير وفيه مزيد من التقسيم لتقسيم الفئات القوية بالذات حسب خارطته الجديدة، وبالتالي نحن اليوم في حالة سباق معه من يكسب الوقت قبل الآخر، فلدينا فرصة حاليا في مصر والسودان والشام والباكستان وبنغلاديش وتركيا، وأوزبيكستان، والمغرب والجزائر وبلاد الحرمين الشريفين، وإندونيسيا واليمن ونيجيريا...
وإنما النصر من الله حصراً كما قال سبحانه في كتابه العزيز: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾.
ونحن واجبنا السعي لإنهاض الأمة أو الفئة القوية صاحبة السلطان في البلدان التي أشرنا إليها حتى ننفذ بيعةً بإذن الله يرضى عنها ساكن الأرض والسماء.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس محمد مصطفى