- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
العلمانية عقيدة المبدأ الرأسمالي جاهلية العصر الحديث
إن صنم العلمانية هو نتاج تفكير عقائدي مستوردة من الكفار وهي ليست مجرد فكرة مستحدثة، بل تأتي في إطار الحرب بين الحق وبين الباطل، منذ الجاهلية الأولى، وهذا الصنم ليس فكرة تروج للعلم والتطور والتقدم بل هي عقيدة، أي خالق ومخلوق وعابد ومعبود وحاكم ومحكوم؛ فعندما نتحدث عن العقيدة يجب أن نعلم لمن سينصاع الإنسان، ولمن سيكون الأمر والنهي، وكيف سينظم الخلائق شؤونهم الحياتية، ومن أين يستقون المعالجات والحلول لمشاكلهم؟ فالعلمانية هي عقيدة لا إله إلا المال والمصلحة، وثقافتها ثقافة الاستعمار وثقافة لا بقاء إلا للأقوى، فهي عقيدة فصل الدين عن الحياة وإقصاء القوانين الربانية عن مفاصل الحياة وعن أنظمتها جميعا؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والتعليمية والصحية...، ومعنى أنها عقيدة فهي فكرة كلية عن الإنسان والكون والحياة وعلاقتها بما قبلها وما بعدها، وإيجاد الحلول لجميع مشاكل الحياة، أي هي فكرة أساسية تُؤسس عليها جميع الأفكار الأخرى وتصبح مصدرا ومرجعا للأفكار والسلوكيات والقرارات والمواقف وتؤثر على سائر الأعمال والأقوال.
وفصل الدين عن الحياة هو التنصل عن أن يكون للإنسان مرجعية ربانية تعمل على أرض الواقع ويأخذ عنها الإنسان كل ما يحتاج إليه من معالجات ليدير شؤون حياته وليدير علاقاته مع الآخرين ومع المجتمع ومع الدولة ومع الكون الذي يعيش فيه. ومعتنقو العلمانية الأساسيون هم كفار الغرب في أوروبا وأمريكا الاستعماريون وهمهم الأول هو أن يضع الإنسان أنظمة الحياة وفقاً لأهوائه وشهواته ورغباته ومصالحه بحجة الحريات والديمقراطية والرأسمالية للربح المادي والثراء الفاحش، فلا يقيمون للإيمان بالله الواحد الأحد وزناً ولا للقيم، والأعراض والأرواح والحقوق والواجبات عندهم رخيصة ومستباحة، تتغير أهواؤهم وتتلون كما يحلو لهم وبحسب ما يحقق التغيير لهم من منفعة مادية، لذلك كان المبدأ الرأسمالي وأبرز ما فيه النظام الاقتصادي الذي أفقر البشرية من العدل ومن الكرامة.
أما "الدين" الذي تقبل به العلمانية فهو الدين الكهنوتي الذي يُحجِّم وجود الخالق في القلب والخيال والخرافات والفلسفة أو داخل المساجد والكنائس والمعابد فقط ولا يخرج منها ليبسط تحكمه بأنظمة الحياة. تماماً كما كان يعبد كفار قريش في مكة الأصنام المختلفة، وتبقى عقيدتهم الوثنية ليعيشوا جميعاً عيشة همجية بدون تدخُل الخالق الواحد الأحد في طريقة سير حياتهم وقوانينها. ولذلك كانت حرب العلمانيين الرأسماليين الأساسية مع مبدأ الإسلام الذي وفر للإنسان نظام حياة متكاملاً يستند إلى عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فسادَ الإسلامُ العالم لمئات السنين حتى تكالب عليه الرأسماليون العلمانيون الاستعماريون فهدموا دولته.
وبسقوط الخلافة تشتت المسلمون وعادوا إلى عصر الجاهلية مرة أخرى في هذا الزمن الجبري ولا يزالون يتعرضون يومياً لهجمات ثقافية فكرية وإعلامية وتعليمية لتخدير خاصية التفكير لديهم حتى يصبح المسلم "علمانيَّ التفكير" فيتصرف بما توجبه العلمانية (أو الحداثة والتحضر أو المدنية أو النظام العالمي الجديد والمواثيق والقوانين الدولية المشتركة أو النظام الرأسمالي الحديث والمصالح المشتركة كما يحلو للإعلام أن يسميها) ويتخذ قرارات هي في حقيقتها "إملاءات علمانية" حيث إن مفهوم "العلمانية" مفهوم مخيف يتسلل إلى عقل الإنسان بكل خبث ليصبح الإنسان في حالة "مسلم علماني" ولا ينتبه إلى ذلك لأنه "مبرمج" ليكون في حالة غفلة عن دينه، أو بتعبير أدق فهو في حالة استغفال وبُعدٍ عن أحكام الإسلام كنظام حياة وطراز عيش يشمل كل نواحي الحياة الإسلامية التي سِمَتُها تبني مصالح الناس ورعاياتها بالحلال والحرام والتقيد بقوانين رب العالمين لينالوا خير الدنيا والآخرة.
ولنقرب الصورة أكثر لنحدد كيف تسللت العلمانية إلى حياة الشخص، فما يحدث هو أنه إذا واجهته مشكلة في حياته وفي علاقاته مع الآخرين، أياً كان نوع المشكلة؛ إيمانية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، تجده يجلس ليفكر ليجد الحل لها بما يفيده ولا يؤذي مصلحته المعنوية والمادية فيبحث عن منفعته فإن كان فكره علمانياً يغفل عن السعي لمعرفة حكم الله تعالى في مسألته، ولعله يأخذ الحل من المجتمع للرأي العام الذي تأثر بالأفكار الغربية و"تعلمن" على يد الحكومات العلمانية التي لا تُطبق شرع الله فهي حكومات تابعة في بلاد المسلمين للغرب الكافر المستعمر... وهكذا فإنْ لم يرجع للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ليجد الحل لمسألته بمعرفة الحكم الشرعي بالدليل الشرعي عن مسألته من أهل العلم الثقات يكون حينها "مسلما علمانيا". وذلك يُفسر الكثير من سلوكيات المسلمين، ومن الأمثلة على ذلك عندما يقلد شباب المسلمين وبناتهم رموز الكفر من المغنين أو المنضبعين بثقافة الغرب فيتخذون من هؤلاء قدوة لا تليق بالمسلم والمسلمة؛ وفي الوقت نفسه تجدهم يخجلون من هويتهم الإسلامية أو تخجل المسلمة من ارتداء اللباس الشرعي، أو يتقاعس أبناء وبنات الأمة الإسلامية عن المطالبة بتطبيق شرع الله في نظام حكم إسلامي وشرعي ويصبح هدفهم الهجرة إلى بلاد الغرب هرباً من شظف العيش في بلادهم. والنتيجة مسلم متذبذب بين الحق والباطل يصلي ويصوم ويزكي لكنه يتعامل بالربا ويشرب الخمر ويزني ويقبل بحكومات الظلم ويسعى لمصلحته ضارباً عرض الحائط بالحكم الشرعي ويتماشى مع الواقع الفاسد بدلاً عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الحاكم وإن بحث عن مصدر شرعي تجده يتبع علماء سلاطين علمانيين ممن شوهوا الدين.
وليُحكِم الغرب قبضته على المسلمين نصب حُكاماً رويبضات يخدمون مصالحه وتحكم عليهم بالأموال فمكنوه من رقاب الناس ومن أموالهم ومن أراضيهم ومن أعراضهم ليجد الإنسان أنه قد وُضع هذه المرة في حالة خضوع لسياسات وقوانين تتحكم وتسيطر عليه في المجتمع العلماني وفي الدولة العلمانية.
والنتيجة أن المسلم سيتصرف "بعلمانية" دون أن يفكر! فالمسلم اليوم متخبط بين العيش بأحكام الله جل وعلا ورسوله عليه الصلاة والسلام الشرعية وبين إملاءات وتوقعات مجتمعية لم يتساءل عن مصدرها من قبل. فتكون نقطة البداية ليتفادى المسلم فكرة العلمانية الخبيثة التي تحتل عقله بدون انتباه منه وقد تسرب إليه من خلال الوسائل الإعلامية التابعة للأنظمة الحاكمة وتشرب به من خلال المناهج التعليمية في سنوات دراسته الابتدائية والثانوية والجامعية وطُبق عليه عنوة وجبرا عنه من خلال القوانين الوضعية في الدساتير الغربية الاستعمارية المطبقة في بلاد المسلمين، تكون نقطة البداية ليزيل أتربة العلمانية عن عقله وقلبه. فحري بالمؤمن أن يتساءل ليستيقظ من غفلته عن مصدر هذه السياسات والقوانين والقرارات التي تُتخذ جبرا عنه؟ فهل هو راضٍ عن حال الناس في بلاده؟ عن حال أسرته، عن دينه وعِرضه وماله وأرضه؟ هل النظام التعليمي يليق بأبنائه، أبناء أمة محمد عليه الصلاة والسلام وأبناء خير أمة أخرجت للناس؟ فهو يعلم أن هناك مشكلة لكن ما سبب هذه المشاكل من حوله؛ تكميم أفواه في المساجد وظلم واستعباد وكُفر وقسوة قلوب وثقة مفقودة في المعاملات...؟ هل يعرف أسباب المشكلات المستعصية التي يعيشها هو والناس في هذه الأوقات الصعبة التي تمر بها الأمة من قتل وذبح وانتهاك أعراض واعتقالات وتعذيب وفقر وعوز وبطالة وعنوسة وإحباط وطموح مقتول وجهل وأمراض مزمنة...، والأسوأ أنه لا رأي سياسياً له! فمتى يختار المسلم من يحكمه بشرع رب العالمين ويحطم أصنام الكفر؟! فمشاكل المسلم جميعها تقع في إحدى هذه الدوائر! فهل هو يعلم ما هي حقوقه الضائعة وثرواته المنهوبة وما هي واجباته الشرعية؟ هل هو راضٍ عن حال أمته الإسلامية؟! إن هذه التساؤلات والانطلاق للبحث عن الإجابات الحقيقية والصحيحة لها بداية كسر قيد الاستغفال ومنع لاستمرار المؤامرة التي تُحاك ضد المسلمين. فليعلم المسلم من أين يُؤتى دينه ومن يكون عدوه وما دوره وكيف تكون العبادة وفقا لما أراد الخالق عز وجل له في هذه الحياة.
إن الأصنام من حولنا في زماننا هذا هي عبارة عن سموم فكرية وثقافية وإعلامية؛ فالعلمانية وبناتها كالرأسمالية والديمقراطية والليبرالية والمدنية كلها أصنام عادت بالبشرية إلى جاهلية ما قبل الإسلام؛ فنحن اليوم لا نعيش في كنف الحياة الإسلامية التي أمرنا بها الله عز وجل، تماماً كما كان يعيش الناس قبل الإسلام، والمخرج الوحيد والمنقذ هو إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة لإعادة الإسلام سيرته الأولى تماماً كما فعل رسول الله r من قبلُ بإقامة دولة واحدة يحكمها رجل واحد يوحد الأمة الإسلامية تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله ويطبق الشرع ويحكم بما أنزل الله تعالى. فلنجعل هذه السنة الهجرية الجديدة منطلقاً للعمل لإقامة الدين والهجرة الحقيقية إلى النهضة الصحيحة بالإسلام والمسلمين.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة محمد حمدي – ولاية السودان