السبت، 21 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق
الإخلال الكبير في وضع الأسرة (الجزء الثاني):   الليبرالية تقلص حجم الأسرة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الإخلال الكبير في وضع الأسرة (الجزء الثاني):


الليبرالية تقلص حجم الأسرة


(مترجم)


معنى الإخلال في هذه المقالة هو الاضطراب والفوضى التي تصيب الملايين من الأسر من الغرب إلى الشرق، والتي أصبحت كارثة إنسانية سببها إلى حد كبير بروز أفكار تمكين الأسرة الرأسمالية. وفي شكلها المعاصر، امتزجت الحركة النسائية الكلاسيكية مع النظام الاقتصادي الرأسمالي، ما أدى بعد ذلك إلى حقبة جديدة من اضطراب الأمومة. وقد بحث في الجزء الأول من هذه المقالة أحد أسباب هذا الإخلال، أي تأنيث الهجرة التي يقودها النظام الاقتصادي الرأسمالي في استغلال الأمهات، وهو ما لعب دورًا مباشرًا في التخلي عن عشرات الملايين من الأطفال.


والآن سيستعرض الجزء الثاني كيف أدت الليبرالية، وهي إحدى القيم المتأصلة في الرأسمالية العلمانية، إلى تقلص حجم الأسرة، بل وأدت إلى حضارة مهددة بالانقراض بسبب سياسة "تقدم المرأة وزيادة معدلات التنمية".


"موت الأسرة" في العالم الصناعي العلماني:


لقد أدت أزمة الخصوبة في اليابان إلى التركيز على "موت الأسرة". وهي تخلق مشاكل اقتصادية واجتماعية لم يسبق لها مثيل من قبل، بحسب وصف ماري برينتون، المتخصصة في علم الاجتماع في جامعة هارفارد، لموقع "بيزنس إنسايدر" في العام الماضي. كما أن صندوق النقد الدولي قد حذر الدول الآسيوية الأخرى من أن تكون حذرة من مسار اليابان الذي يوصف بـ"التقدم في السن قبل أن تصبح غنيًا". وقد بين تقرير لشركة "يو بي أس" في عام 2016 أن تغيير المواقف تجاه العمل وأدوار الجنسين قد يجعل عددًا من الدول الصناعية، بما في ذلك أمريكا، تواجه صعوبات اقتصادية مماثلة. إن مخاوف الكثير من المجتمعات الاقتصادية هي أن الاتجاهات الديموغرافية المعمول بها في جميع أنحاء العالم سوف تجعل العديد من أكبر القوى الاقتصادية في العالم تعاني من المصير نفسه الذي تعانيه اليابان. وبعبارة أخرى، يشعر الناس بالقلق من أن الاقتصاد العالمي سوف يتحول إلى النموذج الياباني.


فالسياسة الرأسمالية "تقدم المرأة وزيادة معدلات التنمية" المعمول بها في اليابان، وهي نتاج الليبرالية الاقتصادية، تجبر المرأة على العمل. ولكن مع مساهمة المزيد من النساء في القوة العاملة، بدأت الخصوبة تتراجع. واليوم يبلغ معدل الخصوبة في اليابان 1.41. ونتيجة لذلك، فإن عدد السكان آخذ في الانخفاض، بينما لا تزال ساعات العمل الطويلة الوحشية هي المعيار. وعلى مدى العقدين الماضيين، تم تقديم قصص الأزواج اليابانيين الشباب الذين يقاتلون لإنجاح العلاقات في إطار ثقافة العمل التقليدية التي تفترض أن يكون الرجل هو المعيل وأن تكون المرأة هي ربة البيت، تم تقديمها على أنها معركة خاسرة. ولكن بدلًا من ذلك يضطر الكثير من المتزوجين حديثًا إلى رؤية أوقات فراغهم وهي تنقضي، ويتخلوا عن كل شيء بدءًا من فرصةٍ لليلة تاريخية ربما تكون سببًا في إنشاء أسرة. وفي الوقت نفسه، تعتبر كثير من النساء أن عمل المرأة يمنحها وضعًا أكرم وأفضل من أن تصبح أمًا، ما يؤدي إلى تخليها عن شغفها في أن تصبح زوجًا ذات بنات وبنين.


كما أن أزمة الخصوبة هذه قد عصفت أيضًا بكوريا الجنوبية. فقد أشارت البحوث التي أجرتها دائرة أبحاث الجمعية الوطنية في سيئول في آب/أغسطس عام 2015، إلى الانزعاج من احتمال انقراض كوريا الجنوبية بسبب انخفاض معدل المواليد إلى مستوى جديد منخفض بلغ 1.19 طفل لكل امرأة في عام 2013. وردًا على ذلك، وصفت الدبلوماسية ذلك بأنه تهديد ديموغرافي واسع، أي أن الانقراض سيصيب المنطقة أيضًا، وليس كوريا الجنوبية واليابان فحسب. وتكافح تايوان وسنغافورة أيضًا من أجل تمويل رعاية الأعداد الهائلة من السكان المسنين بسبب انخفاض عدد السكان العام. ومن السخرية والمفارقة أن الدول التي أطلق عليها وصف "معجزة شرق آسيا" بسبب نجاحها في التحول لتصبح منطقة نمو اقتصادي عالية، تواجه الآن خطر انقراض شعوبها بأكملها!!


والواقع في الصين هو تقريبًا الواقع نفسه عند جيرانها. فقد ذكرت صحيفة الشعب اليومية في كانون الأول/ديسمبر عام 2016 أن الصين الصناعية أصبحت أيضًا وبسرعة بلدًا للعزاب والعوانس، فقد بلغ عدد السكان غير المتزوجين عددًا هائلًا يقدر بنحو 200 مليون. وبحسب بحث أجرته شركة "تينسنت" في عام 2016، فإن نحو 36.8٪ من النساء الصينيات غير المتزوجات يعتقدن أن الزواج ليس ضروريًا حتى يعيشن حياة سعيدة. ويعتقد علماء السكان أن استقلال المرأة الصينية الحديثة هو أحد الأسباب الرئيسية لتزايد عدد السكان غير المتزوجين. ومن المؤكد أن الصين - البلد الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم - سيتناقص عدد سكانه سائرًا في ذلك على خطا الغرب، والشرق أيضًا؛ اليابان وكوريا الجنوبية. كما سيعقب ارتفاع معدل عدد النساء غير المتزوجات انخفاض في معدل المواليد، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض كبير في عدد السكان. ويحدث ذلك في كل الدول الرأسمالية المتقدمة. وعندما تعطي المرأة الأولوية للنجاح المادي على حساب بناء الأسرة، ولا تؤمن بالالتزام بالزواج، وحتى إنها تعتبر الأطفال عبئا اقتصاديًا، فإن هذه هي حقيقة أعراضٌ أولية لأمة في حكم الميتة وهي تشيخ منتظرة موتها. إنها أمة لم تعد قادرة على السيطرة على الأضرار الهائلة التي لحقت بحياتها الاجتماعية في مجتمعها - وهو ثمن باهظ تضطر لدفعه ثمنًا للتقدم الاقتصادي الذي تسعى إليه بغض النظر عن النتيجة.


كانت الدول الغربية تعاني فعليًا من هذه الأزمات الاجتماعية قبل دول شرق آسيا بفترة طويلة، ومنهم يمكننا أن نعرف أن "موت الأسرة" لم يكن فقط بسبب الليبرالية الاقتصادية وسياستها التي تتمثل في "تقدم المرأة وزيادة معدلات التنمية"، ولكنه كان أيضًا مرتبطًا بالليبرالية الاجتماعية من خلال قيمها الفردية الخطيرة والتي تسببت في وباء صحي على نطاق واسع. إن هذه الظروف تدمر بشكل جذري الحياة الأسرية وأدت إلى صحاري ديموغرافية في مختلف الدول الأوروبية وأمريكا. وفي كانون الثاني/يناير عام 2018، عينت بريطانيا وزيرة للوحدة للتعامل مع ما وصفته رئيس الوزراء تيريزا ماي "الواقع المحزن للحياة الحديثة" لعدد كبير جدا من الناس، أي أكثر من 9 ملايين شخص يشعرون دائمًا بالوحدة، وحوالي 200000 من المسنين في البلاد لم يجروا أية محادثة مع صديق أو قريب لأكثر من شهر. ومع ذلك، فإن الناس في بريطانيا ليسوا وحدهم من يشعرون بالوحدة. ففي أمريكا، كما جاء في مقال في "هارفارد بيزنس ريفيو": "الشعور بالوحدة هو وباء صحي متصاعد، ونحن نعيش في العصر الأكثر ارتباطًا من الناحية التكنولوجية في تاريخ الحضارة، ولكن معدلات الشعور بالوحدة قد تضاعفت منذ الثمانينات، واليوم أكثر من 40٪ من البالغين في أمريكا قالوا إنهم يشعرون بالوحدة، وتشير الأبحاث إلى أن العدد الحقيقي قد يكون أعلى من ذلك".


الإسلام يقدم حلًا لحيوية الأسرة واستمراريتها


إن الموجات الحادة من الخلل والاضطراب التي هزت بناء الأسرة في الدول الصناعية العلمانية والتي أدت إلى "موت الأسرة"، أصبحت الآن تُلمس بشكل متزايد في البلاد الإسلامية. ففي ماليزيا، على سبيل المثال، دفعت الإثارة للسعي إلى تحقيق التنمية ووضعها على غرار الدول المتقدمة، دفع ذلك ماليزيا إلى مواجهة "متلازمة شيكاغو الثقافية"؛ حيث تحقق الدولة دخلًا مرتفعًا ولكنه مصحوبٌ بالتدهور الأخلاقي. فقد حذر محمد كمال حسن، أستاذ المعهد الدولي للفكر والحضارة الإسلامية، الحكومة الماليزية من ظهور أعراض مشابهة لما وقع في الغرب. فقد قال: "إنه يحدث أيضًا في ماليزيا، وسوف يكون أسوأ إذا لم يتم احتواؤه لأن القيم الأخلاقية واحترام الذات منخفضة جدًا، وهو أمر مهم يظهر من خلال الجرائم مثل الخطف حتى الموت والقتل والاغتصاب". والواقع أن هذا هو حال الكثير من الدول الصناعية العلمانية في العالم اليوم، حيث كثيرًا ما يصحب التطور السريع أزمة اجتماعية، وانهيار مؤسسة الأسرة، وانتشار الجريمة، والعنف ضد النساء والأطفال، وارتفاع معدلات الانتحار، بالإضافة إلى انخفاض معدلات المواليد التي يرجع سببها بشكل كبير إلى مشاركة المرأة على نطاق واسع في القوة العاملة. وهو انعكاس لوجهة النظر المبدئية الضيقة التي تتبناها الدول العلمانية الرأسمالية والتي تجعل الأولوية للمصالح المادية والاقتصادية على حساب مصلحة ورفاهية الأسرة والمجتمع بشكل عام.


لذلك فإنه ضروري جدًا أن يعود المسلمون إلى الأفكار والمفاهيم الإسلامية وأن يصلوا ليلهم بنهارهم من أجل تطبيق النظام السياسي الإسلامي العظيم وهو ما سيحفظ النوع الإنساني ويحفظ الحضارة الإسلامية العظيمة. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقيباً﴾ [النساء: 1]


فالأفكار والمفاهيم الإسلامية تشكل علاجًا فعالًا للنجاة في هذه الحقبة من الخلل والاضطراب. والمبادئ المهمة للأفكار والمفاهيم الإسلامية لا يمكن أن تصبح مبادئ عفا عليها الزمن، بل إنها ستكون دائمًا قادرة على علاج كافة المشاكل التي تعترض الأسر الحديثة، وهو يوجب علينا التمسك بها بكل قوة. ومن هذه المبادئ:


1. الإسلام يشجع الزواج ويمجده باعتباره الطريقة الوحيدة للحفاظ على النسل.


2. والإسلام يمتلك أيضًا مجموعة من الأحكام الخاصة بالأسرة والتي تنظم دور الزوج والزوجة لإيجاد حياة عائلية متجانسة ومستقرة فضلا عن ترسيخ الطمأنينة بين الزوجين.

 

3. يؤكد الإسلام على أهمية وسموّ دور الأم بالنسبة للمرأة.


4. إن الهدف من الزواج في الإسلام هو امتثالٌ لأمر الله، أي للحفاظ على النسل وتحقيق السكينة والمودة والرحمة، وليس لمجرد إشباع الناحية الجنسية أو لكونه يتمتع بمكانة مرموقة. ولذلك فإن الإسلام يؤكد بقوة على هذا النموذج، وأهمية وجود عقلية مسؤولة عند تثقيف الأجيال الحاضرة والمقبلة.


5. كما أن الإسلام يوفر الأساس للإيمان والثقة (التوكل) للمسلمين عند السعي للرزق حتى لا يتزعزع استقرار ترتيب الأدوار في الأسرة، أي أن الرجل هو المعيل للأسرة.


6. إن النظام الاقتصادي في الإسلام يصنع اقتصادًا صحيا منتجًا، وهو قادر على التغلب على مشكلة البطالة الجماعية، ويضمن إشباع الحاجات الأساسية لكل فرد من أفراد الرعية، ويمكن كل فرد من إشباع حاجاته الكمالية على أكبر قدر مستطاع. ولضمان ذلك كان أساس هذه السياسات هو توزيع الثروة على جميع أفراد الرعية لضمان إشباع الحاجات الأساسية، ويمنع كذلك الاستغلال الاقتصادي للمرأة وتجريدها من الإنسانية. كما أنه يمكن الرجال من الوفاء بالتزاماتهم للوفاء بحاجات أسرهم المالية، وفي الوقت نفسه فرض على الدولة النفقة على النساء ممن لا يجدن رحمًا محرمًا ينفق عليهن.


7. إن الإسلام يلزم المسلمين بالتوحد في ظل الخلافة الراشدة، لأنها في الواقع هي الدرع الحقيقي للمسلمين الذين يحمي هيكل الأسرة، ويكرم الأمهات، ويُجلّ الأجيال المسلمة ويحفظ كرامتهم. وفي الوقت نفسه، فإن دولة الخلافة ستحمي الأسرة من تداعيات جشع الرأسمالية والفوضى الاجتماعية الناجمة عن الليبرالية.


ولذلك فإن دولة الخلافة ستكون قادرة على بناء استقرار وتجانس الأسرة، وستقضي على أسباب الخلل والاضطراب الذي يصيب الأسرة كما انعكس ذلك في قول عثمان رضي الله عنه: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". والله أعلم.

 


كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
فيكا قمارة
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

 

1 تعليق

  • Mouna belhaj
    Mouna belhaj الإثنين، 08 تشرين الأول/أكتوبر 2018م 13:48 تعليق

    #أنقذوا_الأسرة
    #SaveTheFamily

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع