- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
غزوة مؤتة
منذ أن وصل رسول الله ﷺ المدينة المنورة بعد هجرته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة أقام الدولة الإسلامية، وبدأت مرحلة جديدة في حياة الإسلام والمسلمين؛ بدأ التطبيق العملي والفعلي للإسلام بتنظيم شؤون حياة الناس بالشريعة الإسلامية، وأصبح للمسلمين دولة قائمة على العقيدة الإسلامية، بمعنى أن أنظمتها وقوانينها منبثقة من العقيدة الإسلامية حصريا، دولة لها سلطان وجيش يحمي المسلمين وينشر الإسلام، دولة مبدئية سياستها الخارجية قائمة على أساس نشر الإسلام في العالم، وهذا العالم يبدأ من المدينة المنورة، وسياستها الداخلية قائمة على تطبيق الشريعة الإسلامية في حدود سلطانها بتحقيق العدل والإنصاف لرعاياها.
بعد انقضاء ست سنوات على هجرة رسول الله ﷺ إلى المدينة المنورة، أصبحت الدولة الإسلامية ذات شأن، وقد تركزت أركانها وأصبحت من الكيانات الرئيسة في الجزيرة العربية، إلا أن قريشا ما زالت هي العقبة الكأداء أمام المسلمين، وبؤرة استقطاب أعدائهم، فكان لا بد من احتواء قريش وإضعافها، فعزم رسول الله ﷺ على الحج وخرج ومعه ألف وأربعمائة رجل من المسلمين، ودعا القبائل العربية من غير المسلمين ممن حولهم للحج معه، آمنين مسالمين غير مقاتلين، استعدت قريش وجهزت جيشا لصد المسلمين ومنعهم من دخول مكة المكرمة، تخطى رسول الله ﷺ جيش الكفار ووصل إلى الحديبية وعسكر فيها، وما لبثت قريش إلا أن بعثت من يفاوض رسول الله ﷺ وتستعلم مجيئه، وانتهت المفاوضات إلى عقد معاهدة صلح الحديبية مدتها عشر سنوات بين رسول الله ﷺ وكفار قريش.
وكانت هذه المعاهدة فتحا للمسلمين أضعفت هيبة قريش وقوتها المعنوية ورفعت من مكانة الدولة الإسلامية وهيبتها بين العرب في الجزيرة العربية، وبينت طاعة المسلمين المطلقة لرسول الله ﷺ وصدق إيمانهم وقوته وشدة إقدامهم وحرصهم على نصرة الإسلام، وعلمتهم أن المناورات السياسية من وسائل الدعوة الإسلامية، فكان صلح الحديبية فتحا عظيما للمسلمين. قال الله تبارك وتعالى في سورة الفتح: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً﴾ [الفتح: 1-3].
وتوج المسلمين بطاعتهم لله ولرسوله بأن أخبرهم رسول الله وبشرهم بقول الله تبارك تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾ [الفتح: 18]، وهذه بشارة برضوان الله تبارك وتعالى يبلغها رسول الله ﷺ للمؤمنين الذين كانوا معه في صلح الحديبية ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الذين يبايعونك تحت الشجرة ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ من صدق الإيمان وحسن الطاعة والحمية لدينهم ونصرة الله ورسوله ودينه، ﴿وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾ هذا الصلح الذي حيد قريشاً ونزع منها استعدادها الدائم لقتال المسلمين، ورضوان الله هو منتهى رجاء المسلم أن يرضى الله ورسوله عنه ويتقبل عمله وطاعته وإخلاصه وحسن عبادته.
نحن هنا أمام دولة لديها رسالة تسعى لتبليغها للعالم لتخرجهم من الظلمات إلى النور وترسم سياستها الخارجية حسب ما يقتضيه نشر الدعوة الإسلامية ولا تحيد عن هدفها قيد شعرة، فبعد صلح الحديبية والقضاء على خيبر، صارت الحجاز تقريبا تحت سلطان رسول الله ﷺ (سلطان المسلمين)، حيث إنه لم تعد حالة الحرب الفعلية هي الأساس لعلاقة المسلمين بقريش، فاطمأن رسول الله ﷺ على تركيز الدولة الإسلامية والدعوة في الحجاز، وعمد إلى إرسال الرسل إلى العالم الخارجي، وكان العالم الخارجي بالنسبة له كل من كان خارج حدود حكمه من الكفار، فأرسل إلى هرقل، وكسرى والمقوقس والحارث الغساني ملك الحيرة والحارث الحميري ملك اليمن وإلى نجاشي الحبشة وإلى ملكي عمان وملكي اليمامة وإلى ملك البحرين، يدعوهم إلى الإسلام، فمنهم من رد ردا لينا، ومنهم من رد ردا سيئا، وكان من أثر هذه الرسائل أن سمع من وصلت لهم تلك الرسل بالإسلام بشكل لافت للنظر، وبدأ العرب يدخلون في دين الله أفواجا وبدأت وفود القبائل تأتي إلى رسول الله ﷺ معلنة إسلامها.
وفي السنة الثامنة للهجرة جهز رسول الله ﷺ جيشا من ثلاثة آلاف وجعل عليه زيد بن حارثة فإن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس، رضي الله عنهم وأرضاهم.
ومهما كان السبب أو اختُلف فيه فإن السبب الرئيس هو نشر الدعوة الإسلامية، حيث إن الرسول ﷺ والمسلمين مكلفون بنشر الإسلام وحمله للعالم وتبليغه للأبيض والأحمر والأصفر والأسود إلى أن تقوم الساعة. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 67]
لقد كان المسلمون جميعا في هذه المعركة مقدمين على الموت بل يطلبونه على وجه الحقيقة، وخاضوا المعركة وقاتلوا وقتلوا لأن هذه وظيفتهم في الحياة، الدعوة إلى الله، وأحيانا توجب الدعوة القتال ليتسنى للمسلمين دعوة الناس إلى الإسلام بدون عائق، وهذه هي التجارة الرابحة، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 111]، وحمل الدعوة الإسلامية للعالم هو استمرار لعمل الرسول ﷺ، وقد سار المسلمون على ذلك واستمروا في حمل الدعوة الإسلامية إلى أن قضى الكفار على الدولة الإسلامية دولة الخلافة العثمانية. والمؤمنون يبذلون أنفسهم وأموالهم في طاعة الله وتنفيذ أمره والانتهاء عن نهيه، ومن أوفى من الله بعهده فأبشروا واطمأنوا بنيلكم رضوان الله تبارك وتعالى فإنها إحدى الحسنيين إما الشهادة أو النصر.
أما من يتغنى بأمجاد الإسلام والمسلمين وبدين الرحمة والهداية ولا يتخذ الإسلام المصدر الوحيد للتشريع وينظم شؤون حياته وحياة الناس على أساسه، وحين يتحدث الخطباء عن غزوة مؤتة ولا يربطونها بوجوب تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية وتنظيم شؤون حياة الناس بالشريعة الإسلامية لتحقيق العدل والإنصاف بينهم وتوحيد المسلمين وحفظ بلادهم تحت راية رسول الله ﷺ، فهم كمن يستنبت الزرع في الهواء بدون تربة ولا ماء فلا يجني إلا السراب والبلاء! ومثل هؤلاء كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الجمعة: 5]، هؤلاء مثلهم كمثل الحمار لا ينتفعون بما لديهم من علم ومعرفة للإسلام، والحمار يحمل على ظهره كتب العلم ولا يعقل ما فيها، والمسلمون الذين لا يسعون لتطبيق الشريعة الإسلامية ولا يعملون لاستئناف الحياة الإسلامية ويطبقون ويدعون لتطبيق غير الإسلام فهم كذلك، والله لا يوفق الذين يتخذون غير الإسلام دينا ونظاما لشؤون حياتهم، وحال المسلمين غني عن الشرح...
اللهم اغفر لنا وارحمنا وارحم والدينا وارحم المسلمين والمسلمات الأحياء والأموات إنك سميع مجيب الدعاء، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إبراهيم سلامة
وسائط
1 تعليق
-
حمل الدعوة الإسلامية للعالم هو استمرار لعمل الرسول ﷺ، وقد سار المسلمون على ذلك واستمروا في حمل الدعوة الإسلامية إلى أن قضى الكفار على #الدولة الإسلامية دولة الخلافة العثمانية. والمؤمنون يبذلون أنفسهم وأموالهم في طاعة الله وتنفيذ أمره والانتهاء عن نهيه، ومن أوفى من الله بعهده فأبشروا واطمأنوا بنيلكم رضوان الله تبارك وتعالى