- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إصلاح ذات البين
إن الدعوة إلى إصلاح ذات البين على أهميتها إلا أنها في الأوضاع التي تعيشها الأمة الإسلامية هذه الأيام كطبيب يعالج مرضى السرطان بمرهم حَبّ الشباب، فلا يجدي عمله شيئا ولا يسمع لقوله حرف.
في السنة الثانية للهجرة كانت غزوة بدر الكبرى ونصر الله المسلمين نصرا عظيما مؤزرا، بقيادة رسول الله r ، وعند تقسيم الغنائم ظهر على المسلمين الأثرة ولم يظهر عليهم الإيثار، فنزل الله تبارك وتعالى قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، يأمرهم الله تبارك وتعالى - وهم أهل بدر وما لهم من فضل وتضحية وسابقة في الإسلام - بالإيثار والتضحية وطاعة الله، بأن أصلحوا أنفسكم بإنصاف غيركم وعدم محاباة مصالحكم، والإيثار خير من الأثرة، وقد كنتم تؤثرون على أنفسكم ولو كان بكم خصاصة، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9].
هل أوضاع المسلمين اليوم يعتريها تغير بسيط طفيف بتأرجح أنفسهم بين الإيثار والأثرة لنذكرهم بوجوب إصلاح ذات البين؟ أم الأمر أجل والخطب أدهى وأمر؟
بلاد المسلمين اليوم قاطبة لا تحكم بشرع الله تبارك وتعالى، بل تحكم بنظام رأسمالي استعماري خبيث، ينتج عنه العناء والنكد والظلم والفرقة والتشرذم والضعف والهوان والطغيان والاستبداد، وترزح بلاد المسلمين والمسلمون تحت نفوذ الكفار السياسي والعسكري والاقتصادي، بلادنا يتحكم بها الكافر المستعمر، وفي الواجهة حكام ظلمة من جلدتنا، هل الدعوة لإصلاح ذات البين دعوة جادة ومخلصة أم أنها أقرب إلى التدليس والتلبيس من أي شيء آخر؟!
أوضاع المسلمين مزرية لا تسر صديقاً ولا تغيظ عدواً، لا بد من خلعها من جذورها واستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية التي تطبق الإسلام كما طبقه رسول الله r وصحابته الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: 100-105].
هذه الدعوة المتكرره في القرآن الكريم من الله تبارك وتعالى، للحذر من الكفار وعدم طاعتهم والاطمئنان لهم وعدم متابعتهم والأخذ من أفكارهم وعدم اتباع طريقة عيشهم، واجبة الأخذ والالتزام بها بتنفيذ أمر الله تبارك وتعالى والتقيد به، وإن تطيعوا فريقا منهم يردوكم كافرين، من منا يريد أن يرجع إلى الكفر؟ من يجرؤ على العمل لحرمان البشرية من تطبيق شرع الله واتباع منهجه إلا كل عاصٍ معتد أثيم؟
﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ التقوى مراقبة الله في كل لحظة، المراقبة الدائمة التي لا تغفل ولا تفتر لحظة من لحظات العمر، ولا تموتون إلا وأنتم مسلمون، أن تكونوا مسلمين في كل لحظة والاستسلام لله وحده وطاعته واتباع منهجه والاحتكام لشرعه، ويأتيكم الموت وأنتم على هذه الحال، والأخوة في الله التي تنبثق من التقوى والإسلام أساسها الاعتصام بحبل الله المتين، والرابط بينكم هو الإسلام، وليس على أساس قومي أو عنصري أو وطني أو غير ذلك.
لقد جاءت الأمة المسلمة لتنشئ في الأرض حياة إسلامية متميزة على منهج الله وحده، لقد قام وجودها ابتداء على طاعة الله، والإيمان به وبتحكيم كتابه وسنة رسوله r ، لتؤدي في حياة البشر دورا خاصا لا ينهض به سواها، لقد وجدت لإقرار منهج الله في الأرض وتحقيقه في صورة عملية، ويَحظُر على الأمة المسلمة من اتباع غيرها وإلا فسيقودونها إلى الكفر والفسوق والعصيان.
إن الإسلام منهج متميز في تصوره الاعتقادي، وفي الشريعة المنظمة لشؤون حياة الإنسان سواء أكان في السياسة أو الاقتصاد أو النظام الاجتماعي الذي ينظم علاقة الرجل بالمرأة، والإسلام جاء لقيادة البشرية كلها، وقادها ردحا من الزمن، فلا بد من أن يعود الإسلام لقيادة البشرية، وهذا لا يكون إلا باستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة التي تطبق وتحكم وتنظم شؤون حياة الناس بالشريعة الإسلامية على منهاج رسول الله r .
ولخير البشرية جمعاء قبل أن يكون لخير المسلمين أن يحكم الإسلام اليوم قبل الغد. والبشرية بمجموعها تعاني من النظم والمناهج التي أنتجتها وصنعتها بيدها، وليس هناك منقذ لها إلا الإسلام الذي يجب أن يحتفظ بكل خصائصه كي يؤدي دوره للبشرية وينقذها مرة أخرى. إن الحكم بما أنزل الله على رسوله r ضرورة شرعية وضرورة عقلية.
والإسلام هو الوسط الخير المتكافل المتعاون على دعوة الخير، المعروف فيه هو الخير والفضيلة والحق والعدل، والمنكر فيه هو الشر والرذيلة والباطل والظلم، عمل الخير فيه أيسر من عمل الشر، والحق فيه أقوى من الباطل، والعدل فيه أنفع من الظلم، فاعل الخير فيه يجد على الخير أعوانا، وصانع الشر فيه يجد مقاومة وخذلانا، هذا الوسط يتمثل في المجتمع الإسلامي القائم على أساس العقيدة الإسلامية المنبثقة منها الأنظمة والقوانين والأحكام التي تنظم شؤون حياة الناس، والتحاكم لا يكون إلا إلى شريعة الله.
فلا تستقيم الحياة إلا بالتحاكم لشريعة الله، والتحاكم إلى شريعة الله فرض كفرض الصلاة، من لا يتخذ ذلك في حسبانه عن علم وإصرار فإن الإثم يركبه من أمامه ومن خلفه حيث دار، فاعملوا لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية التي تحكم بشرع الله، وتنشر الإسلام في أرجاء المعمورة ليعم الهدى وينحسر الكفر والظلام، وتنعم البشرية بحياة لائقة بالإنسان الذي كرمه الله تبارك وتعالى وخلقه في أحسن صورة.
ربنا ارحمنا وارحم والدينا وتولنا وتب علينا وارحم المسلمين والمسلمات المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إبراهيم سلامة