- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الإسراء والمعراج
قال الله تبارك وتعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1]
سبحان الله تنزيها لله تبارك وتعالى وتعظيما لشأنه، فهو القادر على ما لا يقدر عليه أحد غيره، إنما أمره كن فيكون، سبحانه جل شأنه وتبارك اسمه، وهو الذي جلت قدرته أسرى بعبده محمد ﷺ، ﴿مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ وحوله بلاد الشام، ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾، ومن آياتنا هذا القرآن الكريم الذي يهدي للتي هي أقوم، ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، إن الإسراء والمعراج معجزة بحد ذاته، لكن الإسلام لم يتحد به أحد، وحين ضج الكفار برسول الله ﷺ حين أخبرهم به ووصف لهم بيت المقدس وعِيرَهم وهي تحمل تجارتهم ومتى تصلهم.
ذهب الكفار إلى أبي بكر الصديق، لعله يتعجب كعجبهم ويواطئهم برأيهم فقالوا له: (هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس، حيث قال: أوَقال ذلك؟ قالوا: نعم، فقال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أوَتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة)، وخبر السماء القرآن الكريم معجزة رسول الله ﷺ، التي تحدى بها الله تبارك وتعالى جميع خلقه، من أول يوم بعث به رسول الله ﷺ إلى أن تقوم الساعة، فأين الذين يحتفلون بالإسراء والمعراج وهم يعطلون كتاب الله فلا يحكمون به، ولا ينزلون لحكم الله ولا يحلون حلاله ولا يحرمون حرامه؟! هؤلاء ينطبق عليهم قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾ [الفرقان: 30].
وقال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً * وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً﴾ [الإسراء: 9-11]
إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، في تنظيم شؤون حياة الناس بالشريعة الإسلامية التي أنزلها على رسوله ﷺ، ينظم علاقات الناس ببعضهم على الأسس الوطيدة الثابتة التي لا تتأثر بالرأي ولا بالهوى، ولا تميل مع المودة والمصالح والقربى، يقيم حياة الناس على أساس لا إله إلا الله محمد رسول الله، على الأنظمة والقوانين والأعراف والأفكار والعادات، المنبثقة من العقيدة الإسلامية من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، والله أعلم بمن خلق، وأعرف بما يصلحهم، فيهديهم للتي هي أقوم في نظام الحكم ونظام المال والنظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي والتجارة والقضاء والتعليم، وحتى في العلوم والزراعة، وقد عاش المسلمون لأكثر من عشرة قرون وهم قادة البشرية بغير منازع، ويشهد لهم الداني والقاصي، واتساع بلادهم وآثارهم وأثرهم في حياة البشرية.
﴿وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً * وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾، فهذه هي قاعدته الأصيلة في العمل والجزاء، فعلى الإيمان والعمل الصالح يقيم بناءه، فلا إيمان بلا عمل، ولا عمل بلا إيمان، وبهما معا تسير الحياة على التي هي أقوم، وبهما معا تتحقق الهداية بهذا القرآن، فأما الذين لا يهتدون بهدي القرآن، فهم متروكون لهوى الإنسان الجاهل الذي لا يعلم ما ينفعه وما يضره، ولا يتبع رسول الله ﷺ، ويكون هواه تبعا لما جاء به رسول الله ﷺ،
وقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾ [الإسراء: 73-75]
لقد حاول مشركو قريش كل وسيلة، لثني رسول الله ﷺ عن الإسلام، ساوموه أن يعبدوا إلهه في مقابل أن يترك التنديد بآلهتهم وما كان عليه آباؤهم، وساوموه أن يجعلوه ملكا عليهم، ويجمعوا له مالاً ليصبح أكثرهم مالا، وساوموه أن يجعل لهم مجلسا غير مجلس الفقراء، وغير ذلك من مغريات الدنيا، لكن فضل الله على رسوله ﷺ في تثبيته على الحق وعصمته من الفتنة، ولو تخلى عنه تثبيت الله وعصمته لركن إليهم فاتخذوه خليلا، وللقي عاقبة الركون إلى المشركين وهي مضاعفة العذاب في الحياة والممات دون أن يجد له نصيرا منهم يعصمه من الله.
هذه المحاولات التي عصم الله منها رسوله ﷺ، هي محاولات أصحاب السلطان مع أصحاب الدعوات، محاولة إغرائهم لينحرفوا - ولو قليلا - عن استقامة الدعوة وصلابتها، ويرضوا بالحلول الوسط التي يغرونهم بها مقابل وعود، ومن يفتن بهذا الوعود عن دعوته، لأنه يرى الأمر هينا بسيطا، فأصحاب السلطان لا يطلبون إليه أن يترك دعوته، إنما يطلبون تعديلات طفيفة هنا وهناك، ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق ويدخل الشيطان على حامل الدعوة من هذه الثغرة، فيتصور أن خير الدعوة في كسب أصحاب السلطان إليها، ولو بالتنازل عن جانب منها، لكن الانحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهايتها، وصاحب الدعوة الذي يقبل التنازل في جزء منها ولو يسير، لا يملك أن يقف عند ما سلم به أول مرة، لأن استعداده للتنازل يتزايد مع كل خطوة، والمسألة مسألة إيمان بالدعوة كلها، فالذي ينزل عن جزء منها، مهما كان صغيرا في عينه أو ضئيلاً، لا يمكن أن يكون مؤمنا بدعوته حق الإيمان، فكل جانب من جوانب الدعوة في نظر المؤمن هو حق كالآخر، ليس فيها ضروري ونافلة، وليس فيها ما يمكن الاستغناء عنه، وهي كل متكامل يفقد خصائصه كلها حين يفقد أحد أجزائه.
وأصحاب السلطان يستدرجون أصحاب الدعوات، فإذا سلموا في الجزء الذي يظن أنه بسيط لا قيمة له، فقدوا وضوح الرؤيا وفقدوا جديتهم وإخلاصهم، وعرف المتسلطون أن باب المساومات قد فتح، وتتبعه لا محالة تنازلات تفضي إلى التسليم، والانطواء تحت سقف السلطان الغاشم، والتسليم في جانب ولو ضئيل من جوانب الدعوة لكسب أصحاب السلطان إلى صفها هزيمة لا نصر بعده...
والتمكين والنصر لا يكون، إلا بإخلاص الطاعة والعمل لله ولرسوله ﷺ، باتباع كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وبتنفيذ شرعه وتطبيقه، بتحليل حلاله وتحريم حرامه، حقا وصدقا لا قولا باللسان، قولا لا يتجاوز الشفاه، لذلك امتن الله على رسوله ﷺ، أن ثبته على ما أوحى الله إليه وعصمه من فتنة المشركين له، ووقاه الركون إليهم - ولو قليلا - ورحمه من عاقبة هذا الركون، وهي عذاب الدنيا والآخرة مضاعفا وفقدان المعين والنصير...
الإسراء والمعراج دعوة للالتزام بطاعة الله والثبات على دعوته والعمل لتنفيذ شرعه وإقامة دينه باستئناف الحياة الإسلامية، وبإقامة الدولة الإسلامية على منهاج رسول الله ﷺ، التي تطبق شرع الله كما طبقه ونفذه رسول الله ﷺ والخلفاء الراشدون من بعده، وما ذلك على الله ببعيد، والمطلوب من المسلمين الطاعة المطلقة لله ولرسوله ﷺ، والالتزام بدين الله بإخلاص العمل وصدق التوجه ونصرة دينه تبارك وتعالى. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون...
ربنا اغفر لنا إسرافنا في أمرنا وتولنا وتب علينا واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إبراهيم سلامة