- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة مجموعة خطب
(1)
لا طريق للتغيير الحق سوى طريق واحد
إن الحمد لله منزل السحاب وهازم الأحزاب السميع العليم القوي الشديد المتين، حمدا كثيرا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله وصفيه، صلوات ربي وسلامه عليه، بلغ الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في الله حق جهاد حتى أتاه اليقين، ونحن على ذلك شاهدين وسائرين.
أيها الناس: يقول الحق تعالى في محكم كتابه في سورة المائدة ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
إن هاتين الآيتين تتحدثان عن وجوب الحكم بما أنزل الله، وهناك بضع وثمانون آية في القرآن العظيم كتاب ربنا تتحدث عن الحكم بما أنزل الله وتحثنا على الحكم به، وهذا ليس من باب العبث، لا والله وحاشا لله، بل لفرضيته وعظمته وعدله لأنه من الله، فهل بات الحكم بما أنزل الله ماثلاً وقائماً بيننا؟ ويسأل سائل هل لو كان الحكم بما أنزل الله قائماً وحادثاً، هل سيؤول حال الأمة إلى ما نحن عليه اليوم من بأس وشقاء ودماء؛ أمة يقتلها الفقر والجوع والجهل والحروب والدمار والفرقة وتسلُّط أعدائها عليها فورثوها الذل والهوان؟ وقد قال الرسول ﷺ في ذلك فعن أبي أسماء الرحبي، عن شداد بن أوس يرفعه إلى النبي ﷺ: أنه قال: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَإِنِّي أُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ قَوْمِي بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا، وَلَا يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَلَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِمَّنْ سِوَاهُمْ فَيُهْلِكَهُمْ بِعَامَّةٍ، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَبَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا، وَبَعْضُهُمْ يَسْبِي بَعْضًا». فقال النبي ﷺ: «إِنِّي أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ، فَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي، لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». وقال رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».
نعم لماذا أصبح هكذا هو الحال والمقام والمقال؟
ما أشبه الليلة بالبارحة وما أشبه حالنا اليوم بحال قبائل العرب قبل الإسلام من تشرذم وفرقة واقتتال وتسلط الفرس والروم عليهم، الدول الكبرى آنذاك، مع فارق أنهم كفار يعبدون الأصنام ويقدسون قوانين قريش الوضعية، أما نحن فمسلمون ونعبد الله ولكن نتبع قوانين قريش عام 2019 والمتمثلة اليوم بقوانين الرأسمالية وأحكامها وأممها المتحدة، فدستورنا دستور علماني فرنسي استقبلته مصر ونشرته لبلاد المسلمين وكل بلد منها فصله حسب قياسه ومقاييسه وعاداته وتقاليده، وكذلك مع فارق تغير وتقدم العلم والوسائل والأساليب، فماذا فعل رسول الأمة حيال ذلك؟ فماذا فعل حتى نهض بقريش والعرب؟ فهل ذهب للروم والفرس ليتشرب ثقافتهم ودستورهم وحضارتهم؟ وهل شارك مجتمع مكة ونظامها وحكومتها وهو نظام حكم بغير ما أنزل الله رغم أنهم رحبوا بذلك أشد ترحيب؟ أو هل شكل فرقة وقتل الكفار كفار قريش؟ أو هل شكل وأنشأ جمعية خيرية لفقراء المسلمين لمعونتهم؟ وهل تحالف وانضم لقبيلة عامر بن أبي صعصعة والتي اشترطت عليه الحكم من بعده والتي كانت طامعة في دولة محاصصة الأولى لبني هاشم والثانية لها فيما يسمى بتداول السلطة اليوم فإذا كانت الأولى لبني هاشم والثانية لبني صعصعة فمن لآل المسلمين وهم كثر؟ فهل قبل ذلك؟ أم رد عليهم وقال صلوات ربي وسلامه عليه: «الأَمْرُ إِلَى اللهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ»؟ وهل قبل الحكم المشروط كذلك من قبيلة بني شيبان عندما قبلت أن تمنع الرسول ﷺ ولكن من العرب أما العجم فرفضت ذلك لأنه بينها وبينهم عهد وميثاق؟ فقد يقول قائل لماذا لم يحسب الرسول ﷺ الأمر عقليا وبقاعدة (نتمسكن نتمسكن لما نتمكن)؟ فهل فعل ذلك أم أبى كل ذلك ولم يقبل إلا أمر الله وهو حكم الشرع لا حكم العقل؟ نعم لم يقبل إلا حكم الشرع، أي حكم الإسلام، أي أفكار الإسلام. لذلك كان ﷺ تغييره فكريا لا أي من هذه الطرق المخالفة والضالة للطريق القويم. قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبيلِي أَدْعُو إلى اللهِ عَلَى بَصيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتبَعَنِيِ وسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكينْ﴾ فلم يقبل سبل الشيطان المخالفة لأمر ربه واتبع سبيل الله فالتزم بالطريق التي رسمها له رب العزة وهي إنشاؤه لكتلة عمل فيها على:
1- الأمر الأول: تثقيفها بثقافة الإسلام عقيدةً وأحكاماً، عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله وما انبثق عنها من أحكام الشرع في الحكم والاقتصاد والمعاملات والقضاء وغيرها بحيث إن هذه الثقافة تصبح جزءاً منهم لا يعقلون ولا يحيون إلا بها، أي وفق الحلال والحرام وليس المصلحة والهوى، فهذا هو دينهم وديدنهم حتى لو عارضت هوى مجتمعهم وأفكاره ومعتقداتهم، وهكذا كان الحال والمقال فقد كانوا يتعرضون للأذى بسبب مخالفة أفكار الإسلام لأفكار الكفر ورغم ذلك كانت شيمتهم التحدي والثبات والعزيمة والصبر على الأذى، وما يأتي الصبر إلا بالنفس المؤمنة القوية التي تثبت على الحق وترى الجنة والنار رأي العين لا حديثا مفترى أو إنشاء أو شعرا دون واقع، بل عقيدة جازمة في القلب والعقل تدفع صاحبها للتضحية في النفس والمال والأهل كحال أصحاب الأخدود وماشطة فرعون في الأمس ومسلمي الروهينجا وآسيا الوسطى وتركستان الشرقية في الصين اليوم. هذه هي الشخصية الإسلامية التي أنشأها رسول الله ﷺ والتي تتميز بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، عقلية يتزود صاحبها بالثقافة الإسلامية أي أفكار الإسلام وأحكامه حتى يكون نبراساً يهدي طريق الآخرين ويفرض هذه الأفكار في مجتمعه بالدليل القاطع والحجة الدامغة والبرهان الحق لا تأخذه في الله لومة لائم، وكذلك تتميز هذه الشخصية بالنفسية الإسلامية وهي النفسية التي تعتصر شوقا وقربا وحبا للقاء الله في الدنيا وذلك بالتزود بالطاعات والقربات من صيام ونسك وصدقة وصلاة ودعاء، فأقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد بين يديه آناء الليل يخشى الآخرة وسعيرها، وابتهاجا آخر حين لقاء الله وحين انتهاء الأجل، فمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه... فاللهم اجعلنا من المتقين واجعلنا من المرضيين عنهم وممن يحبون لقاء الله ويحب الله لقاءه.
2- الأمر الثاني: تفاعل هذه الكتلة مع أفكار الإسلام وأحكامه وذلك بعد تفهمها لهذه الأفكار واقتناعها بها يقينا فإن هذا يدفعها لنشر هذه الأفكار والأحكام التي اقتنعت بها وخوضها الصراع الفكري والكفاح السياسي، أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالإيمان يدعو للعمل، الإيمان يدعو للعمل، نعم كتلة تدعو في كل مكان؛ في الشارع، في السوق، في البيت، في العمل، في طابور ما، في كل مكان وزمان ما استطاعت إليه سبيلا. نعم تدعو البشر إلى الصلاح وإلى الحق، فمن هؤلاء من يستجيب ثم لا يلبث أن يحجم عن الدعوة لسبب ما، يعالج السبب ويتابع عليه حتى يصلح حاله ويقوم اعوجاجه، ومنهم من يستجيب ويثبت على الحق، فهم بحق بشر وليسوا بآلة... نعم بشر لهم فكر يقوى ويضعف ومشاعر تلتهب وتبرد وقناعات تتغير حسب وعي الشخص وإدراكه وعلمه... ولكن الذي يبقى سيد الموقف هو الفكر والحجة التي يجب الأخذ بها أخذا بالأسباب وما نحن مكلفون به من الله، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾. ويستمر عرض الفكر والنقاش والحوار والدروس والمواعظ والحجة بالحجة والبرهان بالبرهان حتى يتكون عند الأمة رأي عام إيجابي في المجتمع نحو الفكرة والدعوة التي يُدعى لها، فتحتضن هذه الفكرة والكتلة احتضانا طبيعيا لأن هذا الاحتضان كان ناتجاً عن قناعة بأفكار الإسلام المقنعة للعقل والموافقة للفطرة التي فطر الله الناس عليها فتتحقق السعادة والرضا، وذلك كما احتضن مجتمع المدينة الفكر الذي أتى به سفير الإسلام الذي أرسله الرسول ﷺ مصعب بن عمير حينما أقنع سكان المدينة وقبائل المدينة وسيد بني عبد الأشهل سعد بن معاذ والذي كان يمثل أهل القوة والمنعة في المدينة فآمن بالفكرة الإسلامية ونصرها نصراً مؤزرا، فعلى هذه الجماعة أن تذهب لطلب النصرة اليوم ممن يملكونها، ضباطاً وجنرالات في الجيش أو قادة قبائل مؤثرين ليجددوا سيرة الأنصار رضي الله عنهم.
3- الأمر الثالث استلام الحكم، وهذا يكون بعد إيجاد رأي عام في الأمة مبني على وعي عام، فتقوم الجماعة بدعوة أهل القوة لهذا الفكر لكي يُسَلِّمُوا ويوصلوا الإسلام ورجاله للحكم، فها هو رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه يطلب النصرة من أهل القوة وهي في ذلك الوقت 15 قبيلة وترفض كل عروضه، فقد عرض على ثقيف وأبت ورجموه بالحجارة حتى اندمت قدماه الطاهرتان، هو بأبي وأمي ومن في الأرض جميعا، ثم يسير حزينا ويعتصر قلبه ألما لامتناعهم عن نصرته ورغم الألم والكَلَمْ فلم يتوجه للروم ولا للفرس بل لله عز وجل يشكي ويبكي حزنه وبثه إليه فيقول دعاءه الذي تعتصر له القلوب وتذرف له المقل «اللَّهُمَّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي، وَقِلّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ! أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي؟ أَمْ إِلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِكَ» وهذا الحدث العظيم إن دلّ فإنما يدل على فرضية هذا الدور إضافة للدورين السابقين في إقامة القوة والكيان والدولة التي تحمي المسلمين وتجعلهم يبلغون دين الإسلام من خلال هذه الدولة، قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ وقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾، فهي أدوار مهمة وعظيمة، كل يأتي بعد الآخر ولا غنى لأحدها عن الآخر، فبها يوصل الإسلام للحكم. فهل سارت الحركات بهذه الخطوات الشرعية أم خالفت الطريق وأبلت بلاءً سيئا؟
إن الكثير من الجماعات اليوم خالفت طريقة الإسلام في التغيير ظنا منها أن كل حركة لها اجتهادها وطريقتها مع أن طريقة تغيير الواقع هي طريق واحد لا غير لأنها من أحكام الطريقة؛ فالطريقة في الإسلام لأي حكم شرعي فرض وليست اختيارية حسب الهوى، فقطع يد السارق وجلد الزاني و2.5% من الزكاة وطريقة أداء الصلاة ومناسك الحج والصيام وشروط انعقاد الخلافة للحاكم وعزله لمخالفته للشروط مثلا... كل هذه طرق لأحكام شرعية يجب الالتزام بها، فهل يجوز مخالفة أي مما سبق فلا نقطع يد السارق أو جعل مقدار زكاة المال 5% مثلا ونغير من طريقة أداء الصلاة مثلا؟ لا شك أنه لا يجوز. كذلك طريقة إقامة دولة الإسلام فهل الإسلام أوجد طريقة للطهارة والوضوء وعجز عن إيجاد طريقة لإقامة الدولة؟ إن طريقة إقامة الدولة أثبتها القرآن والحديث والسيرة والفقه وحث عليها الشرع، فهي طريقة شرعية وطريقة عملية لإقامتها، من اعتصم بها وصل ومن خالفها شقي وضل. وكثير من الجماعات قد قامت بمخالفة طريقة الرسول ﷺ؛ فمنها من استخدم العنف للوصول للسلطة وأعادت الأمة للخلف فخلفت الدمار والشقة بين شرائح الأمة وأبنائها وبين هذه الأحزاب، ومنها من استخدم الديمقراطية طريقا للوصول للحكم ومن ثم على رأيها إيصال الإسلام للحكم فقد وصلت للحكم كحركة إسلامية ولم توصل الإسلام كمبدأ عقيدة ونظام للحكم، فاستمر الحكم كما سبق؛ حكماً ديمقراطياً علمانياً مفصولاً فيه الدين عن الحياة، وصار كل ناهق حاقد على الإسلام يتشفى ويصبّ جام غضبه عليه ويفرغ سمه فيه بقوله إن الإسلام السياسي لا يستطيع الحكم! رغم أن العيب في الحركات وليس الإسلام. ومن هذه الحركات من أطاع الحكام المأجورين بحجة أنهم أولياء أمور، فهل نحكم نحن اليوم بما أنزل الله؟ ومن ثم هل الحاكم الذي يحكمنا بغير ما أنزل الله هو ولي أمر طالما أن الحكم القائم ديمقراطي تنتشر فيه الرذيلة بحجة الحريات وحرية المرأة وانتشار للربا والزنا والقتل وغيرها من المعاصي وكذلك من تسلط أعداء الإسلام علينا؟؟ ومن الحركات من أدخل الأمة في صراعات وفتن مذهبية هي بغنى عنها بحجة محبة الصحابة أو محبة آل بيت رسول الله؟ إن مُفرّقات الأمة كثيرة منها على أساس قومي عربي أو عجمي أو تركي أو أمازيغي، ومنها على أساس وطني مصري عراقي يمني تركي أوزبيكي صومالي... وهكذا، ومنها على أساس طبقي وما يسمى سيد أو بدوي أو حيك أو قبيلي... مفرقات ما أنزل الله بها من سلطان أو حجة أو برهان رغم أن الصحابة رضوان الله عليهم كان منهم عبد الرحمن بن عوف يشتغل ببيع الجبن وعلي بن أبي طالب كان يشتغل بالحفر يحفر كل دلو بتمرة، وذاك يشتغل ببيع اللحم وكل حرفة حلال بارك الله فيها وفي أصحابها... فمن الذي أعز ذاك أو ذاك فهل النسب أو العربية أو الطبقية أو الوطنية أم هو الإسلام؟ فهذا بلال بن رباح حبشي أين هو؟ أليس في الجنة؟ وأين أبو لهب وهو من سادة قريش ومن أنسب العائلات وعم رسول الله ﷺ فأين هو؟ أليس في جهنم؟ إذا أين الميزان أيها المسلمون أليس التقوى؟
ألم يقل رب العزة في محكم كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ وكما قال رسول الله: «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ إِلاّ بِالتَّقْوَى» وقال ﷺ: «وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا» فهل الله عادل أم - حاشا لله - ظالم؟ بل هو العدل وهو الحق. نحن قوم أعزنا الله بماذا؟ بالإسلام، فلو ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. وهذا هو واقعنا؛ ابتغينا العزة بغيره فأذلنا الله! نسأل الله العظيم أن يعلي شأننا بالإسلام العظيم ويزيل عنا الأحقاد ويؤلف بين قلوبنا بالإيمان إنه سميع قريب مجيب... هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين إنه غفور رحيم، أثابكم الله...
------------------
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على النبي المجتبى صلوات ربي وسلامه عليه وبعد...
إن الإسلام عظيم وجعل لنا منهجا قويما سليما معافى من كل عيب، فمن التزم به نجا وهدى، ومن خالفه ضل وشقى، وهذا هو حال الأمة بعد غياب الإسلام وفكره ودولته... فالله الله يا أمة الإسلام بالعمل والعمل بما عمل به رسولنا الكريم ﷺ، فقد أنشأ الدولة وضم كل من حولها، فالعلم العلم والعمل والعمل بذلك، بطريقة الرسول ﷺ، ويكفينا ما قامت به المؤسسات والدول والحكومات وبعض الأحزاب المأجورة للغرب الكافر من أعمال أغرقت الأمة من ضنك إلى ضنك ومن شقاء إلى شقاء، فالفكر الفكر فانشروا أفكار الإسلام ومفاهيمه الحق والتي بها ترتقي من شاهق إلى شاهق ومن سامٍ إلى أسمى، فهلمَّ بأحكام الاقتصاد والحكم والقضاء والتعليم وغيرها من أحكام الإسلام لأننا بها ندفن أفكار الرأسمالية والديمقراطية العفنة والتي تحكمنا اليوم في كل مناحي الحياة والتي أذاقتنا لباس الخوف والجوع والضنك والبأس والشقاء. لذلك كان حريا بنا أن نفهم هذه الأحكام للعمل على نشرها، ولتعلموا أن الغرب الكافر ينظر لنا نظرة واحدة أننا مسلمون، فهو يحاربنا بصفتنا مسلمين، فاعتصموا بالحبل الذي أمركم الله الاعتصام به وأوجدوا دولة واحدة لكم تحميكم وتطبق شرع ربكم وتخرج البشرية من الظلمات إلى النور... الغرب الكافر أدرك أين مصدر قوتكم وعزتكم وهو وجود دولة واحدة لكم تطبق الإسلام؛ فيها حاكم واحد وجيش واحد وبقية أرض واحدة وتعمل على نشر الإسلام للعالم، فعمل على هدمها ونجح في عام 1924م فتمزق المسلمون بهدمها كل ممزق... قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾. اللهم طمئن قلوبنا وعقولنا بالإسلام وأحكامه، اللهم أعزنا به وارفع راية الحق خفاقة يا أرحم الراحمين، اللهم ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك، اللهم ائذن لأهل الأرض أن يحكموا بشرعك وخلافتك دولة توحد المسلمين وتلم شعثهم وتعيد قدسنا وتنقذ أهلنا في مشارق الأرض ومغاربها، فقد اشتقنا لها وتقنا لها ولعودتها آمين آمين... عباد الله إن الله يأمركم بثلاث وينهاكم عن ثلاث إن الله يأمركم بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.
إعداد: عبد الرحمن العامري – ولاية اليمن