- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
رحمة الله تبارك وتعالى
قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ * قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ * إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ * وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: 106-112]
إن في هذا القرآن لبلاغا لقوم عابدين، والعابد خاشع القلب طائع متهيئ للتلقي والتدبر وتنفيذ أمر الله ونهيه والالتزام بتطبيق شرعه وإقامة دينه والحفاظ عليه ونشره، ولقد أرسل الله رسوله رحمة للناس كافة بشيرا ونذيرا، يهدي به الله المستعدون لطاعته وتنفيذ أمره ونهيه. إن المنهج الذي جاء به رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، منهج يسعد البشرية كلها ويقودها إلى طريق الكمال في هذه الحياة، ولقد جاءت هذه الرسالة للبشرية جمعاء، شاملة كاملة تنظم مناحي حياتهم، في شؤون نظام الحكم، وتوزيع الثروة، وحقوق الملكية، وإشباع حاجاتهم الأساسية في النظام الاقتصادي، وتحقيق العدل والإنصاف وفض التخاصم والتنازع بينهم، في القضاء العادل النزيه، وتنظيم علاقة الرجل بالمرأة وشؤون الأسرة والأبوة والأمومة، والميراث في النظام الاجتماعي.
والله تبارك وتعالى أعلم بخلقه، وهو اللطيف الخبير، ولقد أثبتت الحياة الفعلية للمسلمين على طول أكثر من ثلاثة عشر قرنا من حياة البشرية، نجاعة وصحة العقيدة الإسلامية وخيريتها وما ينبثق عنها من أنظمة وأحكام وأفكار وقوانين، تنظم حياة الإنسان في نظام فريد مميز يحترم إنسانيته ويحافظ عليها بإنسانية حقيقية صادقة.
ومنهج الإسلام منهج متوازن يوافق فطرة الإنسان، فكافة التكاليف التي يضعها على كاهل الإنسان في حدود طاقته وقدرته ولمصلحته وإصلاح أمره، ورسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة لقومه وللبشرية جمعاء، مؤمنها وكافرها، لا فرق لعربي على عجمي إلا بالتقوى، وليس لقوم على قوم أو جنس على جنس أو مكان سكن أو ولادة شأن يتعدى الأحكام الشرعية الخاصة بها، فالعقيدة الإسلامية وما ينبثق عنها من أنظمة، هي الرابط بين المسلمين وهي التي تشكل وتنشئ المجتمع الإسلامي، وجميع من يدين بالولاء للدولة الإسلامية بغض النظر عن دينه فهو من رعاياها، وله حق الرعاية المباشرة الشخصية.
والناظر إلى أمم أوروبا وأمريكا يجدهم إلى اليوم يتمسكون بعنصرية بغيضة قد حاربها الإسلام منذ نيف وأربعمئة وألف عام، إن الإسلام رحمة للبشرية، وإن محمدا صلى الله عليه وسلم إنما أرسل رحمة للعالمين، من آمن به ومن لم يؤمن به على السواء.
ومن أبرز معاني الرحمة، ما يواجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفار والمستهزئين برسالة التوحيد التي تنبع منها الرحمة للعالمين ﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
فالتوجه لعبادة الواحد الأحد، التوحيد المطلق الذي ينقذ البشرية من أوهام العبودية، ومن ضغط الوهم والخرافة، ويقيم الحياة على أساس أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وليس وفق أهواء أو شهوات أحد ما، كأن يكون طبقة من الناس أو عائلة أو زعيما أو وطنا أو أي وثن، ويسألهم سؤالاً استنكاري ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾؟
تدّعون الإسلام، ولا تطبقون شرع الله، وتبطشون بالمسلمين لحد قتلهم لأجل سلطان غاشم ظالم، وتتولون الكفار وهو محرم عليكم، وتبغون العزة عند غير الله ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾؟ ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ فإن أصررتم على غيكم وتماديتم بهجر شرع الله فأنا وأنتم على علم سواء بمن سيقع عليه عذاب الله، وسوء عاقبة أمره، ولا عذر لمعتذر، فليذوقوا وبال أمرهم، ﴿وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ﴾ الله وحده لا إله إلا هو يعلم متى يأخذكم بعذابه في الدنيا والآخرة، وهو يعلم سركم وجهركم، فما يخفى عليه منكم خافية ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ﴾ فحالكم مكشوف لرب العالمين، لا تخفى عليه خافية، وإذا أخر عنكم العذاب فحكمة تأخيره عند الله ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾، ويتوجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه وقد أدى الأمانة وبلغ الرسالة ﴿قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ الله ربنا الرحمن الرحيم، تبارك وتعالى هو الذي أرسل رسوله رحمة للعالمين، فكذب به المكذبون واستهزأ به المستهزئون، وهو الكفيل بأن يرحم رسوله ويرحم المؤمنين، ويمكن لهم دينهم ويثبت أقدامهم.
أورد البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه: «أَيُّ الْخَلْقِ أَعْجَبُ إِلَيْكُمْ إِيمَانًا؟»، قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ، قَالَ: «وَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟»، قَالُوا: فَالنَّبِيُّونَ، قَالَ: «وَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ؟»، قَالُوا: فَنَحْنُ. قَالَ: «وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟»، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَعْجَبَ الْخَلْقِ إِلَيَّ إِيمَانًا لَقَوْمٌ يَكُونُونَ بَعْدَكُمْ يَجِدُونَ صُحُفًا فِيهَا كِتَابٌ يُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهَا».
وقال الله تبارك تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد: 28] إن تقوى الله تبارك وتعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم تحتم على المؤمنين العمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية التي تحكم بالإسلام على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتم تطبيق شرع الله وتنفيذ أمره ونهيه وتحليل حلاله وتحريم حرامه.
وقد استبدلت بشريعة الله عز وجل قوانينُ وضعية وضعها الكفار، وفرضت على المسلمين منذ أكثر من مئة عام، والمسلمون يرزحون تحت أحكام قوانين وضعية تسومهم سوء العذاب، والبطش والذل والمهانة أفسدت عليهم حياتهم ومنعتهم من العيش حياة إسلامية رشيدة ينظمها ويحكمها شرع الله تبارك وتعالى،
فاستحقاق رحمة الله وجنته وغفرانه لا تكون إلا بطاعة الله سبحانه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، بتطبيق شرعه وتنفيذ أمره والانتهاء عن نهيه وتحليل حلاله وتحريم حرامه، بالعيش حياة إسلامية في دولة إسلامية تطبق شرع الله حقا وصدقا ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وارحمنا وارحم والدينا وارحم المسلمين والمسلمات المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إبراهيم سلامة