الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

سلسلة مجموعة خطب

(2)

افتقاد الأمة لنظام الخلافة يورثها الهلاك


 

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة. الحمد لله على نعمة الإسلام ونعمك يا رب التي لا تعد ولا تحصى، رب أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وأن نعمل صالحا فيما تركنا ونسبحك يا رب بكرة وأصيلا؛ عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك، ما كان وما هو كائن وما يكون، ونستغفرك ربي استغفار المذنبين الخاضعين الذليلين المستسلمين الذين لا حول لهم ولا قوة إلا بك، فالله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، نستغفرك ونعوذ بك من شرور حكامنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله عليك يا قمر الهدى، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد،

 

سوف نتحدث اليوم في هذه الخطبة عن فقرة من فقرات الإسلام والتي بها تقيم صلبه وعموده الفقري وتصلحه وتجعله قويا منيعا سديدا، فقد قال خير البشرية ﷺ: «لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا: الحُكْمُ، وَآخِرُهُنَّ: الصَّلَاةُ» وها هو قد ضاع الأول وضاع الآخر، ضاع الحكم بما أنزل الله وضاعت الصلاة! نعم صدقت يا رسول الله، وقد تحدث ملك الملوك، الله عز وجل، في آياته العظمى في بضع وثمانين آية عن الحكم منهاـ وقال تعالى ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُوَلِئَكَ هُمُ الكَافِرُونَ﴾ نعم الحكم وأي حكم؟ الحكم بما أنزل الله وهو رأس الطاعات، المسألة المصيرية التي نحيا ونموت من أجلها، فإن حكم بما أنزل الله صلحت الدنيا وإن حكم بغير ما أنزل الله فسدت وأصبحت علقما وملحا أجاجا. فقد جاء في تفسير ابن كثير على الآيات السابقات: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن محمد بن الحسن الشيباني قال: حدثنا أحمد بن حماد بن زغبة قال: حدثنا حامد بن يحيى بن هانئ البلخي قال: حدثنا سفيان قال: حدثني عمرو بن دينار عن أبي سلمة، عن أم سلمة: أن الزبير بن العوام خاصم رجلا فقضى رسول الله ﷺ للزبير، فقال الرجل: إنما قضى له أنه ابن عمته. فأنزل الله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ...﴾ الآية. فذاك الرجل لم يؤمن ليتّهم رسول الله بأنه يقف بصف ابن عمته في الحكم وهو الذي قال على ابنته: «وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا» فكيف يكون رسول الله في هذا الموقف غير عادل؟ نعم أيها المسلمون، إنه العدل وهو أساس الحكم، والحكم هو حكم بما أنزل الله. نعم أيها المسلمون فقد أمرنا الله عز وجل بالحكم بما أنزل على نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام فكيف نحكم بما أنزل الله؟ هل جميع المسلمين يسيرون لقصر الرئاسة ويحكمون بما أنزل الله؟ أم يوكلون أمرهم إلى شخص ينوب عنهم في الحكم؟ نعم ينتخبون حاكماً يقوم بذلك، ولكن يا ترى ما هو شكل الحكم الذي يحكمنا به هذا الحاكم؟ وما هي قواعده؟ وما هي أجهزته؟

 

إن نظام الحكم في الإسلام ليس ملكيا والذي يقوم على الوراثة للابن وللأقارب، فلا توجد فيه قوانين وضعية من البشر ولا تميز الحاكم بقوانين تفوق الكل مهما ظلم وأساء كما في النظام الملكي. وكذلك ليس هو نظاما جمهوريا والذي أنْشِئ أساسا كردة فعل من طغيان النظام الملكي الذي كان فيه الملك سيداً وسلطاناً يحكم ويتصرف في البلاد والعباد كيفما يشاء، فهو الذي يضع التشريع، فجاءت الأنظمة الجمهورية لتنقل السيادة من الحاكم إلى أن تكون السيادة للشعب وليس لله فيما يسمى بالديمقراطية، فالشعب هو الذي يحلل ويحرم ويسن القانون كيفما يشاء وليس الله عز وجل. وكذلك الحكم في الإسلام ليس اتحاديا تنفصل فيه الأقاليم والولايات بالاستقلال الذاتي وتتحد في الحكم العام، تنفصل في المال والجيش والدستور. وليس نظاما إمبراطوريا لا يساوي بين الأجناس ويخص مركز الإمبراطورية في المال والحكم والاقتصاد ولا يساوي بين المحكومين ويجعل الأقاليم مستعمرات وأماكن استغلال. فهو ليس ذلك إطلاقا... إن نظام الحكم في الإسلام نظام متميز، قوانينه من الله لا يشوبها أي خلل أو أي عيوب أو ظلم، نظام متميز هو نظام الخلافة مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ وقد جاء في الحديث الذي رواه الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن الخلافة التي تكون على منهاج النبوة حيث قال عليه الصلاة والسلام: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةٍ. ثُمَّ سَكَتَ». فهو نظام فريد من نوعه مصدره رب البشر وهو الطريقة التي تحكم بها دولة الإسلام المسلمين، ويجري ذلك بانتخاب المسلمين لشخص ما تتحقق فيه شروط الخلافة ثم يبايع هذا الرجل الذي اختير من بين عدة أشخاص على السمع والطاعة فيما إذا حكم بما أنزل الله، فإذا خالف ذلك فلا سمع ولا طاعة، وإذا خالف شرطاً من شروطها كأن فقد عقله مثلا أو أسر أسراً غير مأمول الخلاص منه أو مرض مرضا لا يستطيع به القيام بأعباء الخلافة أو حكم بغير ما أنزل الله عزلته محكمة المظالم الموكلة بذلك.

 

إن نظام الخلافة، أيها الناس، هو النظام الذي أوصى به رسول الرحمة؛ روى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي ﷺ قال: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ تَكْثُرُ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» فهذا الحديث صريح بأن شكل نظام الحكم في الإسلام بعد الرسول ﷺ هو نظام الخلافة، ويؤيد ذلك ما جاء في أحاديث عديدة من جعل الإمامة، أي الخلافة، هي وحدها نظام الحكم في الإسلام، كحديث: «سَيَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ...» وحديث: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ...» إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على أن نظام الحكم في الإسلام هو نظام الخلافة ليس غير. فنظام الخلافة وعد ربنا وبشرى رسولنا صلوات ربي وسلامه عليه، وهو نظام حق وعدل. لذلك كانت قواعد الحكم في الإسلام تقوم على أربع، وهذه القواعد أُخذت بالاستقراء من الأدلة الشرعية، وهي:

 

1ـ السيادة للشرع لا للأُمة.

 

فالسيادة يراد بها الممارِس للإرادة والمسيّر لها، فالفرد إذا كان هو الذي يُسَير إرادته، ويمارسها كانت سيادته له، وإن كانت إرادته يمارسها غيره ويُسيّرها، كان عبداً، والأمّة إذا كانت إرادتها، أي مجموع إرادة أفرادها مسيرة من قبلها، بواسطة أفراد منها، تعطيهم برضاها حق تسييرها، كانت سيدة نفسها، وإن كانت إرادتها مُسيّرة مِن قِبَل غيرها جبراً عنها كانت مستعبدة، ولهذا يقول النظام الديمقراطي: السيادة للشعب، أي هو الذي يمارس إرادته، ويقيم عنه من يشاء، ويعطيه حق تسيير إرادته. هذا هو واقع السيادة الذي يُراد تنزيل الحكم عليه. أما حكم هذه السيادة فهي أنها للشرع وليست للأُمّة، فالذي يُسيّر إرادة الفرد شرعاً ليس الفرد نفسه كما يشاء، بل إرادة الفرد مُسيّرة بأوامر الله ونواهيه. وكذلك الأمة ليست مسيرة بإرادتها تفعل ما تريد، بل هي مسيرة بأوامر الله ونواهيه. والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ وقوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً

 

2ـ السلطان للأمة: وأما قاعدة السلطان للأمة فمأخوذة من جعل الشرع نَصبَ الخليفة من قِبَل الأمة، ومن جعل الخليفة يأخذ السلطان من هذه البيعة. أما جعل الشرع الخليفة ينصب من قبل الأمة فواضح في أحاديث البيعة، روى مسلم عن عبادة بن الصامت قال: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ».

 

3ـ نصب خليفة واحد فرض على المسلمين. أما القاعدة الثالثة وهي نصب خليفة واحد فرض على المسلمين فإن فرضية نصب الخليفة ثابتة في الحديث الشريف الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله ﷺ قال: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخِرَ مِنْهُمَا» وهذا صريح بتحريم أن يكون للمسلمين أكثر من خليفة.

 

4ـ للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية فهو الذي يسن الدستور وسائر القوانين. للخليفة الحق في أن يتبنى حكما شرعيا باجتهاد صحيح ويجعله قانوناً يخضع له كافة المسلمين، فهو باجتهاد وليس من عقله وذهنه بل وفق دليل من مصادر التشريع وبالتالي الخليفة مُقيّد في التبني بالأحكام الشرعية، فيحرم عليه أن يتبنى حكماً لم يُستَنبط استنباطاً صحيحاً مِنْ الأدلة الشرعية.

 

فهذه قرائن قوية على وجوب الحكم بالإسلام وعدم جواز تفرق الأمة لدولتين، فما بالنا اليوم في بضع وخمسين دويلة ولا تحكم بنظام الخلافة بل بأنظمة وضعية وتبعية وعمالة للكفار؟ تستحق غضب الله وسخطه، لذلك كان نظام الخلافة مميزا ومن نوع خاص، فأساسه أحكام الإسلام ومصادر التشريع من كتاب وسنة وإجماع صحابة وقياس شرعي، ومن هذه المصادر استنبط القانون والدستور وليس كما هو حالنا اليوم دستور وضعي بشري من فرنسا! فهو ليس:

 

1-     ليس وراثيا بل يأخذ الحاكم الحكم بالبيعة ولا يميز الحاكم بأية ميزة أو قانون أو حقوق مثله مثل سائر الأمة والرعية، يخضع لحكم الإسلام كأي فرد، فهو ليس رمزا بل هو نائب عن الأمة في تطبيق الشرع، فهو مقيد بأحكام الشرع لا أحكام الزعامة. هذا وقد ورد في الطبقات الكبرى رواه ابن سعد حيث كان عمر بن الخطاب يأمر عماله أن يوافوه بالموسم فإذا اجتمعوا قال: "أيها الناس، إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم ولا من أموالكم، إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم وليقسموا فيئكم بينكم، فمن فعل به غير ذلك فليقم" فما قام أحد إلا رجل واحد قام فقال: "يا أمير المؤمنين إن عاملك فلانا ضربني مائة سوط" قال: "فيم ضربته؟ قم فاقتص منه". فقام عمرو بن العاص فقال: "يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك ويكون سنة يأخذ بها من بعدك" فقال: "أنا لا أقيد وقد رأيت رسول الله يقيد من نفسه". قال: "فدعنا فلنرضه". قال: "دونكم فأرضوه". فافتدى منه بمائتي دينار كل سوط بدينارين.

 

2- يساوي نظام الخلافة بين المحكومين وكذلك يساوي بين الولايات وخاصة العاصمة فلا فضل على واحدة دون الأخرى، فلا فرق في الحكم والمال والاقتصاد، وينكر العصبيات. قال رسول الله: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ» فهو يساوي بين الرعية سواء المسلم أو الذمي في الحقوق والواجبات والقضاء وغيرها. هذا وقد أوصى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة من بعده في أهل الذمة أن يوفى لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم وألا يكلفوا فوق طاقتهم، فقد مر عمر رضي الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل شيخا كبيرا ضرير البصر فضرب عضده من خلفه وقال: "من أي أهل الكتاب أنت؟" قال: "يهودي". قال: "فما ألجأك إلى ما أرى؟" قال: "أسأل الجزية والحاجة والسن". قال: "فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه فوالله ما أنصفناه، أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم". قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ والفقراء هم المسلمون وهذا من المساكين من أهل الكتاب ووضع عنه الجزية وعن ضربائه. نعم أيها المسلمون فقد مات اليهودي ومات عمر وسنموت وكلٌّ ميت، قال تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ ولكن الحق حي لا يموت وسيحاسبنا على كل كبيرة وصغيرة. لقد كان من الممكن أن يهمل عمر اليهودي ويتركه دون اعتبار لكن أيها المسلمون التقوى والخوف من الله واستشعار المسؤولية، مسؤولية لقاء الله، فهل كلنا مستشعرون ذلك ومستعدون للقاء الله والمحاسبة منه؟

 

3- نظام الخلافة نظام وحدة بين الولايات في كل شيء في المال والحكم والاقتصاد، وقد تختلف في الإداريات وهذا فيما أجاز الاختلاف فيه الشرع.

4- في نظام الخلافة التشريع لله وليس للشعب، فقد فسر الرسول ﷺ الآية الكريمة ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهاً وَاحِداً لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ في سورة براءة بأن الأحبار والرهبان كانوا يشرعون فيحللون ويحرمون للناس فيطيعونهم، وهذا هو اتخاذهم أربابا من دون الله في جريمة عظيمة تستحق سخط الله وعذابه. أخرج الترمذي عن طريق عدي بن حاتم قال: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: «يَا عَدِيُّ، اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ» وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ قال: «أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ»" نعم فتلك هي عبادتهم وكم من عالم اليوم يحلل ويحرم كما يريد الحاكم خوفا من بطشه، ألا يخشى من بطش الله؟! فما هو بطش الحاكم أمام بطش الله؟ ونحن نقول من هذا المنبر كما قالها رسول الأمة «يَا عَدِيُّ، اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ» ونقول: يا حكام، يا علماء، يا أحزاب، يا مشايخ، اتقوا الله واطرحوا عنكم هذا الطاغوت وهذا الجبروت وهذا الوثن وثن الحكم بغير ما أنزل الله، وثن الحكم الجمهوري والحكم الملكي والحكم الاتحادي والحكم الإمبراطوري واحكموا بما أنزل الله وبما أراده الله ورسوله ﷺ؛ خلافة راشدة، نعم راشدة، راشدة على منهاج النبوة، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم... ولكي لا يصير حالنا حال بني إسرائيل من اتباعهم للهوى والردى باتباعهم حكماً غير حكم الله، غير كتاب التوراة وهو حكم بشر، اتباعهم لمصالحهم وخوفا من بطش الحكام فقد نزل فيهم قول الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾. اللهم اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليه ولا الضالين اللهم آمين يارب العالمين، اللهم ردنا إليك ردا جميلا وارض عنا واغفر لنا، هذا واستغفروا الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

---------------------

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على النبي المصطفى صلوات ربي وسلامة عليه وبعد، نعم أيها الإخوة إن نظام الحكم كما ذكرنا ليس ديمقراطيا فالديمقراطية هي حكم الشعب والإسلام هو الحكم لله فمن أولى بالحكم؟ الحكم بحكم الله أم الحكم بحكم البشر؟ لا شك أن الحكم لله فهو خير الحاكمين وما يقوم به الغرب وأذنابه من الحكام ما هي إلا مغالطة، نعم يغالط بها الغرب ومن ورائه حكام الجور وعلماؤهم العملاء، ليسوقوا لنا الديمقراطية بأنها انتخاب الحاكم. فهل باتت الديمقراطية هي انتخاب الحاكم؟ فإذا كانت الديمقراطية كذلك فإذا كيف حُكِمَ المسلمون الأوائل؟ أليس باختيار الحاكم؟ ألم يختر المسلمون الأوائل الخلفاء أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً رضي الله عنهم أجمعين؟ فهي مغالطة فظيعة، الديمقراطية حكم الشعب نفسه بنفسه. نعم بحق كانت الخلافة فيها السيادة لشرع الله والسلطان والحاكم من حق الأمة أن تختاره فلم نستورد هذه الديمقراطية اللعينة؟؟ فهل نقص الإسلام وعجز عن حل المشاكل حتى نستورد أنظمتنا وثقافتنا ودستورنا وقوانيننا من الخارج؟ وهل نستبدل بنظام الخلافة نظاما آخر غيره؟ فما الداعي لاستيراد أنظمة تخالف الإسلام وتغضب الله في نظام كفر يحرم أخذه وتطبيقه والترويج له؟! هذا وقد طبق المسلمون في العالم الإسلامي هذه الديمقراطية العفنة في مصر فماذا كانت النتيجة وماذا أنتجت وماذا أنجبت وماذا أثمرت؟ سوى غضب الله وإزهاق الأرواح والأنفس وتدمير للبلاد وتشويه للإسلام وحملته وأن الإسلام عاجز عن الحكم وعن حل المشاكل؟! إن نظام الخلافة كما أسلفنا نظام رائع وواقع فقد استمرت دولة الخلافة قرابة 13 قرناً وهي حاكمة العالم وقائدة له من خير إلى خير ومن نجاح إلى نجاح ومن سمو إلى سمو ومن رحمة إلى رحمة ومن عدل إلى عدل، خنعت بهذا العدل الجباه والأنوف لتدخل في الإسلام وعقيدته بعيدا عن الرأسمالية الخبيثة والظالمة والتي قادت العالم اليوم من وبال إلى وبال ومن مصيبة إلى كارثة إلى زلزال، فقد قادت العالم إلى الفقر والجوع والقلاقل والحروب والجريمة والانتحار والاغتصاب وإلى نار جهنم. أروي لكم قصة عدل وكرم ورحمة هذه الخلافة لا من سلطانها ولا من مسلميها بل من فكر الإسلام ومفاهيمه التي تجسدت في خليفة المسلمين ومعاونيه وولاته وإدارييه ومن ثم مسلميها، اسمعوا معي هذه القصة؛ حدثت القصة في إيرلندا الكبرى وسميت بمجاعة البطاطس الإيرلندية عام 1845م – 1852م وتسببت بوفاة مليون إنسان وهجرة مليون آخر من إيرلندا وانخفضت نسبة السكان حوالي 25% في الجزيرة حيث كان يعتمد سكانها على البطاطا في الغذاء بسبب الفقر وذلك عندما أتلفت آفة زراعية تسمى اللفحة المتأخرة محاصيل البطاطا وباستمرار دفع إيرلندا للإيجارات والضرائب والتصدير وكانت مضطهدة كأكثرية كاثوليكية من الأقلية البروتستانية حيث منعوا من تملك الأراضي والتعليم وحق الانتخاب ودخول البرلمان الإيرلندي، وسن عليهم قانون بتقسيم تركة الميت من الأرض للأبناء بالتساوي، وإذا غير الأخ الأكبر ديانته للبروتستانتية تكون كل التركة من نصيبه... هذا حدث كله عندما كانت المملكة المتحدة تحكم إيرلندا. هذا وقد جمعت تبرعات إغاثية بقيمة 14000جنية إسترليني من الجنود والموظفين الإيرلنديين في شركة الهند الشرقية في كلكتا، كما تبرع البابا بيوس التاسع بمبلغ مالي وتبرعت الملكة فكتوريا بألفي جنية إسترليني وتم جمع 171533 جنيها من إنجلترا وأمريكا وأستراليا استجابة لرسالة وجهتها الملكة فيكتوريا، أما المسلمون ودولة الخلافة في ذلك الوقت فقد أعلن السلطان العثماني عبد المجيد الأول عن نيته التبرع بعشرة آلاف جنية إسترليني للفلاحين الإيرلنديين فطلبت ملكة بريطانيا فيكتوريا جعلها ألف جنيه لأنها هي نفسها لم تتبرع إلا بألفي جنيه لكن السلطان أرسل ألف جنيه ومعها ثلاث سفن محملة بالأطعمة، وقد منعت بريطانيا دخولها لمينائي بلفاست ودبلن إلا أن الأطعمة وصلت إلى ميناء دروكيدا على متن السفن العثمانية، وعرفانا بهذا الجميل فقد أرسل وجهاء إيرلندا رسالة شكر للدولة العثمانية كما أنشأ نادٍ لكرة القدم شعاره شعار علم الدولة العثمانية. نعم هكذا كانت دولة الخلافة دولة الرحمة والإنسانية بغض النظر عن اللون والدين والعرق والقومية والجنسية، دولة تنظر للكل كبشر ليست عنصرية وطائفية كدول اليوم والتي بسط على فكرها الإنانية والدونية والعدوانية والتي هي من جراء الفكر الرأسمالي الجائر. نعم هكذا كانت الخلافة تؤوي الجائع وترحمه وتذود عنه، قال تعالى: ﴿وإِنْ أَحَدٌ مِنَ الُمشْرِكينَ اسْتَجاَركَ فَأَجِرْهُ حَتَىَ يَسْمَعْ كَلَامَ اللهِ ثُمَ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾ وهكذا كان جهازها الذي يتكون من 13 جهازاً هي: 1- الحاكم. 2- المعاونون (معاونو التفويض). 3- معاونو التنفيذ. 4- الولاة. 5- أمير الجهاد. 6- الأمن الداخلي. 7- الخارجية. 8- الصناعة. 9- القضاء. 10- مصالح الناس. 11- بيت المال. 12- الإعلام. 13- مجلس الأمة (الشورى والمحاسبة). هذه هي أجهزة دولة الخلافة القادمة وستعود قريبا بإذن الله. نسأل الله أن يكون ذلك قريبا... اللهم عجل وائذن بقيام دولة للإسلام والمسلمين يعز فيها أهل طاعتك ويذل فيها أهل معصيتك، اللهم ردنا إليك ردا جميلا ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما، وارض عنا واغفر لنا وارحمنا واستر عيوبنا، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.

 

 

 

إعداد: عبد الرحمن العامري – ولاية اليمن

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع