- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
نفـحات إيمـانية
قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 100-104].
فرض على الأمة الإسلامية ومطلوب منها أن تقيم دين الله في واقع الحياة، فتنشئ دولة إسلامية تحكم وتنظم شؤون حياة الناس بالشريعة الإسلامية المنبثقة عن العقيدة الإسلامية، وقد أقام رسول الله e الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، ونشر الإسلام في الجزيرة العربية، وتبعه الصحابة رضوان الله عليهم ونشروا الإسلام خارج الجزيرة العربية، وتبعهم المسلمون ونشروا الإسلام في العالم، وأصبح المسلمون اليوم مليارين، ينتشرون في أرجاء المعمورة.
لقد انبثق وجود الأمة الإسلامية عن العقيدة الإسلامية، وترجم الإسلام في واقع حياتهم العملية في الأنظمة والقوانين والأخلاق والسلوك والمشاعر وأوضاع الناس وطريقة عيشهم وأسلوب حياتهم في المجتمع الإسلامي الذي أنشئ على العقيدة الإسلامية.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ إن طاعة أهل الكتاب والتلقي منهم واتخاذهم أولياء واتباع منهجهم وأوضاعهم سبيلا للحياة وطريقا للعيش، هو خروج من طاعة الله ورسوله، ومعناه التخلي عن الإسلام واتباع سبيل الكافرين والاستغناء عن دين الله وطاعته وطاعة رسوله e، وأهل الكتاب حريصون على إضلال المسلمين وردهم عن دينهم ليصبحوا كافرين مثلهم ﴿يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾، ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، سؤال استنكاري كيف تكفرون وتطيعون أهل الكتاب وتعيشون عيشهم، وقد خرجتم من الكفر وآمنتم بالله وبرسوله وتتلى عليكم آيات الله، وهدي رسوله e باق فيكم وبينكم تدرسونه وتعلمونه؟! والاعتصام بالله هو الالتزام والتنفيذ والتطبيق بما جاء به رسول الله e دون غيره، بالتحاكم لشرع الله في تنظيم شؤون حياة الناس، قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا حماد عن الشعبي عن جابر، قال: قال رسول الله e: «لا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا، وَإِنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ، وَإِمَّا أَنْ تَكْذِبُوا بِحَقٍّ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَا حَلَّ لَهُ إِلا أَنْ يَتَّبِعَنِي». إذا لا يجوز أخذ أي شيء من عند أهل الكتاب فيما يخص العقيدة والشريعة وما ينظم شؤون حياة الناس ويحكمهم وينشر بينهم العدل والإنصاف ويحفظ دينهم ووحدتهم، أما ما يتعلق بالعلوم التجريبية البحتة فلا يضيرنا الانتفاع بها.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.
عن ابن مسعود رضي الله عنه، ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن يجاهدوا في سبيل الله حق جهاده، ولا تأخذهم في دين الله لومة لائم، ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم، ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، مستسلمون لله طائعون متبعون دينه محتكمون لشرعه، منفذون لأمره ونهيه، ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، الأخوة في الدين، الإسلام هو الجامع بينكم، طاعة الله وطاعة رسوله e ومحبتهما والامتثال لأمرهما ما يجمعكم ويجعلكم إخوة متحابين لا شقاق ولا نفاق بينكم، ويأتي آخر النهار من يقول لنا نفحات إيمانية لشعبان وقدوم رمضان، وهو لا يعطي وزنا لوجوب الحكم بما أنزل، ويوالي الكفار ويطيعهم ويحبهم ويعيش عيشهم وعلى طريقتهم وينظم شؤون حياة المسلمين بقولهم وبأهوائهم، ويحرمون البشرية من الحكم بما أنزل الله! إن الإسلام منهج حياة مميز عن غيره من العقائد والأديان، الإسلام جاء لينظم حياة البشرية ويحكمها في السياسة والاقتصاد والاجتماع، ويعين سلوك الناس وأخلاقهم ومشاعرهم وأعرافهم وعاداتهم، ينظم حياة الإنسان من المهد إلى اللحد، وكل مسلم مطلوب منه العمل لتحقيق الإسلام في واقع الحياة، ولا عذر لمعتذر، جاء الإسلام ليقود البشرية إلى هدى الله ورحمته وقد قادها زمنا طويلا، ولا بد من أن يعود لقيادتها وتحكيم شرع الله بتنظيم شؤون حياتها، ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ إن مجرد الوعظ والإرشاد لا يقيم للإسلام قائمة، ولم تقتصر الدعوة الإسلامية على الوعظ والإرشاد الموجه لصالح الحكام الظلمة إلا في هذا العصر البائس، إنه من الواجب على المسلمين أن يكون منهم على الأقل فئة أو جماعة (أمة) يعملون لاستئناف الحياة الإسلامية - وقد وقف تطبيق الشريعة الإسلامية وتفرق المسلمون ولم تعد لهم دولة تطبق الإسلام وتنشره وترعى مصالحهم، بمعنى أن الحياة الإسلامية قد أوقفت ولا بد من إعادتها للحياة - بإقامة الدولة الإسلامية التي تطبق الإسلام وتحكم بكتاب الله صدقا وحقا وعدلا، لا تدليسا ولا تلبيسا ولا إدعاءً مخادعاً.
ومن الواجب على كل مسلم أن يبذل استطاعته وقدرته للعمل لتحكيم شرع الله وتنظيم شؤون حياة الناس بالشريعة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية ولا عذر لمعتذر، وأولئك هم المفلحون الطائعون لأمر الله ونهيه، الناجون من غضبه القائمون بطاعة الله ورسولهe ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
ربنا اغفر لنا إسرافنا في أنفسنا واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إبراهيم سلامة