- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مفهوم العبادة في الإسلام
قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ * فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: 56-60]
إن وظيفة الجن والإنس في الحياة هي عبادة الله تبارك وتعالى، العبودية المطلقة، رب يُعبد وعبد يَعبد، عبد ينصاع لأمر الله ورسوله e، وينظم حياته بشرع الله، وبأمره ونهيه لا يتجاوزه قيد شعرة، عندها تستقيم حياة الناس على هذا الأساس، حياة المسلم كفرد، وحياة المسلمين كأمة تعيش في مجتمع إسلامي رشيد، تحكمه العقيدة الإسلامية، بكتاب الله وسنة رسوله، بتنظيم شؤون حياة الناس بالعدل والإنصاف وتحقيق مصالحهم وحفظ أمنهم ورعاية شؤونهم بتطبيق الشريعة الإسلامية وتنفيذها على الجميع سواء.
ومدلول العبادة أوسع وأشمل مما يقوم به المسلم بصفته الفردية من الشعائر المعروفة من صلاة وصوم وزكاة وحج، إنما يشمل حياة الإنسان كلها، من المهد إلى اللحد، كل حركاته ونشاطه في الحياة، إن كانت الشعائر التعبدية أو الأعمال الدنيوية، من تجارة وبيع وشراء، وحكم وقضاء وزواج وطلاق، وهدم وبناء وسلوك وأخلاق، وجهاد في سبيل الله، والصبر على الشدائد والمحن، وتعمير الأرض، كل ذلك بالالتزام بكتاب الله وسنة رسوله e، وتطبيق شرعه وتنفيذ أمره ونهيه.
ومن العبادة أن يقوم المسلم بخلافة الله في الأرض، فيعمرها بتطبيق شرع الله، في تنظيم شؤون حياة الناس بالشريعة الإسلامية، وينشر دين الله في أرجاء المعمورة، ويحافظ على بلاد المسلمين، ويوحدها ويجعلها دولة واحدة من أقصاها إلى أقصاها، يعمها العدل والإحسان والأمن والأمان، يطبق بها شرع الله فلا يظلم بها أحداً إن كان كافرا أو مسلما، وللجميع حق الرعاية الشخصية التي توفر له المسكن والمأكل والملبس، ويعم الخير والصلاح والجد والاجتهاد. وعلى المسلم العمل بطاعة الله والالتزام بأمره ونهيه، ولا ينظر إلى النتائج فهي ليست داخلة في واجباته أو حسابه.
والشر في عدم تطبيق شرع الله، والالتجاء لأنظمة وقوانين من وضع البشر، أنظمة قاصرة وعاجزة عن التنظيم السوي لحياة الإنسان، وهذا ديدن الكفار وعملهم، يدعون لفصل الإسلام عن الحياة وإبعاده عن تنظيم شؤون حياة الناس، متخذين من أنفسهم أربابا من دون الله، فلا عذر لمسلم يتبعهم ويتخذ مسلكهم وطريقة عيشهم منهجا لحياته وطريقة لعيشه وسبيلا لدعوته.
﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾. إن تحصيل الرزق أكثر ما يشغل الإنسان، والخوف على الرزق قد يخضع الناس للظالمين والمستبدين، وترى الظالمين يحاربون الناس بأرزاقهم ليخضعوهم ويستعبدوهم. والله تبارك وتعالى قد كفل الرزق لعباده جميعا الكافر والمؤمن، الصالح والطالح، والله تبارك وتعالى سبحانه، لا يطلب من الناس أن يطعموه أو يرزقوه سبحانه وتعالى ﴿هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾.
ولا يكون العمل على تحصيل الرزق هو الدافع للقيام بمهمة الاستخلاف في الأرض وتعميرها، بل طاعة الله وتنفيذ أمره، وتحكيم كتابه وسنة رسوله ﷺ، بتنظيم شؤون حياة الناس ورعايتهم، والرزق بيد الله، وقد كفله الله للناس، والله لا يخلف وعده. قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَفِي ٱلسَّمَاءِ رِزقُكُم وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرضِ إِنَّهُۥ لَحَقٌّ مِّثلَ مَا أَنَّكُم تَنطِقُونَ﴾ [الذاريات: 22-23]
الإسلام منهج حياة لا بد من أن يتحقق في واقع الحياة، ولا تحققه المشاعر والأمنيات ولا القصد الطيب بل يحققه الإيمان بالعقيدة الإسلامية والعمل بمقتضى هذا الإيمان حقا وصدقا كما تحقق في عهد رسول الله e وعهد الخلفاء الراشدين وعهود الإسلام الأخرى التي استمرت لأكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان بين قوة وضعف. ويجب العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية التي تحكم بمنهاج رسول الله e، وتضع حدا لتسلط الكفار على المسلمين وبلادهم ونهب خيراتهم، ويكف بعض أبناء المسلمين عن تولي الكفار والدعوة للدولة القومية والدولة المدنية وتسويق الديمقراطية ونشر العلمانية بين المسلمين بدعوى أن هذه الترهات أصلح من الإسلام. ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا وإسرافنا في أمرنا وارحم المسلمين والمسلمات المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك رحيم مجيب الدعوات، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إبراهيم سلامة