- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
المسلم: اختاره الله ليكون شهيداً على الناس
(مترجم)
قال الله سبحانه وتعالى في سورة الحج: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾.
يقول ابن كثير، العالم المسلم العظيم، في تفسيره لهذه الآية، ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ﴾ "يعني يا أمة الإسلام، لقد اختارك الله واصطفاك على جميع الأمم الأخرى، وقد فضلك وباركك وأكرمك بأنبل المرسلين وأنبل شريعة... ثم ذكر بركاته لهذه الأمة، حيث ذكرها وأثنى عليها منذ زمن طويل في كتب الأنبياء التي كانت تروى على الأحبار والرهبان". لقد منح الله سبحانه وتعالى هذه الأمة شرفاً عظيماً ومكانةً عاليةً. ولكن هذه المكانة العالية وهذه البركات الوفيرة من ربنا سبحانه وتعالى ترتبط بمسؤولية كبيرة ذكرها الله سبحانه وتعالى أيضاً في الآية أعلاه - أن نكون ﴿شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾. هذا الدور المهم للمسلمين مذكور في سورة البقرة، حيث يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾.
يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية أن ﴿أُمَّةً وَسَطاً﴾ تعني الأمة الأكرم والأشرف، موضحاً أن السبب في ذلك هو: أولاً، هذه الأمة ستشهد في يوم القيامة لجميع أمم العالم الأخرى - الماضية، الحاضرة والمستقبلة - أن الأنبياء نقلوا رسالة الله سبحانه وتعالى للبشرية. وثانياً، لأنه كلف المسلمين بتشريع كامل، أفضل منهج وأوضح مذهب (منهجية) في القرآن والسنة النبوية.
لذا، عهد الله سبحانه وتعالى إلى الأمة المسلمة بدين الإسلام، كشهود على البشرية، لنقلها للبشرية. عن طريق إيصال الإسلام للناس، لا يعني ببساطة إيصاله كإيمان لمن حولنا، أو ببساطة تشكيل مجموعات ومنظمات لنقل الدعوة إلى الإسلام لغير المسلمين في المجتمعات. بل يعني ذلك، لزوم حمل الدعوة بتثبيت الإسلام في السلطة وجعله المهيمن على موقع القيادة في هذا العالم، بحيث يصبح معيار الصواب والخطأ للبشرية، والأساس الذي تنظم به شؤونها في جميع مجالات الحياة، والوسيلة التي تُدار بها العدالة لأمم العالم - بحيث يتم انتشال البشرية من ظلام القوانين والأنظمة التي من صنع الإنسان إلى نور أحكام ونظام رب العالمين سبحانه وتعالى. يتطلب هذا دولة تنفذ التشريع الإسلامي الكامل الذي عهد به الله إلى هذه الأمة، وتستخدم كل الأدوات والوسائل لنقل دين الحق للإنسانية. لقد رأينا على سبيل المثال كيف انتشر الإسلام إلى أراض بعيدة مثل الهند وإسبانيا خلال بضعة عقود من تأسيس النبي e لأول دولة إسلامية في المدينة المنورة، وبذلك أصبحت دول بأكملها تحت طيات حكمه.
لذلك تؤكد الآيات أعلاه أن الأمة المسلمة قد اختيرت لدور قيادة البشرية، وأنه ينبغي لها أن تحتل مكانة مركزية في هذا العالم لأنه تم تكليفها بدور كبير في تطور البشرية على أساس دين الإسلام. في الحقيقة، لقد أنشأ الله سبحانه وتعالى الأمة الإسلامية لهذا الغرض وبهدف حمل الإسلام للبشرية، كما يقول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾.
لذلك، فيوم القيامة - عندما نقف أمام الله سبحانه وتعالى، سنحتاج إلى تقديم إثبات له سبحانه وتعالى على أننا بذلنا قصارى جهدنا في الأقوال والأفعال - للوفاء بهذا الدور الحيوي وبهذا الواجب الذي أوجبه سبحانه علينا كمسلمين - وهو جعل قيادة البشرية للإسلام. وهذا يعني العمل على إعادة إقامة الدولة التي يحكمها الإسلام وحده - الخلافة على منهاج النبوة. هذه المهمة لإقامة حكم الإسلام ونقل دين الإسلام للبشرية من خلاله هي إرث نبينا الحبيب e وكانت مهمته الرئيسية في الحياة، التي سلمها الله سبحانه وتعالى لنا باعتبارنا أمته وهي واجبة علينا باعتبارنا حملةً لدينه. في الواقع، في الآيات المذكورة أعلاه، ينقل الله سبحانه وتعالى إلى كل مسلم - رجل وامرأة - أنه من بين المخلوقات اختارنا الله سبحانه وتعالى، ليس فقط لنكون مسلمين ونحمل الإسلام، ولكن لنكون من بين أولئك الذين كلفهم الله سبحانه وتعالى بهذا الواجب الحيوي؛ السعي في قضيته، وحمل هذه المهمة.
وبالتالي فهذا يعني تحمل هذه المسؤولية وعدم تركها للآخرين، حيث تم اختيار كل واحد منا كمسلمين لهذه المهمة. كما ويعني أيضاً تقدير الفرصة الضخمة التي منحت لنا وجعلت بين أيدينا لنكسب المكافآت الهائلة الموعودة لأولئك الذين يشاركون في هذه الدعوة لإقامة دولة يحكمها الإسلام وحده. إنها "فرصة ذهبية"، وهي فرصة لم تُمنح للأجيال المسلمة السابقة، باستثناء جيل الرسول e. إنها فرصة لأن نكون أحباب النبي e، لنكون بجانبه في الجنة، وكذلك لنكون مع الأنبياء والصالحين الذين حملوا رسالة الله سبحانه وتعالى. ومع ذلك، فكما هو الحال مع أي فرصة يمنحها الله سبحانه وتعالى لنا، يمكنه سبحانه وتعالى أن يأخذها منا بعيداً، ويغلق الباب أمام ذلك الكنز من المكافآت والبركات، إذا لم نحتضن الواجب بالطريقة التي يتوقعها سبحانه وتعالى منا، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾.
إذاً فهذا يتطلب، أن نسعى جاهدين في هذه المهمة لإقامة نظام الله سبحانه وتعالى على هذه الأرض - كما أننا مطالبون بالسعي (بقدر ما يفترض بنا) كما يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الحج في الآية 78. يطلب منا أن نكافح في قضيته سبحانه وتعالى بقدر ما نحن مدينون لله سبحانه وتعالى، حيث سنستحق الشرف الذي أعطانا إياه سبحانه وتعالى كما قال ﴿شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾. وهذا يعني إعطاء هذه المسؤولية الكبيرة نسبة من وقتنا ونسبة من اهتمامنا ومجهودنا بحيث تعكس أهميتها الحيوية وبأنها بحق واجب علينا ينبغي أن يحتل مكانة مركزية في حياتنا وليس على أطراف حياتنا وهوامشها.
إن فهم أهمية هذه المهمة التي تقع علينا كأمة مسلمة، وهي نقل البشرية من الظلام إلى النور، يعني أيضاً إدراك أن حياتنا كمسلمين لا يمكن أن تكون حياة عادية مثل حياة الكفار، فقط مطاردة متاع هذه الدنيا الزائل - سواء أكان ذلك في دراساتنا أو وظائفنا أو أطفالنا أو عائلاتنا أو منزلنا أو حياتنا الاجتماعية أو الترفيه والتسلية - بحيث نجعل هذه الأشياء من الأولويات الرئيسية ونجعلها مخاوفنا الأساسية في الحياة حيث تستهلك طاقاتنا وتفكيرنا. إن السعي وراء هذه المصالح هو الهدف من وجود الكافرين ولكن ليس نحن المسلمين لأن الله سبحانه وتعالى قد أعطانا مهمةً كبيرةً - ألا هي أن نكون شهوداً على البشرية!
يقول الله تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾.
نسأل الله تعالى أن نكون من أولئك الذين أتموا عهدهم مع الله سبحانه وتعالى وأنجزوا المهمة العظيمة التي منحها لهم بإقامة دينه في الأرض وتحكيمه في هذا العالم. اللهم آمين.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير