- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مفهوم المبدئية عند الفرد والجماعة والدولة
الجزء الأول
أولاً: المبدئية عند الفرد
أحدٌ أحدْ أحدٌ أحدْ، كلمات صرخ بها سيدنا بلال بن رباح رضي الله عنه وأرضاه لتعبر عما هو مدفون في وجدانه وفكره رغم أنه كان يسبح في عكس تيار فكر قريش الكافرة. وهنا تتجلى عظمة الموقف والثبات على الحق وما نسميه بالمبدأ، نعم إنه المبدأ الذي تتحلى به النفوس المؤمنة الواعية الصابرة التقية الشجاعة، فيا ترى ما هو المبدأ؟ وكيف يكون حاله عند الفرد والكتلة والدولة؟
المبدأ لغة من مصدر ابتداء وهو بيان حقيقة الوجود في أي شيء فهو مصدر الشيء ومصيره، وما يقع علينا حسه هو الوجود، فهو مصدره ومصير بدء هذا الوجود والصلة به، أي الفكرة الشاملة للوجود وما ينبثق عنها من أنظمة للحياة؛ ولذلك ترادف كلمة المبدأ الفكرة الشاملة وأنظمتها، أي العقيدة ومعالجاتها، أي الفكرة التي في المبدأ وهي فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة وعما قبلها وما بعدها وعن علاقة القبل بالبعد، ثم الطريقة التي تنفذ أجندة وبرنامج هذا المبدأ وهي طريقة تنفيذ الفكرة، أي أن المبدأ هو فكرة كلية ينبثق عنها نظام، أي النقطة الأولى التي ينطلق منها تفكير الإنسان ويحدد من خلالها الصواب والخطأ، وهذا المبدأ إما أن يكون موضوعاً من إنسان أو من خالق هذا الإنسان وهو الله تعالى، ويخطر على بالنا سؤال ما هو الصحيح هل هو المبدأ الذي تفتق عنه عقل الإنسان العاجز الناقص كما هو حاله في الرأسمالية والاشتراكية، أم المبدأ الذي أنزله الله عز وجل خالق الوجود؟
لا شك أن المبدأ الذي من صنع الإنسان هو مبدأ باطل لأنه من إنسان ناقص وعاجز ومحتاج إلى غيره وهذا الغير هو الله الكامل الفرد الصمد الذي لا شك أن مبدأه حق وشامل لا يعتريه أي نقص أو بطلان، ولذلك كان بلال ورفقاؤه من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين مثالا يحتذى به وأنموذجا للمبدئية التي تجلت بهم وقنعت بها عقولهم وسكنت لها أفئدتهم فبذلوا في سبيلها الغالي والنفيس، فضحوا بالنفس والمال والولد...
ففي المال تبرع أبو بكر الصديق بماله كله، وعثمان بن عفان جهز بماله جيش العسرة، وصهيب أبو يحيى افتدى دينه بماله مقابل أن يظفر بدينه...
أما النفس فها هو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يفتدي روحه من أجل رسول الله e عندما نام على فراشه الطاهر وهو في مقتبل شبابه، وكذلك حال صحابة رسول الله حينما يفدون بأرواحهم الإسلام ورسوله ودولته في المعارك وفي غيرها...
أما الولد فقد فدت الخنساء تماضر بنت عمرو السلمية الإسلام بأولادها الأربعة وقالت مقولتها الشهيرة التي سطرها الله عنده ليوفّيها هي وأولادها خير الجزاء فقالت "الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم وإني أرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته بلقائهم قريبا"، وكذلك فداء عكرمة بن أبي جهل ومعه 50 رجلاً في معركة اليرموك بعملية نقول عنها اليوم استشهادية يقتحمون جحافل الروم...
أما النساء فقد خيّر الأنصار المهاجرين باختيار واحدة من أزواجهم ﴿الَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ﴾، ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾، ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾.
نعم إنها البطولة والشجاعة التي تحققت في المبدأ والذي آمنت به العقول وتشربته القلوب فأصبح بركانا ثائرا يحرق كل فساد، فأين نحن اليوم من هذا المبدأ العظيم؟ فهل حال اليوم كحال الأمس؟
فها هو الموظف اليوم يسرق ويختلس ويرتشي ويبيع موقفه بدافع الجبن أو المصلحة بمجرد أن تبدل الحكم من حكم لآخر وينافق ويداهن ويداجي أصحاب السلطة الجدد دونما ثبات على الموقف، فأين وقع هذه الآيات مِنا اليوم ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾؟ فقد كان موقف هؤلاء الرجال واحداً في السراء والضراء وفي الترح والفرح والشقاء والسعادة وما بدلوا تبديلا؛ فالمسلم شجاع مبدئي يقول الحق ولا يخاف في الله لومة لائم، ثم إن من يتنازل ويجامل وينافق أصحاب النفوذ لم يعد بالنسبة لهم ذا شأن أو قيمة فهو مطية وجسر يمررون من خلاله كل مشاريعهم، فهو مطية لا شخصية له ولا مبدأ، فهو إمعة نبذ الإسلام، فكان حقا على الله أن يشقيه في الدنيا والآخرة، ولذلك نهى الإسلام أن يكون المسلم إمعة ولعبة بيد الآخرين بدون موقف واتجاه تحركه الرياح كيفما تشاء وأنى تشاء فلا وزن له! إن سياسة الالتواء واللف والدوران والتماشي والمسكنة والسير مع التيار محرم في الإسلام ويعبر عن حالة النفاق، ولذلك آن لهؤلاء سواء أكانوا دكاترة أو مدرسين أو أطباء أو عسكريين أو ضباط أو وزراء أو سياسيين أن يكون لهم موقف ومبدأ وليكن حالهم حال الصحابة رضوان الله عليهم.
إن الأمة إذا أرادت النهضة والنجاح فلا بد أن تزرع في عقول ونفوس أبنائها فكر الإسلام الذي زرعه محمد e في عقول ونفوس أصحابه فيتوفر لنا جيل كجيل الأمس؛ يحفه الإيمان بالمبدأ والشجاعة والتضحية والوعي والثقة بنصر الله تعالى.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الرحمن العامري – ولاية اليمن
لقراءة :