- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مؤتمر عالمي في الأزهر لتحريف الإسلام باسم التجديد والحداثة
لن نقف كثيرا على مداخلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب التي رد فيها على رئيس جامعة القاهرة الدكتور الخشت والتي لاقت استحسانا من الكثير من أبناء الأمة الذين يتوقون لمواقف الرجال الرجال التي غابت منذ زمن بعيد بعد أن أحكمت الدولة سيطرتها بشدة على مؤسسة الأزهر وقد فصلت الدين عنها وعن الحياة، فكلام شيخ الأزهر رغم ما فيه من قوة في الرد على رافعي شعار الحداثة وتجديد الخطاب الديني والحرب على الإرهاب، إلا أن البيان الختامي للمؤتمر الذي شهد هذا الكلام القوي، والذي تلاه شيخ الأزهر مسح كل ما قاله الشيخ وتبين للقاصي والداني أن شيخ الأزهر بصم بالعشرة للخشت وأضرابه وأشياعه ومن يقف وراءهم على ما أرادوه من تحريف لمفاهيم الإسلام لتتوافق مع معايير الغرب الكافر.
فالتجديد بالمعنى الذي طرحه الخشت وهو أن أترك بيت أبي القديم وأهجره ببناء بيت جديد لي هو ما رسخه البيان الختامي الذي تلاه الشيخ، إذ هو يقدم لنا إسلاما جديدا حداثيا يتوافق مع مفاهيم الغرب مفرغا من أي مضمون، ويهجر الإسلام (القديم) الذي أنزل على محمد ﷺ، فالإسلام الذي قدمه البيان الختامي لا جهاد فيه ولا خلافة ولا نظام حكم ولا شريعة ولا وحدة للدولة والأمة،... وسنبين كل ذلك بشيء من التفصيل في السطور القادمة.
فقد دعا الأزهر الشريف لعقد مؤتمر عالمي للتباحث تحت عنوان "التجديد في الفكر الإسلامي" في الفــترة من 2-3 جمادى الآخرة 1441هـ الموافق 27-28 كانون الثاني/يناير2020م. وذلك بمركز الأزهر للمؤتمرات بمدينة نصر، ومن المعلوم أن هذا المؤتمر وما سبقه من مؤتمرات مشابهة يأتي تنفيذا لدعوة السيسي لتجديد الخطاب الديني الذي أصبح شغله الشاغل منذ استيلائه على السلطة وإعلانه الحرب على الإرهاب المحتمل الذي سوق نفسه من خلاله للغرب ليشن حربا على أفكار الإسلام وأحكامه.
وما كان لمؤسسة تابعة كالأزهر تتلقى الأوامر من النظام الحاكم أن تتجاهل دعوة ولي النعم أو ترى فيها دعوة حريّاً بها أن تُتَجاهل لأنها تصب في صالح أعداء الأمة، والقصد من ورائها خبيث، ولكن المشكلة والطامة الكبرى أن يتم التلاعب بدين رب العالمين وتحريف الكلم عن مواضعه، وتفريغ الإسلام من مضمونه. لقد قرر هؤلاء أن هناك ديناً جديداً يجب أن نتبعه غير دين الله الذي أنزل على محمد ﷺ يتوافق ويتلاءم مع معطيات العصر، فما كان يصلح في زمن النبوة والصحابة والتابعين وتابعي التابعين لا يصلح اليوم، ساء ما يحكمون!
إن مفهوم التجديد في الفكر الإسلامي: يعني العودة إلى الأصول وإحياءها في حياة الإنسان المسلم؛ بما يمكن من إحياء ما اندرس، وتقويم ما انحرف، ومواجهة الحوادث والوقائع المتجددة، فالرؤية الإسلامية لعملية التجديد هي إحياء لنموذج حضاري وجد من قبل ولم تحدث تجاهه عمليات التجاوز والخلاص، لكن ما تم طرحه في البيان الختامي يتجاوز المفهوم الإسلامي للتجديد ليتبنى المفهوم الغربي للتجديد الذي يقوم على نفي وجود مصدر معرفي مستقل عن المصدر المعرفي البشري المبني على الواقع المشاهَد أو المحسوس المادي وتجاوز الماضي من خلال مفهوم الثورة والذي يشير إلى التغيير الجذري والانقلاب في وضعية المجتمع، وغياب المعايير الثابتة للتجديد.
لقد حظي مفهوم الحاكمية بنصيب وافر من البيان أرادوا من خلاله تفريغه تماما من محتواه من خلال الهجوم على الجماعات الإسلامية ووصفها بالمتطرفة لأنها تقول أن لا حكم إلا لله بمعنى أنه سبحانه وحده له حق التشريع، أي أنه يجب أن يكون دستور الدولة والقوانين مستنبطة من القرآن الكريم والسنة النبوية، يقوم بذلك العلماء المجتهدون الذي توفرت فيهم شروط الاجتهاد، ولقد حاول البيان الختامي التدليس على الناس عندما قرر أن الحاكمية تعني (عدم إسناد الحكم إلى الناس) وكأن الدولة الإسلامية دولة إلهية أو تحكمها ملائكة! إن الدولة الإسلامية دولة بشرية يقوم عليها بشر، ولكن هؤلاء الحكام إنما يحكمون بما أنزل الله، فهناك ما أنزل الله وهناك من يحكم به، ونحن نسأل شيخ الأزهر بما أنك أقررت في بيانك هذا بأن (الحكم البشري المنضبط بقواعد الشرع لا يتعارضُ مع حاكمية الله، بل هو منها) فهلا قلت لنا وأين النظام، الذي أنت من أركانه ودعائمه، أين هو من الحكم المنضبط بقواعد الشرع وأين هو من حاكمية الله بهذا المفهوم؟
وأما قولكم (إن الخلافة نظام حكم ارتضاه صحابة رسول الله ﷺ ناسب زمانهم، وصلح عليه أمر الدِّين والدُّنيا، ولا يوجد في نصوص الكتاب والسنة ما يلزم بنظام حكم معين، بل كل نظام من أنظمة الحكم المعاصرة تقبله الشريعة ما دام يوفّر العدلَ والمساواة والحرية، وحماية الوطن، وحقوق المواطنين على اختلاف عقائدهم ومِلَلِهم، ولم يتصادم مع ثابت من ثوابت الدين)، فهذا من أعظم التدليس على الناس في دين الله، وأنا هنا لن أسرد النصوص التي تضرب بكلامك هذا عرض الحائط، فأنت ولا شك عالم بها وعلى اطلاع تام عليها، ولكني سأذكرك بموقف الأزهر عندما كان بحق منارة العلم والعلماء، وأظنك تذكر جيدا الاجتماع الذي عقده الأزهر الشريف لهيئة كبار العلماء فيه عام 1925م بخصوص هدم الخلافة الذي أوضحوا فيه معنى الخلافة، وقرروا أنه لا بد من إنقاذ الخلافة وعقد مؤتمر دولي لبحث هذا الأمر، وذلك في عهد شيخ الأزهر الخضر حسين، فالخلافة التي قال عنها علماء الأزهر حينها إنها (فرض وإنها منصب ضروري للمسلمين كرمز لوحدتهم واجتماعهم. ولكن لكي يكون هذا المنصب فعالاً، لا بد أن يجمع الخليفة بين السلطة الدينية والسلطة المدنية. وعرفوا الخلافة بأنها رياسة عامة في الدين قوامها النظر في مصالح الملة وتدبير الأمة. والإمام نائب عن صاحب الشريعة ﷺ في الدين وتنفيذ أحكامه، وفي تدبير شئون الخلق الدنيوية على مقتضى النظر الشرعي). هذه هي الخلافة وهذا ما قرره علماء الأزهر السابقون. ولنا أن نسأل شيخ الأزهر هل حققت الأنظمة العلمانية المتعاقبة في بلاد المسلمين للمسلمين أمنا وأمانا؟! وهل حفظت دماءهم وأعراضهم؟! أم أنها أوغلت في دمائهم وتربعت على كرسي الحكم فوق أشلائهم لتذيقهم صنوفا من الذل والهوان، وتسلمهم وثرواتهم لعدو لئيم ظل متربصا بهم لعقود طويلة، وخاض ضدهم حربا صليبية لم يعلن عن نهايتها إلا عندما قضى على خلافتها واحتل أرضها وشتت شملها في مزق تسمى دولا، لا تملك قرارا ولا ترد يد لامس ولا تحفظ عرضا ولا تصون أرضا؟!
وأما قولكم إن الجهاد في الإسلام ليس مرادفاً للقتال، وإنَّما القتال الذي مارسه ﷺ وأصحابه هو نوعٌ من أنواعه، وهو لدفع عدوان المعتدين على المسلمين، فهو ما يريده منكم الغرب أيضا أن تقرروه في مناهجكم ولو استطاع أن يدفعكم دفعا لمحو آيات الجهاد في القرآن الكريم لفعل، وهذا القول منكم ليس مستغربا فقد سبقكم بها أشباهكم من أذناب الغرب في بلادنا والمضبوعين بثقافته، فالغرب يدرك تماما خطر هذه الفكرة على كيانه وعلى مصالحه، ولهذا هو يريد محوها من قلوب وعقول المسلمين برغم أنه ما فتئ يقاتل المسلمين ويشردهم في بلادهم ولم يقل إن القتال في شرعته للدفاع فقط كما ادعيتم...
ونحن هنا لن نخوض نقاشاً في تفنيد فرية أن الجهاد شُرع للدفاع عن الأوطان فقط، فهي من الأفكار الطارئة على الفكر الإسلامي ولم يقل بها أحد من المتقدمين من علماء الأمة، وإنما هي من لوثات الغزو الفكري والثقافي لبلاد المسلمين في القرنين الأخيرين، ولكننا سنقول لفضيلته: إذا كانت علة القتال في الإسلام هي العدوان كما تقول، فلماذا لم تطالب من تعتبرهم ولاة الأمور بإعلان الجهاد لرد عدوان يهود على فلسطين وتدنيسهم للمسجد الأقصى، إلا إذا كنت تراهم غير معتدين أو أصحاب حق، أو جيراناً وأصدقاء تربطنا بهم علاقة حسن جوار، أو أنك ترى أن لا شأن لأهل مصر بما يجري لأهل فلسطين؟! أليس ما تقوم به أمريكا في العراق والشام عدواناً يجب أن يُرَدّ؟! أم أنكم لا ترون الأطفال والنساء والشيوخ الذين تقتلهم أمريكا وحلفها اللعين؟!
إن الجهاد كما عرفه الفقهاء المعتبرون هو بذل الوسع في القتال في سبيل الله مباشرة أو معاونة بمال أو رأي أو تكثير سواد أو غير ذلك، فالقتال لإعلاء كلمة الله هو الجهاد. وهو فرض كفاية ابتداءً، وفرض عين إن هجم العدو، ومعنى كون الجهاد فرض كفاية ابتداءً هو أن نبدأ بقتال العدو وإن لم يبدأ، وإن لم يقم بالقتال ابتداءً أحد في زمن ما أثم كل المسلمين بتركه.
وإن أدلة الجهاد أدلة عامة ومطلقة تشمل الحرب الدفاعية وتشمل مبادأة العدو بالقتال، تشمل الحرب المحدودة، والحرب غير المحدودة، والحرب الوقائية، وغير ذلك... فهي تشمل كل أنواع قتال العدو لعمومها وإطلاقها، فتخصيصها بالحرب الدفاعية، أو تقييدها بأن تكون حرباً دفاعيةً لا هجوميةً كما يقول البيان يحتاج إلى نص يخصصها أو إلى نص يقيدها، ولم يرد أي نص يخصصها أو يقيدها لا من الكتاب ولا من السنة فتبقى على عمومها تشمل كل حرب من الحروب وكل قتال للعدو.
ولأن الأمة الإسلامية اليوم ليس لها دولة حقيقية تطبق الإسلام في الداخل وتحمله للخارج بالدعوة
والجهاد، منذ أن تم القضاء على الدولة الإسلامية، دولة الخلافة سنة 1924م، ليقيم الكافر المستعمر مكانها دولاً ودويلات كرتونية، فقد توقف الجهاد ولم يعد المسلمون يحملون الدعوة الإسلامية للناس من خلاله، بل حتى إن الجهاد لدفع الاعتداء عن الأمة وطرد العدو من بلاد المسلمين المحتلة قد غاب أيضاً وتخلت الدول القائمة اليوم عنه، طالما أمرتها أمريكا بالخضوع والخنوع والرضا بالأمر الواقع؛ فها هي كشمير محتلة من قبل الهند، فهل أعلنت باكستان الجهاد لتحريرها؟ واحتلت العراقَ من قبل أمريكا، فهل أعلنت دولة من تلك الدول الكرتونية الجهاد لتحريرها؟ وما زالت فلسطين محتلةً من قبل يهود وحكام المسلمين كلهم قد تركوها غنيمة ليهود ليرضى عنهم أسيادهم في الغرب الكافر، وتركوا الأمر لأفراد قلائل أو تنظيمات محدودة، وهؤلاء الأفراد وتلك التنظيمات لا يستطيعون ولا بحال من الأحوال إخراج العدو ورد المعتدي، فإمكاناتهم ضعيفة وقدراتهم محدودة، فضلاً عن تسلط تلك الدول الكرتونية على هذه التنظيمات تملي عليها إرادتها بما تمن عليها من أموال وسلاح. ومن هنا فإن الجهاد بشقيه الدفاعي والهجومي غير موجود اليوم ويحتاج بالفعل لدولة بحجم دولة الخلافة الراشدة لتقوم به على وجهه. وتلك الدولة لا بد من تكاتف الجهود لإقامتها بالطريقة الشرعية التي استنبطت من طريقة النبي ﷺ في إقامة الدولة بالصراع الفكري والكفاح السياسي وأعمال طلب النصرة.
ولأن الإسلام أقوى من كل هؤلاء ومعهم كل شياطين الدنيا من الإنس والجن، فلم ولن تفلح كل مؤامراتهم في النيل من عظمة هذا الدين وتمسك الأمة به وعضها عليه بالنواجذ، برغم أن هؤلاء تسلطوا على رقاب الأمة في الحكم والسياسة لعقود طويلة، وهم من سهر على تحريف المناهج الدراسية وحاولوا تضليل الأمة وطمس هويتها، وأنفقوا المليارات ليصدوا عن سبيل الله، ولكنها كانت عليهم حسرة وعما قليل سيغلبون بإذن الله، إذ الأمة تستعيد زمام أمرها وتعقد العزم على وضع إسلامها موضع التطبيق ليبور مكر أولئك ومن خلفهم، ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾.
إن المستقبل القريب إنما هو لهذا الدين العظيم؛ فهو وحده الملاذ لكل المقهورين في العالم الذين تسلط عليهم سيف الرأسمالية الجشعة ليجعل منهم تروساً في آلته الجهنمية التي تطحن الناس طحنا لتصب في صالح فئة قليلة من المنتفعين والمرتزقة وأصحاب رؤوس الأموال، وإنها لأيام قليلة بإذن الله وتسطع شمس الخلافة الراشدة على منهاج النبوة من جديد لتملأ الدنيا قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا، وإن غدا لناظره قريب.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حامد عبد العزيز
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر