الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

قدرة شبكات التواصل الإلكتروني على التلاعب بالرأي العام

وكيفية مواجهة ذلك

مقدمة:

 

لا شك أن للفضاء الإلكتروني بصفة عامة ولشبكات التواصل بصفة خاصة قدرة على الولوج إلى الرأي العام والتأثير فيه بشكل يبدو سحريا في بعض الأحيان. ففي الوقت الذي تمثل فيه هذه الشبكات أداة من أدوات القوة الناعمة حين تعطي للقوى المؤثرة دوليا إمكانية الحصول على ما تريد من خلال التسويق والدعاية والجذب والإقناع، فإنها أيضا أداة لخوض حروب الدعاية المضادة أو حروب المعلومات ضمن ما بات يعرف اليوم بحرب الجيل الرابع، حيث تُستخدم حرب المعلومات هجوميا لتقويض الخصوم، وربما نعتبر هذا "قوة ناعمة سلبية".

 

ما يهمنا على صعيد سياسي مرتبط أساسا بواقع الصراع الحضاري الذي يخوضه الغرب ضد أمة الإسلام وهي تتهيأ لإقامة كيان تنفيذي يجسد حضارتها، هو وضع هذه التقنيات واستخداماتها الحالية في إطارها السياسي الصحيح وبشكل دقيق، ثم معرفة إلى أي مدى يمكن استخدام شبكات التواصل في توجيه الرأي العام أو التأثير فيه، بل إلى أي درجة يمكن الحديث عن تحكم صناع الرأي العام بحركات الشعوب، والأهم كيف لنا أن نواجه هذه القدرة الهائلة على توظيف هذه الأدوات المهمة في ربط الشعوب بما تقره الدول الكبرى وسياساتها، ثم أخيرا هل بالإمكان امتلاك أدوات مماثلة يمكن توظيفها في عملية القوامة على فكر الأمة وحسها وتشكيل وعيها العام والحفاظ على صفاء ونقاء الرأي العام الإسلامي داخلها؟

 

شبكات التواصل: سلاح ذو حدين

 

بعد أن دخل العالم ميادين حرب الجيل الرابع، أخذ الاهتمام يتجه بأقصى درجة إلى استخدام التطور في مجال الفضاء الإلكتروني، في دعم هذه الحرب، وما يحتويه هذا المجال من وفرة بلا حدود في المعلومات. وبصفة خاصة ما يتصل بالمساحة التي بدأ يشغلها الجانب العسكري في هذا المجال، وإن كانت القدرات العسكرية ما زالت في مراحلها المبكرة، إلا أن القوى الكبرى صاحبة الريادة في مجال الفضاء الإلكتروني، تعتبره سلاحا سياسيا فائق التأثير. فحرب الجيل الرابع التي دشن العلماء والخبراء العسكريون الأمريكيون، مفهومها عام 1989، هي التي قلصت من مفهوم القتال عن طريق الحشود العسكرية، والصدام المسلح المباشر، لتستبدل به نوعا غير مباشر من الحروب، التي تستهدف العقل الجمعي لمجتمع الدولة المستهدفة، بضرب معنويات الشعب، والتشكيك فيه وفي قياداته، وإشعال الفوضى داخل الدولة، لزعزعة استقرارها، باستخدام وكلاء محليين، وبحيث لا تتورط القوى الخارجية في هذه الحرب مباشرة ضمن ما بات يعرف لاحقا بنظرية الفوضى الخلاقة التي لم تعد تقف على نشر الشركات الأمنية الخاصة لإحلال الديمقراطية، بل لا بد من معاضدة جهودها بجيوش افتراضية تساهم في إخضاع البلد إلى الجهات المتربصة، وهو ما يُجنّب الجيوش النظامية "شرّ القتال".

 

ورغم أن حرب المعلومات ليست جديدة، فإن التكنولوجيا السيبرانية تجعلها أرخص وأسرع وأبعد مدى، كما تزيد من صعوبة اكتشافها وسهولة إنكارها. ولهذا توجهت أنظار خبراء الاستراتيجية إلى مجال حروب الفضاء، ليكون داعما بوسائله لهذا النوع من الحروب الحديثة. كما وضع هؤلاء الخبراء استراتيجيات مدروسة بعناية فائقة في مجال الأمن السيبراني، وتوظيف جيوش حقيقية من الخبراء العاملين في هذا المجال، فضلا عن الجيوش الافتراضية.

 

ولنحاول أن نتناول هذه الفكرة بشيء من التفصيل والتبسيط: إن الواضح لكل متابع أن تسليط الضوء على جرائم الأنظمة وفضائح الساسة والحكام وممارسات الدول وانتهاكاتها للشعوب وإراقتها للدماء واعتداءاتها المتكررة على أبسط مقومات العيش الكريم للإنسان ووضع ذلك كله تحت المجهر ثم ضخه بشكل تراكمي عبر منشورات تستهدف شرائح الناس المختلفة، من شأنه أن يوجد حالات من الامتعاض والاحتقان لدى الشعوب تصل إلى حد زعزعة استقرار الأنظمة وإحداث شرخ فيها أو تغيير في تشكيلات الحكومات ورموز هذه الأنظمة وبالتالي إيجاد الأرضية المناسبة لتركيز وفرض النموذج الغربي في الحكم، خاصة وأن هذه الشبكات العالمية تتيح وصول العالم أجمع إلى المعلومة فور نزولها بشكل سريع ومُعولم وفاضح في الآن ذاته، ما يجعل لكل خبر متعلق بالشأن العام والشخصيات العامة قيمة مهمة من حيث مصداقيته وكيفية صياغته وتوقيت نشره لكل من أراد أن يسرب خبرا إلى جمهور من المتلقين. وقد أدركت الشركات المتعددة الجنسيات منذ فترة طويلة أنها معرضة لخفض قيمة أسهمها عبر حملات التشهير، ووضعت استراتيجيات لمجابهة ذلك قبل ظهور حملات التسريب على غرار "ويكيليكس" و"سويسليكس".

 

في المقابل، فإن صناع الرأي العام والقادرين على توجيه الشعوب والتأثير في خياراتها الانتخابية والسياسية، صاروا يعتمدون هذه الشبكات والقنوات الاتصالية نفسها لتلميع صور الحكام أو لصناعة رموز بديلة وزعامات جديدة تخدم بقاء النظام الرأسمالي العالمي جاثما فوق الصدور، بحيث يبدو الرئيس الذي تغزو صوره شبكات التواصل وتزكيه شركات سبر الآراء منتخبا "ديمقراطيا" لأنه حصد ملايين الإعجابات الافتراضية.

 

ومع ذلك، لم تنجح هذه الشبكات على تعددها في صرف أنظار الأمة عن مشروعها النهضوي وعن المناداة بتحررها من ربقة الاستعمار وأنظمته ولم تمكنهم من التنبؤ بتحركات شعوب الأمة، بل لم يخف بعض المسؤولين الأمريكان تخوفاتهم من تحول هذه الشبكات إلى أداة بأيدي "الأصوليين" يستغلونها لنشر أفكارهم المعادية للحضارة الغربية، ولسان حالهم يقول: لا تفضحوا زيف حضارتنا بأدوات من صنع أيدينا. وهكذا، صار هؤلاء يخشون من تحول هذه التقنيات إلى أسلحة حقيقية وفاعلة ضدهم، تستهدف أفكارهم فتبين بطلانها وتكشف زيف حضارتهم وحجم نفاقهم السياسي العالمي العابر للقارات.

 

ومن أهم الأقوال التي توضح هذا التخوف بشكل ملموس، ما صرح به رئيس أركان الجيش الأمريكي السابق الجنرال "راي أوديرنو" خلال محاضرة له في المعهد الملكي البريطاني "تشاتهام هاوس" بتاريخ 6 حزيران/يونيو 2012، والتي جاءت تحت عنوان: الجيش الأمريكي في المرحلة الانتقالية، حيث قال:

 

"دعونا ننظر حول العالم، وما نراه في العالم. وجزء من هذا العالم هو، ما تعلمت، وأعتقد أن ما تعلمناه جميعاً من منظور عسكري على مدى السنوات الخمس أو الست الماضية هو هذا الربط، هذه القدرة العالمية على الاتصال التي تمكن المعلومات من الانتقال الفوري في جميع أنحاء العالم، قد أثرت على الأمن وستؤثر على كيفية تفكيرنا حول كيفية وجوب توفير الأمن في المستقبل. وقد رأينا أن هذا قد لعب دوراً في الربيع العربي، سواء أكان ذلك في ليبيا، أو في مصر، أو في تونس وترونه لا زال يلعب قليلا، اليوم، في سوريا. عندما نناقش هذا، فإننا سوف نقول لكم إن الربيع العربي لم ينته بعد. أعني، إنها مجرد بداية، ونحن الآن قد دخلنا مرحلة انعدام اليقين".

 

ثم أضاف: "التحكم الافتراضي هو قيادة عمليات افتراضية على مستوى العمليات الاستراتيجية العالمية لدينا قيادة افتراضية للجيش، نصبناها ونحن نواصل العمل على كيفية تنظيمها. وحسب رأيي ومن وجهة نظر عسكرية نحن ندعم قيادة افتراضية بمقدرات قومية استراتيجية، ثم لدينا كذلك تحكم عملياتي افتراضي، حالياً تكتيكي، من أين يمكن قيادة عمليات مستقبلية، كيف يتم إدماج ذلك في المعلومات التكتيكية، ونحن بصدد العمل على ذلك الآن".

وهكذا، نتبين أن الانتقال الفوري والسريع للمعلومات بقدر ما هو مهم ومفيد للجهات الاستعمارية، فإنه يسرع من تآكل منظومة الغرب إذا وضع بأيدي خصومها، وعليه صار لا بد من حصر مجالات استخداماته وتمكين المخابرات الدولية من التحكم في انتشار المعلومة والحصول على المعطيات الشخصية بما يمنع خروج الوضع عن سيطرة القوى الكبرى، وهو ما يجسد مخاوف حقيقية لهذه الأنظمة الاستعمارية التي تفرض انحياز الشركات الرائدة في هذا المجال إلى أجنداتها وإنقاذها من التهاوي، وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى الاتفاقية التي حصلت أواخر 2019 بين بريطانيا وشركتي "فيسبوك" و"واتساب" والتي تلتزم بموجبها هاتين المنصتين بمشاركة رسائل المستخدمين المشفرة مع الشرطة البريطانية، لدعم تحقيقات بشأن أفراد يواجهون اتهامات جنائية خطيرة، بينها الإرهاب. وجاء ذلك إثر تصريح مثير لوزيرة الداخلية البريطانية "بريتي باتيل" حذرت فيه من أن خطة "فيسبوك" لتمكين المستخدمين من أن يبعثوا برسائل كاملة مشفرة، ستصب في صالح مجرمين، داعية إلى "تطوير أبواب خلفية، لتمكين وكالات الاستخبارات من الدخول إلى منصات الرسائل".

 

نماذج من التلاعب بالرأي العام عبر شبكات التواصل

 

يساهم الفيسبوك بسبب القواعد التقنية (Algorithmes) التي يستخدمها لعرض المضامين في سجن الناس في فضاءات مغلقة منسجمة أيديولوجيا وسياسيا لا مكان فيها للتنوع يطلق عليها "غرف الصدى"، وهو ما يحيلنا مباشرة إلى المفهوم الحقيقي للديمقراطية من كونها فن خداع الشعوب.

 

هذا التوجيه الإعلامي المباشر لجمهور الناخبين، لم يعد خافيا على جميع المتابعين، فقد كشفت مثلاً صحيفة "لوموند" الفرنسية بتاريخ 7 آذار/مارس 2019 أن أثرياء أمريكيين يمولون حملات إشهارية سياسية في أوروبا. كما أصدر البرلمان البريطاني في شهر شباط/فبراير 2019 تقريراً عن التضليل والأخبار الكاذبة (Disinformation and fake news) وصف فيه شركات الميديا بـ "العصابات الرقمية".

 

  • ·    الانتخابات الأمريكية

ربما تعد فضيحة بيانات فيسبوك-كامبريدج أناليتيكا من أكبر الفضائح السياسيّة في العالم، حيث تفجّرت في أوائل عام 2018 عندما تم الكشف عن أنّ شركة كامبريدج أناليتيكا (وهي شركة استشارات سياسية بريطانية مختصة في دراسات الرأي العام والتأثير على الناخبين في الحملات الانتخابية) قد جمعت "بيانات شخصية" حول أكثر من 50 مليون شخص على موقع فيسبوك من دون موافقتهم قبل أن تستخدمها لأغراض "الدعاية السياسية" لحملة ترامب الرئاسية حيث تم استعمال وسائل وطرق دقيقة لاستهداف الناخبين الأمريكيين وللتأثير في اتجاهات الناخبين عبر معالجة المعطيات المتوفرة عنهم في الميديا.

 

وُصفت الفضيحة من الكثيرين على أنها "لحظة فاصلة" في الفهم العام للبيانات الشخصية كما أدّت إلى حدوث هبوطٍ كبيرٍ في سعرِ أسهم شركة فيسبوك العالميّة فيما دعا آخرون إلى "تنظيمٍ أكثر صرامة" لاستخدام شركات التكنولوجيا للبيانات الشخصية. كما تسبّبَ ذلك في "غضبٍ شعبيّ كبير" نجمَ عنه سقوط القيمة السوقيّة لشركة فيسبوك بأكثر من 100 مليار دولار في حدودِ أيّام فيمَا طالبَ عددٌ من الساسة في كلٍ من أمريكا وبريطانيا بإجابات من الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرغ الذي اضطرّ في نهاية المطاف إلى الموافقة على الإدلاء بشهادته أمام الكونغرس الأمريكي في 10 نيسان/أبريل 2018، بل تم تغريم شركة فيسبوك بنحو 500 ألف جنيه إسترليني (640 ألف دولار أمريكي).

 

  • ·    الانتخابات التونسية

بتاريخ 5 كانون الثاني/يناير 2020 نشرت وحدة البحوث الرقمية DFRLab التابعة لمركز الأبحاث الأمريكي "المجلس الأطلسي"، تقريرا من 31 صفحة باللغة الإنجليزية حمل اسم "عملية قرطاج: كيف أدارت شركة تونسية عملية تأثير على انتخابات رئاسية في دول أفريقيا" الذي كشف أن شركة "UReputation" التونسية قدمت خدمات للتوجيه والتضليل لصالح عملائها من السياسيين في تونس وفي دول أفريقية أخرى بهدف التأثير على الناخبين.

 

تقرير جاء بعد أن أعلنت شركة فيسبوك في نهاية أيار/مايو الماضي عن غلق كلي لـقرابة 900 حساب ومجموعة سواء على شبكة فيسبوك أو الإنستغرام ينتسب أصحابها لمجموعة من الدول الأفريقية من بينها تونس، وما يجمع بينها صلتها بشركة UReputation.

 

هذه الشركة التي تعرف نفسها على أنها وكالة تقدم خدمات تشمل الحماية والتأثير والتوجيه مقرها تونس، اتضح أنها استخدمت هذه الحسابات لصالح جهات سياسية في تونس وخارجها بهدف التأثير على الانتخابات، وفق ما كشفه تقرير وحدة البحوث الرقمية التابع للمجلس الأطلسي المختص في التحقيق والتدقيق في البيانات التي تقدم له من فيسبوك لوقف سوء الاستخدام أو التضليل وفق ما يعرف بـ"السلوك المريب للمستخدمين".

 

وقد كشف التقرير أن هذه الوكالة تمكنت من استهداف جمهور قدرته بـ3.8 مليون شخص في 10 دول أفريقية، عبر صفحات وحسابات شخصية ومجموعات مغلقة في إطار خدمات تأثير أطلق عليها "عملية قرطاج" التي أنفق عليها من الوكالة حوالي 331.000 دولار في شكل إعلانات على الفيسبوك أي ما يقارب 1 مليون دينار تونسي وقع إنفاقها لاستهداف 3.2 مليون شخص.

 

جمهور استهدف عبر 446 صفحة على شبكة الفيسبوك، من بينها صفحات مخصصة لاستهداف جمهور تونسي، هذه الصفحات تقع إدارتها من حسابات شخصية وقع حذف بعضها وهي حوالي 182 حساباً شخصياً، إضافة إلى إنفاق مبالغ للإشهار لمجموعات مغلقة قدر عددها بـ 96 مجموعة إضافة إلى 209 حساب من شبكة إنستغرام، وقع حذف جلها نهاية أيار/مايو الماضي.

 

حسابات قامت بتقديم خدمة تضليل ونشر معطيات خاطئة عن شخصيات سياسية تونسية إضافة إلى القيام بعملية تحيل على المستخدمين عبر إطلاق الصفحات كصفحات (اجتماعية) أو تسلية لا تتطرق للمواضيع السياسية بما يساعد على تسويقها وضمان مشتركين فيها قبل أن تقوم بتغيير اسمها ومجال نشاطها إلى السياسي. وبعضها وقع إنشاؤه مع فترة الحملة على غرار صفحة "انتخابات تونس 2019" التي نظمت الكثير من عمليات سبر الآراء المرجحة لفوز نبيل القروي في الانتخابات الرئاسية، وأحدها نشر يوم الاقتراع في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية بهدف التأثير على مزاج الناخبين للتصويت لصالح القروي على اعتبار أنه الفائز.

 

ولذلك لا نستغرب أن نجده منافسا رئيسيا في الدور الثاني، للأستاذ قيس سعيد الذي ظهرت عشرات الصفحات المساندة له بشكل مفاجئ أثناء الحملة الانتخابية التي نقلت جميع أنشطته اليومية، ومع أن جل هذه الصفحات والمنشورات الموجهة كانت ممولة، ومع أنه ظل يتصدر استطلاعات الرأي لأشهر قبل الموعد الرسمي للانتخابات، إلا أن وسائل الإعلام الرسمية ظلت تقنع متابعيها بأن أستاذ القانون الدستوري قد فاز في الانتخابات الرئاسية دون تمويل، ورأسماله كان فقط ما يحتسيه من قهوة في الأماكن الشعبية.

 

نحن إذن إزاء "خوارزميّات" تعمل لإحداث حركية والترويج للمضمون المراد نشره في صفوف المستخدمين والذي قدر بأكثر من 3 مليون متعرض لمادة، نشرت عبر العشرات من الحسابات الوهمية والصفحات التي يديرها فريق من المختصين العاملين مع هذه الشركة، لتنحصر المنافسة بين شخصين هما قيس سعيد ونبيل القروي، الأول عرّف على أنه رمز الطهر والزهد في الحكم ونظافة اليد وأنه يرفض التدخل الأجنبي في شؤون البلاد رفضا قاطعا، والثاني تم تقديمه على أنه رمز الفساد والمافيوزية والاستعانة بالأجنبي بل حتى بالصهاينة من أجل وصوله إلى الحكم، فكانت النتيجة طبيعية وهي رجوح كفة قيس سعيد على حساب القروي.

 

كيفية مواجهة التلاعب بالرأي العام

 

إن ما يجب على كل سياسي إدراكه وهو يستعمل شبكات التواصل، هو أنه بصدد التعامل مع إحدى أهم أدوات المخابرات الدولية في توجيه الشعوب وتضليلها وأشدها مكرا وخداعا، وأن هذه الأدوات نفسها تتطور يوما بعد يوم مستفيدة من تقنيات الذكاء الصناعي، ولذلك فإن وجود آلاف الحسابات الوهمية وخوارزميات الإعجابات المتراكمة والتعاليق الآلية عبر برامج وتطبيقات إضافية والتبليغات الآلية عن الصفحات من أجل حجبها وغلقها مقابل تمويل بقاء الصفحات المليونية هو أمر طبيعي ويومي، ما يجعل السلوك الجماعي داخل هذه الأماكن الافتراضية موجّها بشكل يصعب الإفلات من تأثيره، حيث تكاد الشائعات في هذا المكان أن تصبح خبرا يقينيا لا مجال لنفيه ودحضه.

 

وعليه، صار لزاما على كل من يريد التأثير عبر هذه الشبكات أن يتسلح وقتيا بجملة من الإجراءات إلى حين إعداد بديل عنها، ولعل أهم هذه الإجراءات هي:

 

-       استعمال بريد إلكتروني صحيح وربطه برقم الهاتف.

-       تجنب الأسماء المستعارة وضرورة وضع صور حقيقية تمكن من التأكد من هوية الشخص.

-       محاولة وضع صور لمناسبات رسمية ومشاركتها مع أصدقاء داخل الشبكة بما يؤكد أن الحساب المعتمد حقيقي وليس وهميا، مثل المقهى السياسي أو صور من ندوة سياسية أو غيرها.

-       إعداد صفحات بديلة للصفحات الرسمية التي قد يرى من خلالها ترويج لخطاب الكراهية أو معاداة السامية، والاستعداد لعمليات الغلق الآلي في كل لحظة، بحيث يتم إنشاء صفحة ثالثة كلما تم غلق الصفحة الأولى، والمرور مباشرة إلى استعمال الصفحة الثانية، وهكذا...

-       القيام بتسجيل محتوى الصفحات بشكل دوري، حتى لا يضيع المحتوى عند الحذف.

-       وضع نفس منشورات الصفحة على موقع رسمي.

-       تمويل المنشورات التي تتحدث عن الشأن العام بكلام عام يفهمه عامة الناس.

-       تمويل المنشورات التي تتحدث عن الشأن العام بكلام خاص ببعض الأوساط وأهل العلم مع تخصيص الفئة المستهدفة بهذه المنشورات (فقهية كانت أم فكرية أم سياسية).

 

-       محاولة اختصار الفكرة المراد الترويج لها، وتسليط إحساس المتلقي على الواقع ما أمكن، مع وضع صور معبرة ولافتة للنظر.

-       محاولة استعمال أكثر الهاشتاغات ظهورا كلما أمكن ذلك، وتوظيفها لصالح الفكرة المراد نشرها.

-       الحرص على إعادة نشر الأخبار المكتوبة والمرئية بتعاليق منبثقة عن زاوية النظر الإسلامية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفيديوهات أكثر المواد قابلية للنشر.

-       التأكد أن الحكم المطابق للواقع هو الأكثر تأثيرا على الناس من غيره، حتى إذا لم يحصد العدد نفسه من الإعجابات، مع ضرورة الانتباه إلى أن غيره من المنشورات الموجودة على صفحات ممولة مرتبط بماكينات وآليات لا تعبر بالضرورة عن الواقع الحقيقي للإعجاب والتفاعل.

-       متابعة صدى هذا الجهد الإعلامي في الأماكن الافتراضية ومحاولة جني ثماره على أرض الواقع، عبر اتصالات مقصودة.

 

هذه الإجراءات، وإن يرى أن بعضها فيه تقديم معلومات أو معطيات لمخابرات الأنظمة القائمة، فإن سفور حامل الدعوة وتحديه لا يجعله متخفيا أو حاملا للدعوة من وراء ستار، بل الأصل أن يكون متصدرا لقيادة الأمة وألاّ يخشى في ذلك لومة لائم، وعليه فالمطلوب هو أن يتخير حامل الدعوة من المعطيات فقط ما يسد به جوعة الفيسبوك، لا أن يبالغ في إعطاء تقارير مجانية للمخابرات وخاصة عن طريق المحادثات الشخصية التي ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها مخترقة بالكامل من قبل الأنظمة، بل لقد أضاف الفيسبوك خاصيات تمكنه من التجسس على مستعمليه حتى بعد مغادرتهم لهذه الشبكة، بحيث يتابع جميع الاستعمالات الأخرى للإنترنت ويسجل جميع كلمات البحث المستخدمة عبر أي جهاز متصل بنفس البريد الإلكتروني.

 

هذا وإن الطريق الأصح والأقوم لمواجهة تأثير هذه الشبكات، هو ما ستقوم به دولة الخلافة عند قيامها بإذن الله:

 

أولا: بصنع وإيجاد شبكات وتطبيقات وبرمجيات غيرها بحيث لا يكون التواصل الإلكتروني حكرا على شركات أجنبية ووفق شروطها واتفاقياتها مع الأنظمة كما هو الحال اليوم، وإنما هو متاح للأمة الإسلامية بأدوات من صنعها تجعلها تكسب المعركة التكنولوجية ضمن كسبها للمعركة السياسية.

 

ثانيا: بتوظيف ذلك كله لصالح دعوة البشرية إلى الإسلام بوصفه رسالة رحمة للعاملين وإلى نبذ الرأسمالية التي تسوم الناس سوء العذاب. كما أن تعامل دولة الخلافة مع رعاياها لن يكون مثل تعامل الأنظمة الحالية التي توظف كل هذه الشبكات للتجسس على شعوبها.

 

نسأل الله سبحانه أن يكون ذلك عاجلا غير آجل وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يستخدمنا لنصرة دينه وإظهاره في الأرض وأن يكرمنا جميعا بخلافة راشدة على منهاج النبوة.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

م. وسام الأطرش

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع