- الموافق
- 2 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
الهجرة والمهجر، بين أعمال التمكين وكآبة المنظر
لا شك أن السيرة النبوية بما تحويه من دروس عملية في حياة رسولنا الكريم عليه الصلاة السلام تمثل نبراس هدى لكل مسلم، ومنارة خلاص لكل باحث عن الفلاح والتغيير السياسي المنطلق من العقيدة الإسلامية، ولا شك أن أبرز محطات هذه السيرة هي الهجرة النبوية المشرفة، ولما لهذا الحدث من عظيم شأن في نفوس المسلمين، ولما قد يحدث من لُبس في تشبيه هجرته عليه الصلاة السلام وهجرة أصحابه رضوان ربي عنهم بهجرات عموم المسلمين في زماننا، وجدنا أنه لا بد من إنزال كل حادثة في سياقها بموضوعية واستنارة.
في السيرة النبوية كما نعلم أن الهجرة هجرتان، وكلاهما عمل سياسي واتباع للوحي؛ ففي الهجرة الأولى التي كانت لصحابة رسول الله ﷺ إلى الحبشة التي كان "فيها ملك عادل لا يظلم عنده أحد"، كانت عملاً احترازياً لحماية الكتلة؛ لكي لا تتم تصفيتها من قريش بعد أن بدأت بسياسة القتل والتنكيل والتعذيب لأفراد الكتلة من الصحابة الكرام، فها هي سمية رضي الله عنها تُقتل وآل ياسر يُعذّبون في بطحاء مكة، وها هو بلال الحبشي يُعذب ويلقى به عارياً على رمال الصحراء الملتهبة وهو يتحداهم مردداً ومكرراً "أحد أحد"، كل ذلك ليصدوهم عن دينهم ويثنوهم عن اتباع هذا المنهج القويم وهذه الدعوة العظيمة فلا ينتظموا في صفوف كتلة وحزب سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
والهجرة الثانية كانت لإقامة الدين واستلام الحكم وجعل الإسلام موضع التطبيق والتنفيذ في جميع مجالات الحياة، فهي تتويج لعمل سياسي عظيم في دعوة زعماء القبائل وطلب النصرة من أهل القوة والمنعة من قبائل العرب حتى أتمّ الله هذه النصرة في عقد بيعة العقبة الثانية في بيعة الحرب، وأقام أنصار هذا الدين بيعتهم منذ أول قدومٍ لرسول الله عليه الصلاة السلام للمدينة المنورة في استقبالهم له على هيئة صفيّن من فرسانهم يحملون السيوف متحدّين بذلك ملوك العرب والعجم على تطبيق لا إله إلا الله محمد رسول الله.
﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
وعليه فإن الهجرة سواء الأولى أم الثانية كانت ثمرة إعداد كتلة واعية مدركة لأحكام الإسلام ومفاهيمه، وتهيئة للوسط السياسي لاستقبال هذا الكيان العظيم، الدولة الإسلامية.
أما المهجر وحال مهاجري أمتنا خاصة في بلاد الغرب، فإنما هو نتاج لفجور حكامنا وإجرامهم وفسادهم وعمالتهم، مع امتزاج كل ذلك باستخفافٍ لأعداء الله بنا لغياب الراعي الأمين عنا، والمهجّرون إنما هم ضحايا هذه الأنظمة العفنة التي جوعت الشعوب وأذلتها وألقت بشعوبها عارية لينهشها الكفر بوحشيته تحت مسميات خداعة من اندماج وحريات وجمعيات خيرية وحقوق الإنسان!!
ومن هنا وجب علينا نحن المسلمين في المهجر التمسك بالإسلام وأفكاره وأحكامه وعدم التنازل عن مبادئه قيد أنملة، وتجسيد الإسلام في أفعالنا وأقوالنا، وأن لا ننسى هويتنا الإسلامية، وأن لا ننصاع لأحكام الطاغوت وقوانينه وأفكاره، فوالله ما مكروا بنا وما أذلونا وما ألقوا بنا في براثن الكفر إلا لننسلخ عن ديننا نحن وأزواجنا وذرياتنا، فهذا ما يريده الشيطان وأعوانه تحت مسمى الاندماج بالتخلي عن ثقافتنا وحضارتنا واستبدال الحضارة الغربية وأحكام الكفر بها.
«اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنَا هذا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ العَمَلِ ما تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ في الأهْلِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المَنْظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلَبِ في المَالِ وَالأهْلِ».
فبعد أن كبدونا وعثاء سفر مذلّ بلا زاد من ثقافتنا الإسلامية يكفينا كآبة منظر حياة في مجتمعات بلا معالم الإسلام، فنحن هنا بين خيارين؛ إما أن نستسلم ونسير لما أرادوا لنا من تخلٍّ عن ديننا فيكون لنا الخزي والخسران المبين في الدنيا قبل الآخرة!! وإما أن ننقذ أنفسنا وأزواجنا وذرياتنا فنعمل مع العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية ونلتحق بقوافلها المباركة فنكوّن شخصياتنا الإسلامية أولا، ومن ثم تصحيح المفاهيم الخاطئة في المجتمع ونتصدى للظالمين بالاستنارة والوعي وبإبراز هويتنا الإسلامية التي ارتضاها الله لنا وميزنا بها، فنقف في وجه الغرب الكافر بما يحوكه لديننا الحنيف من مكر وكيد، فنستحضر الحكم الشرعي في جميع تحركاتنا وأعمالنا لنكون منضبطين ملتزمين بما علمنا وأمرنا به نبينا ﷺ كائنا في ذلك ما هو كائن.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ أحمد الشامي - ساوباولو/ البرازيل
وسائط
2 تعليقات
-
بوركت جهودكم الطيبة في ميزان حسناتكم إن شاء الله
-
جعلنا الله واياكم من جنود دولة الخلافة وشهودها