- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بين الراديكالية الغربية والراديكالية الإسلامية
ظهر مصطلح الراديكالية مع الثورة الفرنسية، وهو يعني التغيير الجذري (من الكلمة اليونانية Radia والتي تعني الجذر)، وهو صورة تمثل ظاهرة التغيير الجذري في فرنسا بعد الثورة، ثم تحولت تلك الدولة إلى جمهورية، فاعتبر الكثيرون من الراديكاليين الأوروبيين الثورة الفرنسية نموذجاً لهم، وقد دل مصطلح الراديكالية في القرن التاسع عشر في المملكة المتحدة وفي أوروبا القارية، وأمريكا اللاتينية على الأيديولوجية الليبرالية التقدمية المستوحاة من الثورة الفرنسية.
وقد استطاع الراديكاليون في أوروبا تنظيم أنفسهم في أحزاب سياسية مثل الحزب الجمهوري الراديكالي والاشتراكي الراديكالي، وقد أصبح أهم حزب في فرنسا في الفترة 1866م-1940م، مما شجع نجاحه في الوصول للسلطة. وقد بلغت الفكرة الراديكالية أوج مجدها في أوروبا في أواسط القرن المنصرم، حتى انتهت الفكرة في السبعينات منه حيث أثمرت الفكرة التغيير الجذري في الحكم في كل أوروبا حيث ظهرت الديمقراطية الاجتماعية كقوة سياسية في معظم دول أوروبا والتي اتخذت دور فلسفة الراديكالية فلسفة لها وقامت عليها الأحزاب الليبرالية المحافظة والنيوليبرالية والديمقراطية الاجتماعية والتي تحكم كل دول أوروبا وأمريكا الآن. هذا موقف أوروبا من الفكرة الراديكالية والتي تعني التغيير الجذري والذي اعتمدوه أساساً للتغيير في أنظمة الحكم والذي أوصلهم إلى ما هم عليه الآن.
ولكن حينما طالب المسلمون بالتغيير الجذري خاصة بعد خروج المستعمر بجيوشه من بلادهم وفشلت الأنظمة الوطنية التي تبنت النظام الرأسمالي وصار الناس يبحثون عن البديل وعرضت فكرة التغيير الجذري جن جنون الغرب لأنه أدرك أن التغيير الجذري يعني نبذ النظام الرأسمالي والانعتاق من تبعيته والخروج عن سيطرة النظام الدولي عليهم فهبوا هبة رجل واحد لمحاربة كل ما يوحي بوجود الإسلام في الحياة العامة، ولو كان قطعة قماش تضعها فتاة صغيرة على رأسها.
ولكن حينما شعروا أن الشعوب الإسلامية صارت تتوق إلى التغيير الحقيقي كان لا بد من وضع مخططات واضحة المعالم لمحاربة هذا التوجه الخطير بزعمهم، وتوجهت الجهود إلى المراكز البحثية لوضع خطة محكمة لمحاربة هذا التوجه. ولنأخذ مثالاً لتوصيات أمر هذه المراكز البحثية المرموقة وهو مؤسسة راند الأمريكية ونذكر بعض توصياتها كما في كتاب العالم المسلم بعد 9/11، والذي أوصى بأن تشمل الخطة جميع الجوانب السياسية والإعلامية والفكرية والأممية وذلك لضمان نجاحها. ويقدم الكتاب في محوره الأول خريطة شاملة التوجهات الأيديولوجية في المناطق المختلفة بالبلاد الإسلامية، ووصف المطالبة بالتغيير الجذري تعني الراديكالية وتعني الإرهاب ومن ثم التركيز الإعلامي على تحويل اهتمام الناس من فكرة التغيير الجذري، لأنه لا يوجد بديل للنظام الرأسمالي إلا الإسلام، وعليه لا بد من إبعاد الناس عنه وتخويفهم منه، وأكثر ما شدد عليه الكتاب هو ظاهرة انتشار التغييرات "الراديكالية للإسلام" يعني المطالبة بالتغيير الجذري على أساس الإسلام، ووصفها بعض الكتاب بأنها ظاهرة تزعج الإدارة الأمريكية التي ستجد عنتاً شديداً في إقناع المسلمين بأفكارها الليبرالية المناهضة للراديكالية مما يعني تعطيل المصالح الأمريكية في البلاد الإسلامية "حسب ما ورد في الكتاب".
وخرج الكتاب بتوصيات:
1- إيجاد شبكة إسلامية معتدلة وذلك من خلال خلق شبكة ضخمة تتحدث بلسان عامة الناس وتعبر عن أفكارهم.
2- إتلاف الشبكات الراديكالية بشتى الوسائل والأساليب.
3- تشجيع إصلاح المدارس الدينية والمدارس كما نشاهد اليوم في السودان وغيره.
4- دعم الإسلام المدني.
5- دمج الإسلاميين في السياسة العامة (إيصالهم إلى السلطة والعمل على إفشالهم في الحكم).
6- العمل مع المسلمين المغتربين (الحكومة الانتقالية في السودان مثالاً ممتازاً لذلك).
7- إعادة العلاقات العسكرية مع الدول في البلاد الإسلامية، ويطالب الكتاب بضرورة تفعيل العلاقات العسكرية لأن إيجاد ضباط مسلمين مدربين أمريكياً لا تضمن فقط عدم تعرض القادة العسكريين المسلمين للقيم والممارسة الأمريكية بل تضمن أيضاً تزايد النفوذ الأمريكي في المنطقة العربية الإسلامية.
ولما كان التغيير الجذري يمثل عاملا خطرا ومشتركا بين الدول الاستعمارية الطامعة والحكام في بلاد المسلمين أصبحت محاربة الإسلام والتنكيل بمن يدعون إلى التغيير الجذري وإلصاق التهم بهم وتكوين جماعات باسمهم والقيام بأعمال بشعة، أصبح هذا الأسلوب هو الأداة التي يتزلف بها الحكام والطامعون في الوصول إلى السلطة إلى الدول العاملة في المسرح الدولي كي تساعدهم في قمع شعوبهم وتهيئة الأجواء للطامعين في الوصول إلى السلطة حتى يتمكنوا من الحكم. والأمثلة على ذلك لا يمكن حصرها؛ فقد رأينا تزلف حاكم مصر إلى فرنسا وكان ماكرون يرفع سيفه لمحاربة الإسلام جهارا نهاراً وبكل تحد يدافع عمن يسيء للرسول ﷺ، وآخر يغلق المساجد، ويسعى لاستصدار قوانين تجرم كل من يدعو إلى الإسلام بوصفه ديناً ينظم كافة شؤون الحياة بما فيها الحكم.
أما إذا نظرنا إلى وثيقة أبراهام التي وقعت عليها مجموعة دول منها السودان فنجد من أهم بنودها محاربة الإسلام الراديكالي وقد تعهد بها حكام هذه الدول وأنهم شاهرون سيوفهم لمحاربة الإسلام، وقد سبق أن تعهد عبد الفتاح البرهان بأنه على استعداد لمنع الأحزاب التي تقوم على أساس عقائدي.
إنهم يقدمون الإسلام قرابين تحت أقدام الدول الكبرى عربوناً لدعمهم في الوصول للحكم أو الاستمرارية فيه، ولكن هل هذا سيمنع الإسلام من الظهور والهيمنة؟!
قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾، وقال ﷺ: «إنَّ اللهَ زوَى لي الأرضَ فرأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها فإنَّ أُمَّتي سيبلُغُ مُلْكُها ما زوَى لي منها»، وكما بشرنا رسولنا ﷺ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضاً، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ الله أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيّاً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثمَّ سَكَتَ».
إذن فالراديكالية؛ أي التغيير الجذري في الغرب أمر محمود، أما في البلاد الإسلامية فجريمة كبرى، هكذا يفكر الغرب الكافر المستعمر! نعم إنها حرب بين الحق والباطل، وإن الظلام لمنقشع مهما طال ليله وإنما النصر صبر ساعة. ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس حسب الله النور – ولاية السودان