الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الديمقراطية والعلمانية لا تفترقان

 

عندما تمكن الغرب الكافر من هدم دولة الخلافة ظن الكثيرون أنه بإمكانهم تغيير الواقع من خلال الدخول في الأنظمة الحالية والانخراط بها وأنه بإمكانهم القضاء على العلمانية بهذه العملية. وأصبحوا ينادون بالديمقراطية ويقولون للناس إنهم ضد العلمانية لكن مع الديمقراطية لأن الديمقراطية هي وسيلة وليست غاية، وأدخلوا أنفسهم والناس في نظرية أفلاطونية لا حقيقة لها على أرض الواقع خيالية؛ لا هم استطاعوا التخلص من مستنقع الديمقراطية العلمانية ولا هم استطاعوا القضاء على العلمانية، وبقوا في المستنقع. وبعد أن كانوا ينادون بحل المشكلة أصبحوا جزءاً منها ونسوا أن استمرار العملية الديمقراطية والانخراط بها هو الحفاظ على العلمانية بحد ذاتها، فلا يمكن القضاء على العلمانية مع الحفاظ على الديمقراطية ولا يمكن القضاء على الديمقراطية مع الحفاظ على العلمانية، فكلتاهما جزآن لا يتجزآن، ولن أغوص في الموضوع من الناحية الفكرية فآتي بأقوال جون لوك، وتوماس جيفرسون، وجورج هوليوك، وجان جاك روسو... وإنما سأكتفي بإعطاء مثال عن تركيا وأترك لكم الحكم بعدها:

 

كان مصطفى كمال يؤمن بالعلماينة حق الإيمان، فالرابطة التي تربطه مع الغرب ليست رابطة المصلحة والمنفعة بل هي رابطة الفكرة والمبدأ. لأجل هذا كان يريد أن يضمن العلمانية في تركيا بعد موته. لكن ما هي الجهة التي تضمن العلمانية وما هو النظام الذي يطبقها ويصرف الأنظار عنها، ويشغل الناس بقضايا جزئية لا قيمة لها؟ وعد مصطفى كمال الشعب بالحرية والرفاهية وتداول السلطة و... لكن كيف يتم تداول السلطة وحزبه هو الحزب الحاكم الوحيد في تركيا؟! وفي حال تعرضت العلمانية للخطر مَن الذي يحميها ومن الذي يحمي نفوذ بريطانيا في تركيا؟!

 

بدأ مصطفى كمال بوضع نفوذه كاملا في الجيش حتى أصبحت عقيدة الجيش هي عقيدة كمالية بحتة وغُيّب فيه الإسلام كاملا. أما من ناحية النظام فقد عمل مصطفى كمال على التشجيع لتأسيس أحزاب سياسية، فكانت أول محاولة هي الحزب الجمهوي التقدمي التركي (Terakkiperver Cumhuriyet Fırkası) الذي أسس على يد كاظم قره باكير في عام 1924م، لكن أُغلق الحزب بعد ستة أشهر من تأسيسه وأُعدم بعض أعضائه بحجة محاولة اغتيال مصطفى كمال وبعضهم سجن. أما المحاولة الثانية فكانت الحزب الجمهوري الليبرالي (Serbest Cumhuriyet Fırka) حيث تأسس الحزب على يد فتحي أوكيار بطلب من مصطفى كمال الذي التقى أثناء زيارته إلى يلوفا بفتحي أوكيار وطلب منه تأسيس حزب سياسي، لكن ما إن تأسس الحزب حتى اجتمع كل المعارضين للنظام العلماني فيه، وبعدها أُغلق الحزب وبقي حزب الشعب الجمهوري هو الحزب الوحيد في تركيا حتى عام 1946 حيث أسس عدنان مندريس الحزب الديمقراطي، وفي عام 1960 قام الجيش بانقلاب عسكري أطاح بعدنان مندريس وحزبه واستولى الجيش على الحكم، لكن لم يبق الجيش هو الحاكم في تركيا فمهمة الجيش هي حماية العلمانية والنفوذ البريطاني في تركيا. وبعدها دعا الجيش السياسيين لتأسيس أحزاب سياسية وعادت العملية الديمقراطية مرة ثانية، وفي عام 1980 قام الجيش بعملية انقلابية مرة ثانية واستولى على الحكم وبعدها دعا الجيش السياسيين لتأسيس أحزاب سياسية وعادت العملية الديمقراطية مرة ثانية وهكذا...

 

نرى من خلال استعراضنا لتاريخ الجمهورية التركية كمثال أن الانخراط في العملية الديمقراطية هو بحد ذاته علمانية، وأن الديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم التي تحمي العلمانية.

 

فهل أدرك الإسلاميون في عصرنا أنه لا يمكن القضاء على العلمانية بوجود الديمقراطية، وأن الواقع يجب أن يكون هو موضع التفكير لا مصدر التفكير، وأنه يجب على الإسلاميين إنكار هذا الواقع كلياً والعمل لتغييره دون أن ينخرطوا فيه؟!

 

لقد رأينا أنه ما إن دخلت بعض الجماعات الإسلامية في العملية الديمقراطية حتى نسيت الخلافة ونسيت القضاء على العلمانية لأنهم انشغلوا بالمشاكل التي أنتجتها العلمانية. فما إن يحلوا مشكلة حتى تظهر عندهم مشكلة ثانية! وهكذا داروا بدوران المشاكل وانشغلوا بها وأصبح همهم البقاء في السلطة. فكانوا قبل وصولهم للحكم دعاة الإسلام وحماة الإسلام وبعد وصولهم أصبحوا أساتذة رياضيات يحسبون بالعمليات الرياضية الأصوات التي تبقيهم في السلطة!!

 

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمد دردة

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع