- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الكتاب
الْمَيْسِرُ ما هو؟ وتساؤلات حوله
قال تعالى في سورة المائدة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ * وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾.
الميسر هو كل كسب يأتي بطريق الحظ المبني على المصادفة، فاللعب على مال يسمى قماراً. وسمي ميسرا من يسر الحصول على الربح.
ويدخل في الميسر اللهو الذي يلهي عن ذكر الله وعن الصلاة. قال الإمام مالك: (الميسر ميسران: ميسر اللهو فمنه النرد والشطرنج والملاهي كلها، وميسر القمار، وهو ما يتخاطر الناس عليه). ومعنى يتخاطر عليه الناس: أي يتراهنون أو يكون عليه عوض نقدي أو عيني أو منفعة.
فالألعاب والمسابقات والبطولات قد يوجد فيها أحد ثلاثة أمور أو كلها مجتمعة:
أولا: لهوٌ غير صادٍّ عن ذكر الله وعن الصلاة. وهذا فيه تفصيلات وحكمه الإباحة على العموم ما لم يرد فيه نص كالنرد.
ثانيا: لهو صادٌّ عن ذكر الله وعن الصلاة. وكله لهو محرم.
ثالثا: لهو بمخاطرة مادية. وهذا لهو محرم إلا في ثلاث حالات:
أما القسم الأول: فهو مباح في عمومه إلا ما استثناه الشرع منه كالنرد مثلا، مجرد اللعب به، والمسابقات المتعلقة به مكروهة عند الشافعي وحرام عند مالك وأحمد وأبي حنيفة؛ لأن فيها نصاً يجعل مجرد اللعب بها مكروهاً أو محرماً.
وهنا يجدر ذكر أنواع المسابقات واللهو الدائم الذي يصل حده للإدمان عند الأطفال والشباب وحتى الكبار في السن كألعاب الكمبيوتر وما شابهها التي أصبحت تؤدي إلى بعض أنواع الإدمان العقلي والتي أفرزت لها في كتب الطب تشخيصات باسم إدمان الألعاب. فهي تبدأ بلعبة أو لعبتين أو ساعة أو ساعتين أو يوم أو يومين ثم لا يستطيع الإنسان الانفكاك عنها إلا بمساعدة طبيب نفسي وجلسات علاجية مطولة، ومن يعيش في الغرب يعلم مدى تفشي هذا النوع من الإدمان بين الشبان والأطفال وحتى بعض كبار السن.
قال ابن تيمية: (إن مفسدة الميسر أعظم من مفسدة الربا لأنه يشتمل على مفسدتين: مفسدة أكل المال بالحرام، ومفسدة اللهو الحرام، إذ يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع في العداوة والبغضاء، ولهذا حرم الميسر قبل تحريم الربا. اهـ من الموسوعة الفقهية). ويدل كلام ابن تيمية على وجود لهو حلال ولهو حرام.
وأما القسم الثاني: اللهو الصاد عن ذكر الله وعن الصلاة، فهذا لم يختلف فيه وهو كله حرام.
وأما القسم الثالث: اللهو الذي فيه مخاطرة:
لا تجوز المراهنة بالمال عموما على هذا اللهو إلا فيما استثناه الشارع، وهو: السباق على الخيل أو الإبل أو الرماية، فقد ورد في هذه الأمور الثلاثة نص أخرجها من عموم الحرمة إلى الحل. وما عداها من أنواع المراهنات فهي غير جائزة؛ لأنه من أكل المال بالباطل، ومن الميسر الذي حرمه الله ورسوله، وأما قول الشخص: إن تم لي هذا الأمر فلكم علي كذا، فهذا من باب الوعد، والوفاء به مشروع إذا تيسر ذلك.
والمقصود بالعوض: ليس النقد فحسب، بل المنفعة - كتنظيف المنزل أو غيره - تعد عوضاً، لا تجوز المراهنة عليها في غير ما استثناه الشرع.
جاء في الشرح الممتع على زاد المستنقع: وَلاَ تَصِحُّ بِعِوَضٍ إلاَّ فِي إِبِلٍ، وَخَيْلٍ، وَسِهَامٍ... قوله: "ولا تصح بعوض" أي لا تصح المسابقة بعوض سواء كان عيناً أو نقداً أو منفعة.
وفي هذا المضمار وجب التنبه ومعرفة حكم الجوائز التي تعطى للفائزين بالبطولات والألعاب والمسابقات والاستفسار عن حكمها قبل المشاركة فيها لأنها قد تكون مندرجة تحت الحرمة في القسم الثالث (اللهو بمخاطرة).
ويجدر ذكر بعض التأصيل التي ذكره الداعية والباحث الإسلامي السنغالي انجوغو صمب في موضوع الميسر تحت فقرة (الميسر في العصر الحديث) يقول:
(وفي عصرنا الحديث تنوعت آلات الميسر وتعددت صنوفها حتى فاقت الحصر أو كادت، وقد تفاقم الأمر مع تطور وسائل الإعلام والاتصال، فخاطر الناس وتغالبوا في المباريات الرياضية بين الفرق، وعبر الشبكة العالمية (الإنترنت)، ورسائل الجوال القصيرة، والمسابقات في القنوات التلفزيونية والإذاعية، وربما سموها ألعابا أو جوائز أو غيرها من الأسماء اللامعة، وهي لا تغير من حقيقتها شيئا. فكل ذلك من الميسر والقمار المحرم شرعاً، إذا توفرت فيها كل أركان الميسر.
أركان الميسر:
- لاعبون: هم المشارك أو المشاركون في اللعبة أو المسابقة من جهة، والمنظم للعبة أو المسابقة من جهة أخرى وقد يكون شخصا واحدا أو شركة.
- ومن آلة الميسر: وهي المسابقة أو اللعبة مثل مباراة رياضية بين فريقين، أو سباق بين خيول، أو مصارعة بين رجلين، أو إرسال رسالة قصيرة من الهاتف الجوال إلى الرقم الفلاني تتضمن كلمة معينة ثم تتم القرعة بين المرسلين فمن خرج سهمه كان هو الفائز.
- ومن المال: الذي يياسر به الطرفان وهو ما يشتريه اللاعب من أوراق، أو تكلفة المكالمة الهاتفية من جهة اللاعب المتصل، أو تكلفة الرسالة القصيرة التي يرسلها، وما ينفقه الشخص أو الشركة المنظمة للعبة أو المسابقة من أموال يدفعها إلى شركات الاتصال أو وسائل الإعلام.
- ونتيجة اللعبة: التي لا بد أن تكون خسارة أو ربحا كنتيجة كل أنواع الميسر القديمة والحديثة، ومما يميز الميسر في عصرنا الحديث أن الخاسر دائما هو جهة واحدة وهي الأضعف وهو من يجمع دراهمه ودنانيره من الفقراء والمساكين ومن أصحاب الدخل المتوسط، ويخدعون بتخصيص نزر يسير مما جمع من أموالهم ليدفع إلى واحد أو اثنين منهم، فيصدقون بعقولهم العفنة أن ذلك فائز! أما الشخص المنظم للعبة أو المسابقة فلن يخسر شيئا بحال من الأحوال، إلا ما يخسره من دينه وذلك شر الخسائر. قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾.) انتهى الاقتباس
لقد كثرت المسابقات والألعاب والمراهنات وكثر اللعب واللهو وتشكل في أشكال كثيرة للكبار والصغار في زمننا هذا، ولذا فإن هناك العديد من الأسئلة التي يجب طرحها لمعرفة الحكم الشرعي لكثير من الممارسات التي قد تدخل في حكم الْمَيْسِر.
والخلاصة فإن الْمَيْسِر يشمل العديد من المراهنات والمسابقات والألعاب المادية وحتى غير المادية فصل العلماء بعضها وهي تكثر مع مرور الزمن وتتشكل في أشكال عديدة، ولذا وجب التنبه عند القيام بمسابقة أو عند لعب لعبة فيها لهو، وخصوصا ما عليها ربح مادي أو مراهنات من الطرفين أو حتى من طرف خارجي. فعلى المسلم التوقف والاستفسار إن كانت اللعبة أو المسابقة أو المراهنة مما يجيزه الشرع أو مما يحرمه، وما الذي يعد ميسراً وما الذي لا يعد ميسرا؟
هذا غيض من فيض في هذا الموضوع الواسع ذي الجوانب المتعددة على صعيد الفرد والدولة يجدر تدقيقه وتفصيله من المختصين جزاهم الله عنا خيرا.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الدكتور فرج ممدوح