- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
العلمانيون... المعقَّدون في الأرض
إن العلمانية في أصل نشأتها مبنية على عقدة نفسية كبيرة عاشها النصارى في أوروبا تجاه الدين.. فقد كانت الكنيسة في الغرب النصراني مصدرا للظلم ومُعِينَاً للظالمين، وهي في الوقت ذاته مصدر للجهل، وانتشار الخرافة والدجل، وعدوة للعلم.. وكان "رجال الدين" وقتها، يستعبدون العامة ويسومونهم سوء العذاب فكريا وماليا وجسديا، ويستخدمون الدين كوسيلة للضغط عليهم باسم الحق الإلهي وصكوك الغفران والعشاء الرباني، مما جعل حياة الناس بالدين جحيما لا يُطاق، ومما ولّد لديهم شعورا عارما باحتقار الدين والنفور عنه واتهامه بالمصدر الأساسي للاستعباد المهين وللتأخر والرجعية والعداء للإنسانية، لأن كبت الكنيسة كان قاسيا وطويلا، وردة فعل الناس بالمقابل كانت عنيفة وحاقدة على إله الدين وسلطان الدين حتى نادى بعضهم "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس".
لقد أصبحت كلمة الدين ومظاهر التدين تمثل حالة من الاضطراب والتحسس لدى العلمانيين، وتجعل منهم شرسين ومتغوّلين، ورافضين لأي فكرة منبثقة عنه أو أي رمز من رموزه، ورغم ما يُشاع عن العلمانية بأنها أساس للحريات وقبول للرأي الآخر، لكنها في حقيقتها لا تقبل إلا ما ينبثق عنها من فكر، وتقصي ما سواه بوصفها الحقيقة المطلقة وأرقى ما توصلت له البشرية، وهذا ما جعل منها فكرة دغمائية متشددة، وجعل من أفرادها جماعة متعصبة لا تقبل مناقضة أفكارها رغم ما يدّعونه من التفتح والسلمية، لكن الحقد على الدين والعقدة النفسية تجاهه كامنة في وجدانهم يتوارثونها خلفاً عن سلف..
إن العداء الشديد للدين قد تبدو أسبابه موضوعية لدى النصارى في أوروبا في الحكم الثيوقراطي، لكن الفطرة السليمة والعقل الطبيعي لا يقود صاحبه للإلحاد وإنكار الدين جملة وتفصيلا، بل كان الأصل في الإنسان السويّ أن يثور ضد الظلم والاستغلال، ويبحث عن عبادة الخالق المستحق بالعبادة والالتزام بتشريعه حتى لا يقع في استعباد البشر من جديد..
لكن العلمانية وأهلها أقصوا الدين ومعه العقل والفطرة رغم ما ينسبونه لأنفسهم من العقلانية والاستنارة والإنسانية، وكانت عقيدتهم مبنية على ردة فعل مندفعة ومتهورة قادتهم إلى عدائية حاقدة قاتمة سوداء..
لا نحتاج إلى دراسة وتحليل حتى نبين عداوة العلمانيين للدين في عصرنا هذا، فمشروع الحرب على الإرهاب الذي تتبناه أمريكا وبريطانيا وفرنسا وباقي الدول الغربية وأشباه الدول في بلاد الإسلام، والذي لا يخفى على عاقل أنه مشروع حرب على الإسلام.. على الدين.. على شرع الله في الأرض، ومظاهره وأشكاله ورموزه وأحكامه وأفكاره.. حرب شعواء يشنها ذئاب المشرق والمغرب ممّن رضعوا ثقافة الحقد الأسود وتناقلوا جينات العداء وراثة وتلقيحا..
حروب عسكرية دموية منذ سقوط دولة الخلافة الإسلامية وغياب سلطان المسلمين، حروب في كل شبر من بلاد المسلمين منذ دخول الاستعمار الغربي إلى يومنا هذا.. مجازر ومذابح وانتهاكات للمقدسات والأعراض والحرمات، عقيدة مظلمة حاقدة تقتات على الجثث والدماء والجماجم وتعلن ذلك في تحد وسفور مدعية أنها تنقذ البشر من ظلامية الدين..
في أوروبا نسمع في كل حين، حرباً على المآذن، حرباً على الحجاب، حرباً على اللحية، حرباً على المساجد، حرباً على التكبير، حرباً على القرآن.. حتى إن الاجتماعات الرسمية لحكوماتهم بشهادة منهم تتباحث في شأن الإسلام والمسلمين وكيفية صدّهم، أكثر من شأن رعاياهم ومشاكلهم الداخلية.. تضييق شديد على الإسلام في الغرب الكافر المستعمر، وهجوم صارخ ومُعلَن على المسلمين، من قبل الحكومات والشعوب.. وإن برّروا هجومهم وحقدهم تحت دعاوى حقوق الإنسان وحرياته، فماذا ننتظر من معقَّدين في الأرض، توارثوا عن أجدادهم (فولتير وجون لوك وجورج هوليوك).. حقداً دفيناً على الدين فصاروا أسوأ خلف لأخبث سلف.. ونحن لا نستغرب منهم هذا العداء الجيني الموروث من الآباء للأبناء..
لكن ماذا عن الذين اتخذوا أعداءهم سلفاً لهم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا؛ قاسوا ظلم الكنيسة بعدل الإسلام، وجهل الكنيسة بنور الإسلام، وانتفضوا ضد الدين وأحكامه، وأعلنوا انتماءهم ولاءهم لأعدائهم واعتبروهم الأسوة الحسنة في كل قول وفعل!!
هؤلاء هم فئة هجينة مجهولة الأساس الفكري، لا يعرفون إلا التقليد والتبعية العمياء ما جعل منهم مصدر سخرية واستغلال من الغرب ومصدر كُره ونبذ من أمتهم..
شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى إذا دخل الغرب جحر ضب تبعوه، والحرب على الإسلام هي نفسها في الداخل والخارج.. حرب على كل من يعمل لاستناف الحياة بالدين، حرب على أحكام الله، حرب على خمار المرأة المسلمة، حرب على النقاب، حرب على اللحى، حرب على مكبرات الصوت في المساجد، حرب على صلاة الفجر، حرب على رياض القرآن، حرب حتى على الدبابيس التي تضعها النساء في خُمُرهن، في الوقت نفسه الذي يحارب فيه سيدهم الدين بالدبابات..
ويأتي الإعلام المداهن ليُحارب هذا الدين، ويستضيف هؤلاء الحاقدين، ويفتح لهم المنابر لإظهار حقدهم وعدائهم، فتراهم يرتعشون وينتفضون إذا ذُكر الإسلام وأحكامه كأن بهم مسّاً من جِنّة، فتحمرّ الوجوه وتتصلب العروق، وتعلو الأصوات بالسب والقدح والافتراء، واتهام الإسلام في كل شاردة وواردة تصريحا وتلميحا بأنه سبب المشاكل والتأخر والجهل...
لقد عرّف من يسمون بعلماء النفس "العقدة النفسية" بالفكرة التي تحمل شحنة عاطفية تعرضت للكبت فغدت مصدرا للتصارع والتنازع مع الأفكار الأخرى..
إن العلماينة في الغرب كانت وليدة الكبت الذي عاشه الأجداد مما يُفسر السلوك الانفعالي والحاقد للأجيال المتعاقبة ضد الدين. لكنْ علمانيّو العرب، أيُّ كبتٍ عاشه أجدادكم المسلمون حتى تحملوا كل هذه العُقَد للدين في نفوسكم وتعادوه وأهله؛ هذا يُفسّر حقا أنكم لا تنتمون لهذه الأمة لا بالموروث الفكري أو الموروث الجيني؛ لأن أجدادنا عاشوا بهذا الدين الخير والرعاية والكفاية، ونقلوا لنا موروثا حضاريا ضخما يظهر لنا حقيقة العيش بالإسلام، وقد أثبتم لنا أنتم وأسيادكم حقيقة العيش بدونه..
ختاما، رسالة أوجهها لكل علماني ذكر وأنثى في بلاد الإسلام وبلاد الغرب، نحن المسلمين لن نترك أمر هذا الدين، وسنتمسك بالحق الذي جاء به أكثر مما تتمسكون أنتم بباطلكم، وسنعمل على مصارعتكم فكريا وإظهار عقدكم وتعييب مفاهيمكم، وسنكافحكم سياسيا ونكشف مؤامراتكم الظاهرة والباطنة، ولن نقبل بعلمانيتكم النجسة فلا مكان لها في أرض عاشت طاهرة بالإسلام.. وسنثور على عقيدتكم الكفرية، ليست ثورة المعقد المكبوت، كثورتكم المتهورة الحاقدة في قرونكم الظلامية، وإنما ثورة وعي ووحي، ثورة الواثق بالله وبشرعه والمؤمن بوعده، والمصدق ببشرى رسوله e، والثابت الجاد نحو إقامة دولة تحكم بالدين؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة..
وسيكون هذا الدين فوقنا وفوقكم وفوق الجميع، لأنه الدين القيّم الذي جاءنا من رب عظيم حكيم عادل..
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نسرين بوظافري
وسائط
1 تعليق
-
بارك الله فيك أختي الفاضلة
مقالة رائعة..