- الموافق
- 3 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
أفكار ضيّعت قوة الشباب المسلم
ضمن حملة القسم النسائي "الشباب المسلم: روّاد التغيير الحقيقي"
لقد كان للاستعمار وخاصة السياسي والثقافي منه الأثر الأكبر في تهميش جيل الشباب المسلم وتغيير منهجه الصحيح لمنهج يتوافق مع سياسة هذا الاستعمار، فهو كان ولا يزال وراء كل الدعوات التغريبية المحلية التي تسعى إلى صبغ كامل مؤسسات المجتمع بالصبغة المخالفة للإسلام وأحكامه.
فقد جعل الغرب الكافر من حضارته وتاريخه وثقافته، مصدراً للمعرفة والتربية والتثقيف في بلادنا الإسلامية، وجعل من نفسه وصيّاً على المسلمين، فأوكل مهمة مواصلة تغريب الأفراد والمجتمعات إلى عملائه من حكام وسياسيين ومثقفين وإعلاميين. فوجهوا أذهان الشباب إلى هذه الثقافة بعد تشويه أحكام الإسلام وإلباسها لبوس المرونة لتتوافق مع العصر الحديث بما فيه من تطور للحياة وانبهار شباب الأمة به. وذلك بعد ترويج فكرة أن الإسلام هو نمط من الفكر البدائي المتخلف الذي تؤمن به شعوب بدائية يحول بينها وبين التقدم بمعناه الغربي، فعمدوا إلى تغريب عقول شبابنا بثقافتهم الفاسدة ليتبنوا نموذجهم الغربي بدلاً من النموذج الإسلامي.
ومن ضمن هذه الثقافة البحث عن أسباب السعادة بعيداً عن الدين، ففي المبدأ الرأسمالي، يُعتبر إشباع الرغبات والحاجات ونيل أكبر قسط من المتع الجسدية هو الطريق للوصول إلى السعادة، ولا سيما وأن الإنسان يعيش حياته ساعياً وراءها (السعادة)، بل إنه يكرس جهده ووقته لتحقيقها، وهو من اللحظة الأولى التي تتفتح فيها مداركه وبدافع فطري خلقي، يبدأ بحثه وسعيه للوصول إليها. فكان من نتائج ترسيخ فكرة فصل الدين عن الحياة وهي أساس وجهة النظر للمبدأ الرأسمالي، أنْ غاب عن ذهن الشباب المسلم أن الإسلام جعل السعي لنوال رضا الله هو الطريق الأوحد للوصول إلى السعادة، فالمسلم لا يجب أن ينظر إلى هذه الحياة سوى أنها معبر إلى الحياة الدائمة والحقيقية.
لقد أوجدت سياسة الحكومات المحلية والممنهجة لنشر العلمانية، العديد من مصادر الإلهاء والانشغال لفتيان وفتيات الأمة، ووجهت أنظارهم واهتمامهم نحو سفاسف الأمور، والتي أصبحت بالنسبة إليهم شغلهم الشاغل، والتي من أجلها يبذلون طاقتهم ويقضون معظم أوقاتهم في سبيل تحقيق سعادة آنية متأثرين بما في المجتمعات الغربية من انحرافات أخلاقية وإغراق للنفس في الملذات من إدمان المخدرات والكحول، إذ تشير التقديرات الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، إلى أن أكثر من ستة ملايين شخص يتعاطون المخدرات في باكستان، وأن هناك أربعة ملايين منهم على الأقل مدمنون والعدد بازدياد، وأغلبهم من فئة الشباب. وفي لبنان البلد العلماني صرَّح ممثل وزير الصحة الدكتور بهيج عربيد (بعد الدراسات والإحصاءات، حكي عن وجود 25000 طالب في الجامعات يتعاطون المخدرات، ولا شك في أنه يوجد نقص كبير عندنا في المراكز التي تعالج المدمنين). فالحل لدى هذه الحكومات الفاشلة هو زيادة عدد دور الرعاية وليس وضع حد للسياسات الاقتصادية العالمية التي تشجع هذه التجارة بشكل غير مباشر. فمنذ احتلال أمريكا لأفغانستان عام 2001 أصبح هذا البلد المصدر الأهم لمادة الأفيون، إذ أشارت التقارير مؤخراً أن أفغانستان أنتجت وحدها 92 في المئة من الإنتاج العالمي للأفيون العام الماضي. وقد بلغت صادرات أفغانستان السنوية من الأفيون والهيروين 5،2 مليار دولار بما يوازي 50 في المئة من ناتجها القومي. ما كان له أثر إيجابي في ارتفاع مستويات المعيشة لسكان المناطق الجنوبية على مدى السنوات الثلاث الماضية، في دولة تعد من أكثر البلدان فقرا في العالم.
وكذلك التأثر بسلوكيات المجتمع الغربي، من خلال طريقة لباسهم بفضل الأزياء والتصميمات التي غزت أسواق العالم الإسلامي، مع تسابق القنوات الفضائية والصحف والمجلات المتخصصة بالأزياء، للترويج لملابس تتفاوت بين الشورت إلى البنطلون المرقع، والفساتين العارية أو شبه العارية، إذ شاعت ظاهرة "البنطال النازل" في العراق خاصة بعد احتلال أمريكا له، وقد عزا بعض المثقفين في العراق إلى أن هذه الظاهرة هي نتيجة حيرة الشباب "المراهق" بسبب الضغوطات الأمنية ومحاولة إيجاد الذات وتفجير طاقاتهم المكنونة.
بالإضافة إلى انتشار عروض الأزياء للرجال وللنساء التي صارت مهنة تمتهنها فئة الشباب بسبب انتشار البطالة، وارتفاع مردودها المادي والسعي للوقوف بين أضواء الشهرة.
ومن أثر الثقافة الغربية على النشء المسلم أيضاً، وجود أعراض كثيرة في المجتمعات الغربية التي أصبح لها وجود في بلدان العالم الإسلامي مثل التصرفات الشاذة والأنانية، ونرى كذلك انتشار أمراض التغذية كتصرّفات الشابات اللواتي يعرضن أنفسهن للحرمان من الغذاء ليصبحن كعارضات الأزياء أو حتى يجارين المقاييس العالمية للجمال والتي تتمحور حول الجسم النحيف والرشيق. وغالبا ما تصاب الفتيات بين سن الحادية عشرة والرابعة عشرة بمرض "القهم العصبي" وينتشر هذا المرض بنسبة 0. 2% - 1% من مجموع السكان، وأن 90% - 95% ممن يعانين هذا المرض هن من النساء الشابات والفتيات الصغيرات، وفي السنوات الأخيرة أصبحنا نجد ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الرجال أيضاً إذ يشكلون نسبة 5 بالمائة فقط من المصابين بهذا المرض. وترجح آراء المختصين أن هذا الأمر يعود إلى أن الفتيات في سن المراهقة هن عادة المستهدفات من برامج اختيار عارضات الأزياء التي تركز على أهمية الرشاقة والجسد النحيل. وتقع الكثيرات في فخ هذه الفكرة ليتحول الأمر بالتدريج إلى مرض.
هذا بالإضافة إلى انتشار حالات الاكتئاب بين جيل واسع من الشباب والشابات من رفضٍ للذات وعدم قبول للشكل الخارجي ليصل الأمر لإجراء عمليات تجميل متكررة ليصلوا إلى ملامح جميلة بل رائعة الجمال، ليدنوا من الفنانات الحسناوات والفنانين المشهورين على غلاف المجلات وشاشات التلفاز!
إن ظاهرة اللجوء إلى جراحات التجميل باتت منتشرة بشكل كبير بين الشباب والشابات، والتي تعود أسبابها إلى دوافع نفسية، والنزوع إلى تغيير الشكل في محاولة للتشبه بما تقدمه الثقافة الغربية، من بروز في المجتمع عبر المظهر الخارجي الذي يعتني بالجمال ويُلغي كل الأبعاد الأخرى للإنسان من قيم وأخلاق ومُثُل. فتكثر الاضطرابات النفسية بين الشباب والتي تتعلق بصورة الشخص ونظرته إلى المظهر ونفوره غير المنطقي من صورته الخارجية. كما أن هناك من يقوم بالتجميل بحثاً عن الكمال الجسدي الصوري فلا يجده. والحقيقة تكمن في فقدان ثقة الشباب بأنفسهم، لذا يلجؤون إلى استنساخ صفة أخرى يُعجب الجميع بها، سواء أكان ممثلاً أم لاعب كرة، بحثاً عن صورة خارجية أكثر جمالاً، وجسم أكثر جاذبية وتناسقاً، حتى أضحت أغلبية الفتيات تشبه بعضهنّ البعض، إذ أشار أحد أطباء التجميل في لبنان إلى أن 50 في المئة من الفتيات تمارسن تلك العمليات بهدف تقمّص شخصية فنية معينة، وإلى أن نسبة الرجال الذين يقصدون عيادته تشكّل 40 في المئة، فعدد من يطلبون إجراء الجراحات التجميلية يزداد في شكل ملحوظ بالنسبة إلى الشبان والشابات على السواء.
لقد تعددت الوسائل والأساليب لتغريب المسلمين وإفقاد شباب الأمة ثقافتهم الإسلامية، ويبقى الهدف واحدا، ألا وهو القضاء على أي نهضة يتلمسها أعداء الأمة في العالم الإسلامي، بل والعمل الحثيث على استحالة حدوث أي بوادر لنهضة حقيقية لعلمهم وقناعتهم أنها بداية نهايتهم المحتومة ولو بعد حين.
لقد ضيّعت هذه الثقافة الغربية بفعل رعاية الحكومات المحلية لها، قوة شباب الأمة الإسلامية وأهدرت طاقاتهم واستنفدت إمكانياتهم وجعلتهم تائهين بلا هدف واضح ومبين، ضائعين بين المطرقة والسندان، مغيّبين عن قضايا أمتهم الحقيقية ومهمشين عن لعب دورهم الحقيقي وتحقيق غايتهم التي من أجلها خلقوا في هذه الحياة، وهي نيل رضوان الله تعالى في كل أعمالهم. وهذه هي السعادة المرجوة عند كل إنسان مسلم يبتغي الثواب في يوم الحساب.
فلا بدّ أن يكون واضحاً وجلياً للأمة الإسلامية عامة ولشبابها خاصة، أن المنهج العام الذي يسلكه الإنسان في تحقيق السعادة لا يُقلق الإنسان تارة ويرضيه تارة أخرى، ولذلك لا بد من أن تكون الطمأنينة متركزة ومنتجة وهذا لا يكون بغير العقيدة العقلية الصحيحة، فالعقيدة الصحيحة تحل العقدة الكبرى بشكل صحيح وينبثق عنها معالجات، أي أحكام شرعية متناسقة ومنسجمة تحقق الغاية، وهي رضوان الله، وهذا الرضا هو نفسه السعادة، لقوله تعالى {الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى
3 تعليقات
-
جزاكم الله خيرا ف
-
جزاك الله خيرا أختاه
-
جزاك الله خيرا أختنا الكريمة
مقالة رائعة وطرح ممتاز