- الموافق
- 2 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
إن شباب المسلمين... ليسوا بأصوليين
ضمن حملة القسم النسائي "الشباب المسلم: روّاد التغيير الحقيقي"
لقد عرفت الأمة الإسلامية منعطفا تاريخياً خطيراً، مُنيت به بعد سقوط دولتها وغياب تحكيم شرع ربها، فأخذت بالسقوط إلى الهاوية وتكالبت عليها الأمم من كل حدبٍ وصوب، وأخذت تصوب سهامها السامة إلى كل ما يتمثل به مكمن قوتها، فكان للشباب المسلم الحظ الأوفر من الهجمة الحضارية التي شنتها الدول الكبرى للقضاء على الإسلام وعقيدته في نفوس المسلمين كما قضت عليه في كيفية تنظيم حياتهم.
لقد كان سقوط الخلافة الإسلامية مؤذناً بقدوم الأنظمة السياسية الوضعية، تحت غطاء القومية أو الوطنية حيناً أو تحت غطاء العلمانية أو الليبرالية حينا آخر، مع ترويجها وترسيخها بين شباب الأمة بمعانٍ تخالف حقيقتها الاصطلاحية، فمثلا للعلمانية، على أنها مشتقة من العلم وذلك للخداع والتضليل، فيقولون إنها بناء حياة وأنظمة قائمة على العلم، والعلم هو مطلب الجميع، بينما العلمانية بمعناها الحقيقي هي نقيض الدين، أي اللادينية، وهي مفهوم لنظام أساسه فصل الدين عن الحياة أي إلغاء دور الدين في مختلف الأصعدة.
إن أسلوب التضليل هو من أخطر أساليب الغزو الاستعماري الثقافي الذي اجتاح العالم الإسلامي، وهو عكس الحقيقة تماماً، وقد لجأت إليه الدول المستعمرة، وعلى رأسها أمريكا لإخفاء أهدافها الحقيقية، فهي تتوارى خلف مفاهيم ومصطلحات براقة، في ظاهرها الرحمة وباطنها من قبله العذاب. فعلى الشباب المسلم أن يعي أن هذه المفاهيم خاصة بالمبدأ الرأسمالي القائم على المادية النفعية البحتة مثل: الديمقراطية، وحرية الرأي، واحترام الرأي الآخر، وحقوق الإنسان والحريات العامة، وحرية المرأة، والمساواة والعدالة الاجتماعية وغيرها من الشعارات التي يُراد منها خلخلة أركان المجتمع المسلم، وتفتيت الروابط الأسرية والعائلية، وانفلات المرأة من أي قيد من دين أو عرف، ودفع الشباب لأن يثور على أحكام دينه، وكل ذلك من أجل شيوع الفاحشة والرذيلة والانحراف للجنسين، كما هي الحال في المجتمعات الغربية، فينهدم المجتمع المسلم بكل أركانه وهذا ما يريدونه.
وما يزيد الطين بلة هو الترويج لمصطلحات مبهمة لا تعريف واضحاً وصريحاً لها،كالعولمة، والخصخصة، والاقتصاد الحر، وحوار الأديان، والتطرف والاعتدال والإرهاب، والتي يُراد منها إبقاء حربهم مفتوحة على البلاد الإسلامية في سبيل تمرير مشاريعهم الاستعمارية التي لا سقف لها تقف عنده، فكان لا بد أن تظهر الدول العلمانية الديمقراطية بمظهر الحريص المتباكي على تردي أحوال وأوضاع المنطقة الإسلامية، حتى تتوغل بحقدها وتبث سمومها بكل مقومات ومقدرات الأمة الإسلامية، ولا سيما شبابها بعد أن أيقنت قوة الطاقة الحيوية لديهم بوجود عقيدتهم الإسلامية الراسخة في نفوسهم، فوصفتهم بالإرهاب والتطرف والأصولية.
وبشرح مبسط وسريع لبعض هذه المصطلحات والأوصاف سنكشف لكم خطرها الكبير وآثارها السلبية على جيل واسع من شباب أمة تلمست نور خلاصها وأيقنت أهمية العودة إلى جذور عقيدتها الإسلامية لانعتاقها من ربقة المستعمر وأعوانه من حكام وعلماء ومستشرقين مضبوعين بثقافته الفاسدة. ومن هذه المصطلحات سنسلط الضوء على المعنى الحقيقي للأصولية والإرهاب وما ينتج عنهما من تسلط السياسات العلمانية وعملائها من حكومات محلية على نشء حياة الشباب المسلم في بلاد المسلمين بحجة مكافحة التطرف والحد من انتشاره.
* فالأصولية مصطلح أول ما ظهر، في أوروبا، وهو للدلالة على موقف الكنيسة المعارض للتقدم العلمي والصناعي آنذاك لمخالفته الديانة النصرانية، وذلك لأنه ناجم عن المبدأ الرأسمالي، الذي يقوم على عقيدة فصل الدين الحياة. فأتى وصف الأصولية لكل حركة تعارض التقدم العلمي والصناعي والفني والذي حصل من تطبيق المبدأ الرأسمالي. ومع تلاشي هذه الحركات مع الحرب العالمية الثانية، إلا أنه استقر في أذهان الأوروبيين، أن الأصولية عدوة التقدم والعلم، وهي تخلُّف عقلي لا يليق بعصر النهضة، ويجب أن تُحارب حتى تزول جميع آثارها من المجتمع والحياة.
ومن هنا نرى أن إطلاق هذا الوصف "الأصولية" الغاية منه إيجاد رأي عام عالمي ضد كل من يوصف به لاعتباره خطراً على الحضارة المادية الحديثة، بل وخطراً على الإنسانية، فبات وبفعل القوانين وتوصيات الدول الغربية، كل مسلم وكل حركة تعمل على تغيير الحياة السيئة التي يعيشها المسلمون إلى حياة إسلامية، أو كل من يقاوم المعتدي والمغتصب للأرض مثل نضال الشباب في فلسطين المحتلة، هو أصولياً، ويسوَّغ اتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه مهما كانت قاسية لمكافحة ومحاربة تطرفه دون النظر لوحشية وتطرف المعتدي.
* أما الإرهاب، فيتضح من مجمل القوانين والتشريعات المتعلقة بالإرهاب ومكافحة التطرف، أنها غير دقيقة، وأنها تخضع للاتجاهات السياسية للدول التي قعّدت هذه القوانين والتشريعات. وبموجب هذه التوصيات وهذه القوانين تتمكن الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا من ملاحقة أي شخص يُتهم بالإرهاب في أي مكان، ولها الحق باعتقاله أو خطفه، وإنزال العقوبة التي تراها بحقه، كالسجن ومصادرة وسحب الإقامة أو الجنسية، وذلك دون إعطاء المتهم الحق في الدفاع عن نفسه. كما يمكنها وبموجب القوانين والقرارات الدولية المتعلقة بقانون الإرهاب ومكافحة التطرف، استعمال القوة العسكرية والنفوذ السياسي على أي بلد تصفه بالإرهاب، وتعتبر البلاد الإسلامية من أهم المناطق التي استعملت فيها أمريكا قانون الإرهاب وذلك لزيادة نفوذها فيها ولإبقائها تحت السيطرة كما حصل لأفغانستان والعراق منذ سنوات ومؤخراً كما في سوريا الشام. مع حدوث بعض التغييرات اللافتة، إذ أصبحت مشاركة الحكومات العميلة في البلاد الإسلامية لحرب أمريكا على (الإرهاب) واضحة ومباشرة، خاصة بعد تشكيل التحالف الإسلامي العسكري من 39 دولة تقودهم السعودية عرّابة السياسة الأمريكية في العالم الإسلامي، إذ أعلن عن عمله المنوط به ألا وهو تطوير البرامج والآليات اللازمة لدعم (محاربة الإرهاب)، ووضع الترتيبات المناسبة للتنسيق مع الدول والجهات الدولية في سبيل خدمة المجهود الدولي لـ(مكافحة الإرهاب) وحفظ السلم والأمن الدوليين.
فالإرهاب والأصولية والتطرف مصطلحات وأوصاف لا تتطابق مع واقع الشباب الملتزم بأحكام دينه، لأنها عبارة عن أوصاف وُجدت لمحاربة عودة الإسلام إلى الحياة من جديد، فأصبح كل مُلتحٍ وكل مرتاد للمسجد إرهابياً ومتطرفاً كما في معظم البلاد الإسلامية، مُلاحقاً من قبل الأجهزة الاستخباراتية المحلية والعالمية، حتى الأسماء العربية الإسلامية أصبحت بمثابة هوية يحق للشعوب الغربية أن تنظر إليها بعنصرية وتستهدفها دون حسيب أو رقيب لها، خاصة بعد انتشار مفهوم الإسلاموفوبيا،كما يحق لبعض الدول منع تداول هذه الأسماء أيضاً كما في غربي الصين (تركستان الشرقية)، بالإضافة إلى استحداث قوانين في بلاد الديمقراطية حيث الادعاءات المتكررة بضمان الحريات الفردية، والتي تنحصر بكيفية التضييق على المسلمين من منع للنقاب وإقفال للمساجد والقاعات المخصصة لصلاة المسلمين في الجامعات الغربية كما حصل مؤخراً في ثلاث جامعات في برلين، بالإضافة إلى عملية إدماج الشباب المسلم وخاصة الأطفال منهم بالقوة واستغلال ضعفهم وحاجاتهم خلال هجرتهم القسرية من حروب استعمارية لا قبل لهم فيها، مثلما يحصل في بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية بمراقبة المدارس الخاصة واستدعاء الشرطة والتلويح بتسليم الأطفال للجهاز الخاص بمكافحة الإرهاب إذا تم الاشتباه بسلوكه أو حتى برسمه وكتابته للكلمات، مثلما حصل مؤخرا في بريطانيا عندما اتُهم طفل مسلم بالإرهاب عندما رسم خيارا فظنها الأستاذ سلاحاً حاداً.
معاناة كثيرة تقف بوجه المسلمين عامة وبوجه الشباب المسلم خاصة ولا سيما بتوجيه أصابع الاتهام لهم دائما وفي كل خطوة يقومون بها خاصة إن كانت لنصرة دينهم أو نصرة المستضعفين والمظلومين من أبناء أمتهم. فالأدلة والبراهين كثيرة والأرقام والإحصائيات عديدة لتثبت مدى حرص الأنظمة الاستعمارية على إبقاء العالم (الثالث) وخاصة الإسلامي عالماً متخلفاً، وإبعاد الشباب المسلم عن النهضة الحقيقية، والإمعان في تضليله، وحرفه عن الطريق الصحيح، ووضعه في دائرة الاتهام بشكل مستمر، وتمييع عمله الإسلامي.
وإليكم أبرز برهان من واقعنا المزري، بفعل الحروب الدائرة في العالم الإسلامي، على اتباع هذه السياسة الممنهجة ضد شباب الأمة.
فما يحدث لأهل سوريا، من حرب أعلنتها عليهم دول العالم لكسر إرادتهم والقضاء على كل حلم بالتحرّر من قيود الظلم التي أشعلت تلك الثورة في الشام عقر دار الإسلام، إذ أعلنت الدول الكبرى بقيادة أمريكا تدخلها لإنقاذ عميلها الطاغية بشار متحججة بالقضاء على فزاعة الإرهاب التي أوجدتها كذريعة لاستقدام جيوش الدول الكبرى لمشاركتها بتحقيق أهدافها، فحصدت جراء ذلك العديد من القتلى والجرحى، إذ بلغ عدد القتلى من الأطفال ما يقارب الـ 17.000 ألف طفل وطفلة دون السادسة عشرة من عمرهم، وتدل الإحصائيات الأخيرة أن معظم القتلى والذي يبلغ حوالي 400.000 ألف هم من الفئة العمرية التي تترواح بين العشر سنوات والخمس وثلاثين سنة، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على عدم اكتراث الدول المحاربة لإزهاق الأرواح البريئة بارتكابها إبادات جماعية، خاصة وأن نظرتها للأمة الإسلامية أنها أمة الشباب لما تتميز به من ولادات متزايدة على عكس مجتمعاتهم العجوز وقلة عنصر الشباب فيها.
إن افتعال الحروب في العالم الإسلامي من أجل مكافحة التطرف أدى إلى خسارة جيل كبير من الشباب المسلم الغيور على دينه وعلى أعراض المسلمات من أمتهم أينما وُجدن، فلا الحدود تعنيهم ولا اختلاف الأوطان يقف حائلا أمام نصرة المظلومين والمستضعفين من أمتهم الإسلامية، فاستجابتهم لقول ربهم الأعلى ورسولهم الكريم e بضرورة الذود عن الإسلام والمسلمين المقهورين هي التي في حسبانهم فقط. وهذا ما حصل فعلاً في الحرب الدائرة اليوم في سوريا، إذ استقدمت هذه
الحرب الضروس إليها من مختلف البلاد الإسلامية خيرة شبابنا المسلم للدفاع عن أعراض وحرائر الشام، وفُتحت أمامهم الحدود وقُدمت لهم التسهيلات حتى تكون بلاد الشام مقبرة لهم، وللقضاء على مفهوم الأخوة بين المسلمين والتي بفعل السياسة الإعلامية المسيسة طغى عليها مفهوم التطرف والإرهاب وتوصيفهم به، فكان مصيرهم القتل أو الاعتقال أو التصفيات الجسدية المتعمدة.
وإزاء هذا كله، نجد أن الكفار لا يألون جهداً في حرب المسلمين عامة، واستهداف الشباب المسلم خاصة، بكافة الوسائل والطرق لحرفه عن دينه بعد تشويههم للأحكام الشرعية، وإيجاد مفاهيم ثقافية وسياسية غربية مقام المفاهيم الإسلامية، وينفقون أموالاً كثيرة لصده عن سبيل الله، وإبعاد أفكار الإسلام عن أذهانهم، لذلك وجب على الشباب المسلم أن لا ينخدع بما يصدر من الحاقدين على الإسلام والمبغضين له، ولا يأبه لهذه التسميات والتوصيفات، فجميعها مستحدثة وتناسب سياسة أعداء الأمة لا لتكافح التطرف بل لتكافح عودة الإسلام من جديد خاصة وأنها التمست في همة شبابه ومحاولة نهوضه لإقامة دولة الخلافة الراشدة، والتي تدرك أمريكا وغيرها من دول الكفار، أن دولة الخلافة الراشدة هي الدولة الوحيدة القادرة على تحطيم مبدئهم الرأسمالي وأنظمتهم العلمانية الديمقراطية.
إن المسلمين جميعا هم أصوليون ومتطرفون في نظر أعدائهم، وذلك لأنهم يتطلعون بشوق وحماسة إلى تطبيق أحكام دينهم جميعها، في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة لتنقذهم وتنقذ العالم أجمع من شقاء الرأسمالية إلى خير الإسلام، لقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى
2 تعليقات
-
جزاك الله خيرا أختي ، وفي ميزان حسناتك إن شاء الله
-
جزاك الله خيرا أختي الفاضلة