- الموافق
- 3 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
لجنة الفتوى والاتحاد الإسلامي في أوروبا يفرقان المسلمين في يوم الفطر
أعلنت لجنة الفتوى في ألمانيا التابعة للاتحاد الإسلامي الأوروبي على لسان رئيسها الدكتور خالد حنفي في فيديو تم بثه على موقعه الشخصي في الفيسبوك ومنشور على موقع اليوتويب بتاريخ 2016/07/04 الموافق للتاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك لعام 1437 للهجرة، أعلنت أن يوم الثلاثاء الخامس من شهر تموز/يوليو لهذا العام هو يوم عيد الفطر، وقد شرح الأستاذ خالد حنفي ما اعتبره أسبابا تستدعي الإعلان المبكر عن يوم العيد بغض النظر عن رؤية الهلال ونتائج التحري.
ولست هنا بصدد البحث في كيفية ثبوت الشهر الهجري أو التحلل من الصيام، حيث استفاض الحديث في الأمر حتى أصبح أشبه ما يكون من المعلوم من الدين بالضرورة. وإنما أردت الوقوف على طريقة البحث التي خاض بها أستاذ أصول الفقه الفاضل، ولا أقول الاجتهاد لأنه لم يكن هناك أصلا مقومات للاجتهاد الذي يشترط البحث في الأدلة التفصيلية والتي خلا منها البحث تماما في بيان الأسباب التي استدعت - من وجهة نظره - إلزام الناس في أوروبا بالأخذ بهذه الفتوى العجيبة.
إجابة على السؤال عن الأسباب التي استدعت اللجنة للإعلان المبكر عن يوم العيد قال الأستاذ إن هناك أسباباً عديدة، وذكر منها باختصار:
- تحديد إجازات المدارس ليعطل أطفال المسلمين في يوم العيد.
- تمكين المسؤولين ورؤساء البلديات من مواعيد زيارتهم لمشاركة المسلمين في العيد.
- حاجة المؤسسات الشرطية والبوليسية لتأمين أماكن الاحتفالات.
- حتى يرتب المسلمون مواعيد إجازاتهم في العمل بصورة طبيعية.
وعند الاستماع لشرح هذه الأسباب وتفصيل حيثياتها نجد أن الأستاذ لم يستدل بأي دليل شرعي على أي من هذه النقاط، ولم يبين وجهة نظر الشرع في أي منها رغم إدراكه أن الأمر شرعي وجلل، وفيه تعمد إفطار يوم من رمضان أو صيام يوم العيد، وفي كلا الأمرين وقوع في محرم، بل جريمة تستحق الإثم والكفارة، ومع ذلك لم يكلف نفسه الأستاذ في البحث عن الأدلة التي تعارض ما ثبت من السنة في تحري الهلال وصيام الشهر كاملا بثبوت الرؤية الشرعية لإثبات رأيه، بل جعل الأمر أدنى من مستوى العقل بترجيح ما يشاء بتعميم غامض.
أي حاجة هذه التي تجعل المسلم يفطر يوما في رمضان؟ ألأجل أن يعطل يوما أو يحصل على إجازة ليست ضرورة إطلاقا لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية الإدارية؟ وهذا الأمر ينطبق على الصغار والكبار على حد سواء، وأنا أعيش في ألمانيا منذ ما يقارب الأربعين سنة لم أجد حرجا في الاستئذان ليوم العيد حين ثبوت الرؤية، وإن لم تثبت اشتغلت في يوم المتمم وعطلت اليوم التالي، وغيري الكثيرون على هذا النهج. وكذلك أطفال المدارس، بل إن تعطيل الأطفال في المدارس ليس قانونيا في أغلب المقاطعات، وهناك مجرد غض طرف وسكوت من قبل إدارات المدارس عن تعطيل الأطفال يوم العيد بإذن ولي الأمر خطيا، وذلك لأن الدولة لا تعترف أصلا بالإسلام كدين في ألمانيا حتى تمنح الأطفال إجازة رسمية. وما هذه الدعاوى إلا تكريس لهيمنة الكفار على هذه المجالس والاتحادات ليخضعوا لقوانين الغرب وتوجهاته في فرض الإسلام الذي يريدون.
وكذلك الحال بالنسبة لزيارة المسؤولين ورؤساء البلديات لاحتفالات المسلمين في الأعياد، فلعله قد بهرهم يوما أن حضر وزير أو غرهم مشاركة رئيس حكومة في حفلة العيد على طريقتهم كما حصل العام الماضي، يتبادلون فيها التهاني السمجة الباهتة وهم يسخرون من ديننا ويصفونه بأبشع الأوصاف من دموية وتطرف وإرهاب وغيره في كل المجالات.
أما تأمين الاحتفالات فحجة واهية لا قيمة لها، وذلك إذا علمنا أن معظم الاحتفالات التي تقيمها الجاليات تكون عادة في نهاية الأسبوع وفي كثير من الأحيان يتوافق أهل الجالية على اليوم الثاني للعيد تجنبا للتعارض وتسهيلا إداريا في أمر ثانوي مندوب، حتى إن بعض المساجد تتعمد تأخير صلاة العيد لليوم الثاني وهو مقبول شرعا حتى تمكن الناس من الحضور وتصريف أمر الإجازات.
إن هذه التي ذكرها الأستاذ على أنها أسباب لا ترقى لأن تكون أسبابا أصلا، لا من الناحية الشرعية لافتقارها لأي دليل شرعي، ولا من الناحية العقلية لأنها لا تطابق الواقع، بل هي محاولة لفرض واقع جديد يختبئ القائمون عليه وراء الشرع تنفيذا لأجندات معينة مدروسة.
اللافت للنظر في التعليقات التي وردت في الموقعين المذكورين أعلاه تبين أن أغلبية الناس في أوروبا لم يؤيدوا هذه الفتوى، رغم أن الأستاذ يعدد المساجد والجمعيات الكثيرة التي أخذت بها، ومن الملاحظ أيضا أن الكثيرين يعتبرون الرؤية الشرعية هي محل التعبد وضرورة شرعية وملزمة، ولا تغني عنها الحسابات الفلكية، ورغم ذلك لم تتراجع اللجنة عن الفتوى. بل لم تناقش المشاركين في المواقع لتفنيد آرائهم أو بيان مخالفتهم. ولو قيل إن الأصل في نهج هذه اللجان أنها تعتمد الأغلبية وأسلوب الديمقراطية "الحضاري على حد تعبيره" وتصوت حتى على الأحكام الشرعية، فلماذا لم تستشر اللجنة هذه عامة المسلمين وتأخذ أصواتهم في القبول أو الرد؟
ومما زاد الطين بلة أن البعض اعتبر ما صدر عن اللجنة هو الأصل وعليه جمع كلمة المسلمين، ومن خرج عليهم خرج عن الجماعة، وهذا تكريس في التضليل ومحاولة لفرض هيمنة الاتحاد على شؤون المسلمين بشكل دكتاتوري هو صورة عن مؤسسات الحكومات في بلاد المسلمين المستبدة، حتى وصل الحال من لجنة الفتوى أن تعتبر من يخالف هذا "الإجماع" مهددا للاتحاد.
وما حصل هذا اليوم من أن أهل البلد الواحد قد انقسموا على أنفسهم بين صائم ومفطر ما هو إلا طعنة في خاصرة الأمة الإسلامية يتحمل مسؤوليتها الاتحاد الإسلامي الأوروبي ولجنة الفتوى التابعة له ويتحملون إثم إفطار الناس يوم المتمم لرمضان، بل وإثارة المسلمين ضد بعضهم بعضا حتى أصبح في البيت الواحد أفراد واصلوا الصيام وآخرون أفطروا.
ومن هنا يتبين أن الأمر فيه تفريق بل وتكريس للتفريق بين المسلمين في أوروبا ومحاولة لسلخهم عن بلاد المسلمين، واعتماد أن المسلمين في أوروبا كيان خاص، ولهم سلطتهم الدينية الخاصة المتمثلة في الاتحادات والجمعيات المتفرقة أصلا. وهذا ما تريده القوى الغربية من المسلمين المقيمين هنا، وهو صورة من الانخراط في المجتمع على حساب أساسيات في الدين لا يصح التنازل عنها أو القبول بها، كاللباس الشرعي واختلاط الطلاب في المسابح والرحلات المشتركة والحفلات العمومية وغيرها من مظاهر الحضارة الغربية التي تتنافى مع الأحكام الشرعية جملة وتفصيلا.
إن المخلص الوحيد للأمة من هذا التشرذم والضياع، وتولية الأمور لمن لا يرعى شؤونها يختصر في كلمة واحدة شاملة فاصلة، هي الخلافة، الخلافة على منهاج النبوة التي وعدنا بها رسولنا الأكرم عليه الصلاة والسلام حين قال، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، وقد بين لنا عليه الصلاة والسلام أن «الإمام جنة، يقاتل من ورائه ويتقى به»، يتقى به من شر هؤلاء الذين أرادوا تفريق المسلمين وإذابة هويتهم في مجتمعات الفجور والإلحاد.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. يوسف سلامة – ألمانيا
وسائط
3 تعليقات
-
اللهمّ ارحمنا بالخلافة الرّاشدة الثّانية على منهاج النبوّة التي تزلزل أركان الطّواغيت وتسعد البشريّة جمعاء..
-
جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم
-
جزاكم الله خيرا