- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
محاربة النظام التونسي للإسلام: أيديولوجية وإملاءات
إن الفساد هو من أهم سمات النظام في تونس، فقد نخر الدولة في جميع مجالاتها وهياكله، ولا يمضي يوم حتى نسمع عن فضائح فساد جديدة وفشل وعجز عن إدارة البلاد ولوبيات ومافيات تتحكم بالقرارات والقوانين. فساد وعجز وغياب لإرادة سياسية صادقة تعمل من أجل إخراج البلاد من هذا السقوط السريع نحو الهاوية، كلها من بين الأسباب المساهمة في الذهاب نحو انهيار الدولة.
أنا امرأة من بين نساء بلدي وضد هذا النظام، ليس موقفا فقط لأن هذا النظام فاشل وعاجز عن إدارة المعارك: معارك ضد الفقر والتهميش والفساد... بل لأنه كذلك معادٍ للإسلام حاقد على أحكامه محاربٌ لشريعته. فالحرب على الإسلام في تونس ليست مجرد شماعة يعلق عليها النظام وسياسيوه خيباتهم، بل هي أيدوليوجية القائمين على الحكم وهاجسهم. فمن أول يوم تعتلى فيه الكراسي تبدأ القرارات والسياسات في ضرب الإسلام وأحكامه في مناقضة صريحة لعقيدة أهل البلد وزيادة في حقد الحاقدين وزيادة فرص الصائدين.
فاليوم مثلا نعيش على وقع الإصلاح التربوي بعد أن أصبح التعليم في تونس في الحضيض على كافة المستويات، أصبح الإصلاح حاجة ملحة يفرضها الواقع، منظومة تربوية متهاوية على كافة الأصعدة، لنجد أن الإصلاح التربوي لا يتعدى أن يكون سوى محاولات ممنهجة لضرب ما تبقى من الأحكام الشرعية في بعض الكتب المدرسية وخفض الجرعة الدينية في المناهج التعليمية خاصة في كتب العربية والتربية الإسلامية والتاريخ، وهذا ما جاء صريحا في كتابهم الأبيض حول مشروع إصلاح المنظومة التربوية في تونس أيار/مايو 2016 باعتماد القيم الكونية هي المرجع الأساس حيث ورد الآتي: "... يجد فيها المتعلمون، على اختلافهم، كلّ ما يعدّهم للحياة والعمل والعيش المشترك والمواطنة الفاعلة يُحفظ فيها كرامتهم وتراعي خصوصيّاتهم واختلافاتهم وتنمّي شخصيتهم في إطار القيم العربيّة الإسلاميّة باعتبارها قيما رافدة للقيم الإنسانيّة الكونيّة التي توافقت عليها كلّ شعوب العالم في مسار نضالها من أجل "إنسانيّة" هي جديرة بها".
والإملاءات الغربية هي مصادر يجب التقيد بها؛ فقد ورد في الكتاب ذاته الآتي: "لذلك، يتجه إصلاح المنظومة التربويّة إلى تعزيز تحقيق ما تضمّنته أهم المعاهدات الدوليّة والإقليميّة في هذا الشأن ونخصّ بالذكر منها: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الجمعية العامة للأمم المتحدة...".
وهذا ما تم إنجازه بكل تفان وإتقان تلبية لأيديولوجية علمانية متعفنة وطاعة لأوامر الأسياد، فنجد من بين محتويات كتاب النحو لسنة السابعة أساسي جملة تقول "كانت أمي أول امرأة من جيلها ترفع الحجاب ومنذ ذلك الحين أخذت تتنفس نسيم الحرية وقد طوى الزمن الجيل المتعصب".
كما نجد في كتاب السنة الأولى لتعليم الابتدائي صورة لأم وابنتها بلباس البحر، التي علق عليها وزير التربية ناجي جلول أنه "لا يرى حرجا في الصورة وعلى المربين زرع ثقافة الجسد في ذهن الطفل".
هذا بالنسبة للمناهج التربوية في بلادنا وإصلاحاتها الممنهجة لضرب الهوية الإسلامية وأحكام العقيدة في أذهان أبنائنا وسلخهم عن موروثهم الحضاري.
ولا يجب أن نستغرب من هذا، إذ من بين اللجان التي ساهمت في الإصلاح التربوي: جمعية النساء الديمقراطيات ومنظمة العفو الدولية والشبكة الأورو متوسطية لحقوق الإنسان، فعندما يجتمع الحقد وكره الإسلام وأحكامه مع الإملاءات الغربية تكون النتيجة برامج تعمل على اجتثاث ما بقي من الإسلام من عقول وقلوب أبنائنا بل وتشويه القوانين الربانية في نظر جيل تعلقت عليه الآمال للنهوض.
أخواتي الكريمات، ما زالت العديد من الأمثلة والأدلة التي لا يسع المقام لذكرها كلها في هذا المجال.
لقد سارت وزارة المرأة والأسرة في نفس نهج معاداة الإسلام وأحكامه، معاداة منبثة من ثنائية الحقد الإيديولوجي والإملاءات الغربية المنادية بتحرير المرأة ومساواتها مع الرجل. فعمدت الوزارة إلى الدفع نحو رفع التحفظات على اتفاقية سيداو المخالفة لكثير من الأحكام الشرعية المعلومة من الدين بالضرورة، كما قدمت مشروع القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة الذي يبدو في ظاهره حاميا ومناصرا لها ضد العنف وفي ثناياه هدم للأسرة وإخراجٌ للمرأة من قيمها الإسلامية... ولم تكتف الوزارة في حربها على الإسلام بالناحية القانونية والتشريعية بل تعدته إلى إجراءات عدائية بغلق الكتاتيب والروضات القرآنية والجمعيات الخيرية ومحاربة تحفيظ القرآن...
وأعظم حرب على الإسلام يقودها الممسكون بدفة القرار السياسي في البلاد عبر استعمالهم (الإرهاب) كذريعة لمحاربة مظاهر التدين فلم تتوانَ عن مداهمة المنازل وتوقيف الشباب الملتزم والتضييق عليه انطلاقا من مظهره ومدى التزامه بأحكام الدين، وحتى النساء لم تسلم من ذلك؛ فقد تم مؤخرا إيقاف غير قانوني لفتيات ونساء بينهن مرضعات دون معرفة الغاية من اعتقالهن. فالحوادث تتكرر والمشهد نفسه يتكرر مع الكثيرين من اعتقالات غير قانونية وإرعاب للأهل وإهانات ومضايقات وتعذيب، حتى إنه يصل في بعض الأحيان إلى الموت، وجُلّها اتخذوا من محاربة (الإرهاب) ذريعة لقمع الناس وإكراههم وتخويفهم من مظاهر الإسلام.
صحيح أن (الإرهاب) موجود في تونس وصحيح أن أرواحاً بريئة أزهقت ونساء ترمّلت وأطفالاً يُتّموا. ولكن الصحيح أيضا أن (الإرهاب) ليست تلك الصورة المرتبطة بالمظهر الإسلامي، والتزام الشباب المسلم بأحكام الشرع ليست تلك الصورة التي يسوق لها النظام وأبواقه الإعلامية حقدا وكرها... (الإرهاب) الحقيقي هو صناعة مخابراتية بامتياز وأجندات إقليمية ودولية تنفذ بأياد محلية، وهذا أصبح معلوما للقاصي والداني.
أنا امرأة وضد هذا النظام، ضد نظام علماني مناقض لهويتي ووجهة نظري في الحياة، فالنظام في تونس اتخذ العلمانية ملاذا وأداة يحارب بها الإسلام رغم ادعائه بعكس هذا وأن الإسلام والعلمانية مجتمعان في حكومة التوافق. فمن المستحيل الحديث عن توافق بين الإسلام والعلمانية: نظامين لكل منهما وجهة نظر في الحياة وأساس مختلف يبني عليه قوانينه وقواعده لتنظيم هاته الحياة.
فالعلمانية قائمة على أساس مبدأ الفصل بين الدين والسياسة بل بين الدين والحياة، فهي نظام يرى أن الإنسان يجب أن يشرع بنفسه ولنفسه قوانين تضبطه وقواعد تقيده.
بخلاف العقيدة الإسلامية التي أساسها تشريع رباني ينظم جميع مجالات الحياة بقوانين تضبط العلاقات بين الناس.
هذا العداء والمحاربة للإسلام وأحكامه نابع عن خلفية علمانية لا تريد للإسلام أن يكون في سدة الحكم تنفيذا لإملاءات غربية مرتعبة من عودة مبدأ قادر على منافستها. علمانية حاقدة على الإسلام وأهله وتعمل جاهدة من أجل هدم ما تبقى من الشرع في قلوب وعقول أمتنا. لذلك أنا امرأة وضد هذا النظام...
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذة لبنى العياري - تونس