- الموافق
- 6 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
طلبُ النصرة حكمٌ شرعي الغرض منه استلام الحكم
ولا يماري في ذلك إلا جاهل أو مضلل
تظهر أصوات تنكر على حزب التحرير قيامه بطلب النصرة من أهل القوة والمنعة المتمثلين اليوم بقادة الجيوش وقادة القبائل في بلاد المسلمين، زاعمين أن الرسول ﷺ إنما طلب النصرة من كثير من القبائل العربية آنذاك من أجل حمايته هو ومن آمن معه من الظلم الواقع عليهم من قريش في مكة، أو (حتى يبلغ عن ربه)؛ غير مدركين معنى البلاغ المقصود في حديثه ﷺ.
لقد قال هؤلاء إن البلاغ إنما هو مجرد عرض الإسلام على الناس ليدخلوا فيه، دون أن يلتفتوا إلى حقيقة البلاغ الذي قام به النبي ﷺ بوصفه حاكماً طبق الإسلام وحمله للعالم بالدعوة والجهاد، فكان تطبيق الإسلام في الداخل وحمله للعالم بالدعوة والجهاد هو أبلغ بلاغ وأقوم حجة، فلم يكن قول الرسول الكريم ﷺ «مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ عَنْ رَبِّي؟» يقتصر فقط على معنى ما ذكروه بل إن النصرة التي كان يطلبها ﷺ كانت من أجل نصرة الدين وإقامته في واقع الحياة بدولة تطبقه وتبلغه، وإلا كيف يطلب ﷺ ممن يطلب منهم النصرة أن يسلموا ويؤمنوا به؟! وهل سيقبل منهم أن ينصروه دون أن يكونوا مؤمنين؟! ولماذا يشترط عليهم أن يؤمنوا وهو يقصد من النصرة التي يطلبها مجرد الحماية في البلاد حتى يدعو للإسلام ويبلغه حسب تصورهم للبلاغ المقتصر على الدعوة؟! ثم لماذا أمر الرسول ﷺ بعض الصحابة أن يذهبوا إلى ملك الحبشة وهو ليس مسلماً؟ ولماذا لم يلجأ هو إليها ليقوم هناك بدعوة الناس للإسلام وهو رسول الله إلى الناس جميعاً؟!
إن النبي ﷺ لم يكن يطلب النصرة فقط لحمايته هو شخصياً ومن آمنوا معه، وأي قبيلة هذه التي ستحميه ومن آمن معه في بلادها وهو قطعاً سيسفّه أحلامهم ويهدم عقائدهم ويعري أفكارهم ويكافح من سيقف أمامه من سفهائهم تماماً كما فعل مع قريش وزعمائها؟!!!
إن طبيعة الإسلام ودعوة محمد ﷺ لم تكن مجرد دعوة روحية كهنوتية بل كانت دعوةً روحيةً سياسيةً تستهدف التغيير لجميع مناحي الحياة على مستوى الفرد والدولة والمجتمع، فهي لم تكن دعوةً لتوحيد الله دون تغيير الحياة وصياغتها بنظام الإسلام المنبثق من عقيدة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، ولو كان الأمر مجرد دعوة للإسلام بطبيعةٍ روحيةٍ كهنوتيةٍ ما فعلت به قريش وبدينه وبأصحابه ما فعلت! كيف لا وقد كان منها من يفخر بأن فيهم محمداً يُكلم من السماء؟!
إلا أن الناظر في طبيعة الدعوة التي كان يقوم بها النبي ﷺ لمن يطلب منهم النصرة هو الإسلام ثم أن ينصروه حتى يبلغ عن ربه سبحانه، ثم يطلب منهم البيعة بعد ذلك، فلماذا البيعة وما طبيعتها إن كان يقول البعض إنه يطلب منهم مجرد الحماية ليصبحوا فيها كلاجئين؟!! وما هو البلاغ المقصود بقوله ﷺ «حَتَّى أُبَلِّغَ عَنْ رَبِّي؟»؟!
علماً أن الإسلام بطبيعته كعقيدة انبثق عنها نظام سياسي يحتاج إلى بلاغ، وأنظمة تعالج مشكلات الحياة جميعاً تحتاج إلى بلاغ، وتمام البلاغ هو تطبيق ذلك عملياً في واقع الحياة في ظل دولة ذات حكم وسلطان، فلا يستقيم القول بأن الرسول ﷺ كان لا يطلب ممن ينصرونه أن يسلموه الحكم، وبعذرٍ ممجوج قبيح يقول هؤلاء: إن الرسول ﷺ لم يكن يطلب سلطة ولا حكما ولا دنيا!!!
وهي مقولة علمانية تلقفها البعض بمظهرها الخادع دون إدراكٍ لفحواها، وذهب البعض لإثباتها قائلاً إن الرسول ﷺ رفض الملك الذي عرضته قريش!! مع أن الواقع هو أن قريشاً كانت تعرض عليه الملك مقابل ترك دعوته وليس ليطبق الإسلام ويبلغ عن ربه!!!
ثم إن كثيراً من القبائل ردت النبي ﷺ، ومنها من ردته لأنها تريد أن يكون لها الأمر من بعده، فما هو الأمر، ولماذا لم يقبل الرسول ﷺ أن يترك لهم الأمر في حياته وبعد موته ويكتفي منهم بمجرد الحماية ليبلغ عن ربه وينشر دعوته، بلا بيعة وحكم بل كفردٍ هو وأصحابه؟!
إن الأمر الذي تكلمت عنه بعض القبائل هو الحكم والسلطان... ولذلك قال بنو عامر بن صعصعة عندما طلب الرسول ﷺ نصرتهم، قالوا: "أرأيتَ إنْ نَحْنُ بَايَعْنَاكَ عَلَى أَمْرِكَ، ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللَّهُ عَلَى مَنْ خَالَفَكَ، أَيَكُونُ لَنَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ؟" قَالَ: «الْأَمْرُ إلَى اللَّهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ». قَالَ: فَقَالَ لَهُ: "أفَتُهدَف نحورُنا لِلْعَرَبِ دُونَكَ، فَإِذَا أَظْهَرَكَ اللَّهُ كَانَ الْأَمْرُ لِغَيْرِنَا! لَا حَاجَةَ لَنَا بِأَمْرِكَ؛ فَأَبَوْا عَلَيْهِ"، أي أنهم كانوا يعرفون أن النصرة هي لإقامة دولة، فأرادوا أن يكونوا هم حكامها بعد رسول الله ﷺ. وكذلك قال بنو شيبان للرسول ﷺ عندما طلب نصرتهم: وإنما نزلنا بين ضرتين، فقال رسول الله ﷺ: «مَا هَاتَانِ الضُّرَّتَانِ؟» قال: أنهار كسرى ومياه العرب، وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا، وإني أرى هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا، فقال رسول الله ﷺ: «مَا أَسَأْتُمْ فِي الرَّدِّ إِذْ أَفْصَحْتُمْ بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ دِينَ اللَّهِ لَنْ يَنْصُرَهُ إِلا مَنْ أَحَاطَهُ اللَّهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ»، فكانوا يدركون أن النصرة تعني حكماً وجهاداً للعرب والعجم، فوافقوا على قتال العرب، أما الفرس فلا... فالأمر هو الحكم والسلطان، وتلك القبائل أدركت أن الرسول ﷺ يطلب منها الأمر والسلطان حين يعرض نفسه عليهم ليسلموه الحكم وليس ليعرض دينه فقط، فالسيرة شاهدة أنه كان يعرض نفسه عليهم، أي ليكون حاكماً عليهم ذا سلطان ليبلغ الإسلام ذا الطبيعة الروحية السياسية التي ترعى شؤون الناس والتي تشمل أحكاماً تحقق ذلك في حياتهم وآخرتهم.
وها هي بيعة العقبة الثانية تكشف بما لا يدع مجالاً للشك حقيقة النصرة التي كان يطلبها النبي الكريم ﷺ وهي تقتضي استلام الحكم، عن عبادة بن الصامت قال: «دَعَانَا النَّبِيُّ: فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ» (رواه البخاري) أن لا ننازع الأمر أهله وهو هنا الحكم والسلطان وليس أمر النبوة، وهم يبايعون النبي ﷺ بيعة على ذلك، وهو ﷺ يعلمهم عملياً كيفية إقامة الحكم وكيفية تنصيب الحاكم وبيعته ومتى يجب الخروج عليه...
هل يقول قائل بعد هذا إن الرسول ﷺ كان لا يقصد من طلبه النصرة أن يأخذ الحكم؟! وهل كان غاية ما يقصد إليه رسول الله ﷺ من النصرة هو أن يعيش هو وأصحابه في بلاد من ينصرونه آمنين كأفراد لاجئين يمارسون الطقوس الدينية والدعوة لاعتناق العقيدة، وكيف تم له الحكم لو كانوا يعلمون؟! أم أنه كان تحصيل حاصل أو كما يقولون صدفةً دون قصد وطلب؟!!
إن رمي حزب التحرير بسوء الفهم لطلب النصرة بحجة أنها لم تكن من أجل استلام الحكم إنما هو تعصبٌ أعمى وإفلاسٌ ينبئ عن قلة علمٍ شرعي أو عن يأسٍ ناتجٍ عن ردة فعلٍ، أو فساد في طريقة التفكير والفهم تجعل الواقع والعقل مصدراً للتشريع في منطقٍ متهافتٍ وتهربٍ من الدليل وإلزاماته. وها هو الواقع للتغيير وسننه في تعاقب الدول وقيامها ينبؤنا عن كيفية إقامة الدولة واستلام الحكم رغم عدم اتخاذنا لها مصدراً للتشريع!
ألم تكن إقامة الدول على فكرة واستلام الحكم من أجلها تقتضي توعية الناس بالفكرة وتحميلهم إياها ثم تقصُّد أهل القوة والمنعة في المجتمع والعمل لجعلهم ينصرونها ليضعوها موضع التطبيق والتنفيذ؟ ثم ماذا كان حال من أقنعوا أكثرية الشعب دون أهل القوة والمنعة فيه، هل نجحوا أم أن أهل القوة سواء أكانوا عسكريين أم قادة قبائل تمكنوا من الانقلاب على ما سعت إليه غالبية الشعب، ثم باء التغيير بالفشل؟!!
أما القول بأنه من المستحيل أن يسلم أهل القوة الحكم للحزب أو لغيرهم والاحتجاج بمنطق الانهزام والتجني قائلاً بأن الصحابة أنفسهم قد تصارعوا على الحكم وتقاتلوا عليه، فهذا القول فيه ما فيه من المغالطة وتشويه الحقائق والتجني على عهد الخلافة الراشدة الأولى على منهاج النبوة، فلم يتقاتل الصحابة على الحكم وإن تنافسوا عليه ورأى بعضهم أن يرشح نفسه وأنه الأجدر بذلك، فالتنافس في منصب الخلافة جائز، ولم تكن دولة الإسلام دولة إلهية يعلم الناس خليفتهم بعد موت الخليفة السابق!!
بل إن عزوف من يرى من نفسه القدرة والكفاءة حين يكون الأمر لا يصلح إلا به والناس ألحت عليه أن يتولى ذلك، ربما يُعَدّ حينئذٍ واجباً كما كان في حال خلافة علي رضي الله عنه الذي رفض بعد مقتل عثمان رضي الله عنه أن يتولى الخلافة إلا بعد إلحاح من أهل الحل والعقد رضوان الله عليهم، أما معاوية فلم يكن يقاتل من أجل الحكم وإن امتنع عن البيعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب حتى يأخذ بدم عثمان من قتلته.
مع أن التاريخ ليس مصدراً للتشريع، وليس حجة على الشرع، ووجود أناس من أهل القوة والمنعة سلمت الحكم لغيرها في الواقع أمر معلوم، وهاك الدول الغربية دليلاً لمن استهوته الحضارة الغربية من التائهين والمضبوعين.
أما الحكام اليوم فهم مجبرون على الحفاظ على الكرسي من قبل الغرب، فهم عملاء لبعض دوله ولا يسلمون الحكم إلا برضاها، لكن هناك حوادث تاريخية حصلت وهناك أهل قوة كانوا مستعدين لتسليم الحزب أمر الحكم، ولا يأس فالقضية إذا وعاها أهل القوة والمنعة بأنها قضية إقامة الدين بإقامة دولته، وأنها واجب شرعي يحقق العزة للإسلام والمسلمين ويقود إلى نوال رضوان الله فإنهم سيضحون بما يؤثرون ولو بأنفسهم في سبيلها، وإذا كان رسولنا الكريم ﷺ قد طلب النصرة لحمايته وأصحابه وإقامة الحكم ست عشرة مرة أو يزيد، فإنه يجب علينا أن نحاول ونحاول طلب ذلك من أهلها في بلاد المسلمين دون عدد أو جدولٍ زمني، وبثقةٍ بمقلب القلوب سبحانه وتعالى، فما دامت قد قامت الدولة الإسلامية الأولى بطريقةٍ شرعيةٍ توجت بطلب النصرة وبها وحدها أقيمت الدولة، فما يسعنا إلا العمل ملتزمين ذلك، ولسوف تعود الخلافة الراشدة على منهاج النبوة من جديد وستلقى نصرةً وأنصاراً رغم تثبيط المثبطين وهرطقات مرضى النفوس اليائسين.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المؤمن الزيلعي
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن
6 تعليقات
-
بوركتم وجزيتم خيرا
-
بارك الله فيكم
-
بارك الله فيكم
-
بارك الله فيكم
-
بارك الله فيكن
-
جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم