الخميس، 18 رمضان 1445هـ| 2024/03/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 3 تعليقات

بسم الله الرحمن الرحيم

 

خفايا الصراع البريطاني الأمريكي

 

1-   جوهر الصراع

 

الصراع البريطاني الأمريكي في جوهره صراع استعماري على الهيمنة والاستغلال بين مستعمر قديم متمثل في بريطانيا ومستعمر جديد حل محلها في كثير من البلاد متمثل في أمريكا، هدف بريطانيا مزاحمة أمريكا على السيطرة والاستغلال ومشاركتها في السياسة الدولية أي التحكم في العلاقات الدولية وفي الدول نفسها ليتم اتخاذها أدوات للسيطرة والاستغلال وللدفاع حين يلزم الدفاع عن مصالح بريطانيا ونفوذها، أي اتخاذ هذه الدول دروعا للحماية، تمشيا مع الاستراتيجية البريطانية التي رسمتها لتحويل ضعفها الجغرافي (صغر مساحتها وعزلتها الجغرافية) وضعفها السكاني (قلة سكانها) إلى قوة تتلخص في شيء واحد هو تسخير غيرها من الأفراد والشعوب والدول لأن تكون أداة بيدها، أو للسير معها في تحقيق أهدافها أو لمشاركتها في عداواتها لأعدائها، أو في جلب المغانم ودفع المغارم، أو دفعها للتورط في المشاكل التي تضعفها وتجعلها تسير حسب سير الإنجليز. أما هدف أمريكا فهو التفرد بالموقف الدولي وبناء الإمبراطورية أي الهيمنة والاستغلال المطلق، ولقد كان تقريرا (جيريميا / وولفويتز) هما التقريرين المفصليين في رسم سياسة أمريكا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي 1991. التقرير الأول صدر عن وزارة الدفاع (البنتاغون) مكون من 46 صفحة بالتنسيق مع مجلس الأمن القومي الأمريكي تحت إشراف مستشار الدفاع المكلف بالسياسات بول وولفويتز. والتقرير الثاني مكون من 70 صفحة تحت إشراف خبراء على رأسهم الأدميرال جيريميا، نشرتهما نيويورك تايمز في آذار/مارس 1992، وفيهما تم رسم سياسة أمريكا لما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، خلاصتها "التفرد بالموقف الدولي وقهر كل المنافسين الموجودين والمرتقبين اعتمادا على القوة العسكرية".

 

إلا أن هذا المقال سيركز على بعض من سياسة بريطانيا في تقويض سياسة أمريكا في التفرد بالموقف الدولي ومن ثم مزاحمتها في السياسة الدولية على السيطرة والاستغلال.

 

2-   تجليات الصراع البريطاني الأمريكي: أزمة الخليج نموذجا

 

منذ مطلع القرن الحالي تم تأهيل دويلة قطر لتصبح مطبخا رئيسيا للسياسات الإنجليزية في المنطقة، وبذلك فقد أصبحت قناة الجزيرة الفضائية منبرا إعلاميا كبيرا للتشويش على سياسة أمريكا وعملائها في المنطقة، فليس صدفة أن يتزامن إنشاء الجزيرة سنة 1996 مع إغلاق القسم العربي لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية، فقد باتت الجزيرة بديلا عنه وانضم العديد من العاملين في المحطة البريطانية إلى الجزيرة. وقد أضيف لقناة الجزيرة عامل آخر وهو المال السياسي، ذلك المال الذي أصبح مغناطيسا سياسيا كبيرا لجذب القوى السياسية كالحركات الإسلامية التي توصف بالمعتدلة في فلسطين ومصر وليبيا وتونس وسوريا لجرّها للسير في ركاب الإنجليز، حتى أضحت الدوحة مركزا للتخطيط والتشويش على السياسة الأمريكية وعملاء أمريكا في المنطقة. ثم أضيف لها عامل ذو بعد استراتيجي رسمته بريطانيا لقطر في توظيف الغاز، ثروة المسلمين بقطر، لضرب الاقتصاد الأمريكي وأداة هيمنته الاقتصادية "الدولار"، ففي أواخر سنة 2014 كانت أول زيارة لأمير قطر تميم للصين، وصفها الصينيون حينها بأنها انتقال من العلاقات العادية إلى علاقات الشراكة الاستراتيجية، حيث تم توقيع اتفاق بين مصرف قطر وبنك الشعب الصيني، قضى بموجبه إنشاء خط ثنائي الاتجاه للتبادل بالعملة الصينية بمبلغ إجمالي قدره 35 مليار يوان صيني على مدى ثلاثة سنوات بدل الدولار الأمريكي (النهار)، كما تم الاتفاق على إنشاء أول مركز للمقاصة والتسوية بالعملة الصينية في المنطقة على أرض قطر، وهو مركز يقدم خدمات مالية للتجار والشركات بالعملة الصينية، فضلا عن بيع قطر الغاز الطبيعي المُسال للصين بالعملة الصينية اليوان. كل هذه الإجراءات تهدد الدولار الأمريكي كعملة للتجارة العالمية. حتى إن الكاتب وخبير الاقتصاد الغربي وليام انجدال قال: "إن مصادر مطلعة في هولندا أفادت بأن واشنطن ترغب في معاقبة قطر لموافقتها على بيع الغاز للصين بالعملة الصينية بدل الدولار، علما أن قطر تتصدر قائمة أهم المصدرين للغاز المسال نحو آسيا ما يثير قلق واشنطن" حسب موقع أغورافوكس الفرنسي.

 

كما أن قطر وبعد اتخاذ الإجراءات العقابية ضدها من طرف واشنطن وتكليف السعودية بتنفيذها بداية حزيران/يونيو 2017، أعلنت بعد شهر، تحديدا في 04 تموز/يوليو 2017 زيادة في إنتاجها للغاز بنسبة 30% على مدى السنوات القليلة المقبلة. وقال سعد الكعبي رئيس شركة قطر للبترول في مؤتمر صحفي "إن قطر تعتزم رفع الإنتاج إلى 100 مليون طن من الغاز سنويا بحلول سنة 2024". وتعد قطر أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، ويبلغ إنتاجها الحالي 77 مليون طن سنويا.

 

وقد صرح رئيس وود سايد بيتروليوم الأسترالية "إن خطة قطر لزيادة الإنتاج ستعرقل النمو المتوقع من صادرات الولايات المتحدة منه"، وأضاف "إن المشروعات التي ستجد صعوبة أكبر في المنافسة ستكون تلك التي تحتاج إلى بنية تحتية بمليارات الدولارات ومشروعات تحويل غاز الفحم الحجري إلى غاز طبيعي مسال والتي تحتاج إلى إنفاق رأسمالي مستمر لحفر آبار جديدة... ذلك سيكبح التوسعات الأمريكية، وأضاف أن هذه الزيادة ستمنح مستوردين مثل الصين والهند واليابان وباكستان وبنغلادش الثقة بشأن الإمدادات لدعم التوسع في استخدام الغاز، وأشار إلى محدودية فرص الغاز المسال الأمريكي المتجه إلى آسيا بسبب معوقات عدة أهمها تكاليف الإنتاج والنقل الباهظة. (الخليج أونلاين).

 

هذا عن أداة من أدوات بريطانيا في صراعها مع أمريكا في توظيف حكام قطر العملاء خدمة لسياساتها الاستعمارية وتكليفها لها بمشاريع الضرار والضرر خيانة للمسلمين وخدمة لأطماع الإنجليز ونكاية بالأمريكيين.

 

أما من حيث مشاركة الغير في جلب المغانم ودفع المغارم فذاك ما يفسر سياسة بريطانيا تجاه الصين لإضعاف السيطرة الأمريكية، وتلك من خفايا السياسة البريطانية.

 

3-   خفايا الصراع البريطاني الأمريكي: العلاقات البريطانية الصينية

 

تعتبر العلاقة البريطانية الصينية تجسيدا عمليا للسياسة الخارجية البريطانية في إشراك الغير لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. ويعني هنا إشراك الصين لها في إضعاف السيطرة الأمريكية، بضرب عملتها الدولار أداة هيمنتها الاقتصادية.

 

في حزيران/يونيو 2013 وقع بنك إنجلترا ونظيره الصيني اتفاقا لتبادل العملة مدته ثلاث سنوات بمقدار 200 مليار يوان صيني سنويا، وهو أول وأضخم اتفاق من نوعه على مستوى العالم بالنسبة للعملة الصينية. (التربيون الفرنسية). وذلك في إطار ما وصفه محافظ بنك إنجلترا حينها ميرفين كينغ بجعل لندن مركزا عالميا للعملات ومنها اليوان الصيني، وأضاف أن آلية التبادل "تسمح لبنك إنجلترا تبادل العملات ومنها اليوان الصيني، ويمكن استخدامها عن طريق الشركات لإبرام اتفاقيات تجارية بالعملة المحلية في الصين بدلا من الدولار الأمريكي". (البورصة نيوز 25 حزيران/يونيو 2013). وكانت وزارة الخزانة البريطانية قد أعلنت عن خطط لجعل لندن التي تعد أكبر مركز للتبادل المالي، مركزا رئيسيا لتبادل اليوان خارج الصين حسب المصدر نفسه.

 

وفي سنة 2014 كانت بريطانيا أول دولة غربية تصدر سندات سيادية (أي مضمونة السداد من الدولة البريطانية) بالعملة الصينية. ثم خلال زيارته للصين سنة 2014 أكد وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن أن بريطانيا تدعم دخول العملة الصينية اليوان إلى نادي العملات العالمية (الدولار واليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني). ولقد عمل البريطانيون على ذلك فقد أعدوا الدراسات والخطط لتيسير المعاملات المالية بين أسواق البورصات بلندن وشنغهاي الصينية حتى أصبحت سوق لندن أكبر سوق خارجي للعملة الصينية إذا تم استثناء سنغافورة وهونغ كونغ حسب وكالة الخدمات المالية الدولية (سويفت). كما أن بريطانيا كانت أول دولة غربية تنضم إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنيات التحتية، وهو في حقيقته بنك صيني دولي أنشئ لمواجهة البنك الآسيوي للتنمية الخاضع لأمريكا، حتى إن موقع ديبلو ويب الفرنسي نشر حينها أواخر سنة 2015 أن أمريكا واليابان وكندا يعترضون على إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنيات التحتية، ومستاؤون جدا من عزم بريطانيا الانضمام إليه.

 

وهكذا استمرت بريطانيا في توطيد علاقتها بالصين حتى صرح رئيس وزرائها حينها دافيد كاميرون: "لا يوجد في العالم الغربي بلد منفتح للاستثمار الصيني كبريطانيا". وصرحت بعده رئيسة الوزراء تيريزا ماي في أيار/مايو 2016 أن العلاقات بين بريطانيا والصين دخلت عصرها الذهبي، وذلك ما أكده الرئيس الصيني كز جانبينغ خلال حفل استقباله في قصر بانينغهام بالاس بلندن إذ صرح أن سنة 2016 هي السنة الأولى لهذا العصر الذهبي بين البلدين.

 

هكذا استمرت بريطانيا في دعم العملة الصينية لضرب الدولار الأمريكي، خاصة إذا علم أن ثاني اقتصاد عالمي هو الاقتصاد الصيني حتى تحقق لها ضم اليوان الصيني إلى الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي والجنيه الإسترليني والين الياباني في سلة عملات حقوق السحب الخاصة اعتبارا من 1 تشرين الأول/أكتوبر 2016، مما يعزز عملية تدويل العملة الصينية اليوان، أي اعتباره عملة في التجارة العالمية منافسا للدولار.

 

هكذا سارت بريطانيا بخُطا حثيثة لتحقيق هدفها في إضعاف الدولار الأمريكي ومن ثم أداة أمريكا للسيطرة الاقتصادية، وتقوية عملتها الجنيه الإسترليني، فإذا علم أن الجنيه الإسترليني هو ثالث عملة باحتياطات العملات الدولية بعد الدولار واليورو، تكون بريطانيا هي المستفيد الأكبر من تبادل بريطاني صيني بعملة البلدين، مما يقوي نفوذ الجنيه الإسترليني في ثاني اقتصاد عالمي ويجعلها المستفيد الأكبر من تكتل دول آسيا حول الصين الذي يقدر حجم سكانه بنحو 3.6 مليار نسمة وذلك ما يعزز اقتصادها ونموها وفرص رعاياها وشركاتها على حساب أمريكا.

 

4-   الختام

 

هذا وجه من وجوه الصراع الرأسمالي الاستعماري بين أقبح وجهين للرأسمالية، وكل وجوهها قبيحة، بريطانيا وأمريكا في مص دماء الشعوب ونهب ثرواتها، ومما يدمي القلب أن البلاد الإسلامية هي أكبر ميدان للتطاحن والصراع الاستعماري بأدوات محلية حقيرة رخيصة من العملاء.

 

حري بأبناء هذه الأمة قطع هذه الأيدي العابثة للرويبضات بالعمل السياسي الراقي على أساس الإسلام العظيم مع الواعين المخلصين من شباب حزب التحرير مرضاةً لرب العالمين لإقامة دولة الإسلام العظيم الخلافة على منهاج النبوة، تحكم بما أنزل الله وتجاهد في سبيل الله، خليفتها جُنة يُتقى به ودرعٌ يحمي الرعية ويحوطها بنصحه، ونور لأهل الأرض ينشر الإسلام العظيم بين ربوعها عدلا ورحمة. وعند ذاك يتم قطع دابر الكافرين ووأد رأسماليتهم واستعمارهم.

 

﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَىْ أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمد عبد الله

 

 

3 تعليقات

  •  Mouna belhaj
    Mouna belhaj الأربعاء، 13 أيلول/سبتمبر 2017م 14:44 تعليق

    بارك الله جهودكم الطيبة

  • نسائم الخﻻفة
    نسائم الخﻻفة الثلاثاء، 12 أيلول/سبتمبر 2017م 17:58 تعليق

    بارك الله فيكم

  • إبتهال
    إبتهال الثلاثاء، 12 أيلول/سبتمبر 2017م 12:55 تعليق

    جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع