- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مقولة مضللة
(نرفض ما يخالف القطعي من الشريعة الإسلامية فقط!)
في ظل الانهزام الذي يعيشه بعض الإسلاميين اليوم أمام الحضارة الغربية وقوانينها العلمانية التي طبقت في بلاد المسلمين بالحديد والنار والدبابة والاستعمار، وقبل ذلك ما لحق المسلمين من سوء فهم للإسلام في عصور الانحطاط الفكري الذي عاشوه ولا يزالون حتى اللحظة جراء فصل الطاقة العربية عن الطاقة الإسلامية وإغلاق باب الاجتهاد، والأنكى من ذلك أن بعض العلماء والمشايخ من أبناء الأمة وهم من رموز ضمن حركات تسمي نفسها أنها حركات إسلامية وإذا بهم قد صاروا أكثر انحطاطا من الأمة نفسها في طريقة تفكيرهم، بل هم مخدِّرون لها ومغالطون يُلبسون الباطل لبوس الحق، فهم يشرعنون لمزيد من العلمانية والجمهورية والديمقراطية في البلاد، خاصة وأن بلدا مثل اليمن أشعلت فيه أمريكا الصراع والحروب عبر أدواتها المحلية والإقليمية بلباس الدين والطائفية؛ وذلك من أجل أن تهيئ الأجواء لمزيد من العلمانية حيث إن الحوار الذي أدارته أمريكا في اليمن قبل دخول الحوثيين إلى صنعاء لم يلبِّ طلباتها كما تريد، فأشعلت الحرب بلباس الطائفية والمذهبية لتجعل الشعب يضيق من أفعال هؤلاء المتصارعين باسم الطائفية ثم تمرر مشروعها بإبعاد ما تبقى من الدين عن الحياة في علمانية سافرة بعد أن كان عليها شيء من برقع الحياء.
فالمقولة التي نرد عليها في هذه المقالة بدأت تخرج من أفواه بعض العلماء والدعاة بعد أن كنا نسمعها من العلمانيين والمنظمات الحقوقية التي تنخر اليمن وتحاول علمنتهم علمنة لا تبقي لهم أي أمر من الدين في حياتهم حتى على مستوى الأحوال الشخصية وبعض العلاقات الفردية!
فالمقولة أعلاه تروض أهل اليمن للقبول بالدساتير الوضعية العلمانية ومخرجات الحوار الذي أدارته أمريكا لمزيد من العلمانية بعد أن كان يساء تطبيقها في اليمن من قبل النظام السابق، فالنظام والدستور السابقان كانا علمانيين لكنها علمانية مبطنة تترك متنفسا للناس وعاداتهم وتقاليدهم أو الموروث الذي هم عليه، أما اليوم فإن أمريكا تريد تطبيق النظام الجمهوري والديمقراطية بما تفرزه من تصورات وأفكار كالحريات العامة: حرية الاعتقاد والردة والحرية الشخصية وحرية التعبير والرأي وحرية التملك بكل معانيها كما تتصورها حضارتها المسخ!
وهنا يأتي دور بعض المروجين والمهرجين ممن يلبسون ثوب العلماء والحركات الإسلامية ليساعدوا في تحقيق ذلك وليوجدوا أفكارا تتناسب مع المشروع الأمريكي في البلاد، فقد ظهرت كتب بدعم توكل كرمان التي لمعتها جائزة نوبل ومنظمتها التغريبية الخبيثة، منها كتاب الحرية في الإسلام لمؤلفه الشيخ محمد سيف العديني، وكتاب عودة القرآن للمؤلف عبد الله القيسي، وغيرها من الكتب التي توزع مجانا من قبل المنظمة الأمريكية القائمة عليها توكل كرمان، وهي على منهج راشد الغنوشي في البحث والاستدلال؛ حيث تشكك في الشريعة وتزعم أنه لا يوجد نظام سياسي في الإسلام محدد وواجب الاتباع والتنفيذ، ثم تشكك بالحدود الشرعية كحد الردة وفعل قوم لوط عليه السلام والسرقة وغيرها من الحدود بزعم أن هذه الأحكام والحدود وردت بالدليل الظني، وليست أحكامها قطعية أو أنها ليست أحكاما شرعية ثابتة بل هي آراء فقهية اجتهادية متغيرة!!
إن الشريعة بمجملها لازمة وكلها وحي من الله يجب العمل بها، سواء أحكامها ومعالجاتها التي ثبتت بالدليل القطعي أم ما ثبت منها بخبر الآحاد، فإجماع الصحابة منعقد على أنه يجب العمل بخبر الآحاد، وقد ساروا في أقضيتهم وأحكامهم على ذلك، والمقالة التي ترفض فقط ما يعارض القطعي تجعل أحكام الله ومعالجاته الواردة عن طريق ظني كحديث الآحاد مهدورة لا يعمل بها، بل إن هذه المقولة تقود إلى تعطيل الأحكام القطعية التي وردت مجملة وفصلتها السنة التي جلها وردت إلينا من طريق ظني، بل هي تقود لإنكار الأحكام الشرعية بالكلية.
إن السنة واجبة الاتّباع كالقرآن الكريم سواء بسواء، وذلك بصريح القرآن أيضاً، قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ وقال: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ وقال سبحانه: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وقال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ وقال سبحانه: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ وقال سبحانه: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ وقال سبحانه: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾. فهذا كله صريح واضح في وجوب اتباع الرسول e فيما يأتي به. وفي اعتبار طاعته طاعةً لله تعالى دون التفريق بين ما هو متواتر أو ما ثبت من طريق الآحاد في الأحكام الشرعية.
فالقرآن والحديث من حيث وجوب اتباع ما جاء فيهما دليلان شرعيان، والحديث كالقرآن في هذا الموضوع. ولهذا لا يجوز أن يقال عندنا كتاب الله نأخذ به ونكتفي بالقطعي من الكتاب والسنة ونرفض ما يعارضهما فقط، لأن ذلك يفهم منه ترك السنة. بل لا بد من أن تقرن السنة بالكتاب فيؤخذ الحديث دليلاً شرعياً كما يؤخذ القرآن، ولا يجوز أن يصدر من المسلم ما يشعر بأنه يكتفي بالقرآن دون الحديث. وقد نبّه الرسول e إلى ذلك. فقد ورد أن النبي e قال: «يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئاً عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ أَلاَّ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ» أخرجه ابن ماجه عن المقدام بن معد يكرب الكندي. وقال في رواية عن جابر مرفوعة «من بلغه عني حديث فكذب به فقد كذب ثلاثة: الله ورسوله والذي حدثه».
وخبر الآحاد إذا كان صحيحاً أو حسناً، يعتبر حجة في الأحكام الشرعية كلها ويجب العمل به، سواء أكانت أحكام عبادات أم معاملات أم عقوبات. والاستدلال به هو الحق. فإن الاحتجاج بخبر الآحاد في إثبات الأحكام الشرعية هو الثابت، وهو ما أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم. والدليل على ذلك أن الشرع قد اعتبر الشهادة في إثبات الدعوى، وهي خبر آحاد، فيقاس قبول رواية السنة وقبول الآحاد على قبول الشهادة، ذلك أنه ثبت بنص القرآن الكريم أنه يقضى بشهادة شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين في الأموال، وبشهادة أربعة من الرجال في الزنا، وبشهادة رجلين في الحدود والقصاص، وقضى رسول الله e بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق، وقبل شهادة امرأة واحدة في الرضاع، وهذا كله خبر آحاد. وقد سار على ذلك الصحابة كلهم ولم يُرو عنهم مخالف. والقضاء إلزام بترجيح جانب الصدق على جانب الكذب ما دامت الشبهات التي تجعل الخبر مظنة الكذب قد انتفت وغير ثابتة. وهذا إلزام ليس إلا عملاً بخبر الآحاد. فوجب بالقياس أن يعمل بخبر الآحاد المروي عن النبي e لترجيح جانب الصدق ما دام الراوي عدلاً ثقة ضابطاً قد التقى بمن روى، فقد انتفت شبهة مظنة الكذب ولم تثبت عليه هذه الشبهة. فكان قبول خبر الآحاد عن الرسول عليه الصلاة والسلام والاستدلال به على الحكم مثل قبول الشهادة والحكم بموجبها على الأمر المقضي به. وعلى ذلك يكون خبر الآحاد حجة بدليل ما أرشد إليه القرآن.
أيها المسلمون! إن هذه المقولة خطرها عظيم جد عظيم، على الدين والأمة، فإن القائل بهذه المقولة يقبل بكل قانون أو تشريع يعارض كثيراً من الأحكام الشرعية الواردة في الكتاب والسنة، وإنه يجب عليكم الحذر من مثل هذه الدعوات والعمل مع العاملين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تجعل الإسلام مطبقا في واقع الحياة بكل أحكامه، فإلى ذلك ندعوكم وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المؤمن الزيلعي
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن