- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلام المعتدل والعلمانية الملتحية
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا﴾ [سورة النساء: 59-61].
ما يُعرف عند الغرب الكافر وعند حكام المسلمين وبعض الجماعات الإسلامية بشكل عام بــــ"عقلية الاعتدال"، تجعل من عقلية الشخص عقلية مبررة لكل أفعالها أو أفعال زعمائها مهما كانت سيئة ومخالفة لأحكام الإسلام. إن خطر هؤلاء "المعتدلين" يكمن في أنهم يدّعون أنهم جزء من أنظمة ذات صبغة إسلامية أو جزء من الحركات الإسلامية، فتجدهم يصدقون مواقف الحكام "المعتدلة" فيبررون فظائع قادتهم ويصرون على تغليف تبريرهم بغلاف شرعي ليصبح بمثابة الضوء الأخضر لمخالفة الرويبضات المستمرة لأحكام الإسلام.
وأفضل مثال على ذلك هو النظام التركي بقيادة أردوغان الذي أعلن علمانيته من قبل، وآخرها كان باحتفاله بالذكرى الـ94 لتأسيس الجمهورية التركية العلمانية التي أنشئت على أنقاض دولة الخلافة العثمانية، وإظهاره حبه وولاءه الكبير للهالك مصطفى كمال، ومع ذلك تجد من يبرر له فيلصق به "تهمة" الحكومة الإسلامية "الإخوانية" "المعتدلة" التي "تتدرج" في تطبيق الإسلام - تهمة قد نفاها أردوغان عن نظامه المخلص الذي يحكم بالعلمانية، والعلمانية لا يختلف فيها مسلمان أنها كفر، ورغم أن أمريكا تخرج من الأراضي التركية لقتل المسلمين، ورغم أن الخمور والعري منتشر في تركيا ومقنن، ورغم التآمر الواضح والعلني على ثورة الشام بتعاون واضح وعلني مع إيران وروسيا، إلا أنك تجد المبررين له من أتباع هذه العقلية يبررون له بأنه يعمل لخدمة الإسلام بشكل جدي! حتى عندما زاره عدو الله بوتين قالوا إن تركيا دعمت ثورة الشام منذ البداية واستقبلت آلاف اللاجئين، وإنه يبحث عن "حل سياسي" لا يضر "باعتداله"، مع أن موالاة أعداء المسلمين سياسياً يترجم عملياً في مشاركة عسكرية بقصف المسلمين في سوريا، وقد وفر الجيش التركي الغطاء اللازم لروسيا لإبادة الثوار والمدنيين في إدلب كما سلم حلب للنظام النصيري منذ عام مضى تنفيذاً لأوامر أمريكا وإبقاءً لبشار المجرم في الحكم، والتبريرات جاهزة، فأردوغان جعل من اقتصاد تركيا اقتصادا قويا وهو أفضل من حكام العرب... وجعلوا منه بطلاً، وهو بطل مزيف، وذلك لإلهاء المسلمين عن العمل الجاد لإيجاد أبطال حقيقيين ينهضون بأمتهم الإسلامية نهضة فكرية وشرعية صحيحة يرضى عنها الله ورسوله e.
إن هذه العقلية الخبيثة التي تقدس أردوغان وتروج "لعلمانية ملتحية" حفاظاً على حاضنته الشعبية واستغلالاً لحب المسلمين في تركيا للإسلام وللحاكم الذي يريد تطبيق الشرع هي نفسها عقلية استغباء الناس وتلبيس دينهم عليهم والترويج إلى أن الغرب الكافر يريد بالمسلمين خيراً وانخراط جيوش المسلمين في القتال جنباً إلى جنب مع جيوش الكفار بحجة ملاحقة "الإرهابيين والمتطرفين" والضحايا هم أطفال المسلمين، وفي الوقت ذاته لا يحاسب بشار السفاح ولا يحاصر جيش المسلمين في تركيا جيش النظام فهذه خيانة وانتهاكات خطيرة وليست "اعتدالا"، ومشاركة تركيا والنظام السعودي في التحالف الصليبي بقيادة أمريكا هو حرام شرعاً لأنه موالاة للكفار وتنفيذ لمخططاتهم وتحقيق لمصالحهم بقتل المسلمين في الشام، كما أن تطبيع النظام مع كيان يهود حرام شرعاً وعدم تحريك جيش تركيا القوي لنصرة مسلمي أراكان وإرسال زوجة أردوغان المحجبة بدلاً عن ذلك للظهور في الإعلام وهي تذرف دموع التماسيح على معاناة المستضعفين هو ذر للرماد في العيون واستغباء! فالواجب شرعاً نصرة المسلمين وليس إعانة أعدائهم عليهم!
وقس على ذلك مثالاً آخر هو حكومة حماس والمصالحة الأخيرة - بمعية نظام السيسي المجرم - مع السلطة الفلسطينية التي تخدم مصالح يهود وتعتقل أبناء المسلمين في فلسطين وتضربهم وتسكت على قتل اليهود لشباب فلسطين بدم بارد بحجة التنسيق الأمني وعدم زعزعة الأمن والترويج لحل الدولتين، فتح التي تسير على دستور أوسلو كيف تجتمع حركة إسلامية مقاومة مع هؤلاء القتلة في حكومة مصر ومخابراتها، وها هي حماس تصرح علناً بعلاقاتها مع القتلة في إيران وتنوي إعادة العلاقات مع بشار الأسد، وتقمع أي صوت معارض لها في غزة، ولا تنتقم لدماء شهداء الأنفاق الذين قتلهم كيان يهود قبل أيام بل وتقبل نزع السلاح ويصرح قادتها بأن كيان يهود ذلك الكيان الغاصب المحتل هو واقع وتحصيل حاصل! إلا أنك تجد ملايين المبررين لقادة حماس مهما فعلوا فهم يتعامون عن التصريحات السياسية الخطيرة! فالحل الشرعي هو استنهاض جيوش المسلمين للجهاد ولتحرير فلسطين وقطع دابر يهود وإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فأعداء المسلمين واحد ولا يستقيم شرعاً تناول قضايا المسلمين من وجهة نظر علمانية صهيونية أمريكية بريطانية بحجة "الإسلام المعتدل"!
لكن هذه هي عقلية العلمانية الملتحية التبريرية المتمثلة في "الإسلام المعتدل" حيث التنازل عن الثوابت الشرعية هي فصل للحكم الشرعي عن المواقف، وهذا من صميم العقيدة العلمانية وهي فصل الدين عن الحياة وعن السياسة، وهي العزف على أوتار المصالح والمنفعة المادية ولعبة كراسي المناصب، هي عقلية تتكرر وقد تفشت ثقافة الانهزام والذل والهوان وحب الأموال والفهم الخاطئ لمنهج الإسلام!
إن هؤلاء "المعتدلين" والأبطال المزيفين والمروجين لهم قد جعلوا من أنفسهم عائقاً كبيراً يحول بين المسلمين وبين نهضتهم على أيدي الأبطال الحقيقيين المخلصين لله ورسوله e والذين يعملون بصدق وشفافية ووضوح وجراءة لتطبيق الإسلام النقي الصحيح، قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ [سورة البقرة: 165-167].
إن هؤلاء العلمانيين الملتحين سيتبرؤون من هؤلاء المنافقين المطبلين يوم القيامة، ولن يبقى لهؤلاء غير تبريراتهم الباطلة وأكاذيبهم ونفاقهم، فليراجعوا أنفسهم وليتخذوا مواقف صادقة لفضح الأفكار الهدامة، فلو صرفوا نصف طاقتهم في إحقاق الحق بدلاً عن التطبيل للباطل لسقط هؤلاء الرويبضات ولتخلصت منهم الأمة الإسلامية؛ فلا يوجد في الشرع ما يسمى بالإسلام المعتدل، ولا الإسلام الأمريكي، ولا إسلام علماني، ولا يوجد إسلام يختلط بمفاهيم الغرب الكافر، ولا إسلام ينصاع للقوانين الدولية الوضعية، بل الثابت هو إقامة الدين وإقامة دولته وإعلاء كلمته رغماً عن أنف الكافرين بدون تعديل ولا تحريف.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة محمد حمدي – ولاية السودان