- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
السياسة السعودية (الأمريكية) في ظل إدارة سلمان ترامب
لقد تحدثت الأخبار عن تغييرات جوهرية عدة، سواء تعلقت بالسياسة الداخلية أو الخارجية للسعودية منذ مجيء سلمان إلى الحكم.
أولاً: في عام 1915م تم توقيع معاهدة دارين (معاهدة القطيف) بين الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود أمير الرياض وبريطانيا، التي نصت على اعتراف بريطانيا به سلطاناً على مناطق نجد والأحساء والقطيف والجبيل، على أن يكون آل سعود أداتهم لضرب ابن رشيد حاكم إمارة حائل، والذي كان يسبب المتاعب لبريطانيا وفاءً لتحالفه مع العثمانيين.
واتفقا فيها على إضفاء الحماية العسكرية لأقطار دولة آل سعود الناشئة، بشرط ألا يدخل في أي حلف أو وفاق مع أي دولة أجنبية أخرى، وألا يَمنح أي امتياز داخل بلاده لأي أحد دون إذن لندن وأن "يتبع مشورتها دائماً بدون استثناء على شرط أن لا يكون ذلك مجحفاً بمصالحه الخاصة".
وفي 2 أيلول/سبتمبر 1921م اعترفت رسميًا له ولمن يخلفه من ذريته بلقب "سلطان نجد"، وبعدها في عام 1922م حدثت لقاءات العقير برعاية إنجليزية، والتي تم فيها تسوية الحدود بين نجد والعراق، وبين نجد والكويت، وانتهت إلى توقيع معاهدة المحمرة، ثم معاهدة حداء بشأن الحدود بين نجد وإمارة شرقي الأردن في عام 1344هـ/1925م، ومعاهدة بحرة بشأن الحدود بين نجد والعراق في عام 1344هـ/1925م.
ونتيجة النجاح السعودي في توحيد معظم أجزاء الجزيرة تحت قيادته تم إلغاء اتفاقية دارين، وتوقيع معاهدة جدة 1927، التي اعترف فيها التاج البريطاني بـ"الاستقلال التام المطلق لممالك صاحب الجلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتها" وتعهد فيها الفريقان بالمحافظة على حُسن العلاقات، مع التعهد بألا تشكل أي دولة قاعدة أنشطة معادية لنظيرتها، والتعاون على محاربة الإتجار بالرقيق.
ثانياً: بالنسبة للعلاقات السعودية الأمريكية فقد ولدت في العام 1933م وذلك عندما بدأت بواكير التعاون الاقتصادي بين البلدين متمثلة في قيام شركة الزيت العربية الأمريكية بحفر أول بئر للنفط في شرق المملكة. ثم طلبت شركات النفط الأمريكية العاملة في السعودية من واشنطن ممارسة دور أكبر لضمان الأمن والاستقرار السياسي في الخليج وهو ما دفع الرئيس الأمريكي روزفلت عام 1943 إلى الإعلان بأن الدفاع عن المملكة يمثل مصلحة حيوية لأمريكا، ثم قام بإرسال أول بعثة عسكرية أمريكية إلى السعودية والتقى في عام 1945 بالملك عبد العزيز على ظهر باخرة في قناة السويس، وهو اللقاء الذي «دشن» العلاقات الأمريكية السعودية ومنذ هذه اللحظة بدأ الاهتمام الأمريكي الفعلي بالمنطقة وبدأ الصراع بين الاستعمار القديم الإنجليز بالمنتصر الجديد وفرضه لرؤيته في المنطقة، وكان آل سعود بالأغلب الأعم عملاء لبريطانيا فقامت أمريكا بشراء بعض الأمراء وإقامة بعض العلاقات مبكراً ومن هنا بدأ الاختراق الأمريكي داخل العائلة الحاكمة في بلاد الحجاز.
ثالثاً: لقد تناوب على الحكم في السعودية عدة رجالات بعضهم يتبع السياسة الإنجليزية وبعضهم يتبع السياسة الأمريكية مما جعل البلد خاضعة لإفرازات العائلة في ترتيب شؤون الحكم بما تمليه عليهم الوثيقة الداخلية في انتقال الحكم في أبناء الملك المؤسس من ترتيب في انتقال الولاية، وكان هذا الأمر مزعجا للأمريكان خاصة لقوة وجود عملاء بريطانيا وكثرتهم وأرادت أن تقضي على هذا الترتيب بحيث تخلص السعودية لها فقط بدون أن تكون رهينة لما تمليه شروط انتقال الولاية، خاصة بعد دور عبد الله آل سعود في التشويش عليهم في مسألة الشام والخليج والنفط وتدخله في كثير من القضايا على حساب مصر صاحبة الدور الإقليمي أمريكياً، وكان دوره مزعجاً لها بشكل كبير، أقول أرادت أمريكا ألا تكون رهينة للأحداث في مسألة انتقال الولاية؛ بل أرادت أن تصنع رجالات المرحلة القادمة بدون وجود للآخرين من عملاء لبريطانيا واستغلت وفاة الملك عبد الله استغلالا قوياً لوجود سلمان بالحكم من أجل ترتيب الوضع بما لا يسمح بوجود أي من رجالات الإنجليز، فقامت بترتيب ولاية العهد وألغت مجلس البيعة الذي أنشأه عبد الله آل سعود وعطّلته، وجاءت بمحمد بن سلمان كولي ولي للعهد، ثم ولياً للعهد بعد أن جعلت بيده كل القوى من وزارة الدفاع ثم القوة الاقتصادية أرامكو ثم أزاحت محمد بن نايف رجلها المفضل لديها سابقاً عن وزارة الداخلية، والقوة التي كانت خارجة عن سيطرة محمد بن سلمان، ثم كانت الضربة الأخيرة بإزاحة متعب بن عبد الله من الحرس الوطني العريق في القوة والتبعية الإنجليزية، وتعتقل الضباط ومشايخ العشائر ذات التبعية لمتعب؛ لتجعل من الحرس الوطني الأداة الأخيرة من أدوات القوى في السعودية بيد ولي العهد ولتحصر جميع القوى بيده بعيداً حتى عن بعض رجالتها المخلصين لها.
وأخيرا منذ مجئ سلمان للحكم قامت أمريكا باتخاذ إجراءات سياسية داخلية وخارجية تميزت هذه السياسة بعدة مواصفات منها على سبيل المثال: السرعة والمباغتة والغموض خلافاً لسياسة التأني التي كانت سابقا ثم سياسة الجرأة في اتخاذ القرار والعمل على تنفيذه فوراً بدون انتظار، ومنها سياسة التحدي والحزم والمتابعة وإظهار التحدي بشكل كبير لدرجة أن تلغي علاقة الشراكة مع آل الشيخ والتي هي بالأصل لم تكن شراكة بل تبعية وإضفاء شرعية وتعتقل الأمراء وتقتل وتحجز على الأموال وتتحدث بلغة التهديد مع الجميع من أجل الدور القادم لها أمريكيا.
هذه المميزات لسياسة أمريكا في السعودية جعلت من الخصم لا يتوقع ردة الفعل نتيجة الغموض وسرعة اتخاذ القرار والسرعة في التنفيذ مع التحدي وإظهار الحزم بل جعلت من الخصم مذهولاً أمام ضربات قوية متتالية حتى لا يستطيع الوقوف بل يقع من شدة تعالي الضربات المفاجئة، ثم توجه له الضربة القاضية ليخرج من الحلبة محمولا.
وأخيراً وخاتمة القول:
لقد كسرت أمريكا بسياستها سياسة الكابوي المتمثلة بإدارة ترامب الخط الأحمر عائلياً داخل آل سعود، والذي كان النقطة الأولى بينهم بالسير مع الملك أياً كان ولاؤه حفاظاً على تماسك العائلة، وبقي هذا الاتفاق حتى مجيء سلمان الذي نقل إدارة شؤون البلاد إلى ولده، واستبعد الجميع ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قام بعزلهم وفرض الإقامة على بعضهم، وحجز أموالهم وسحب الامتيازات منهم، والاعتقال بل حتى القتل لبعضهم تحت شعارات محاربة الفساد، ولا أحد فوق سلطة القانون والدولة، وهذا ولّد شرارة الحقد العائلي الداخلي، ولهذا أثَره وناره تحت الرماد حتى لو سحبت القوى منهم، وهذه السياسة أثرها خطير لكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى العقول، ولعل في هذا الأمر خيراً على أمة الإسلام وإني لأظنه كذلك بإذن الله.
والأمر الآخر الخطير الانتقال إلى العلمانية وفتح البلد لقوى الظلام من الليبراليين الحاقدين، والانقلاب على الأفكار السائدة والتي كانت برعاية الدولة ودور المشايخ والبدء بمشروعات إفساد الناس تحت مسمى الترفيه بحجج واهية، وهذا الانتقال كان سريعًا جداً، وهذا الأمر هو غباء قاتل في ظل تقدم الأمة نحو التغيير، وليس العودة للاستعمار بل التغيير والبديل الحضاري، وما تقوم به أمريكا هو سياسة جنونية حيث سارت بأقصى سرعة في سيرها على سكة طرد النفوذ لبريطانيا، وليس هنا محل الخطر بل محله ومكانته أمة عظيمة لن تستبدل دينها وسيكون له الكلمة الفصل، وهذا التمايز هو من مقدمات الفرز والنصر بإذن الله.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حسن حمدان / أبو البراء