الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حي على الصلاة.. لكن بدون.. حي على الفلاح!!

 

إذا ذكرت الحكام والدولة ونظام الحكم والسياسة انتفض من حولك من بهم شبه المسّ من الجن إذا سمعوا الحديث في السياسة؛ وصرخوا في وجهك.. "لا يجوز الخروج على الحكام.. وإن جلدوا ظهرك وأخذوا مالك.. ما أقاموا فيكم الصلاة..".

 

وهنا لا أدخل في تفصيل موضوع الخروج على الحكام الذي لا يكون شرعا إلا في حق الحكام الذين بايعتهم الأمة بيعة شرعية على الكتاب والسنة، أما الحكام الحاليون فلا ينطبق عليهم هذا المفهوم لأنه لا توجد بيننا وبينهم بيعة شرعية ولا هم يطبقون علينا الكتاب والسنة حتى نقوّمهم ونصلحهم بالنصح أو بالسيف. فهؤلاء يجب قلعهم من أصولهم وبتر جذورهم...

 

ولا أتكلم كذلك عن موضوع السمع والطاعة للحاكم الشرعي الذي يظلم الناس ويتعدى على حقوقهم الشخصية. فتلك مظالم في حق الأفراد وليس في حق الإسلام وشرع الله...

 

ولا أتحدث أيضا عن الكفر البواح الذي يظهر من الحاكم الذي يطبق شرع الله ثم تأخذه العزة بالإثم فيقتبس من شرعة الكفار حكما ويطبقه علينا، ولنا عليه دليل من الكتاب والسنة أنه من أحكام الكفر - كفر بواح - فيجب حينها ردعه ونهيه ليرجع عنه وإلا عزلناه فإن أبى قاتلناه بسيوفنا...

 

لا أتحدث عن ذلك كله لأن هذه المحاور تحتاج إلى تفصيل مطول في الشرح والبيان، ولكن دعنا نقف مع هؤلاء على نقطة: "ما أقاموا فيكم الصلاة".

 

وبالطبع الذين يقولون بهذا يجهلون أن جملة "ما أقاموا فيكم الصلاة" كناية عن إقامة الدين وذلك من باب تسمية الشيء بأبرز ما فيه، ولكن دعنا نتجاوز التفصيل في هذه النقطة ونأخذها عنهم بفهمهم البسيط لمعنى "إقامة الصلاة".

 

فكون المآذن تنادي "حي على الصلاة" والمساجد مفتوحة وتقام فيها صلاة الجماعة فذاك حجة كافية يدفعون بها الشبهة عن الحكام إذ لم يظهر عليهم - الكفر البواح - بمنع الآذان وغلق المساجد وإقامة الصلاة. وبناء على هذا فإن الدولة في نظرهم دولة إسلامية والحاكم لم يكفر.. هكذا بكل سذاجة وبساطة وسطحية في الفهم!!

 

لكن النقطة التي غفلوا عنها من وراء جملة "حي على الصلاة" هي الجملة التي تتعلق بـ"حي على الفلاح"!

 

فالفلاح في الإسلام لا يقتصر على أداء الصلاة وحسب وإنما يتعلق بالحياة ككل دون تمييز بين ميدان وآخر. أي بين ميدان العبادة وميدان الحياة العامة بمختلف مناحيها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية...

 

يقول صاحب التحرير والتنوير - رحمه الله - في تفسيره للآية الكريمة من قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ "افتتاح بديع لأنه من جوامع الكلم فإن الفلاح غاية كل ساع إلى عمله، فالإخبار بفلاح المؤمنين دون ذكر متعلِّق بفعل الفلاح يقتضي في المقام الخطابي تعميم ما به الفلاح المطلوب، فكأنه قيل: قد أفلح المؤمنون في كل ما رغبوا فيه.

 

ولما كانت همة المؤمنين منصرفة إلى تمكن الإيمان والعمَلِ الصالح من نفوسهم كان ذلك إعلاماً بأنهم نجحوا فيما تعلقت به هممهم من خير الآخرة وللحق من خيْر الدنيا، ويتضمن بشارة برضا الله عنهم ووعداً بأن الله مكمل لهم ما يتطلبونه من خير". [التحرير والتنوير شرح سورة المؤمنون].

 

من هنا نفهم أن الإيمان غير مقتصر على المساجد، بل المؤمن يُسيّر حياته كلها بمقتضى هذا الإيمان...

 

ولما نقول حياته نقصد بذلك كل جانب منها، أي ما كان متعلقا بذاته كفرد من حيث العبادة والأخلاق والطعام والشراب واللباس، وما كان متعلقا به وبغيره من الناس من معاملات - وما أكثرها وما أعقدها - فالمؤمن وهو يخوض غمار الحياة ليس له من قدرة على اعتزال الناس نهائيا، فهو جزء من الكل وفرد من أفراد المجتمع والرعية، أي خاضع للعلاقات التي يسير عليها المجتمع، وخاضع كذلك للأحكام التي تطبقها عليه الدولة، والمؤمن هو المؤمن في كل الحالات، سواء أكان داخل المسجد يؤدي صلواته أم خارجه يعيش بين الناس ويتبادل معهم المصالح والمنافع، وعليه أن يلتزم في ذلك كله بمقتضيات الإيمان والفلاح.

 

فالنداء من فوق الصوامع لأداء الصلاة في أوقاتها واقترانه بالفلاح يعني هذا الذي ذكرناه وزيادة.

 

لكن الدولة القومية القطرية التي تطبق علينا شرعة الكفار - التي دخلت ديارنا عن طريق المستعمر الكافر، ثم سكنت في عقولنا عن طريق الثقافة ومناهج التعليم - تريد منا أن يبقى الإسلام حبيس المساجد ولا يتعدى جدرانه، وتمنع علينا مزج الدين بالسياسة وتحرم علينا النشاط السياسي والانخراط في الأحزاب السياسية. وبالتالي تقول لك بلغة العصا والقمع البوليسي لا شأن لك بموضوع الحكم والسياسة، ولا دخل لك بالنظام الاقتصادي الذي تسير عليه الدولة إن كان رأسماليا أو اشتراكيا، ولا تُبدِ رأيك في البنوك الربوية المزروعة في كل مكان، ولا تبحث عن حكم الضرائب والمكوس في الإسلام، ولا شأن لك كذلك بسياسة التعليم والمناهج التي تبنتها الدولة وتربي عليها أبناؤك، ولا دخل لك في النظام الاجتماعي وما تقرره الدولة، ولا تتكلم عن القضاء والعدالة، وأشدهم تحريما عليك هو الحديث في علاقة الدولة بالدول الأجنبية الاستعمارية الكافرة وحماية مصالحها في بلادنا والتفويت لها في ثرواتنا، وحتى مسألة التطبيع مع كيان يهود لا دخل لك بموضوعها، فكل ذلك ومثله نار محرقة إذا اقتربت منها أحرقك الحاكم بها.

 

هذا هو الذي يريدونه من وراء بقاء المساجد مفتوحة تؤدى فيها صلاة الجماعة والجُمعة والأعياد، ولكنها تحت مراقبة الدولة وخطيب الجمعة مرتاح من تجهيز الخطبة لأنها تصله من أجهزة المخابرات جاهزة ومكتملة الشروط ومختومة بالدعاء لولي الأمر - طال عمره - صاحب النعمة والفضل على عبيده الذين يسبحون بحمده!!

 

والذي نستغرب له من وراء هذا كله أن هذه الأمة العزيزة الكريمة التي أكرمها الله بنعمة الإسلام العظيم ما زال فيها من يفكر بهذا التفكير العقيم وينظر للواقع المتأزم نظرة سطحية رغم أنه يرى ويسمع ما تصنعه الدول الغربية فينا وعلى رأسها الدولة الإرهابية الكبرى أمريكا، ويرى ويشاهد مع ذلك من يتودد إليهم ممن يعتبرونهم "ولاة الأمور" ويعلم انسجامهم التام معهم وارتباطهم بهم ارتباط عشق وغرام ورقص وأنغام. وكل هذا مكشوف للأعين وواضح ولا يتطلب منا الجهد في كشفه وبيانه. فالصغير يتحدث به قبل الكبير. لكن فريق الدفاع عن "ولاة الأمور" يحاول إسدال الستار عن عوراتهم حتى يبقي لهم بعض الشيء من الطاعة العمياء.

 

فكيف لهذه العقول السقيمة أن لا تدرك بعدُ دورَها في القيام بالواجب لقطع الطريق أمام الكفار المستعمرين بقطع سبل تسلطهم علينا وذلك بإزالة الحكام المستبدين الذين يحكموننا اليوم بالحديد والنار لنستسلم لهم؟

 

فهل سكوتنا عنهم وعدم التعرض لهم يحقق معنى "حي على الصلاة" تلك الصلاة التي نحني فيها ظهورنا لله شهادة منا أننا لن نحنيها لغيره من البشر، وذاك السجود الذي نعلن به خضوعنا التام لله دون غيره من البشر؟ وهل نحقق إلى جانب ذلك معنى "حي على الفلاح" بانحناء الظهر والطاعة المطلقة للحاكم الذي يحكمنا بشرعة الكفار؟

 

فأين مفهوم التوحيد عند من صدعوا رؤوسنا بمقالاتهم في علم التوحيد وحصروا العقيدة في الروحانيات والطقوس والشعائر دون باقي الحياة التي يجب أن تكون العقيدة الإسلامية أساسا لها؟!

 

ألا يكفي كل هذا وبعد طول الغفلة أن يفهم هؤلاء معنى - إقامة الصلاة - فيخرجوا رؤوسهم من الحفر ويعيدوا البحث في مفهوم العقيدة ومعنى "حي على الفلاح" ويبادروا بالتشمير على السواعد معنا للخروج من هذه الأزمات الخانقة والقاتلة لنرسم معا طريق النهضة والعزة ونطوي أعوام التخلف والتعاسة والشقاء والله يقول جل من قائل: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124]؟! فيا ليت قومي يسمعون..!

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

خالد العمراوي

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع