الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

"الدين المعاملة" كلام فيه نظر

 

قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85]. من يأتي يوم القيامة وقد اتخذ غير الإسلام دينا فهو في جهنم من الخاسرين، هذه دعوة لمن يعقل أن لا يفوت فرصة دخوله في الإسلام ويعبد الله تبارك وتعالى حق العبادة، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]. اتقوا الله حق تقاته أن يطاع الله فلا يعصى وأن يشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى وأن يجاهد في سبيل الله حق الجهاد لنصرة دينه ونشر دعوته والحفاظ على بلاد المسلمين وجمع المسلمين في دولة واحدة تحت راية رسول الله e، ولا تأخذكم في الله لومة لائم بقول كلمة الحق عند سلطان جائر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقوموا بالقسط ولو على أنفسكم أو آبائكم أو أبنائكم، ولا تموتوا إلا وأنتم مسلمون، حافظوا على إسلامكم وطاعة ربكم فمن مات على شيء بعث عليه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يحب أن يؤتى إليه» رواه مسلم، ينبغي على المسلم أن يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه، فلا كذب ولا خداع ولا غش ولا خيانة لأحد لأن الله لا يرضى منه ذلك، وثانيا لأنه لا يحب أن يعامَل بهذه الصفات الذميمة، فلا يعامِل بها أحداً، والإيمان بالله يقضي أن يصدق عمله قوله وسريرته ظاهره، فالمعاملة بين الناس تظهر بالأخلاق الحميدة من الصدق والأمانة وعدم الغش والخيانة، وهذه قد تجدها عند مختلف أهل الأديان والعقائد، فتجد الكفار الرأسماليين قد أصبح الصدق بينهم وفي مجتمعاتهم سجية لا يفارقهم لرؤيتهم أنه يحقق لهم منافع أكثر من الكذب والغش والخيانة، بينما تراهم في خارج بلادهم ومجتمعاتهم وهم ممثلون لبلادهم يتخذون الغش والكذب والخداع وسيلة وأسلوباً لبسط نفوذهم واستعمار ما يستطيعون من الشعوب، حيث إن تحقيق المنفعة أساس في حياتهم ومبدئهم وطريقة عيشهم في الحياة، فالقول إن الدين المعاملة قول معسول ويصور على غير حقيقته.

 

وترى غالبية المسلمين هذه الأيام لا تقيم وزنا للصدق والأمانة وعدم الغش وإعطاء الحق لصاحبه، مع أن الالتزام بالصفات الحميدة من بدهيات الإيمان ويعرف بها المسلمون أينما حلوا أو ارتحلوا، إلا هذه الأيام وهذا عائد إلى الفصل بين الإسلام والحياة، الذي هيمن على حياة المسلمين منذ أن أقصي الإسلام عن حكم بلاد المسلمين واستبدلت به أنظمة الاستعمار الرأسمالي، ولا زالت هي المتحكمة والمشكّلة للنظام العام في جميع بلاد المسلمين بدون استثناء، ولا بد من تغيير هذه الأنظمة واستئناف الحياة الإسلامية بتحكيم الشريعة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية على منهاج رسول الله e، وبيعة خليفة ليحكم بلاد المسلمين في دولة واحدة كما حكم رسول الله eالدولة الإسلامية حينما أنشأها في المدينة المنورة وتبعه الصحابة رضوان الله عليهم واستمرت الدولة الإسلامية إلى أن قضى عليها الكفار وأعوانهم من العرب والترك ضعاف النفوس أثناء الحرب العالمية الأولى وقبلها وبعدها.

 

نعم الإسلام دين ينظم شؤون حياة الإنسان فهو لا يقتصر على الشعائر التعبدية، بل هو نظام كامل وشامل للحياة فتكون العبادة بإقامة الشعائر التعبدية والعبادة باتباع الشرع وإقامة الدولة التي تنفذ الشرع وتنشر الدعوة، وهذا يكون بلا تفرقة بين الشعيرة والشريعة فهي متكاملة ومن عند الله وبأمر الله، ولا تتحقق طاعة الله ولا تستقيم الحياة إلا بهما، ولا بد من تفعيل هذا الأمر والعمل لتحقيقه ولا يكفي القول أو الاعتراف والمعرفة بالواقع السيئ المشين الذي يعيشه المسلمين اليوم.

 

ولا يخفى على أحد أمر الله تبارك وتعالى لرسوله الكريم e- وأمر الرسول أمرٌ لنا - في القرآن الكريم بوجوب الحكم بما أنزل عليه، وهو المعصوم e، في سورة النساء وفي سورة المائدة على سبيل الذكر وفي سور أخرى في القرآن الكريم - ولكن على سبيل التذكير - قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 48-50]. أنزل الله تبارك وتعالى القرآن الكريم بالحق والصدق لا ريب فيه لا يطاله شك ولا باطل، مهيمنا ومسيطرا وملغيا للكتب التي سبقته ومصدقا لها، أنها من عند الله، وجاء القرآن العظيم خاتماً للكتب السماوية وأشملها وأعظمها وأحكمها ولا يقبل من أحد إلا التعبد به وإلا الحكم به فهو ختام الكتب السماوية، وقد تعهد الله تبارك وتعالى بحفظه وعدم المساس به فقال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ فالحكم لا يكون إلا بالشريعة الإسلامية المستنبطة من القرآن الكريم والسنة الشريفة، والحكم يعني تنظيم شؤون حياة الناس ورعاية مصالحهم وإحقاق الحق بينهم وإنصافهم والعدل بينهم والحكم بما أنزل الله، يعني الالتزام بالشريعة الإسلامية ونبذ ما عداها من الأعراف والقوانين والشرائع التي وضعها الناس، ولا يلتفت لها أبدا مهما كانت مسمياتها، والنهي عن اتباع أهوائهم هذه التي أصبحت أعرافاً وقوانين تُتّبع، وما اصطلحوا عليه من شرائع وأنظمة، استبدلوها بشرع الله وأصبحت لهم دينا غير دين الله فلا تتبعها ولا تقم لها وزنا، واحذر هؤلاء الأشقياء ولا تتبع أهواءهم ورغباتهم وخططهم ولا تنظر لمقترحاتهم فهم بعيدون عن طاعة الله ومحبته وحسن عبادته...

 

﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ ينكر الله تبارك وتعالى على من يخرج عن حكم الله المتمثل على كل خير الناهي عن كل شر والمنصف العادل بين الناس على اختلاف أديانهم وأجناسهم، الحكم العدل على من سواه من الأحكام والآراء والتشريعات التي يضعها الناس من عند أنفسهم وتحت أي مسمى، كما يصنع أهل الجاهلية.

 

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾، ومن أعدل من الله في حكمه وتشريعه لقوم يعقلون ويؤمنون، وهو تبارك وتعالى الخالق المدبر الرازق، أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وهو أرحم بخلقه من الأم على وليدها، وهو تبارك وتعالى العالم بكل شيء والقادر على كل شيء علام الغيوب، أعلم بما يصلح خلقه، ولا حاجة له عند أحد من خلقه تبارك وتعالى عما يصفون، قال الحسن البصري: من حكم بغير حكم الله حكم بالجاهلية.

 

وحين يقال الدين المعاملة وحسن الخلق من الدين، تكاد تكون دعوة تدليس وتلبيس لأنها دعوة مبتورة مغيب أصلها عن سبق إصرار وترصد، فالمجتمعات لا تبنى على الأخلاق بل تبنى على العقائد والأفكار، والمبادئ والأخلاق تبع لها وليست أساساً لها، فالشريعة الإسلامية في بلاد المسلمين لا تحكم ولا تنظم حياة الناس فليس لها سلطان ينظم الحياة العامة ويحكمها، ومن يحكم المجتمعات في بلاد المسلمين خليط من الأحكام والقوانين والأنظمة والشرائع كلها تتميز أنها من وضع الكفار وأنها تحارب الإسلام والمسلمين، وهي أداة بيد الحاكم الظالم المستبد، فمهما تكلم الخطيب فهو نفسه لا يصدق ما يقول، والسامع أشد نفورا وتعجبا منه، فمن يجرؤ على الادعاء أنه يشرع للناس ويحكم فيهم بأعدل من شرع الله وحكم شريعة الله لهم ومن يدعي أنه أعلم من الله بما يصلح خلقه؟!

 

لا عذر لأحد من المسلمين أن يرضى ويسلم لحكم غير حكم الشريعة الإسلامية وتحت أي ظرف كان، إن قضية الحكم بما أنزل الله يجب أن تكون واضحة لكل مسلم وهي قضيته التي يجب أن تحقَّق في واقع الحياة، وأن الحياة لا تستقيم بدون أن تنظم شؤونها بالشريعة الإسلامية، وأنه لا تقوم للمسلمين قائمة بدون تحكيم شرع الله، والحكم بما أنزل الله فرض كفرض الصلاة، وكل مسلم لا بد أن يُسأل عن القعود عن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية كما يسأل عن ترك الصلاة.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ [المائدة: 51-52]. ينهى الله تبارك وتعالى عن موالاة اليهود والنصارى وهم أعداء الإسلام وأهله منذ فجر التاريخ ولا زالوا، قاتلهم الله أنى يؤفكون،ويتوعد وينذر من يتولاهم ويركن إليهم ويأمن جانبهم ويتحالف معهم فهو منهم والعياذ بالله، وترى الذين في قلوبهم شك وريبة ونفاق يتأولون موالاة الكفار ومودتهم لحفظ مصالحهم ويتعللون بنوائب الدهر ودوران الدوائر، عليهم دائرة السوء، وفي هذه الأيام ترى الكثيرين ممن يوالون الكفار ويعملون معهم، يدعون إلى الاعتراف بالآخر وهذا أمر محلول عند المسلمين، الآخر هم الكفار وهم إما كافر حربي أو كافر ذو عهد أو ذمي، والذمي له حقوق الرعاية كما هي للمسلم ما دام لا ينقض شروط العهد معه وولاؤه للدولة الإسلامية، والمحارب والمعاهد لكل منهم أحكام شرعية تنظم العلاقة معه، وكان المسلمون دائما ملتزمين بالأحكام الشرعية، وخير دليل وجود شتى الملل والنحل والأديان والمذاهب في بلاد المسلمين، والله على كل شيء شهيد.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

إبراهيم سلامة

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع