الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

البلاء الذي لا يحتمل

 

 

البلاء الذي لا يحتمل هو عدم تطبيق الشريعة الإسلامية لأن ذلك يمنع المسلمين من مباشرة حياتهم الطبيعية التي يجب أن تكون حسب عقيدتهم وما يرون أنه هو الحق الواجب اتباعه، لأن ذلك ما أمر الله به وما يرضيه، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً * وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾ [الفرقان: 30-31].

 

يقول الله تبارك وتعالى مخبرا عن رسوله صلى الله عليه وسلم قوله: إن قومه قد هجروا القرآن الكريم، وهجرانه يظهر اليوم في عدم تطبيقه، ومن هجرانه ترك العمل به وترك الإيمان به وعدم تصديقه، وترك تدبره وتفهمه، وكذلك ترك الامتثال لأوامره واجتناب نواهيه، بمعنى أنهم أعرضوا عنه وتركوه، مع أن الواجب عليهم الانقياد لحكمه وتطبيق شرعه.

 

وقوله تبارك وتعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ﴾، إن هؤلاء الذين يعارضون تطبيق الإسلام وتحكيمه بين الناس، ليحقق العدل والإنصاف وطاعة الله، هم مجرمون ضالون مضلون، والله تبارك وتعالى ناصركم عليهم ما دمتم عاملين بطاعته وتنفيذ أمره ونهيه وتمكين دينه وتطبيق شرعه ﴿وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾.

 

إن الإيمان ليس كلمة تقال باللسان، إنما هو حقيقة توقر في القلب ويصدقها العمل، تكاليف تؤدى على أكمل وجه ممكن، قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [النساء: 65]، وقوله ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ يقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع شؤون حياته، فينظمها حسب أحكام الشريعة، ويحرص ويعمل لإقامة الدولة الإسلامية التي تحكم الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما حكم به الشرع فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا، بمعنى أنهم لا يجدون في أنفسهم حرجا، مما قضى الرسول ويسلموا تسليما، يطيعونه في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكم به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا، من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعاً لِمَا جِئْتُ بِهِ». وقال الله تبارك وتعالى في سورة المائدة: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾. ينكر الله تبارك وتعالى على من يخرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، إلى ما سواه من الآراء والأهواء، التي وضعها الناس بلا مستند من شريعة الله. ومن أعدل من الله في حكمه للناس كافة المؤمن منهم والكافر؟ وكيف لمن آمن به وأيقن وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين، أن يتخذ حكما غير حكمه، ويعلم أيضا أن الله تبارك وتعالى أرحم بخلقه من الوالدة بولدها، وأنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء، ويتخذ حكما غير حكمه؟!

 

قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: 1-3].

 

يقول سيد قطب رحمه الله في مقدمة تفسير سورة المائدة أن "الحكم بما أنزل الله هو "الإسلام"، وأن ما شرعه الله للناس من حلال أو حرام هو "الدين"، إلى أن الله هو "الإله الواحد" لا شريك له في ألوهيته، وإلى أن الله هو الخالق الواحد لا شريك له في خلقه. وإلى أن الله هو المالك الواحد لا شريك له في ملكه. ومن ثم يبدو حتميا ومنطقيا ألا يقضى شيء إلا بشرعه وإذنه. فالخالق لكل شيء، المالك لكل شيء، هو صاحب الحق، وصاحب السلطان في تقرير المنهج الذي يرتضيه لملكه ولخلقه. هو الذي يشرع فيما يملك؛ وهو الذي يطاع شرعه وينفذ حكمه؛ وإلا فهو الخروج والمعصية والكفر. إنه هو الذي يقرر الاعتقاد الصحيح للقلب؛ كما يقرر النظام الصحيح للحياة سواء بسواء. والمؤمنون به هم الذين يؤمنون بالعقيدة التي يقررها؛ ويتبعون النظام الذي يرتضيه. هذه كتلك سواء بسواء. وهم يعبدونه بإقامة الشعائر، ويعبدونه باتباع الشرائع، بلا تفرقة بين الشعيرة والشريعة؛ فكلتاهما من عند الله، الذي لا سلطان لأحد في ملكه وعباده معه. بما أنه هو الإله الواحد. المالك الواحد. العليم بما في السماوات والأرض جميعا. ومن ثم فإن الحكم بشريعة الله هو دين كل نبي، لأنه هو دين الله، ولا دين سواه". انتهى

 

هذا هو البلاء العظيم أس كل بلاء، الذي يرزح تحته المسلمون وبلادهم؛ تعطيل حكم الله، واستبدال توهمات لبشر بعيدين كل البعد عن طاعة الله والإيمان به، بشرع الله، لدرجة العدواة والبغضاء لله ولعباده الصالحين، فما يحمل المسلمين على متابعتهم والانضواء تحت أعطافهم، بل تحت أقدامهم؟! فمن كان يرجو البراءة لذمته ولدينه أمام الله تبارك وتعالى، عليه العمل قدر استطاعته لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية، الخلافة على منهاج النبوة التي تحكم بشرع الله تبارك وتعالى، كما بلغنا رسول صلى الله عليه وسلم وكما أنشأ الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة، وانطلقت الدعوة منها إلى أرجاء المعمورة. فكان المسلمون رمزا للعزة والهداية والرحمة ونصرة المظلوم، وجندا للحق أينما حلوا وأينما ارتحلوا على طول ثلاثة عشر قرنا من الزمان.

 

ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وارحمنا وارحم والدينا وارحم المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين. ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

إبراهيم سلامة

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع