- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
من الأفكار المغلوطة المعوقة لنهضة المسلمين المناداة باعتزال الناس
(بناء على فهم مغلوط لحديث «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ»)
بعض المسلمين أخذ حكم أفضلية الانعزال عن الواقع والناس في حال انتشار فرق الكفر أو الفساد أو الفتن التي قد يلتبس على بعض المسلمين معرفة الحق من الباطل فيها، من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عندما سأل النبي rفي آخر الحديث فقال: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ...» البخاري ومسلم.
وقد لبّس مشايخ الضرار وشيوخ السلاطين، ممن يسمون زورا بالعلماء، هذا الفهمَ على المسلمين في محاولة منهم لثني الأمة الإسلامية عن فريضة حمل الدعوة والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاهتمام بقضايا الأمة الإسلامية.
إن هذا الفهم على هذا الوجه هو خطأ من أوجه عدة:
أولا: إن الاعتزال الذي طلب النبي rمن السائل فعله هو اعتزال الفرق الضالة والمنحرفة عن الإسلام في حال عدم وجود جماعة للمسلمين أو إمام لهم، لا اعتزال لجماعة من المسلمين أو جماعات قائمة على أساس الإسلام، ولا اعتزال إمامة المسلمين (دولة الإسلام) في حال وجودها، بل طلب منه اعتزال تلك الفرق وهي محلّاة بلام العهد، أي تلك الفرق الضالة القائمة على الضلال أو الكفر في حال انعدام وجود جماعة للمسلمين أو إمامة لهم.
ثانيا: إن حكم اعتزال الفرق الضالة الوارد في هذا الحديث هو على الندب، خاصة إذا كان المسلم جاهلاً بالأحكام الشرعية ولا يميز بين حق وباطل وخشي على نفسه الانزلاق في الكفر أو الفسق، لأن الأصل في المسلم أن يكون عالماً أو متعلماً فاعلا في مجتمعه متلبساً بفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو عاملا للتغيير بناء على الأدلة الشرعية القطعية التي تطلب على الوجوب العمل على تغيير الواقع على أساس الإسلام وحمل رسالة الإسلام للعالمين. ومن هذه الأدلة قول الله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. [آل عمران: 104]
ثالثا: إن ما ورد في هذا الحديث إنما يفرض على المسلم الالتحاق بسلطان المسلمين ودولتهم وخليفتهم حال وجودها، فإن لم تكن دولة المسلمين قائمة وجب على المسلم التلبس بالعمل التكتلي بالتحاقه بأي جماعة تقوم على أساس الإسلام في فكرتها وطريقتها ليعمل معها في تحقيق غايتها بإقامة حكم الإسلام وإعلاء كلمة الله تعالى. لذلك قال الحديث النبوي: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ»، ومن باب مفهوم المخالفة أيضا فإن المسلمين إذا كان لهم إمام (خليفة) أو جماعة قائمة على الإسلام فلا يجوز لأي أحد الاعتزال.
رابعا: إن من يجعل حكم الاعتزال عاماً مطردا في كل الأحوال وعلى الديمومة حتى فيما لو زالت الشبهات وظهرت البينات، فهذا لا يمكن أن يقبل منه حتى لو أنه من العوام المقلدين البسطاء، إذ لا يجوز في حقه دوام الجهل ولا دوام الانعزال. فكيف بمن كان محسوبا من العلماء وطلبة العلم ودعاة الإسلام؟!
إن هذا الفهم المغلوط في تعميم العزلة والفرار إلى شعف الجبال أو ما شابه في كل الأحوال يخالف كثيراً من الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية التي توجب على المسلم الاهتمام بكل صغيرة وكبيرة في حياة المسلمين والناس أجمعين، وتوجب عليه دوام التعلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحمل دعوة الإسلام والجهاد في سبيل الله في كل الأزمان والأحوال.
عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أصْحَابِ رسولِ الله rبِشِعبٍ فِيهِ عُيَيْنَةٌ مِنْ مَاءٍ عَذْبَة، فَأعْجَبَتْهُ، فَقَالَ: لَو اعْتَزَلْتُ النَّاسَ فَأقَمْتُ في هَذَا الشِّعْبِ، وَلَنْ أفْعَلَ حَتَّى أسْتَأْذِنَ رسول الله r، فذكَرَ ذَلِكَ لرسول الله rفَقَالَ: «لاَ تَفعلْ؛ فَإنَّ مُقامَ أَحَدِكُمْ في سَبيلِ اللهِ أفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهِ في بَيْتِهِ سَبْعِينَ عَامًا، أَلا تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ الله لَكُمْ، وَيُدْخِلَكُمُ الجَنَّةَ؟ أُغْزُوا فِي سَبيلِ اللهِ، مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
هذا الحديث الشريف هو أحد الأدلة الصريحة والمُحكمة والذي ينهي المسألة التي طالما أشغلت المسلمين بجدل واسع في تفضيل العزلة عن غيرها أو العكس، ويزيل الأفهام المغلوطة ويميط اللثام عن الحكم الشرعي الذي يبين حرمة اعتزال الناس وحرمة عدم التدخل في أمر العامة والمسلمين والناس بشكل عام. بل يوجب على المسلم الخوض في كل ميادين الحياة ليرفع كلمة الله تعالى فوق كل كلمة دونها ويحاسب أئمة المسلمين وعامتهم على أساس الإسلام.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد العزيز محمد