الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا مواطنة في الإسلام

 

إن كلمة الوطن والوطنية مصطلح سياسي يراد منه حصر الارتباط بجزء معين من البلاد وجعله هو الرابط التي تقوم على أساسه علاقة الناس ببعضهم، وليحتفظ كل شخص بعقيدته وأفكاره لنفسه، مع العلم أن الوطن والوطنية والقومية، لا تصلح لتكون رابطة، لأنه لا ينبثق عنها أفكار وأحكام تنظم شؤون حياة الناس، وتحدد كيفية تنظيم هذه العلاقات الدائمية، لتنتج مجتمعا مميزا عن غيره، بمعنى حتى يصلح الرابط لا بد من أن يكون أفكارا تنظم العلاقات الدائمية بين الناس. والوطن والوطنية والقومية ليس لها علاقة بالأفكار المنظمة لشؤون حياة الناس ولا بأي حال، فهي مصطلحات جلبها الكافر المستعمر وغرسها في نفوس من افتتن بثقافته وأفكاره وارتضى خدمته، وأصبح من أدواته من المسلمين، وذلك لخلخلة ولاء المسلمين وثقتهم بالإسلام، وقد ضعفت دولتهم إلى أن أزيلت، وأقصيت الشريعة الإسلامية من تنظيم شؤون حياة الناس، واستعيض عنها بالرأسمالية الاستعمارية التي ما زلنا نصطلي بنارها وظلمها واستبدادها منذ أكثر من مئة عام، وما زال أدعياء الثقافة الغربية يدعون لها ويجعلونها هي الأساس لحياة البشرية ولزوم اتباعها.

 

وبالرجوع للمعنى اللغوي لكلمة الوطن التي انطلق منها مصطلح المواطنة نجد أنه: (ورد في لسان العرب: "الوطن المنزل تقيم به، وهو موطن الإنسان ومحله والجمع أوطان...". وفي معجم العين للخليل بن أحمد: "الوَطَنُ: مَوْطِنُ الإنسان ومَحَلُّهُ وأوطانُ الأغنام: مَرابضُها التي تأوي إليها، ويُقال: أَوْطَنَ فلانٌ أرض كذا، أي: اتّخذها مَحَلاًّ ومَسْكَناً يُقِيمُ بها، والمَوْطِنُ: كلّ مكان قام به الإنسانُ لأمرٍ"، وورد في معجم الصحاح للجوهري: "الوَطَنُ: محلُّ الإنسان. وأَوْطانُ الغنم: مرابِضها. وأَوْطَنْتُ الأرضَ، ووَطَّنْتُها تَوْطيناً، واسْتَوْطَنْتُها، أي اتَّخذتها وَطَناً. وكذلك الاتِّطانُ، وهو افتِعالٌ منه. وتَوْطينُ النفس على الشيء، كالتمهيد. ويقال: من أين ميطانُكَ، أي غايتك. والميطانُ: الموضع الذي يُوَطَّنُ لتُرسَل منه الخيل في السباق، وهو أوَّل الغاية. والمَوْطِنُ: المشهدُ من مشاهد الحرب. قال تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾.

 

إذاً فإن أوسع مدلول لكلمة وطن هو القرية أو المدينة التي يعيش فيها الإنسان، ولم يكن عند المسلمين قبل هدم دولة الخلافة أي معنى لكلمة الوطن غير هذا المعنى، الذي هو مكان السكن، ومكان الإقامة، ومكان الحلول في السفر، إلا أن أدعياء فكرة "الوطنية" لما أرادوا أن يبتدعوا فكرة يكرسون بها الكيانات التي أقامها الكافر المستعمر في بلادنا بعد أن قسمها إلى دويلات هزيلة، حرفوا كلمة "الوطن" لتصبح دالة على "لبنان" الذي أسسه غورو سنة 1920م، وعلى "العراق" و"الأردن" و"فلسطين" و"سوريا" و"مصر" التي أوجدتها معاهدات الغربيين ومؤامراتهم، وعلى رأسها سايكس بيكو. بتصرف عن مجلة الوعي عدد 313 لسنة 2013م.

 

ومن يزعم أن الرسول r أرسى مفهوم المواطنة في وثيقة المدينة فهو واهم إن لم يكن مغرضا خانته الأمانة العلمية واتبع الهوى وتنكب عن الطريق السوي، الدولة الإسلامية في المدينة المنورة أقامها رسول الله r على العقيدة الإسلامية، والبند الأول في وثيقة المدينة يقول: "هذا كتاب من محمد رسول الله بين المؤمنين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس". الأمة من يؤمن بالإسلام وهم المهاجرون والأنصار ومن يؤمن ويلحق بهم ويجاهد معهم بعد كتابة الوثيقة، وهؤلاء هم من استثنوا من الناس ليعرفوا أنهم تجمعهم العقيدة الإسلامية، فهم أمة من دون الناس. والناس هم هؤلاء المسلمون ومن عاش معهم من المشركين من أهل المدينة المنورة ومن يهود وغيرهم ممن بقي على دينه، هؤلاء جميعا مسلمهم وكافرهم رعايا الدولة الإسلامية، التي تضمن لهم الدولة حق الرعاية الشخصية لكل منهم ما دام يظهر ولاءه وطاعته ولا يظاهر عدوا أو يخرج على الدولة.

 

الدولة الإسلامية تقوم على العقيدة الإسلامية والالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة، وتضمن للمسلمين وغيرهم حياة كريمة، تليق بالإنسان تحددها أحكام شرعية لا يستطيع أحد مخالفتها أو تجاهلها، وهذا ليس له علاقة بالمفهوم الغربي للوطن والمواطنة، حيث إن الإسلام والدولة الإسلامية من واجباتها نشر الإسلام في جميع المعمورة والمحافظة على ديار الإسلام وبلاد المسلمين وهي البلاد التي حكمها الإسلام أو أسلم أهلها عليها وتبقى بلاداً إسلامية حتى لو خرجت من تحت حكم الإسلام أو أخرج منها المسلمون كما حصل مع شبه جزيرة إيبيريا.

 

 فالأرض مهمة ولكنها ليست الأساس في الرابطة والانتماء، الأساس هو حب الله ورسوله r، وحب الله ورسوله والجهاد في سبيل الله مقدم على كل حب، والحب منتهى الولاء والطاعة المنفذة للأمر والانتهاء عن النهي بدون تلكؤ ولا تردد بتطبيق الشريعة الإسلامية، المفعمة بالإيمان والرحمة والرأفة في خلق الله، والحرص على هدايتهم وإدخالهم في الإسلام دون إكراه ولا تسلط ولا إيذاء. قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً﴾ [الكهف: 29]. والولاء لا يكون إلا لله ولرسوله وللمؤمنين، والإسلام هو الرابط بين المسلمين على اختلاف أعراقهم والبلاد التي أتوا منها، حيث إن بلاد المسلمين وديار الإسلام هي البلاد التي حكمها الإسلام أو أسلم أهلها عليها حتى لو تمت السيطرة عليها فيما بعد من غير المسلمين، ففكرة الوطن وجعله الرابط بين سكان منطقة ما يخالف مفاهيم الإسلام وليس له اعتبار من هذه الناحية في الإسلام، وفكرة الوطن والوطنية من المؤامرات الغربية لتكريس تجزئة بلاد المسلمين إلى أكثر من خمسين دويلة ذات حدود وهمية مصطنعة، أقيمت على أساس محاربة الإسلام وإلغاء أثره في حياة المسلمين.

 

قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 23-24]. الرابط بين المسلمين هو الإيمان بالله - الإسلام - ولا يكون الولاء إلا لله ولرسوله وللمؤمنين، فإذا انتفى الإيمان فلا ولاء، مهما كانت أواصر القربى والدم والآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة وكذلك متاع الحياة الدنيا وزينتها من الأموال والتجارة والمساكن والمزارع والأطيان، ووشائج الدنيا كلها وملذاتها وأطايبها، وما يطمع الإنسان لتحقيقه وامتلاكه من متاع الدنيا، هذا كله لا يساوي شيئا أمام حب الله ورسوله، وتنفيذ أمرهما والانتهاء عما نهيا عنه، حب الله ورسوله وطاعتهما مقابل متاع الدنيا، مع أن الإسلام لا يحرّم الحياة الدنيا وزينتها بل يأمر أن تُحكم بشريعته لتستقيم الحياة ويأخذ كل ذي حق حقه، قال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 32]

 

فالدولة كيان تنفيذي يتولى رعاية مصالح الناس، ويشرف على تنظيمها وتسيير أمرها بمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تقبّلها الناس وآمنوا بصحتها، حيث إنها تنبثق عن عقيدتهم، فكانت العقيدة الإسلامية هي الأساس الفكري الذي تقوم عليه الدولة الإسلامية، والالتزام بها وما ينبثق عنها من أحكام وأفكار ومعالجات لمشاكل الحياة هو سر قوتها واستمرار وجودها.

 

العقيدة الإسلامية تجمعهم وتربط بينهم، فهم جسد واحد، والعقيدة الإسلامية وما ينبثق منها من نظام ينظم حياتهم ويحدد أفكارهم ومقاييسهم ومفاهيمهم عن الحياة، ويميز الشخصية الإسلامية والحضارة الإسلامية عن غيرها من الحضارات والثقافات، فالمسلمون أمة من دون الناس تربطهم العقيدة والفكرة الإسلامية التي تطبع العقلية والنفسية بطابع الإسلام المميز، ومن يعيش بينهم من غير المسلمين فهم من رعايا الدولة الإسلامية وليسوا من الأمة الإسلامية. وهذا هو فهم المسلمين لقول الرسول r "المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة من دون الناس". إلى أن جاء الغرب الكافر وتقيأ علينا مصطلح الوطن والوطنية والقومية التي هو نفسه ينعاها منذ أن اصطلى بنارها ويسعى للانسلاخ والتخلص منها ويسعى للاتحاد وللوحدة تحت أي ذريعة ممكنة، لعلها تكون ملاذا من الوطنية والقومية وعنصريته البائسة.

 

ألم يأن للمسلمين أن يقوموا قومة رجل واحد ويغيروا هذه الأوضاع المشينة بحقهم ويستأنفوا الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية الرشيدة على منهاج رسول الله r، كما أقامها رسول الله rفي المدينة المنورة لينقذ الله تبارك وتعالى البشرية على أيديهم كما أنقذها من قبل على يد رسول الله rوصحابته الكرام واستمرت لأكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان؟! إنه لشرف عظيم ينتظر المسلمين إنقاذ البشرية وتعبيدها لله تبارك وتعالى قبل أن ننقذ أنفسنا.

 

ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وارحمنا وارحم والدينا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والصلاة والسلام على رسول الله والحمد لله رب العالمين. ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

إبراهيم سلامة

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع