- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حركة طالبان! ما جزاء من فعل بكم وبأهلكم وبدياركم ما فعل؟
أعلن سهيل شاهين المتحدث باسم مكتب حركة طالبان في قطر أن حركته تقترب من عقد اتفاقية سلام مع المحتل الأمريكي. فقد صرح لوكالة "تاس" الروسية يوم 2019/7/25 قائلا: "لا أستطيع الخوض في التفاصيل لأن المحادثات مستمرة، لكن يمكنني القول إنه لم يبق أمامنا سوى التوافق على الفقرة أو الفقرتين الأخيرتين. وبعد التوافق عليهما سنعلن عن توقيع اتفاقية سلام مع الولايات المتحدة. وبعد ذلك سنبدأ المفاوضات الأفغانية الأفغانية".
إن أمريكا دولة محتلة قاتلة مدمرة، احتلت أفغانستان بلا حق، وقتلت وجرحت وهجرت الملايين من أهلها المقاومين والآمنين ودمرت البلد، فهي عدو مجرم بلا شك. فما جزاء هذا المعتدي الأثيم؟ أقل شيء هو إخراجه مذموما مكسورا. والمطلوب معاقبته على ما اقترفته أيديه الأثيمة التي تقطر دما من دماء المسلمين الأبرياء الآمنين والمجاهدين.
فكيف يجري التفاوض معها لعقد اتفاقية سلام، وذلك ما يحرمه رب العباد وهو القائل في حق المعتدين والذين يخرجون المؤمنين من ديارهم: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ ويقول سبحانه: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾.
فالحركة تقدم التنازلات لأمريكا المعتدية المحتلة بعقد سلام معها كما حصل في العراق عندما تم توقيع اتفاقيات معها تضمن بقاء نفوذها وتبعية البلد لها وتدخلها فيه متى وكيف شاءت. فعقد اتفاقيات سلام مع العدو المحتل حرام قطعا، حيث قال تعالى: ﴿فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾.
فإذا جاء أحدهم وادّعى أن الرسول ﷺ وقع اتفاقية سلام مع قريش، فهذا الاستدلال مردود على صاحبه. إذ إنه لم يوقع مع دولة محتلة لبلده. فمكة ملك لقريش والرسول ﷺ جاء ليوقع اتفاقية هدنة لعشر سنوات حتى يتفرغ لقتال يهود خيبر الذين كانوا يتآمرون عليه سرا ويريدون أن يعقدوا تحالفا عسكريا مع قريش ليعتدوا على دولته. وتحقق له ما كان. فهل هذا ينطبق على العدو الأمريكي القادم من آلاف الكيلو مترات في حرب صليبية كما أعلنها جورج بوش الابن؟!
يظهر أن التنازلات تتوالى من طالبان، فبعد قبولها بالتفاوض مع الأمريكان وكانت ترفض التفاوض معهم حتى يخرجوا، تستعد الآن للتفاوض مع النظام الذي أقاموه وكانت ترفض التفاوض معه وتعتبره دمية الاحتلال الأمريكي، وهو كذلك لم تتغير حاله.
وكذلك التنازل على بقاء الاحتلال الأمريكي لفترة أقلها 9 أشهر حسب تنازلها، وأكثرها 30 شهرا حسب مطلب العدو المحتل. فذكرت الوكالة أن المتحدث لم يؤكد ما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن مصادر لها حول اقتراح أمريكا سحب قواتها من أفغانستان خلال سنتين ونصف السنة بينما تصر طالبان على ألا تتجاوز هذه الفترة تسعة أشهر؛ فقال المتحدث: "أنا أيضا قرأت هذه التقارير لكن هذا الموضوع لا يزال قيد النقاش ولم يتم التوافق على جدول سحب القوات بعد". علما أن العدو يجب أن يرحل فورا من دون تأخير ولو ليوم واحد، ويجب الاستمرار في مقارعته ومقاومته من دون هوادة حتى يرغم على الخروج رغم أنفه مذموما مدحورا.
وهناك تنازل آخر ورد على لسان المتحدث كما نقلته الوكالة الروسية حيث قال: "إن روسيا والصين ستقومان بضمان الاتفاقية بدون شك". وهاتان دولتان عدوتان للمسلمين لا تقل عداوتهما عن عداوة أمريكا، فمجازر روسيا على عهد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان وتدميرها لها! فهل جرى تناسيها؟ وما زالت تحارب المسلمين في سوريا وتحمي نظام الإجرام فيها! واحتلالها للقرم واضطهادها للمسلمين فيها قديما وحديثا! وجرائمها في الشيشان وتدميرها لعاصمتها غروزني في تسعينات القرن الماضي وقد نكثت بوعدها لهم ونكلت بهم وأخضعتهم لحكمها وقد احتلتها ومنطقة القفقاس من قبل وهجرت واضطهدت وقتلت الملايين من أهلها المسلمين... فهل تعتبر هذه الدولة ضامنة؟! والصين التي تحتل تركستان الشرقية وقتلت وشردت الملايين منهم وما زالت تسجن الملايين لتردهم عن دينهم وتعتبر الإسلام ضربا من الجنون! فهل تعتبر دولة ضامنة؟! فكيف تنسى طالبان كل ذلك ولا يهمها أمر المسلمين الآخرين وتنسى مكر روسيا والصين وخيانتهما وتعتبر هذه العدوين ضامنين؟! علما أن روسيا والصين يهمهما كثيرا استقرار النظام الذي أقامته أمريكا في أفغانستان حتى لا يأتي أي دعم من هناك للمسلمين القاطنين فيهما.
وقد توجه الممثل الأمريكي في المفاوضات خليل زاد إلى الدوحة ليواصل المحادثات ما بين الثاني والعشرين من الشهر الحالي إلى الأول من الشهر القادم وذلك لتحقيق أهداف أمريكا. وقد أكد زاد أن "الجانبين حققا تقدما حول محاور الاتفاقية الأربعة ألا وهي ضمانات وقف نشاطات (الإرهاب) وسحب القوات والمشاركة في حوار أفغاني أفغاني ووقف شامل ودائم لإطلاق النار". وقد صرح وزير خارجية أمريكا بومبيو الشهر الماضي أن "أمريكا تعول على عقد اتفاقية مع طالبان حول بسط السلام في أفغانستان قبل بداية شهر أيلول القادم". فتعتبر أمريكا الجهاد ضد احتلالها إرهابا وهي دولة الإرهاب الأولى المعتدية، وتريد أن تؤمن وقفا شاملا للجهاد ضدها في المنطقة كلها وأن يُعترف بالنظام الذي أقامته وتنخرط طالبان فيه.
وفي الوقت نفسه يقوم الرئيس الأمريكي ترامب ويهدد متغطرسا ومزهوا بغروره يوم 2019/7/22 خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان فيقول: "لدي خطط بشأن أفغانستان، إذا أردت الانتصار في تلك الحرب، فسيتم محو أفغانستان من على وجه الأرض، سيكون خلال 10 أيام. وأنا لا أريد أن أفعل ذلك، لا أريد السير في هذا الطريق". (رويترز) ولا تحتج طالبان على ذلك وتقطع المفاوضات مع الأمريكان ولا تستأنفها حتى يدركوا أن هناك رجالا مؤمنين لا تخيفهم أمريكا ولا قوتها. ولكنها أي طالبان تستمر في المفاوضات داسّة رأسها في التراب كالنعامة حريصة على إنجاح المفاوضات التي هي لصالح أمريكا التي هي في مأزق لأطول حرب تخوضها في تاريخها ولا تخرج منها منتصرة! فهي تتألم كما تتألم طالبان وأهل أفغانستان. والله يقول: ﴿وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.
ولهذا أضاف ترامب قائلا: "إنه يأمل بأن تقوم باكستان وتساعد في التوسط للتوصل إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب المستمرة منذ 18 سنة في أفغانستان". فأمريكا في مأزق شديد، دولة عظمى ولا تستطيع الانتصار رغم إمكانياتها الهائلة، وهي لا تستطيع أن تنفذ تهديداتها، وكل ذلك هراء وهذيان ولهذا من شدة حنق ترامب وعجزه يهدد بمحو أفغانستان، ويطلب من باكستان مساعدة أمريكا وهي التي طالما ساعدتها باعتراف عمران خان نفسه حيث قال "باكستان ضحت في سبيل أمريكا فخسرت عشرات الآلاف من جنودها كما خسرت أكثر من 20 مليار دولار". بالإضافة إلى ذلك يظهر عمران خان الذلة وهو يقف بجانبه ويسمع تهديداته وكأنها لا تعنيه، علما أن هذا التصريح يعتبر تهديدا لبلاده مع أفغانستان التي تعتبر بلاده يجب أن يدافع عنها ويحتج من أجلها. وبدلا من ذلك يعمل على التودد لأمريكا ويستعد لتقديم أية خدمة تسندها أمريكا إليه لترضى عنه، فينصاع على الفور لأوامر ترامب قائلا: "سألتقي مع طالبان وسأبذل قصارى جهدي لإقناعهم بالدخول في محادثات مع الحكومة الأفغانية". ولكن النظام الأفغاني يظهر كأنه يستنكر لرفع العتب فقال المتحدث باسم الرئاسة الأفغانية صديق صديقي: "إن أفغانستان لن تسمح أبدا لأي قوة أجنبية بتحديد مصيرها". وكأن النظام في أفغانستان يملك من أمره شيئا وقد أقامه المحتل الأمريكي وما زال يشرف عليه ويسيره، ولو كان عنده ذرة من حياء أو حمية لأعلن الانفكاك عن الأمريكان وطلب رحيلهم على الفور.
إن مواقف هذه الأطراف الثلاثة؛ باكستان وأفغانستان وطالبان، متخاذلة، فلا تتخذ مواقف كما يطلب منها دينها الحنيف؛ فتتوحد في وجه العدو وتطلب منه الانسحاب على الفور وتقطع كل الحبال معه ولا توقع معه على أية اتفاقية، وتعمل على تغريمه وإرغامه على دفع مئات المليارات من الدولارات تعويضا عن الخسائر التي كبدها لهم والدماء الزكية التي أراقها، وأن تعمل على الوحدة الحقيقية بين البلدين لتجعلهما نقطة انطلاق لدولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وتطلب الاستعانة من حزب التحرير ليرسم لها كيف تقام هذه الدولة وكيف تدار وما هي أنظمتها وسياساتها وكيف ستتصرف تجاه أمريكا وروسيا والصين، بل تنصره وتسلمه الحكم لأنه القادر على ذلك بإذن الله وقد صاغ كل ذلك وهضمه وبلوره وجسده في كيانه وفي شبابه فأصبحوا قادرين على إدارة مثل هذه الدولة التي ستصبح بمنة الله وفضل منه الدولة الأولى في العالم.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسعد منصور