- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
السياسة وتعاريفها وإلقاء الضوء عليها
للسياسة تعاريف كثيرة ولكن أهمها هو أنها (رعاية شؤون الأمة داخليا وخارجيا وتكون من الدولة والأمة، فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عمليا، والأمة هي التي تحاسب بها الدولة).
فأصل الأمور هي الأمة أو الشعوب فهي صاحبة السلطان وهي من تبني الدول وهي من تهدمها وهي التي تأتي بالحكام وتعطيهم الحق في إدارة الدولة نيابة عنها في تطبيق القانون والدستور الذي تريده هي. هذا علاوة عن أن الحاكم هو من أبناء الأمة وليس دخيلا عليها أو غريبا عنها، وهذا لا ينطبق على الدول التابعة أو العميلة وهي ليست مكان البحث الآن وإنما مكان البحث هو الدول المستقلة على اختلاف درجاتها وتصنيفاتها. ولذا فإن الأصل هو أن الأمم والشعوب هي من تسير أمورها وشؤونها بنظام إما ابتكرته وارتضته لنفسها، أو استوردته من غيرها لإعجابها به أو لأنه فرض عليها في فترة ما، أو قانون من عند غير البشر، أي قانون إلهي ارتضاه المسلمون لهم طوعا وحبا وكرامة.
وبهذا يتبين أنه وإن كانت الدول وعلى رأسها الحاكم هو من يطبق النظام ويرعى الشؤون بصورة فعلية تنفيذية، إلا أن الدور الأعظم والأكبر في السياسة هو للأمة لأنها هي من تأتي بالحاكم، وهي من تعين له نظام الحكم الذي ترتضيه بناء على قناعاتها وفلسفتها في الحياة، وهي التي تحاسبه إن هو قصر أو حاد عما اتفق مع الأمة عليه حين قيامة برعاية الشؤون وحين مباشرة تنفيذها. كما أن على الحاكم أن يراعي أن تكون الأمة راضية عنه وراغبة فيه ليستمر في حكمها بصورة صحيحة وصورة ميسورة وطبيعية.
وهذا الدور الكبير للأمم والشعوب هو من يجعل الدول مستقلة وحية وفاعلة في العالم وفِي الموقف الدولي. لأنها تشعر بحريتها واستقلاليتها وامتلاكها لثرواتها وممتلكاتها وتشعر بالأمان في دولتها وبالكرامة والعزة والاطمئنان.
وتقوم الدولة برعاية الشؤون داخليا وخارجيا بصورة تنفيذية. أما داخليا فيكون بتطبيق المبدأ - أي النظام الذي يرغبه الشعب بناء على فلسفته في الحياة – بالداخل، وهذه هي السياسة الداخلية. وأما رعاية شؤون الأمة خارجيا من الدولة فهي علاقتها بغيرها من الدول والشعوب والأمم ونشر المبدأ لدول العالم وهذه هي السياسة الخارجية. ولذا فإن فهم السياسة الخارجية هو أمر غاية في الأهمية للحفاظ على كيان الدولة والأمة ولتحقيق مصالح الأمة وأهدافها المتعلقة بنشر المبدأ وبناء وتنظيم علاقتها بغيرها من الدول والشعوب والأمم على هذا الأساس.
إن الأمم والشعوب هي اللاعب الأقوى والفرس الأصيل في حفظ المبدأ وحفظ الدولة وحفظ المصالح أيا كان نوعها. ولذا فإن أي انتقاص لحقوق الأمة وأي اغتصاب لحق من حقوقها يجب أن يقابل برد حازم ونافذ. والأمر أكثر خصوصية حينما يتعلق الأمر بنا نحن المسلمين، لأن أي خلل في علاقة الحاكم بالمحكوم سيؤدي إلى فقدان الأمة دورها الذي أعطاها الله إياه، ليس من باب التفضيل والتمييز وإنما للقيام بأعباء ومسؤوليات حمل الدعوة للناس كافة. ولذا لا تسمح الأمة الإسلامية أن يتسلط عليها متسلط فيسلبها إرادتها لأنها بذلك تكون قد خانت أمانة حمل الدعوة المناطة بها أصلا. ألا ترى أن الله يخاطب الأمة لا الحكام بمعظم الفروض التي فرضها على المسلمين: ﴿فَاقْطَعُوا﴾ ﴿وَقَاتِلُوا﴾ ﴿وَلَا تَرْكَنُوا﴾ ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ﴾ ﴿وَأَطِيعُوا﴾ ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا﴾ ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾، فالأمر والفرض منوط بالأمة أولا وآخرا.
إنها معادلة واضحة جلية يقرها واقع الدول الحية ويدعمها الفكر الأصيل ويدعو إليها ويؤكدها الدين الصحيح. ولذا ففي حال حصول أي خلل في هذه المعادلة فإن على الشعوب أو الأمم القيام بدورها على الفور لتصحيح السير وتصفية الأجواء ولإعادة الأمور إلى نصابها القائمة على إرادة الشعوب وسلطانها واستقلاليتها ولو كلف ذلك التضحية بأبنائها وثرواتها وممتلكاتها، فلا خسران أكبر من خسران الأمة لسلطانها وإرادتها واستقلاليتها.
وبهذا يكون هذا التعريف للسياسة بأنها (رعاية شؤون الأمة داخليا وخارجيا وتكون من الدولة والأمة، فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عمليا، والأمة هي التي تحاسب بها الدولة) هو تعريف موضح لدور كل من الحاكم والمحكوم في رعاية الشؤون من ناحية التنفيذ ومن ناحية المحاسبة.
أما التعريف الآخر للسياسة بأنها (فكرة وطريقة) فإن هذا التعريف متعلق بمادة السياسة؛ أي الأفكار والأحكام والقوانين والدساتير التي ستتم بها رعاية الشؤون وتنفيذها من الدولة داخليا وخارجيا، كما سيتم بواسطتها محاسبة الأمة للدولة والحاكم إذا ما قصر أو حاد عن طريق الجادة. بمعنى أنه حينما نتحدث عن السياسة على أنها فكرة وطريقة فإننا نتحدث عن مادة تشريع ومادة محاسبة وأصل الدستور وأصل القوانين. فإن كانت الأمة إسلامية كان مبدؤها الإسلامي بعقيدته ونظامه أو بفكرته وطريقته هما أساس رعاية الشؤون من الدولة والأمة. ولذا يكون الدستور والقوانين والمحاسبة كله قائم على أساس الإسلام، وإن كانت الأمة أو الشعوب رأسمالية كانت الدولة ودستورها وأساس قوانينها قائما على عقيدة فصل الدين عن الدولة، والنظام حينها يكون من عقل البشر أي نظاما ديمقراطيا.
وأما التعريف الثالث والأخير للسياسة في موضوعنا بأنها (فن الممكن)، فهو متعلق بمدى قدرة الحاكم والدولة على التصرف بحنكة ودراية وفهم للوصول إلى تحقيق المصالح المعنوية والمادية للأمة بأقل الجهود والطاقات وبأحسن وجه وأكثر مغانم عبر مختلف الظروف والتحديات. وهنا يكون الأمر متعلقا أكثر بالأنظمة والحكام وعملهم ودرايتهم وقوة شخصيتهم وحنكتهم واطلاعهم وخبراتهم... وهنا يقال بأنه لا قيمة في السياسة لأن تكون مثقلا بالفكر ومليئا بالثروات طالما أنك كحاكم وكرجل دولة لا تستطيع تحقيق وحماية المصالح المعنوية والمادية لأمتك.
وبهذا يتبين أن التعريف الأول للسياسة هو موضح للأدوار التي يجب أن تلعبها الشعوب والأدوار التي يجب أن تقوم بها الدول والأنظمة والحكام ومسؤوليات كل منهم. أما التعريف الثاني فمتعلق بمادة التشريع. وأما التعريف الثالث فمتعلق بعمل الحكام والأنظمة ورجال الدولة ومدى وعيهم وبراعتهم وقدرتهم على تحصيل مصالح أمتهم ودينهم في مختلف الظروف والتحديات.
وبهذا الشكل يتبين أن هذه التعاريف الثلاثة للسياسة كلها مهمة وهي تلقي الضوء على زوايا مهمة ومتعددة من زوايا وأعمال السياسة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الدكتور فرج ممدوح