- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إسلامنا لا يُختزل في أفراد
منذ فترة ليست بالبعيدة وبعد أن أدرك الغرب الكافر أثر الإسلام على العقول والنفوس التي تعتنقه، وبعد أن أدرك أن الإسلام لا يمكن أن يغلب أو يستبدل، سارع إلى إيجاد طريقة أخرى من أجل أن يتمكن من الإسلام وأهله، فعمل على نشر بعض المفاهيم المغلوطة عن الإسلام معتمدا على قلة وعي عامة الناس وجهلهم بتفصيلات أحكام الشريعة الإسلامية، فحاول أن يربط الإسلام بأفراد وشخصيات معينة ويحصره فيهم وحدهم من أجل أن يشوه ويحرف المفهوم العام عن الإسلام بأنه نظام حياة صالح لكل زمان ومكان، فأوجد شخصيات ليس لها علاقة بالإسلام سوى بالاسم فقط ثم أوجد عن طريقهم بعد ذلك أحزابا وحركات سماها إسلامية تابعة له من أجل استخدامها في مصالحه المبطنة الخبيثة، فالغرب منذ أن هدم الخلافة على يد أعوانه أوجد لهم حركات ترفع شعار الإسلام مكونة بذلك شعبية خاصة لها، فأدرك الغرب بأن فكرة تجسيد الإسلام في أفراد معينين هو أمر متحقق وميسور، فكانت الحركات المسماة إسلامية لا تعبر عن الإسلام من حيث المضمون شيئا، فما حملت من الإسلام إلا اسمه، فكان قادة هؤلاء الأحزاب أداة بيد الغرب الكافر من أجل استقطاب عامة الناس من السير معهم في سبيل أهدافهم المغرضة الخبيثة.
لقد كان للغرب الكافر أن يحكم السيطرة بهذه الفكرة الدخيلة لفترة من الزمن، ولكنه ما لبث أن لمس خروج بعض المخلصين في بعض الحركات والأحزاب، فسارع إلى إيجاد البديل من أجل حل هذه الإشكالية التي ما كان ليرضى أو يسكت عنها، فاختزل الحركات والأحزاب في أشخاص معينين اشتراهم وساعدهم من أجل الوصول إلى مبتغاهم الوضيع، فنتج عن ذلك ما نراه من بعض الحركات التي تصول وتجول في الأمة من غير رادع أو مانع، فقد سمح لها بالعمل بين الناس حتى تمكنوا من إيجاد رأي عام يعطيهم كل المبررات الممكنة لكلامهم وأفعالهم ثقة بهم وبصنيعهم، وما كان لهم ذلك لفعلٍ فعلوه أو لانتصار اكتسبوه، وإنما الأمر كله يرجع إلى المجال الواسع الذي سُمح لهم فيه بالعمل والكلام ودغدغة مشاعر العوام مقارنة بغيرهم ممن لم يُترك لهم أي مجال للعمل، فتم بذلك للغرب الكافر أن يحصر الإسلام بهذه الحركات خاصة بعد أن صار الناس يقارنون بين هؤلاء وبين من يكمم صوتهم فلا يسمع حتى لا يتصدروا المشهد العام، فعمل على الزج بكل من يصدع بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم في السجون، فأصبحنا نسمع من بعض الناس مقولة أن هذه الحركات الإسلامية اسما أفضل من غيرها فهي تصرح بما لا يصرح به غيرها، وهنا وجب علينا أن نقف وقفة صادقة فنضع النقاط على الحروف:
إن الإسلام منهج حياة كامل متكامل، فلا يمكننا أخذ الإسلام مجزأً أو منفصلا عن حياتنا فنكتفي بالعبادات والأخلاق، فالإسلام مبدأ ينظم كافة شؤون الحاكم والمحكوم؛ فعلى المستوى الفردي يجب الالتزام بالإسلام كله من غير تأويل ولا بأي شكل كان، فليس قراءة القرآن بصوت جميل رقيق أو أداء بعض العبادات كالصلاة والصوم والحج والزكاة هو الإسلام كله، بل هذه بعض من الإسلام، فالقيام بهذه التكاليف داخل البيت لا يعني أن المسلم قد أسقط عنه باقي التكاليف التي وجب عليه القيام بها في كل وقت وحين، وقد عمد الغرب إلى تعميق هذا النموذج في بلاده بالسماح لبعض المسلمين بالاشتراك في وزارة الداخلية كما هو الحال في بريطانيا، أو السماح لبعض الأصول الإسلامية بالمشاركة في الكونغرس الأمريكي تعبيرا عما يسمونه حبهم وقبولهم لنا أو حتى ترويجا لفكرة أن المسلمين يحاولون فرض أنفسهم على المجتمع في أمريكا، فالأمر لا ينظر له من هذه الزاوية الضيقة! ونظرة عميقة متتبعة لهذه الأمور ترينا كيف أنه يسمح لأشخاص معينين أن يحذوا هذا الحذو ولا يسمح لغيرهم، فكيف لم نسمع عن نواب رجال في الكونغرس الأمريكي إن كان الأمر كما يقولون؟ ولماذا هذا الوزير البريطاني ذو الأصول الإسلامية بالذات دون غيره؟ ومثلها ما نسمع عن سفير مسلم لبريطانيا يصلي بالمسلمين في السودان؟ إن الجواب على ذلك واضح ومدرك كيف أنهم يحاربوننا بأيدي بني جلدتنا الذين تجدهم أكثر حرصا وإخلاصا من غيرهم.
أما في البلاد الإسلامية فهم يعلمون تماما أنه من الصعب أن يحكم شخص غربي الجنسية والعقلية والشخصية البلاد الإسلامية، فقد ارتفع وعي الناس أكثر وأصبحوا أكثر فهما لواقعهم ودينهم، فأصبحوا يقدمون الإسلام في كافة أمور حياتهم ويضعونه أولا، فكان لا بد من أن يسعى الغربيون وهم أصحاب العقلية الرأسمالية التي تعلم تماما كيف تحصل على ما تريد ممن تريد عن طريق إرضائه، فكان لا بد أن يقدموا للناس ما يطلبون ويحبون حتى يصلوا لما يريدون، فعلى سبيل المثال نرى كيف يبدع حاكم تركيا في الترويج للسلع الغربية وبيعها وتنفيذها حتى أصبح مثالا ناجحا لبيع الكلام ودغدغة المشاعر التي جمعت حوله المؤيدين له ولسياساته الخبيثة في المنطقة، بينما لم يقدم للإسلام والمسلمين أي خير يذكر سوى أطباق ملطخة بدماء أبناء هذه الأمة.
إن اختزال الإسلام في أفراد يحملون الإسلام اسما لهو مصيبة كبيرة، فهذه الشخصيات قد ساهمت في زرع فكرة خبيثة عند عوام الناس مفادها بأن نجاح هؤلاء هو نجاح الإسلام وفشلهم هو فشل الإسلام، فهذه الفكرة الغبية الخبيثة بعيدة كل البعد عن الحق والصواب، فالإسلام لا يفشل بفشل هؤلاء المندسين، وخير دليل على ذلك ما وصل إلينا من خلفاء المسلمين الذي أبدعوا في تطبيق أحكام الإسلام وتنفيذ أحكامه حتى صرنا نتمنى أيامهم، فكما يقال: "يعلم الحق بأهله"، ونحن اليوم في آخر خنادق الكفر بعد أن أيقن أن الإسلام وفكرته قد آن أوان تنفيذها، فهو يسعى من أجل أن يؤجل ويتحايل على هذه الفكرة الواقعة لا محالة، فالأمر لا يحتاج منا إلا إلى قليل من التمحيص من أجل إخراج السم الموجود بيننا حتى يعود الأمر إلى المخلصين من أبناء هذه الأمة الذي يسعون لتطبيق الإسلام وإيصاله إلى سدة الحكم، فهؤلاء المخلصون الذي باعوا دنياهم واشتروا آخرتهم ورضوا أن يكونوا شمعة تحترق من أجل أن تضيء للأمة طريقها، موجودون بيننا بكثرة، وإننا لنحسب حزب التحرير أفرادا وقيادة منهم، نسأل الله أن يعجل لنا بالنصر والتمكين، اللهم آمين.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ماهر صالح – أمريكا