- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
حملُ الدعوةِ المُثمر
حمل الدعوة عملُ الأنبياءِ والصالحين، وحمل الدعوة عمل المخلصين من أبناء الأمة، ولا يكون حمل الدعوة كما اتُّفق، بل إنه يتطلبُ مجهودا كي يكون مثمرا ومؤديا الغرضَ الذي يُراد منه، وحتى يكون العمل مثمرا لا بد من تحديد الغاية والهدف منه.
ولعل تحديد الهدف والغاية من الأمور الصعبة علينا لأن المرء قد يفكر ولا يحدد ما يريد أو لا يستطيع أن يحددَ ما يريد ولهذا لا تكون لأفكاره وأفعاله ثمرة.
ومع هذا فإن هناك عوامل ضرورية للحفاظ على العمل المثمر، وهذه العوامل تتمثل بالصبر، والمتابعة، والجدية.
فإن كنا جادين فإننا نحدد الهدف والغاية من التفكير والعمل، فيتكون عندنا القصد، ونسعى لتحقيق هذا القصد. وكي يتحول الفكر إلى عمل لا بد من تصور ما يُفكرُ به وأن تكون الجدية متناسبة مع مستوى العمل ومع ما يُفكر به
ومن كانت غايته إنهاض أمته فإنه سيعطي ذلك عناية خاصة، إلا أنه من المهم عندما نحدد الغاية أن نكون على معرفة بالأساليب والوسائل عند القيام بالعمل حتى يتم لنا ما نريد.
والأسلوب يقرره نوع العمل، وهو يختلف باختلاف نوع العمل؛ فالعبرة ليست بوجود أسلوب أي أسلوب، ولكن أسلوب فعال، لأن وجود أساليب لا تنفع قد يفشل العمل، فعند الدعاية لفكرة قد يكون أسلوب الدعاية متشابهاً مع أسلوب الدعوة لهذه الفكرة، وذلك لأن كلا منهما يعتمد على عرض الفكرة، لكن هذا التشابه قد يضلل حملة الدعوة، وقد يضلل أصحاب الدعاية لفكرة، فأسلوب الدعاية يستلزم عوامل كثيرة لا بد من دراستها عند الدعاية كاستخدام الشعارات وأسلوب التأكيد والتكرار واستخدام الشخصيات والتأثير على المشاعر والأمر المباشر والقولبة، ونوع الإعلان وكيفية تنظيم البوستر أو الدعوة عبر المحطات أو الإنترنت فهو مهم للتزيين، فأسلوب الدعاية إن استخدم في الدعوة يخفق، وأسلوب الدعوة إن استخدم في الدعاية فإنه يخفق، لأن أسلوب الدعوة يعتمد على شرح الحقائق، فالأسلوب كيفية معينة للقيام في العمل وهو متغير، والأسلوب يقرر نجاح العمل وإخفاقه، فهو يحتاج إلى عقلية مبدعة، ولا بد لحامل الدعوة أن يُعوّد نفسه على هذه العقلية، فيعوّد نفسه على حل المشاكل ولا ييأس لإيجاد الأسلوب الفعال للقيام بالعمل حتى ينجح، والتفكير بالوسائل لا يقل أهمية عن التفكير بالأساليب لأنه لا قيمة لها إن استعملت وسائل لا توصل إلى الحل.
فلو رُسمت خطة لقتال العدو وكانت خطة صحيحة 100% ولكن استُخدم السلاح الذي لا يقوى على مواجهة العدو فإن الخطة ستُخفق... فلا بد من التفكير بالوسيلة على ضوء الأسلوب، والذي يميز الوسيلة عن الأسلوب عند الأخذ بها أن لا تكون نتاجا عقليا بل لا بد أن تكون قد تمت تجربتها، فلو عمل الحزب على كسب العلماء ومن لهم ثقل في المجتمع فإنه يخفق لأنه لن ينجح في الوصول لتسلم الحكم، وإذا نجح في الذين لهم ثقل في تسلم الحكم فلن يقوم الحكم على فكرة لأن الوسيلة في الكسب إنما تكون بتقصد الأمة بغض النظر عن الأفراد، فأي شخص يقبل الفكرة فإنه ينخرط في صفوف الحزب، ومن المفيد أن تدرس حقائق التاريخ كي يستفاد منها في الوسائل.
إذن لا بد من تحديد الغاية ووجود الصبر والجدية والملاحقة مع وعي على الأساليب والوسائل، فعندما يُفكر لا بد أن يُحدد الهدف من التفكير أولا ثم المتابعة وبجدية حتى يُحَققَ ما يصبو إليه، فلا يتطرق إلى حامل الدعوة الكسل أو الخوف أو الخجل، فإذا حددنا هدفا كإعادة الثقة عند الأمة بأحكام الإسلام فإننا نفكر في سبب عدم تأثير العقيدة في الأمة، فنرى أنها فقدت علاقتها بأفكار الحياة وأنظمة التشريع، وفقدت تصورها عما بعد الحياة فلم يعد الخوف من الآخرة وعذابُ الله يهزها، وفقدت تباعا ارتباطها بجماعة المسلمين بل صاروا شعوبا، فيدرك أن السبب في هذا هو عدم الثقة فيما ينبثق عن العقيدة، وقد حصل هذا بعد أن غزى الكافر المستعمر العالم الإسلامي وركز هجومه على الفقه الإسلامي والأحكام الإسلامية، ونظراً للثورة الصناعية وإصابة المسلمين بالدهشة من الثورة الصناعية صاروا يتساءلون عن صلاحية الأحكام الشرعية التي تعارض الواقع، فقيل إن الإسلام ديمقراطي... وإن العقل مقياس الحسن والقبح... وإن العداء للمستعمرين فقط لأنهم مستعمرون لا لأنهم كفار... وأصبح المسلم يتأثر بأفكار القومية والوطنية أكثر من أفكار الإسلام... فلا بد أن يُدرس واقع الثقة وكيفية إعادتها، إذ إن الثقة تنجم عن القناعة بصحة الشيء وصدقه بناءً على برهان يثبت صحة الشيء وصدقه، ومن تكرار ذلك، تنتج القناعة وتتولد الثقة، وبالتالي يصبح الأمر بديهة، وبما أن وضع الثقة يحتاج البرهان العقلي والشعوري، يَرى حامل الدعوة أنه لا بد من إعادة الثقة بالإسلام من أجل النهضة وإقامة الدولة وجعل الوقائع الملموسة تنطق والحوادث الجارية تنطق كذلك بصحة أفكار الإسلام، سواء أكانت أفكاراً متعلقة بشؤون الحياة أم بتنظيم العلاقات، وبما أن الناس يهتمون من قبل سلطة ترعى شؤونهم بأفكار وقوانين معينة فيبدأ يعمل على إظهار فساد هذه الأحكام والمعالجات، ويبين الحكم الصحيح فيدرك حينئذ واقع الحكم ويلمس مدلوله فيحرك العقل والمشاعر، ولا يتطرق إلى ذلك من باب الثقة بل يبين أنها باطلة لأنها كفر ويبين العلاج الصحيح لها، وعندما يتطرق إلى الأحكام فإنه يبين أنها أفكار كفر أو حرام ويبين الحكم الشرعي لها، فيبين كفر فصل الدين عن الحياة، والتبرع لبناء كنيسة وحرمة القومية والربا...
فغايتهم من هذا في جعل وجهة النظر الإسلامية في الحياة هي السائدة، وفي سيره عند العمل يبدأ يُفكر في الوسائل والأساليب التي تكون ضرورية بالنسبة للعمل الذي يقوم به.
وإن من الأمور المهمة ثقة حامل الدعوة نفسه بأن الإسلام قد جعل هناك طريقة شرعية محددة لإعادة الإسلام وأنها آتية من النص فلا بد أن يُظهر حكم الله أنه كذا وكيف يستنبط، وفي الوقت نفسه أن يظهِر فساد أي طريقة إن لم تكن مستنبطة من النصوص الشرعية إن وجد، فثقته هذه ضرورية في عمله ونشاطه وجديته، والتأثير على صبره ومتابعته، ومعروف أن الإسلام قد جعل له طريقة لاستئناف الحياة الإسلامية وهي آتية منه تزيد ثقته في الأحكام المنبثقة عن العقيدة ويجب أن تكون هذه الطريقة واضحة في ذهنه حتى يسهل عليه حمل الدعوة ويسهل عليه تحديد الأعمال الضرورية التي يريد أن يحمل الدعوة من خلالها، فإذا قرر أخذ قيادة الأمة فإنه يدرك أهمية الفكر السياسي لتحسين ذلك، فيعمل مع الحزب في ذلك... يبحث عن بعض الأفكار المهمة لإبرازها وإعطائها للناس محددة ومبلورة.
فمثلا، عقيدة فصل الدين عن الحياة وتناقضها مع الإسلام... ومفهوم السعادة أنها الطمأنينة الدائمة، وإدراك الصلة بالله؛ أن المسلم عبد لربه، فيبين متبنيات الحزب في الحكم والاقتصاد والاجتماع والتعليم ثم يبدأ يَحث الناس على هذه الأفكار، فلا بد أن تصدر هذه الأفكار بشكل مؤثر حتى يتسلم قيادة الأمة، والشكل المؤثر يكون بجعل من يناقشهم يلمسون واقع هذه الأفكار وحث الناس على جعلها رأيا عاما بين الناس، وأن يحدد ما يريد قيادة الناس له، هل يريد مطلبا جزئيا أم عاماً؟
أما حزب التحرير فلا يقود للوصول إلى تحقيق مطالب جزئية، بل يتخذ المطالب الجزئية للوصول إلى قيادة الأمة بإثارة التذمر ولا يقود لتحقيق الجزئيات، ولا يُظهر رضاه عن تحقيقها، وقيادته لأمته تكون لطلب تطبيق الإسلام وإقامة الخلافة الإسلامية، وهذا التحديد لا بد أن يكون بارزا ولافتا للنظر، أن يكون قصدُه من عمله إيجاد قاعدة كبرى من جمهرة الأمة، ويكون عمله كله منصبا على العمل الذي يؤول إلى طلب النصرة، وذلك بإيجاد القاعدة الشعبية وتهيئتها لإقامة الدولة إذ إن الحزب يعمل على تجميع القوى من أجل إقامة الدولة الإسلامية وذلك عن طريق الجيش وأهل القوة والمنعة والأمة كذلك، فيكون عمل حامل الدعوة غير منفصل عن عمل الحزب، والأمر الآخر المهم هو وضوح الرؤية خلال العمل، لأن العمل مع الأمة والقيام بالأعمال السياسية يحتاج إلى عمق وبعد نظر، فمثلا يجب أن يميز بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل لإقامة الدولة الإسلامية، فإن علم ذلك أدرك أهمية معرفته أن إنكار المنكر قد يكون متعبا على الفرد فيقوم هو به حسب أفكاره، فيعمل على التغيير بيده، وينكر على مرتكب المنكر بلسانه ثم بقلبه فهو فرض عين، ويدرك أن من أعمال النصرة أمورا متعلقة به هو، فهو يعمل على توحيد إرادة الأمة والعمل على وجود التأثير بالجيش والأمة ومع ذوي النفوذ كذلك لإزالة الحاكم، وهذا يوجد عنده تفهما لطبيعة عوامل إسناد السلطة في منطقته.
وعادة ما تعتمد عوامل إسناد السلطة على الجيش والأمن العام والقضاء والبرلمان، وفهم هذه الأمور مهم دائما لأنه لو قامت الدولة وعمل على ضم الدول، وإن فهم هو طبيعة هذه الأمور فإن ذلك سيسهل عليه الضم أو يحدد إن كان الضم حراماً، ومن المهم لنا متابعه الأمور السياسية والخطط والأساليب، فمتابعة الخطط والأساليب تساعد حامل الدعوة على إفشال الخطط عندما يصبح العملاء والدول المتسلطة في أعمالها.
وفي النهاية العمل في الدعوة الإسلامية عمل شاق لكنه من أجلّ الأعمال فهو عمل الرسل والصالحين ومن يكرسون أنفسهم من أجل أمتهم، لهم أجر عظيم، والركب قليل فلا نبخل على أمتنا بالعمل الجاد ومضاعفه الجهود.
وفي المحصلة حتى يكون حمل الدعوة مثمرا لا بد أن يحدد حامل الدعوة الهدف وأن يكون هذا الهدف واضحا ومتصورا لديه وأن يقوم بهذا العمل على وجه الجدية ولا بد أن يتابع العمل وأن يكون صبورا، وعندما يقوم بتحقيق الهدف والوصول إلى القصد من هذا العمل لا بد أن يفكر بالأسلوب الفعال لهذا الهدف وأن يعمل على ابتكار الوسائل المجربة إما تاريخيا أو يجربها هو حتى تكون مؤدية للغرض.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مريم بدر (أم مؤمن)