الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

كيفية فهم سياسات الدول وطريقة فهم الموقف الدولي

 

لا بد للسياسيين وخصوصا حملة الدعوة الإسلامية من فهم سياسات الدول وفهم الموقف الدولي بشكل صحيح؛ لأنه بدون وجود فهم ووعي على سياسات الدول وعلى الموقف الدولي لن يستطيع حامل الدعوة والسياسي المسلم وصناع القرار من التقدم بدعوة الإسلام للأمام قيد أنملة، بل قد يؤدي الجهل في فهم سياسات الدول والموقف الدولي إلى العجز عن الحفاظ على الإسلام بين ظهراني الأمة نفسها. ولهذا كان العمل السياسي والاشتغال بالسياسة من أهم أعمال حمل الدعوة عند المسلمين، وكان فهم سياسات الدول وفهم الموقف الدولي من أهم الأمور لحمل الإسلام للعالمين وللحفاظ على الأمة وعلى مبدئها.

 

ولكن كيف يتم فهم سياسة كل دولة وكيف يتم فهم الموقف الدولي؟

 

إنك إذا أردت أن تفهم وتعي سياسة دولة ما من أجل التأثير فيها أو اتقاء آثارها على سياسة دولتك أو أمتك فعليك أن تحدد أولا نوع هذه الدولة من الناحية المبدئية. فالدول في العالم تقسم من ناحية مبدئية إلى دول مبدئية ودول غير مبدئية.

 

ولكي تستطيع فهم سياسة الدول المبدئية فعليك أن تطلع على الفكرة الرئيسية لهذه الدولة، أي أن تطلع على الفلسفة التي تقف وراء دستور الدولة وأعمالها السياسية. وبما أن هذه الفكرة تؤثر في دستور وأعمال الدولة فتكون هذه الفكرة هي العقيدة الفعلية لهذه الدولة. فقد تحمل الدولة عقائد دينية روحية معينة ولكن ليس لها تأثير في عمل الدولة لا من قريب ولا بعيد. وهذه العقائد ليست هي المقصودة وإنما المقصود هو العقيدة الفعلية التي ترمي بظلالها على سياسات الدول المبدئية وأعمالها.

 

والعقائد المبدئية في العالم ثلاث لا رابع لها؛ الإسلامية والشيوعية والرأسمالية. والعقيدة الوحيدة الآن التي تحملها بعض الدول في العالم وتدعو لها وتحاول نشرها هي العقيدة الرأسمالية. وأما العقيدتان الإسلامية والشيوعية فلا يوجد دولة في العالم تحملهما بصورة مبدئية وإن سميت بعض الدول بالشيوعية. وإن كانت جميع المؤشرات الفكرية والسياسية في مراكز الفكر والسياسة العالمية تنبئ بعودة العقيدة الإسلامية تحملها دولة إسلامية قريبا باذن الله، ولكن هذا الأمر ليس مقامه الآن والحديث فيه يطول.

 

وباختصار شديد، فإنك إذا أردت أن تفهم سياسة دولة ما في عالمنا اليوم فعليك أن تحدد أولا إن كانت هذه الدولة رأسمالية أو غير رأسمالية، أي هل تحمل هذه الدولة العقيدة الرأسمالية - عقيدة فصل الدين عن الدولة - وتدعو لها وتعمل على نشرها في العالم أم لا. فإن كانت كذلك فإن سياسة هذه الدولة سيسهل فهمها لأنك استطعت أن تحدد العقيدة التي تتحكم في غالبية سياسات هذه الدولة. وبهذا فإنك ستعرف أن هذه الدولة ذات سياسة استعمارية تمددية تريد استعمار الدول والشعوب واستغلال خيراتها وتطويعها لتصبح دولاً تابعة لها أو دولاً تدور في فلكها على الأقل. وبالتالي ستكون خطط هذه الدول التي تتبنى العقيدة الرأسمالية خططاً استعمارية أيضا لتحقيق مصلحة المبدأ الذي تحمله هذه الدول. وبذلك تكون النفعية والمصالح أساس سياسات هذه الدول وأساس رسم الخطط وانتقاء الأساليب المتعددة لتحقيق هذه المصالح والمنافع المؤدية للاستعمار المباشر أو غير المباشر لدول وشعوب العالم.

ولذا كان فهم الدول المبدئية الموجودة في العالم اليوم يبدأ من تحديد إن كانت هذه الدول رأسمالية أم لا؟ أي هل تتبنى هذه الدول العقيدة الرأسمالية في العمل أم لا؟ فإن كانت كذلك سهل على المتابع فهم خطط وأساليب هذا الدول وبالتالي سهل كشفها والتحذير منها وإبطال مفعولها واتخاذ سياسات وقائية رادعة لها أو عملية للوقوف في وجهها أو على الأقل إضعافها.

 

وأما إن كانت هذه الدول غير رأسمالية فكيف يتم فهم سياسة هذه الدول؟

 

إن مثل هذه الدول ليس لها فكرة رئيسية أو عقيدة فاعلة تقف وراء سياساتها، ولذلك كان لا بد من مراقبة خطط وأساليب هذه الدول من أجل فهم سياساتها. وتتبع الخطط والأساليب لهذه الدول مهما تعددت وتغيرت ليس بالأمر الشاق، فهذه الدول غالبا ما يكون مجال عملها محليا وقلما يكون إقليميا، ولكن ليس عالميا.

 

ومن الأمثلة على الدول المبدئية - التي تتبنى العلمانية كعقيدة عمل - أمريكا.

 

فعلى السياسي أولا أن يدرك بأن أمريكا دولة مبدئية لأنها تتبنى العقيدة الرأسمالية العلمانية أو (فصل الدين عن الدولة) وبالتالي، كانت الدولة ديمقراطية ودستورها قائماً على أساس الحريات الأربع وكانت سياستها الخارجية استعمارية بامتياز.

 

ولذلك حينما يتابع أعمالها السياسية الخارجية فسيفهم أنها تتحرك بدافع استعماري مبدئي وبدافع الاستغلال والسيطرة ومد النفوذ. ولذا يفسر كل أعمالها وتصرفاتها مهما بدت خيرة أو صديقة بأن دافعها استعماري وعمل خير يراد به باطل وهو الاستعمار. ولذا لا يخفى على السياسي المتابع والواعي بأن المساعدات والمعونات التي تقدمها الدول الرأسمالية لباقي الدول والشعوب في العالم وكذلك المؤسسات والمنظمات وهيئات حقوق الإنسان والإغاثة الدولية وشبيهاتها ما هي إلا تمهيد لسياسة استعمارية قادمة ونذير شر قريب، كما أنها ستار جميل تختفي وراءه السياسات الخبيثة والمخططات المحكمة للإجهاز على الدول والشعوب التي يراد السيطرة عليها واستغلال ثرواتها واستعمارها. أما السذج والذين لا يدركون حقائق الأمور فإنهم يفسرون الأعمال والسياسات والأساليب هذه بمعزل عن العقيدة الأم التي طبيعتها استعمار واستغلال الشعوب والبلدان، وبالتالي يبتلعون الطعم خلف الطعم والضربة خلف الضربة دون أن يدركوا بأن المشكلة في الأفهام لديهم وليس في سياسة عدوهم تجاههم. وصدق النبي الأعظم حين قال: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ».

 

ومثال على الدول غير المبدئية اليوم (أي الدول التي لا تتبنى العلمانية كعقيدة ونظام حياة) جميع دول العالم الثالث التي هي أصلا مستعمرة لغيرها ويتم رسم سياساتها من الدول الحاضنة ويحكمها جهاز أمني أو مخابراتي تسيره الدول الحاضنة من بعيد لقمع العباد ولتحقيق بعض المصالح الإقليمية للدول الحاضنة.

 

وأما فهم الموقف الدولي: فيختلف تماما عن طريقة فهم سياسات الدول. فالموقف الدولي ليس بدولة وإنما هو هيكل علاقات بين الدول الفاعلة عالميا والتي تتصارع فيما بينها للوصول إلى مركز الدولة الأولى في العالم. ذلك لأن السياسة الدولية تقودها الدولة الأولى في العالم وهي بذلك تحظى بنصيب الأسد في استغلال واستعمار البلدان والشعوب.

 

ولهذا كان التسابق على مركز الدولة الأولى في العالم بين الدول الفاعلة دوليا دائما ومتواصلا، ولذلك كان الموقف الدولي غير ثابت وإن كانت حركته وتغيره بطيئا يحتاج عادة لعقد أو عقود ليتغير.

 

ولذلك كان لزاما على المسلمين فهم الموقف الدولي لمعرفة من هي الدولة الأولى في العالم والدول المزاحمة والمنافسة لها على هذا المركز من أجل معرفة السياسات المتبناة دوليا بالنسبة لقضايا المسلمين خاصة وباقي العالم عامة. وهذا أمر ميسور من خلال متابعة الأخبار والأعمال السياسية في العالم من تحالفات ومنظمات ومؤتمرات مع وجود بعض المعلومات عن المبدأ الرأسمالي.

 

وهذه المتابعة وتلك المعلومات تجعلك ترسم خطوطاً عريضة للموقف الدولي لتسهل عليك فهم ما يدور في الساحة الدولية ومعرفة من يقف وراء الأحداث وطبيعة العلاقات بين الدول الفاعلة في الموقف الدولي. ولقد أبدع حزب التحرير وتفرد في رسم خطوط عريضة للموقف الدولي جعلته يتميز في تحليلاته السياسية وكشفه للخطط الدولية الموجهة ضد المسلمين بالأخص وكشفها والتحذير منها.

 

إن عدم فهم الموقف الدولي يوقع في أخطاء جسيمة للغاية: مثال ذلك وأكثرها وضوحا أكثر القضايا الشائكة في العالم منذ مئة عام؛ قضية فلسطين: فالذي لا يتابع الموقف الدولي ولا السياسة الدولية يظن أن اللاعبين الأساسيين في قضية فلسطين هم فتح ومنظمة التحرير وحماس، أو قد يظن البعض أن اللاعب الأساسي هو مصر أو الأردن أو سوريا. وقد يظن البعض أن محور الممانعة - كما يسمونه جورا وتضليلا - هو من يقرر ويحدد الأعمال السياسية والجهادية في فلسطين.

 

والحقيقة الواضحة في هذا الأمر هي أن اللاعب الأساسي منذ نشأة قضية فلسطين للوجود منذ عام 1917 هم الإنجليز ثم الأمريكان. ولا يوجد لاعب أساسي غير هذين اللاعبين يحددان سياسات فلسطين. ولذلك لا تجد سوى مشروعين لا ثالث لهما بالنسبة لقضية فلسطين منذ نشأتها حتى يومنا هذا. فلا تجد شيئا يدعى المشروع الفلسطيني لقضية فلسطين ولا المشروع الأردني ولا المصري ولا السوري ولا التركي ولا السعودي. بل هناك المشروع الإنجليزي (مشروع دولة علمانية فلسطين يشترك فيها يهود والفلسطينيون والنصارى على غرار لبنان)، وهناك المشروع الأمريكي (مشروع الدولتين) وهو المطروح حاليا لقضية فلسطين. إن عدم مراقبتك للموقف الدولي تجعلك تجهل أهم شيء في هذه القضية وهو أنه لما كانت بريطانيا هي الدولة الأولى في العالم وضعت مشروعا لفلسطين، ولما أصبحت أمريكا هي الدولة الأولى في العالم وضعت مشروعا آخر لفلسطين، وأما باقي الدول التي تتحدث بشأن قضية فلسطين فهم لاعبون ثانويون وأدوات صراع ويدخلون ضمن خطط عمل أمريكا أو بريطانيا. وهذا يشبه إلى حد بعيد الملف السوري وتصورات الحلول الدولية له، فأمريكا تطبق على أنفاس كل من يريد مشاركتها الملف السوري أو مزاحمتها فيه ولهذا تفصيلات ليس مقامها هنا.

 

ولذا كان فهم سياسات الدول وفهم الموقف الدولي أمرين غاية في الأهمية للسياسيين بشكل خاص وللمسلمين كافة بشكل عام.

 

وخاتمة القول: إن تنحي الإسلام عن الوجود في الموقف الدولي وبالتالي التأثير في العالم قد غاب بهدم دولة الإسلام التي كانت تحمله بصورة مبدئية، أي بعقيدة الإسلام التي ينبثق عنها نظام حياة مميز؛ الخلافة الراشدة. ولذا لا تجد في العالم نظاماً ومبدأ يقف في وجه الرأسمالية الغاشمة. وإن استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الإسلام من جديد قريبا بإذن الله هو الذي سيضع حدا للقتلة والمجرمين والجشعين والاستعماريين الرأسماليين، وسينشر الخير والهداية في العالم أجمع وسيحرر الناس من جشع الرأسماليين بقيادة أمريكا وسيخلص العالم من عقيدة فصل الدين عن الدولة التي اكتوت شعوب العالم بنارها.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. فرج ممدوح

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع