الخميس، 18 رمضان 1445هـ| 2024/03/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

المراقب العام للإخوان المسلمين في السودان يجعل الإسلام خياراً بين خيارين!

 

في حوار مع موقع النيلين المراقب العام للإخوان المسلمين في السودان يقول: (أنا واحد من الناس ما عندي إشكال إذا وافق الشعب السوداني على العلمانية أن يحكم بها.. يمكن لا أريد للعلمانية أن تفرض عليهم.. ولا أريد أن يفرض على الناس الإسلام كذلك.. حرية في كل شيء.. الله خلق الناس أحراراً ربنا يقول: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ قرآن كريم، ويقول ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ بنفس المستوى لا يمكن أن تجبرني على قبول العلمانية، ولا أريد أن أفرض عليك الإسلام الذي أؤمن به نظاماً شاملاً للحياة. (موقع النيلين، الجمعة 21 شباط/فبراير 2020م).

 

في البدء أود أن أشير إلى أنه أن أشير إلى أنه لا علاقة للأدلة الشرعية التي قدمها المراقب العام للإخوان المسلمين، بجواز الحكم بالعلمانية، لأن موضوع الآيتين هو الإيمان الذي لا يُكرَه أحد عليه.

 

أما الحكم بالإسلام فحتى العوام من الناس يعلمون بفرضيته، لأنه من المعلوم من الدين بالضرورة.

 

إن إطلاق صفة جماعة إسلامية بشكل صحيح ودقيق ليس آتيا من إسلام الأفراد ولا من أعمالهم الخيرية، ولا من عباداتهم، بل يجب أن يكون في الإسلام الذي تريد هذه الحركة تطبيقه عندما تصل إلى سدة الحكم. فالعلمانية تفصل الأفكار ذات العلاقة بالدين عن الحكم، أي فصل الدين عن السياسة، وأن يحترم رأي الأغلبية وإن خالفت أفكاره وعقيدته، وأن يحترم سيادة الشعب، هذه هي الديمقراطية والعلمانية، واحترام الحريات الشخصية وسيادة الشعب حسب هذه النظرة، هذه هي الدولة المدنية (العلمانية)!

 

إن العمل لتطبيق شرع الله يجب أن يبقى هو السائد دوماً فهو أصل ثابت، ولا ينبغي الحيد عنه لأي جماعة إسلامية مبدئية لأنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله ولا التحاكم إلا إلى ما أنزل الله سبحانه. لذلك فإن غاية الجماعة الإسلامية المبدئية يجب أن تكون هي استئناف الحياة الإسلامية وتطبيق الإسلام وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم والقوامة على فكر المجتمع وحسه بحسب معايير الشرع وأحكامه حصراً. هذه الغاية لا تتحقق إلا بدولة إسلامية تفرض الإسلام في الدستور والقانون، ولا مجال لأي علمانية تنازع الله في ملكه، فالحاكمية لله ثابتة بالأدلة القطعية، هذه الدولة تضع الإسلام كله موضع التطبيق في الداخل، وتحمله إلى العالم بالدعوة والجهاد. وإن تطبيق الإسلام ليس خياراً بين عدة خيارات كما قال المراقب العام للإخوان المسلمين، بل هو القضية المصيرية للمسلمين التي فرضها رب العزة وأوجب على كل جماعة تدعو للإسلام أن يكون هدفها الذي تسعى لتحقيقه، بالتزام طريقة الرسول e التي سلكها لإقامة الدولة الأولى في المدينة المنورة.

 

أما أن يقول المراقب العام للإخوان المسلمين بأن المسلمين أحرار في الاختيار بين تطبيق الإسلام أو عدم تطبيقه استنادا لمبدأ الحرية، فهذا تزييف للحقائق وادعاء لا مجال لصحته لأن مبدأ الحريات يناقض الإسلام جملة وتفصيلا. هؤلاء الذين يستندون إلى الحرية هم الذين يصنفهم الغرب بالإسلاميين المعتدلين، يعتبرونهم حملة "الإسلام المعتدل"، وصاروا يتحدّثون عن "الإسلام الديمقراطي"، ويحبّون أن يتشبّهوا بالأحزاب النصرانية الدّيمقراطيّة في بلاد الغرب متجاهلين أن عملهم هذا لا علاقة له بالإسلام بل هو فصل للدين عن الحياة!

 

لا تتعظ هذه الجماعة في تنكب طريق الحق والسير في طريق الضلال والديمقراطية، رغم المسيرة الطويلة التي ميّزها شدّة التقلّب والتبدّل، ولقد كان خوضهم للتجربة السياسيّة ومشاركة العلمانيين للحكم نتيجة عمليّات ترويض متكرّرة، تمكنت من تحويل أدبيّاتهم عن مفاهيم سيد قطب رحمه الله عن المفاصلة بين الجاهلية والإسلام إلى المهادنة والتساكن مع العلمانية والديمقراطية، ثم إلى تسكين حركة المطالبة بالشريعة مع الجري خلف الديمقراطية، حتى قال أحد منظريهم: "الحريّة مقدمة على الشريعة"، وقال راشد الغنّوشي: إنّ الشريعة اليوم (سنة 2012) هي مصدر خلاف للتونسيين فلنتركها جانبا، وزعم أنّ الدّيمقراطيّة هي التي ستوحّد التونسيين، ثمّ قال: لا بدّ من إجراء انتخابات 2019 لأنّها ستكون شهادة تخرّجنا ديمقراطيّا. فثبت تخلّي أولئك "الإسلاميين" عن أنظمة الإسلام السياسية والاقتصادية وكثير من نظامه الاجتماعي وما يترافق مع ذلك من قوانين ومفاهيم، وصار رفعهم للإسلام شعارا دون مضمون، فوصلوا إلى الحكم ولم يصل معهم الإسلام في هذا البلد، وكانوا وبالا على الدعوة وسببا في نفور الناس عنها، ثمّ كان أنْ أثبتوا أنهم علمانيون أكثر من العلمانيين أنفسهم في الحكم. فكان من الطّبيعيّ أن يفشلوا فشلا ذريعا، لأنهم في الحقيقة ما كان عملهم إلا إعادة استنساخ الأنظمة الغربية العلمانية بصبغة "إسلامية" مخفّفة بتبني بعض الشعارات التي لا تقدم ولا تؤخر في تطبيق الإسلام.

 

ومن هنا فإنّ حديث العلمانيين الطّويل العريض عن فشل الإسلام في الحكم نتيجة فشل النظام السابق (المتأسلم) الذي خرج من رحم الإخوان المسلمين، إنّما هو حديث تزوير وتدليس، وذلك لأن الحركات الإسلاميّة التي تتبنى مبدأ الحريات لا تمثّل الإسلام، ولا تعبّر عنه، فقد تخلّت عنه صراحة بتصريحات مثل هذا التصريح للأمين العام للإخوان المسلمين الذي هو نزع لعباءة الإسلام لتثبت حفنة من العلمانيين الذين سيطروا على الحكم أنّها تطوّرت وما عادت "متطرّفة"، وما عادت تحمل الإسلام ولا مشروعا للإسلام. عندما وصلت هذه الجماعات إلى الحكم لم تغير النظم والقوانين الموجودة بل سارت عليها وحكمت بالدستور العلماني الحالي، أي حكمت بالكفر، فمن مصر لغزة إلى تونس والمغرب والأردن والعراق واليمن وغيرها كلهم عندما وصلوا سدة الحكم والمجالس البرلمانية لم يختلفوا عن الحركات العلمانية، وذلك أن تلك الحركات لا تملك مشروعا سياسيا للحكم.

 

 فلماذا ينسب العلمانيّون الفشل إلى الإسلام؟ والحقيقة أنّ الفشل كان في محاولة أسلمة العلمانية، أو خلط الإسلام بالديمقراطيّة، بل إنّ المحقّق ليرى أنّ الفشل ملازم للديمقراطيّة أينما كانت. فبعد فشلهم فكريّا في التصدّي للإسلام وأفكاره لجأ الغرب إلى أمثلة خاطئة ليقولوا إنّ الإسلام وصل إلى الحكم لكنّه فشل، وهي محاولة بائسة، لأنّ الإسلام لم يصل إلى الحكم، ولم تطبّق أنظمته ولم يصل إلا بضعة نفر ممّن كانوا محسوبين على الإسلاميين ثمّ انسلخوا، وأكثر من ذلك فإنّهم لم يحكموا بما عاهدوا الله عليه والمسلمين، فكانوا منفذين لبرامج القوى الغربيّة المهيمنة على المشهد السياسيّ في السودان. إن من يتبنى فكرة الحريات الديمقراطية مديراً ظهره للإسلام كالمقامر الفاشل المفلس، الذي يريد أن يلعب ويراهن، لكنّه لا يملك شيئا، لا يملك إلا الخداع والتلبيس عساه يستمرّ في اللعب، هؤلاء جعلوا من دعوتهم الضمانة الأصليّة للقوى الغربيّة المستعمرة.

 

رغم ما تقدمه هذه الحركات من تنازل عن مبدئها فإذن الغرب ما زال يحسب حسابا لوصول "الإسلاميين" عبر التسلل الديمقراطي، وبالتالي يمكن أن يقلبوا للغرب ظهر المجن إن وصلوا إلى السلطة وتحركت فيهم عقيدة الإسلام، أو تحرك أتباعهم وضغطوا عليهم لتطبيق الإسلام، لذلك يصبح وصولهم للحكم فكرة غير مرحب بها من الغرب المسيطر على الوسط السياسي في بلاد المسلمين، لذلك سيظل الغرب متوجسا من فتح المجال لتمكين الإسلاميين (ولو بعد تعديلهم) من مفاصل الحكم، حتى مع تواتر توصيات معاهد الدراسات الاستراتيجيّة "بفتح الطريق" أمام الإسلاميين المعتدلين من أجل "قطع الطريق" على وصول الإسلام الصافي للحكم بتطبيق الخلافة.

 

لا يعي ولا يتعظ الإسلاميون المعتدلون بل هم الذين رضوا أن يتنازلوا عن تطبيق الإسلام وفصلوه عن السياسة! نقول لهم لو خرجتم من أفكاركم وأعلنتم (كما أعلنتم) عن تبنّي الديمقراطيّة الغربيّة ولو ساهمتم في التشريع من دون الله وأبعدتم أحكام الإسلام وأنظمته من برامجكم، لما رضي عنكم الغرب وأتباعه، بل لو أنّكم سلختم جلودكم ما عرفوكم ولا قبلوكم، قال تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.

 

إن الشرط الأساسي لأي جماعة إسلامية هو أن تكون العقيدة الإسلامية هي الأساس في كل فعل وقول وتبنٍّ لهذه الجماعة لأنها يجب أن تكون مبنية على قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. أما المراقب العام للإخوان المسلمين في السودان فإنه اختار لجماعته أن تسير على المنظومة الديمقراطية التي تقدس مبدأ الحريات، ما يعني فصل الدين عن الحياة إذا اختار الشعب ذلك، إن أذهان هؤلاء تخلو من مسألة النظام والتشريع والقيادة السياسية التي تعني القوامة على المجتمع بمفهومها الشامل. وبالتأكيد فإنه لا يمكن قيادة أي أمة ولا أن تعتبر جماعة ما نفسها قوامة على الأمة من دون فكرة أساسية للحكم، وهذا ما يميز الجماعات التي تحمل الإسلام أو العلمانية أو تلك التي كانت تحمل الاشتراكية كفكرة للحكم. وباختصار فإن الحركة التي تتولى الحكم يجب أن تكون لديها فكرة ما للحكم بها وقيادة أمتها بهذه الفكرة، وبدون ذلك لا يمكن لأي حركة أن تقود أمة قيادة فعلية.

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الأستاذة غادة عبد الجبار (أم أواب) – الخرطوم

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع