- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بيجين +25: هل سقط قناع المساواة بين الجنسين؟
الكلمة الخامسة: تقدم أم اضطهاد من رواية: "تمكين المرأة من خلال التوظيف"؟
(مترجم)
انتقادات لوعود إعلان بيجين +25 في المجال الاقتصادي:
"نحن غاضبون. 25 سنة منذ بيجين، نحن بعيدون عن الوصول إلى المساواة بين الجنسين. عدم المساواة في الثروة والسلطة والموارد أكبر من أي وقت مضى".
عبرت الشابات والنسويات من هذا البيان الحاسم في جميع أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ اللواتي اجتمعن في منتدى المجتمع المدني للشباب والنسوية في بانكوك في 22-26 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، الذي نظمته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ التابعة للأمم المتحدة. تم تنظيم المنتدى للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين لإعلان ومنهاج عمل بيجين. في المجال الاقتصادي لإعلان ومنهاج عمل بيجين، هناك العديد من الأهداف الاستراتيجية التي تهدف إلى تعزيز الاعتماد على الذات والحقوق الاقتصادية للمرأة، بما في ذلك المساواة في الوصول إلى العمل، وجدوى بيئة العمل، وكذلك تعزيز تنسيق المسؤوليات بين العمل والحياة الأسرية للنساء والرجال. في الواقع، يعد "تمكين المرأة من خلال التوظيف" موضوعاً رئيسياً من خلال جزء كبير من إعلان ومنهاج عمل بيجين، ويتم تناوله في "مجالات الاهتمام" المختلفة.
يُقال إن زيادة عمالة المرأة وتحقيق المساواة في وجودها في مكان العمل مع الرجال ستساعد على انتشال النساء والأمم من الفقر وتسهيل النمو الاقتصادي وتمكين المرأة من المشاركة الكاملة في المجتمع وزيادة الوصول إلى الفرص والإسهام بشكل كبير في التنمية المستدامة في البلاد وتقدم الدول. تنص المادة 16 من إعلان بيجين على سبيل المثال على ما يلي: "إن القضاء على الفقر بالاعتماد على النمو الاقتصادي المطرد والتنمية الاجتماعية وحماية البيئة وتوفير العدالة الاجتماعية يقتضي إشراك المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق تكافؤ الفرص ومشاركة المرأة والرجل مشاركة كاملة على قدم المساواة، باعتبارهما من عوامل تحقيق التنمية المستدامة الموجهة لخدمة البشر وباعتبارهما مستفيدين منها". وبالتالي، من أجل تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية، يدعو إعلان ومنهاج عمل بيجين، من بين أشياء أخرى، إلى تغيير تقسيم العمل، بعيداً عن كون الرجل هو المعيل للأسرة وكون المرأة ربة المنزل والراعية الأولية للأطفال، ونحو زيادة تقاسم مسؤوليات الجنسين داخل وحدة الأسرة. ومع ذلك، فإن السؤال هو: هل صحيح أنه بعد خمسة وعشرين عاماً من خطة إعلان ومنهاج عمل بيجين، تم حقاً تمكين المرأة دولياً وتحقيق الرخاء من خلال أحكامها ومن خلال زيادة فرص العمل؟
أولا، من خلال رواية التّمكين من خلال التوظيف هذه، أصبحت المرأة الناجحة تُعرَّف بأنها الشخص الذي يكسب دخله الخاص ويمارس مهنة بدلاً من الشخص الذي جعل مهنته الأساسية رعاية المنزل وتربية الأطفال بنجاح. ومن ثم، أصبحت قيمة المرأة تُقدر بقيمة العمل المدفوع الأجر، والذي قلل حتماً من وضعها الفريد والحيوي كأم ومربية. وتم اعتبار العناية بالمنزل وتربية الأطفال أمراً غير مهم، ومضيعة لمواهب النساء ووضع النساء في فئة تابعة للرجال. وكانت النتيجة هي إنشاء مجتمعات لم تعد فيها المرأة مخيرة على العمل ولكن من المتوقع ومن المفروض عليها العمل، بسبب الضغوط الحياتية أو الاقتصادية، حتى لو كن أمهات عازبات فهن يتحملن مسؤولية فردية عن رعاية أطفالهن، مما تسبب في ضغوط هائلة عليهن وعلى حياتهن المنزلية. في عام 2013، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالاً بعنوان: "زيادة" الأمهات المعيلات "لا يعد فوزاً للمساواة كما يبدو" حيث أشار المقال إلى إحصائيات من تقرير صادر عن مركز بيو للأبحاث ومفاده أن الأمهات هن المعيل الوحيد أو الرئيسي في 40٪ من الأسر الأمريكية التي لديها أطفال. ووصف المقال كيف أن غالبية الـ40٪ - ثلثاهم - هن من الأمهات العازبات، وكثير منهن يكافحن من أجل التوفيق بين مسؤوليات المنزل ورعاية الأطفال. وجاء فيه: "بالنسبة للأمهات العازبات، على وجه الخصوص، فإن واقع وضعهن بأنهن المعيلات الرئيسيات لا يبدو وكأنه انتصار نسوي بل إنه ببساطة واقع مرهق، غير مدعوم ومشين على نطاق واسع".
علاوةً على ذلك، كانت الفكرة بأن التوظيف سيجعل للمرأة مكانةً أعلى ويعطيها نوعية حياة أفضل وأمناً اقتصاديا هي فكرة واهمة، لأنه في معظم البلدان، فإن عدداً كبيراً من النساء يمتلكن وظائف ذات أجور متدنية وسيئة النوعية وغالباً ما تكون خطرة واستغلالية، وغالباً ما يعملن لساعات طويلة مع حقوق عمل قليلة إن وجدت، وتأمين وظيفي قليل - على سبيل المثال في المحلات والمصانع التي تعاني من سوء الصيانة وكعاملات مهاجرات يضطررن إلى السفر آلاف الأميال بعيداً عن أطفالهن وعائلاتهن لكسب أجر بسيط. وفقاً لسجلات المنظمة الدولية للهجرة، فإن حوالي 48 في المئة من مجموع المهاجرين هن من النساء. بالإضافة إلى ذلك، أظهر تحليل أجرته منظمة العمل الدولية لـ142 دولة، نُشر في تقريرها لعام 2016 بعنوان "اتجاهات النساء في العمل"، أن النساء ما زلن يمثلن نسبة كبيرة من الوظائف ذات الأجور المتدنية مثل "عاملات كتابيات وعاملات في الخدمات والمبيعات" و"المهن الأولية". مما لا شك فيه، أن بعض النساء نجحن في تحسين وضعهن الاقتصادي من خلال العمل. ومع ذلك، هذه نسبة صغيرة مقارنة بجماهير النساء العاملات اللائي لا تزال مشاكلهن المالية خطيرة. على سبيل المثال، في بريطانيا، 62٪ من الأشخاص الذين يكسبون أجوراً أقل من الأجر الحقيقي للمعيشة هن من النساء، وحوالي ثلث النساء العاملات في بريطانيا لا يحصلن على أجر يمكنهن من العيش (مؤسسة Living Wage Foundation، 2017). علاوةً على ذلك، أدت التخفيضات الحكومية في التقشف بأعداد كبيرة من المعلمات والممرضات وضابطات الشرطة وغيرهن من العاملات ذوات الأجور المنخفضة في الاعتماد على البنوك الغذائية لإطعام أسرهن. بالإضافة إلى ذلك، أدت زيادة عدد الأسر ذات الوالد الواحد في البلاد، ومعظمهم من النساء، إلى ارتفاع خطر فقر الأطفال بين هذه الأسر إلى الثلث - وهو الأعلى خلال 20 عاماً وفقاً لإحصائيات 2018 من Gingebead Chaity. ومن هنا، فإن الوعود بالمساواة بين الجنسين التي ضحت المرأة من أجلها مكان قضاء الوقت في الأمومة ومع أطفالها، على أمل أن يؤدي ذلك إلى رفع مكانتهن، لم تحقق إنجازات حتى في المجال الاقتصادي من حياتهن. إن أعداداً كبيرةً من النساء لم تحقق أي إنجاز مادي، لأنهن يعملن ببساطة لدفع ثمن رعاية الآخرين لأطفالهن وتربيتهم.
علاوة على ذلك، بعد ربع قرن من إعلان بيجين ومن شعار "التوظيف من أجل التمكين"، لا تزال النساء يتعرضن للرق الاقتصادي في العصر الحديث على مستويات عالية. ففي عام 2017، ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية أن المئات من العاملين في المصانع ذات بيئات العمل الرديئة مثل مصانع الماركات الرياضية المشهورة عالمياً مثل Nike وPuma وAsics وVF Copoation تم نقلهم إلى المستشفى بسبب الإغماء المتكرر من الإرهاق. كانت هذه الحوادث جزءاً مما تعاني منها القوى العاملة في صناعة الملابس والتي يبلغ قوامها 600000 شخص معظمهم من الإناث. كانت النساء اللائي انهارن يعملن لمدة 10 ساعات، ستة أيام في الأسبوع، وأبلغن عن شعورهن بالإرهاق والجوع. كانت الحرارة المفرطة أيضاً مشكلة في ثلاثة مصانع، حيث بلغت درجة الحرارة 37 درجة مئوية. وهذا شبيه بالبيئات الاستغلالية المروعة المماثلة التي تعمل فيها النساء في الملابس وغيرها من المصانع في بنغلادش وباكستان والصين ودول أخرى في جميع أنحاء العالم.
في أفريقيا، يتم استغلال النساء في العمل في القطاع الزراعي الذي يتألف في الغالب من الزراعة على نطاق صغير، مع أكثر من 50٪ من النشاط الزراعي الذي تقوم به النساء، وتنتج حوالي 60-70٪ من الأغذية في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى. تتحمل النساء عبئا كبيراً في الإنتاج الزراعي، وهو عمل قاصم للظهر وشاق، ويتضمن ساعات طويلة، وغالباً ما يتم تحت أشعة الشمس الحارقة.
فشلت سياسات المساواة بين الجنسين وقوانين حقوق العمال داخل البلدان في حماية النساء من هذه المستويات من الاستغلال الصناعي. وذلك لأن هذه السياسات تعمل في إطار النظم الرأسمالية التي نظرت دائماً إلى النساء كأدوات للإنتاج لزيادة أرباح الشركات أو إيرادات الدول، لأن الرأسمالية تقدّس إنتاج الثروة على جميع القيم الأخرى في الحياة، بما في ذلك رفاهية المرأة. في ظل هذا النظام المادي، تتم ترجمة دور المرأة الأقصى في لغة الاقتصاد والمكاسب المادية. ومن هنا، استخدمت روايات المساواة بين الجنسين لدفع النساء إلى العمل لتحقيق أهدافها المالية، مع القليل من الفوائد الاقتصادية للمرأة. علاوة على ذلك، فإن فلسفة الحياة المادية للرأسمالية تغذي العقليات لدى العديد من أرباب العمل والشركات الذين يحسبون "التكلفة" و"الربح" في تعاملهم مع الموظفين، وتتفوق هذه الحسابات على جميع القيم الأخرى - سواء الإنسانية أو الأخلاقية أو الروحية - مما يخلق بيئة مواتية لاستغلال النساء. كل هذا بالكاد هو جنة التمكين الموعودة للمرأة من خلال العمل! بل هو مثال على عدم التمكين! وحرمان النساء من دورهن كأمهات! وإعاقة النساء عن طريق إثقالهن بالضغوط التي لا تحتمل، كالتوفيق بين مسؤوليات الحياة المنزلية والعمل! وتحطيم المرأة عن طريق السلاسل واستعبادها في السوق الاقتصادية.
يرجع هذا الإخفاق المذهل لإعلان بيجين وعشرات الاتفاقيات الدولية الأخرى في الوفاء بالحقوق الاقتصادية للمرأة إلى: (1) تبني الفكرة العلمانية للمساواة بين الجنسين التي لديها رؤية النفق ونهج وهمي في حل مشاكل المرأة، وتحويل الانتباه عن الأسباب والحلول الحقيقية ووضع اللوم المضلل على عدم المساواة بين الرجل والمرأة؛ (2) التعمية على نطاق هيمنة وسمّية النظام والأيديولوجية الرأسمالية التي تشكل المصدر الأساسي وتتحمل المسؤولية الأساسية للكوارث المالية والبيئية والإنسانية التي تسببت في شل البلاد الإسلامية واقتصاداتها كما فعلت بغيرها. إنه النظام الرأسمالي هو الذي أوجد الفقر الجماعي والحرمان من الحقوق الأساسية لملايين النساء، فضلاً عن قيادتهن إلى هاوية الاستغلال وشبكات الاتجار بالبشر بسبب خصائصه المميزة المتمثلة في "الربح مقدم على البشر".
إن هؤلاء النساء المضطهدات دليل حي على الرأسمالية والكذبة النسوية المتمثلة في "تمكين المرأة من خلال التوظيف"، وضحايا سياسات العمل الاستغلالية والاستبدادية للرأسمالية، فضلاً عن غياب دور الدولة في حماية حقوقهن كعاملات ورعايا.
يختلف الإسلام اختلافاً تاماً عن الرأسمالية.
أولا، الإسلام لا يضع السعي لتحقيق مكاسب مادية فوق السعي وراء القيم المهمة الأخرى داخل المجتمع، مثل القيم الروحية والإنسانية والأخلاقية. بدلاً من ذلك، فهو ينظم المجتمع بطريقة تتحقق فيها كل هذه القيم وتوجد بطريقة متناغمة تفيد البشر ذكوراً وإناثاً على حد سواء. لذلك، لن يضع القيمة المادية أبداً فوق الأخلاق، أو يضع المال فوق كرامة البشر، بغض النظر عن حجم المكاسب الاقتصادية. كما أنه يرفض بشدة قيم المادية ومذهب المتعة التي تأتي من وجهة نظر الرأسمالية ويسعى لكسر الشخصية المادية التي تركز فقط على المسائل المادية بغض النظر عن العواقب المترتبة على الآخرين. هذا يقلل من السلوك الاستغلالي وغير العادل تجاه الآخرين. يرفض الإسلام أيضاً الفلسفة الرأسمالية المتمثلة في تقديم المصالح المالية على وحدة الأسرة، وهو ما ينعكس في الضغوط التي تمارس على النساء للدخول في وظيفة قللت من شأن الأمومة، وزادت الإجهاض، وأهملت حقوق الأطفال، وألقت عبئاً لا يوصف على المرأة لتصبح معيلاً لأسرتها، كل ذلك بدعوى جعلهن محركات للاقتصاد. وعلى النقيض من الرأسمالية، لا ينظر الإسلام إلى النساء كأدوات للإنتاج أو العمالة الرخيصة، ولكنه يقدّرهن باعتبارهن إنسانا يجب أن يتمتع بمكانة عالية في المجتمع، حيث يحميهن من الاستغلال بكل أشكاله، ويحافظ على شرفهن ورفاهيتهن دائماً، ويحثهن على الوفاء بأدوارهن الحيوية كأمهات.
ثانيا، في الإسلام، تُمنح المرأة امتياز الحفاظ عليها مالياً من زوجها أو غيرهم من الأقارب الذكور، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ [البقرة: 233]
في الإسلام، يُسمح للنساء بالعمل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قَدْ أَذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ». [رواه البخاري]. ومع ذلك، لا ينبغي إكراههن على العمل، سواء من خلال الضغوط المعيشية أو الاقتصادية لإعالة أنفسهن وأسرهن، بحيث يضررن بواجبهن الحيوي المتمثل في رعاية أطفالهن وتربيتهم ليصبحوا شخصيات إسلامية مميزة.
بالإضافة لذلك، يرسخ الإسلام الإيمان بالرزق حتى لا يؤدي الخوف من الفقر أو المصاعب الاقتصادية إلى تقويض تقسيم الأدوار بين الجنسين في الأسرة من خلال فكرة أن الزوجين يجب أن يكونا معيلين لضمان الأمن والازدهار الماليين، بدلاً من فهم أن الرجل المسؤول عن الكسب لعائلته. يقول الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الزمر: 52]
ثالثا، يرفض الإسلام النسوية التي تدعو إلى أدوار ومسؤوليات متساوية ومشتركة للرجال والنساء في الحياة الخاصة والعامة. وبدلاً من ذلك، فإنه يحدد مجموعة من أحكام الأسرة التي تنظم تقسيم الأدوار بين الزوجين بطريقة متكاملة وليس تنافسية، وتضمن تلبية احتياجات وحقوق جميع أفراد الأسرة، بما في ذلك الأطفال.
روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ... وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا...» [رواه البخاري ومسلم]. تنص المادة 120 من مسودة دستور دولة الخلافة لحزب التحرير على أن: "الحياة الزوجية حياة اطمئنان، وعشرة الزوجين عشرة صحبة. وقوامة الزوج على زوجه قوامة رعاية لا قوامة حكم وقد فرضت عليها الطاعة، وفرض عليه نفقتها حسب المعروف لمثلها". كل هذا يساعد على تحقيق الطمأنينة في الزواج والوئام في وحدة الأسرة.
وأخيرا، دور الدولة الرئيسي في الإسلام هو رعاية شؤون الناس. وتتمثل مهمتها الرئيسية في خدمة احتياجات كل فرد والعناية بها، وحماية الضعفاء، ومنع أي ظلم. يضمن هذا المبدأ الأساسي أن تكون مشاكل العمل في الحد الأدنى بموجب الخلافة وحلها بسرعة من خلال تطبيق أحكام الشريعة على أي مشكلة في العمل إذا نشأت. بموجب هذا النظام، لن يتم التسامح مع مشكلة العمالة المهاجرة التي تلحق الضرر بملايين النساء وستسعى الدولة للقضاء عليها. قال النبي صلى الله عليه وسلم، «فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». [رواه البخاري]
وفيما يتعلق بالتوظيف، فإن للإسلام مقاربة مميزة لهذه القضية، تختلف عن أي عقيدة أخرى. تتضمن بعض أهم مبادئ الإسلام لسياسات العمل التي تعالج مشكلة استغلال العمال:
- حماية النساء والضعفاء
- العلاقة الفريدة المتساوية بين أصحاب العمل والعمال
- يجب أن يكون العمل حلالاً تماماً
- لا طبقات بين العمال
- تحديد أجور عادلة
العمل في الإسلام أو سياسات العمل تنعكس في تكوين المجتمع الإسلامي فلا تقسمه لطبقتين، الطبقة العاملة ودرجة رجال الأعمال، البروليتاريا والبرجوازية، الراعي مع العميل،...إلخ. كلا، فالإسلام لا يعترف بهذا على الإطلاق. فهو يبني علاقة متساوية فريدة بين العامل وصاحب العمل، والتي تقوم على الإحساس بالمسؤولية في ملء حقوق والتزامات كل منهما كما أمر الإسلام. إن العلاقة بين صاحب العمل والموظف في الإسلام هي علاقة يجب أن تكون مفيدة للطرفين. روى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله سبحانه وتعالى: «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُراً فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيراً فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ» [رواه البخاري]. من أجل الحفاظ على الشراكة الطيبة وضمان استفادة جميع الأطراف المعنية بشكل متبادل، ينظم الإسلام العلاقة بين صاحب العمل والموظف بطريقة واضحة ومفصلة مع القوانين المتعلقة بإجارة الأجير (عقد العمل). في الواقع، ينص الإسلام على أن نقاط الاتفاق غير الواضحة ضمن عقد الإجارة تجعله عقدا فاسدا. من خلال الأحكام الواضحة والمفصلة في عقد إجارة الأجير، يفهم كل طرف حقوقه والتزاماته، وهو يمثل حماية ضد أرباب العمل المستبدين الذين يجبرون العمال على العمل خارج ساعات العمل المحددة. علاوة على ذلك، تخضع أحكام الإسلام لعمل الحياة التجارية لمبدأ الحلال والحرام، دون استغلال أو الاستفادة من معاناة الآخرين.
الخلافة هي المسؤولة عن منع الظلم بجميع أشكاله. على وجه التحديد، في مجال التوظيف، يفرض الإسلام أحكاما صارمة على أي شخص يمارس الظلم، سواء أكانوا أصحاب العمل أو الموظفين. مسؤولية تهيئة بيئة عمل آمنة وغير مستغلة للعمال هي مسؤولية الدولة. تضمن أحكام الشريعة عدم وجود ظلم من أحد الطرفين ضد الآخر، والدولة ملزمة بإزالة أي عمل ظالم، سواء ارتكبه أصحاب العمل ضد العمال أو العكس. التغاضي عن الظلم هو خطيئة وغير أخلاقي، ويحظره الله سبحانه وتعالى. إذا سمحت الدولة بحدوث ظلم، فمن واجب جميع المسلمين أن يحاسبوا الحاكم من أجل تصحيح الوضع والتخلص من الظلم. إذا كان الناس غير قادرين على تصحيح حاكمهم، يتم نقل المسألة إلى محكمة المظالم التي ستجبر الحاكم على إزالة الفساد أو الظلم أو الاضطهاد من الدولة.
وبالتالي، يوفر الإسلام الوسائل لحماية النساء من الاستغلال والفقر، وتمكينهنّ من البحث عن عمل آمن وكريم بإرادتهنّ، وتيسير الزواج السعيد والوفاء بحياتهنّ العائلية، ورفع مكانتهنّ ودورهنّ الفريد والحيوي كأمهات. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه:123-124].