- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
سوريا والثورة والحزب
انطلقت دعوة حزب التحرير إلى سوريا في السنين الأولى لبداية انطلاقة الدعوة، تقريبا في سنة 1955م، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن لم تخلُ السجون السورية من شباب الحزب. لم يشارك الحزب في الأحداث الدامية التي شهدتها سوريا بين أعوام 1979 – 1982م، لأن الأعمال المادية مخالفة لمنهجه في العمل المنضبط بطريقة الرسول ﷺ في إقامة الدولة الإسلامية الأولى. كان النظام السوري قد شن حملة اعتقالاتٍ واسعةٍ في خريف عام 1999م، طالت الكثير من أعضاء الحزب في سوريا. كما تعرّض الحزب لاحقاً لحملتي اعتقالٍ على الأقل، في كلٍّ من عامي 2004 و2006م.
رحّب الحزب بالربيع العربيّ، وبارك التحرّكات التي قام بها المنتفضون في كلٍّ من تونس ومصر وليبيا واليمن. ورأى أن هذه الأحداث بدأت ذاتية... وكان لها وقع إيجابي بأنها كسرت عند الناس حاجز الخوف من الحكام، وكانت تعلوها مشاعر إسلامية، فالناس يتحركون ويكبّرون دونما خوف من بطش الحكام، ولهذا فوائده في تحريك الناس... ولذلك فإنها من هذا الوجه كانت طيبة ومباركة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإنّ هذه التحركات بدأت مشاعرياً بصيحات عامة، ومثل هذه التحركات من السهل على القوى الدولية النافذة وعملائها في البلد اختراقها، ولذلك استطاعت القوى الأوروبية وأمريكا أن تخترق هذه التحركات عن طريق عملاء مدربين من هذه القوى اندسوا بين المنتفضين، ومن ثم تمكنت من المحافظة على بنية النظم الأساسية في بلدان الربيع العربي وعلى استمرار نفوذ تلك القوى مع شيء من الجراحة التجميلية.
وحين اندلعت الثورة السورية رحّب بها الحزب من المنظور نفسه، إذ رأى أنها انتفاضة أهل سوريا المؤمنين الثائرين الذين ينادون (لبيك يا الله) و(ما لنا غيرك يا الله)، بينما تحاول أمريكا أن تفرض عليها قيادةً من المعارضة العلمانية في الخارج، عبر المجلس الوطني، والائتلاف الوطني، وهيئة التفاوض، ثم حكومة الإنقاذ، لتكون بديلاً تنضجه عن بشار الأسد، بهدف إعاقة قيام الدولة الإسلامية.
فبعد عشرة أيامٍ من اندلاع الثورة في مدينة درعا أصدر الحزب بياناً دعا فيه إلى المواجهة مع النظام للتخلص منه ومن مآسيه. وطالب الحزب الأمة آنذاك أن يسجلوا لأنفسهم مكرمة إقامة حكم الله على أنقاض هذا النظام البائد، وليكن تغييرهم تغييراً يحبه الله ورسوله، وألا يجعلوه تغييراً ناقصاً، فليسجلوا لأنفسهم سابقة إعلانها خلافة إسلامية، ولا يستبدلوا بحاكم عميل حاكماً مثله، ولا بدستور دستورا مثله، ولا يستعينوا بالأجنبي الكافر في شؤون تغييرهم، ولا يدعوا أحداً يتكلم باسمهم خارج هذا التوجه. نعم طالب الحزب المنتفضين أن أعلِنوها خلافة إسلامية. وبرغم استغراب الكثير من المتابعين للحراك الثوري في سوريا من تلك الدعوات التي أطلقها الحزب في ذلك الوقت المبكر لانطلاقة الثورة، إلا أن الحزب ظل مصرا على دعواته وأتبعها بأعمال جماهيرية كان لها الأثر الكبير في ترشيد الثورة وتوجيهها نحو الهدف الصحيح؛ وهو إسقاط النظام بكل رموزه وأشكاله وقطع العلاقة مع الغرب الكافر وإقامة حكم الإسلام الممثل في إقامة دولة الخلافة.
وظلت بيانات الحزب المتتالية عن الثورة السورية تسير وفق هذه الأسس:
الترحيب بالثورة.
الإصرار على التوجّه الإسلامي لها وصولاً إلى إقامة الخلافة.
التحذير الدائم من سرقتها من الأطراف الخارجية المتآمرة التي اصطنعت معارضة علمانية ووطنية في الخارج.
رفض التدخل العسكريّ الخارجي.
ومما لا شك فيه أن ما جرى ويجري في سوريا هو صراع بين الحق والباطل، في وقت تآمر فيه الغرب والشرق على ثورة الشام خوفاً من توجهها الإسلامي السائر بثبات نحو دولة الخلافة، والذي كان للحزب فيه دور كبير، وقد لفتت هذه النشاطات الأنظار وجذبت اهتمام وسائل الإعلام، التي حاولت أن تلصق بالحزب أعمالا مسلحة أو تدعي أن للحزب جناحا عسكريا، ولكن الحقيقة أنه لم يكن أبدا للحزب جناح عسكري، بل كان الحزب يقوم بدعوة القوى العسكرية القائمة إلى تبني أفكاره، وأن يكون هدفها بعد إسقاط النظام هو إعلان قيام الخلافة على منهاج النبوة.
وفي جواب سؤال أصدره أمير الحزب العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة عن الثورة السورية ومدى انخراط الحزب فيها، قال: (إن عملنا هو هو لم يتغير في كل مكان لنا فيه إمكانية عمل... هذا ما نقوم به قبل الثورات وخلالها وبعدها... غير أن أحوال الثورات أوجدت مجالاً أوسع لجعل الناس يستمعون كلمة الحق دون خوف من الأجهزة الأمنية كما كان في السابق حيث كانوا يبتعدون عنا خشية الأجهزة الأمنية، ولهذا يلاحظ اليوم التفاف الناس حولنا وإقبالهم علينا، ومن هنا جاءت ملاحظتُك عن قوة حركتنا وازديادها في الأمة عن ذي قبل. أما إن كنت تقصد بكلمة "الانخراط في الثورة" أن جناحاً عسكرياً أصبح لنا، فهذا خطأ وغير وارد، فليس لنا جناح عسكري لا سابقاً ولا لاحقاً، فنحن حزب سياسي مبدؤه الإسلام، لا يقوم بالأعمال المادية في مرحلة الدعوة، وإنما يطلب نصرة أهل القوة ليمكنوه من إقامة الدولة).
وكان ما كان من قيام تنظيم الدولة بإعلان خلافته المزعومة التي كانت سببا في تشويه فكرة الخلافة، التي كادت أن تكون هي الفكرة الطاغية على الثورة السورية برغم التغطية على ذلك من خلال وسائل الإعلام كالجزيرة وغيرها، التي كانت تتجاهل أعمال الحزب ونشاطه في الثورة وكانت تركز على ما أسمته التحول الديمقراطي والدولة المدنية والحرية وما شابه. ولقد بين أمير الحزب على صفحته الرسمية على موقع الفيسبوك، جواباً على عددٍ كبيرٍ من السائلين؛ (أن إعلان الخلافة هذا باطلٌ لأن أيّ تنظيم يريد إعلان الخلافة في مكان ما فإن الواجب عليه أن يتبع طريقة رسول الله ﷺ في ذلك، ومنها أن يكون لهذا التنظيم سلطان ظاهر في هذا المكان يحفظ فيه أمنه في الداخل والخارج، وأن يكون هذا المكان فيه مقومات الدولة في المنطقة التي تعلن فيها الخلافة... والتنظيم الذي أعلن الخلافة لا سلطان له على سوريا ولا على العراق، وليس محققاً للأمن والأمان في الداخل ولا في الخارج، حتى إن الذي بايعوه خليفة لا يستطيع الظهور فيها علناً، بل بقي مختفياً كحاله قبل الإعلان! وهكذا فإعلان التنظيم للخلافة هو لغو لا مضمون له. إن الخلافة دولة ذات شأن، بيَّن الشرع الإسلاميّ طريقة قيامها وكيفية استنباط أحكامها في الحكم والسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية... وليست هي إعلاناً يُطلَق في المواقع الإلكترونية أو وسائل الإعلام. ولذلك فإن الإعلان الذي تمّ هو لغو لا يقدم ولا يؤخر في واقع تنظيم الدولة، فالتنظيم هو حركة مسلحة قبل الإعلان وبعد الإعلان، شأنه شأن باقي الحركات المسلحة). بل ذهب أمير الحزب إلى القول (إن الذي يستحق الوقوف عنده هو الخشية من أن يترتب على هذا الإعلان أثر سلبي بالنسبة لفكرة الخلافة عند البسطاء، فتسقط عندهم من مركزها العظيم وأهميتها الكبرى إلى فكرة هشة أشبه بمجرد التنفيس عن مشاعر قلقة عند بعض الأشخاص، فيقف أحدهم في ساحة أو ميدان أو قرية فيعلن أنه خليفة ثم ينزوي ويظن أنه يحسن صنعاً! مما يرسم علامة استفهام حول توقيت هذا الإعلان دون سلطان ظاهر مستقر لأصحابه يحفظ أمن هذه الدولة الداخلي والخارجي، بل هكذا على الفيسبوك أو الإعلام).
إن إعلان تنظيم الدولة إقامة الخلافة في ذلك الوقت المشبوه كان إعلانا لتشويه الخلافة في أذهان الذين بدأوا بالالتفاف حول دعاتها الحقيقيين! لأنه لا يعدو كونه حلقةً جديدةً في سلسلة أعمالٍ هدفها القضاء على مشروع الخلافة، بعد أن تطوّر الوضع الثوريّ في سوريا إلى المطالبة العارمة بها، وضمور مشروع العلمانيّين، ولم تبقَ للقلّة القليلة المتبقّية منهم أيّ شعبيّةٍ تذكر.
وبرغم أن الكثير من الناس استغرب موقف الحزب من هذا الإعلان المشبوه للخلافة على يد تنظيم الدولة، إلا أنه قد تبين للقاصي والداني بعد ذلك صواب موقف الحزب هذا، وذلك بعد الأعمال التي قام بها التنظيم التي ساهمت في تشويه فكرة الخلافة، وبعد القتال الدامي الذي خاضه التنظيم مع الفصائل المسلحة المعارضة للنظام، بينما ترك النظام في مناطق سيطرته آمنا مطمئنا، وبعد أن كانت القضية أن هناك نظاما مجرما يخوض حربا شرسة ضد شعبه لإخضاعه والسيطرة عليه، أصبح الشعار المرفوع أنه يخوض حربا عالمية ضد الإرهاب!
لقد استطاع الحزب أن يفضح المخطط الأمريكي في سوريا، برغم انخداع البعض بالموقف الأمريكي الذي كان يرى فيه البعض وقوفا ودعما للثورة، بينما هو في الحقيقة دعم لنظام البعث الإجرامي، وكانت الخطة الأمريكية تقوم على التالي:
– إيجاد معارضة علمانية تساعدها في فرض حلها على الناس وليكونوا جزءاً من هذا الحل.
– إسقاط (الإسلام السياسي) وفكرة الدولة الإسلامية من نفوس المسلمين، وتغيير اتجاه بوصلتهم باتجاه قبولهم بالدولة المدنية العلمانية.
– إفقاد المشروع الإسلامي حاضنته الشعبية وذلك عن طريق توريط أصحابه بالاقتتال الداخلي، أو ارتكاب بعض أعمال القتل المنفِّرة، وغير ذلك من الأعمال المرفوضة شرعاً، والتي تدين مرتكبها ولا تدين الإسلام في شيء، ومن ثم استغلالها إعلامياً، حتى إذا ما آن أوان الحل الأمريكي كان قرار ضرب المشروع الإسلامي والتخلص من القائمين عليه أمراً ميسوراً.
– إنشاء جيش وطني جديد يضم الموثوق بهم أمريكياً من ضباط وجنود الجيش السابق الذين انشقوا عنه، يضاف إليه بعض المجموعات القتالية التي تم استيعابها بالوعد بتغيير وجه النظام وبتلبيس الحقائق عليهم، ووعدهم ببعض المكاسب، هذه هي نواة القوة التي ستفرض بها أمريكا مشروعها.
– إرسال قوات دولية تكون كالقوات الدولية في أفغانستان للمساعدة في الحفاظ على العملية السياسية التي ترعاها أمريكا، وتثبيت حاكم سوريا الجديد، وتكون لهذه القوات مهمات قتالية فاعلة، ويكون من مهماتها منع إقامة دولة الخلافة، والتركيز على مقاتلة المسلمين.
– رعاية عملية انتقال السلطة رعاية تامة بحيث توجد لها هيئة حكم تجمع عدداً من عملائها من الطرفين: طرف الحكم الحالي العميل التابع لها، وطرف المعارضة العميلة التابعة كذلك لها.
لقد وعى الحزب على ما تخطط له أمريكا وما زال يعمل على توعية الأمة والثوار على هذا المخطط للوقوف في وجهه ومحاولة إفشاله برغم ما يلاقيه الحزب من تضييق ومن ملاحقة حتى ممن يدعون أنهم معارضون للنظام، والذين تورطوا من خلال المال السياسي القذر، والذين يستعملهم النظام التركي لتنفيذ المخطط الأمريكي في سوريا. وقد لعبت هيئة تحرير الشام دور الشرطي التابع لتركيا في إدلب فعملت على كتم الصوت الفاضح للدور التركي القذر الذي أوصل الثورة إلى ما هي عليه اليوم في إدلب، فاعتقلت قرابة الأربعين شاباً من حزب التحرير ومعهم العديد من الوجهاء وأصحاب المواقف في إدلب وحماة وحلب. ولذا فالحزب يدعو المخلصين من الثوّار لربط أنفسهم بقياداتٍ نظيفةٍ ونبذ قياداتهم العسكريّة المرتبطة بالخارج، وتشكيل هذه القيادات النظيفة مجلساً عسكرياً قوياً كفؤاً يجمعهم ويقودهم إلى النصر على البر والتقوى، وإعطاء من سبق ذكرهم من قادة الثوار وأهل القوة النصرة لحزب التحرير وقيادته.
إن تآمر كل الدول على ثورة الشام ومحاولتها إعادة تأهيل نظام بشار وفرض الدستور العلماني، واعتبار كل المخلصين إرهابيين يجب القضاء عليهم... ما كان إلا لمنعهم من إقامة دولة الخلافة التي هي فرض ربهم، ومظهر وحدتهم، ومصدر قوتهم، ومبعث عزَّتهم، والتي ستنهي تسلط دول الغرب الكافر المستعمر عليهم، وستنهي مآسي المسلمين في كل بلادهم نتيجة البعد عن التحاكم لشرع الله وحده، والتي ستعيد أمة الإسلام أمة واحدة، ولتعود دولة الخلافة كما كانت الدولة الأولى في العالم، تطبق نظام الإسلام، وتحمله رسالة هدى ونور إلى العالم.
﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حامد عبد العزيز