- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
هل قناة السويس في مأزق، أم يمكن تجاوز الأزمة الحالية؟
مؤخرا أعلنت 3 من الخطوط الملاحية في العالم عن تحويل مسار بعض سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح بديلا عن الملاحة في قناة السويس. الخطوط الثلاثة، وهي تحالف msc وميرسك وخط cmi، تمثل حسب الأرقام 26% من مجموع حجم التجارة العابرة بالقناة. وهي خطوة تأتي بعد وقت قصير من إعلان خط سي جي إم، وسي إم إي الفرنسي إلى الطريق ذاته.
ويعد الخط الذي تسلكه سفن الخط الملاحي الفرنسي أكثر طولا عن العبور عبر قناة السويس بحوالي 3000 ميل بحري، ولمدة تزيد عن 3 أسابيع، وهو ما يكلف كل سفينة قرابة 250 ألف دولار، إلا أن رسوم العبور عبر قناة السويس تكلف كل سفينة من 400 - 500 ألف دولار. إن سعر البترول كان العامل الأهم في اتخاذ تلك الخطوة، رغم التخفيض الذي قامت به هيئة القناة مؤخرا، إلا أن التخفيض الذي تم لم يكن بنفس الانخفاض الذي حدث في أسعار البترول بما يجعل من الخطوط البديلة منافسا أكبر لقناة السويس.
من هنا يمكننا القول إن ذلك يرجع إلى ثلاثة أسباب: أولها الانهيار الكبير في أسعار النفط، مما جعل كثيرا من الخطوط تسلك ممرات أقل تكلفة مقارنة برسوم هيئة قناة السويس، والثاني رسوم نقل سفن الخط الفرنسي عبر خط رأس الرجاء الصالح أقل تكلفة رغم أنه أكثر طولا وأطول زمنا، والثالث أزمة كورونا وما نتج عنها من انخفاض معدل الطلب العالمي على البضائع، فلم تعد هناك ضرورة ملحة لوصول البضائع بوقت محدد، ولم يعد عامل الوقت مهما للمصدرين ولا للمستوردين. قد تسبب تلك الخطوة خسارة القناة نحو مليار ونصف المليار دولار من إيراداتها، وهي الإيرادات التي بلغت العام الماضي نحو 5 مليارات و900 مليون دولار.
منذ افتتاح توسعة قناة السويس في آب/أغسطس عام 2015م، لم تحقق الطفرة المرجوة ولا اقتربت من الوعود التي بشر بها حين أطلق السيسي المشروع، والذي تكلف 8 مليارات ونصف المليار دولار، وقيل إن عوائده سترفع إيرادات القناة إلى 13 مليار دولار. وهذا ما كان قد أكد عليه الفريق مهاب مميش رئيس قناة السويس في حواره مع المصري اليوم في 2014/8/8م، بل أكثر من ذلك هناك من تحدث عن إيرادات سنوية للقناة تصل إلى 100 مليار دولار. فمن المعلوم للجميع أن إيرادات قناة السويس استقرت خلال السنوات العشر الماضية ما بين 5 و6 مليارات ولا توجد احتمالات لزيادة إيرادات القناة خلال الفترة المقبلة.
كما أن إحصائيات البنك المركزي المصري كشفت تراجع إيرادات قناة السويس في 2019م، عن 2018م، بمقدار 32 مليون دولار، وحسب النشرة الشهرية لجهاز الإحصاء فإن إيرادات قناة السويس في آذار/مارس 2020م، أقل من شهر آذار/مارس 2019م، كما أن عدد السفن أقل بنسبة 10%.
ومما لا شك فيه أن هناك مغالطات كثيرة حول تفريعة قناة السويس لأنها لم تحل مشكلة ازدواج كامل مجرى القناة، وما زالت هناك مناطق غير مزدوجة، وبالتالي لا تزال مشكلة الانتظار في البحيرات لعدد من الساعات للسفن القادمة في الاتجاهين، وما زالت هناك 61% فقط من ناقلات البترول هي التي تستطيع المرور في القناة بسبب أن عمق القناة كما هو لم يتغير.
فهل حققت القناة الجدوى الاقتصادية والهدف منها، أم اقتصر الأمر - كما صرّح عبد الفتاح السيسي في مقابلة تلفزيونية في حزيران/يونيو 2016م - أن الهدف من التوسعة التي تكلفت 8 مليارات دولار كان رفع معنويات الشعب المصري، لا تحقيق منافع اقتصادية ملموسة، فحسب تقرير شبكة بلومبيرغ الاقتصادية الأمريكية، فإن مشروع توسعة قناة السويس معناه أن (مصر تهدر 8 مليارات دولار على توسعة لقناة السويس لا يحتاجها العالم). ومن ضمن الأسباب التي تقف وراء عدم تحقيق القناة إيرادات مرتفعة رغم التفريعة، التأثيرات الاقتصادية السلبية التي مرت بها مصر تلك الآونة ومنها نقص العملة الأجنبية (الدولار) الذي ضغط على المركزي والبنوك التجارية بشدة وسبب ورطة نقدية انتهت إلى تعويم الجنيه، واللجوء للاقتراض من صندوق النقد الدولي. حيث كان قد تم توفير 64 مليار جنيه، في صورة شهادات بنكية، لحفر التفريعة الجديدة بنسبة ربوية قدرها 12%، وتحملت الميزانية العامة للدولة حوالي 7.6 مليارات جنيه سنويا، هي مقدار خدمة الدين لـ64 مليارا التي تم جمعها.
إذاً لم يتمكن المشروع من توليد إيرادات كافية لتسديد الأقساط على القناة ما أرغم وزارة المالية على تسديد مبلغ 600 مليون دولار عن هيئة قناة السويس التي لم تكن تملك الاحتياطي الضروري، واقترضت هيئة قناة السويس 600 مليون دولار من 4 بنوك ووصلت مديونياتها للبنوك مبلغ 1.5 مليار دولار. كان المعتاد قبل حفر قناة السويس الجديدة، حساب عائدات القناة في مصر بالدولار، ولكن مع نشر تقارير عن تدني العائد بالدولار، بدأت القناة منذ 2016م، استخدام عُملتين أخريين فقط في إصدار البيانات، وتم حذف أي إشارة للدولار من جداول البيانات، وهي محاولة تضليلية للرأي العام في مصر الذي يترقب المردود الاقتصادي الكبير الذي سيعود على الناس بعد حفر القناة الموازية كما روج النظام وقتها. إنها خيبة أمل كبيرة خصوصا في ظل تراجع الوضع الاقتصادي في مصر في الفترة الأخيرة. ولكن يبدو أن النظام لا يفكر كثيرا في ثروات الأمة وكيفية الحفاظ عليها، ولا يهمه كم سيهدر من ثروات البلد في مشاريع وهمية لأغراض دعائية أو معنوية كما عبر رأس النظام في وقت سابق. والسؤال المطروح الآن هل قناة السويس في مأزق، أم يمكن تجاوز الأزمة الحالية؟! وهل ما زال النظام مصرا على تضليل الناس في هذا الموضوع؟!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حامد عبد العزيز