الثلاثاء، 01 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/03م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

نظرة شرعية إلى فصل الدين عن الدولة

 

إن الغرب المتغول على العالم وعلى بلاد المسلمين على وجه الخصوص، أصبح يطالب بكل وقاحة وبوجه سافر المسلمين أن يفصلوا دينهم عن حياتهم، وبالتالي قطع صلتهم بالله سبحانه، وأوكل هذه المهمة إلى حفنة من المضبوعين بفكره المنحرف ونمط عيشه لإنفاذ هذه الجريمة.

 

لا يوجد بعد نزول الإسلام دين صحيح سواه ليتعبد به الإنسان ربه، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾، وبما أن العلمانية تعني فصل الدين عن الحياة وبالتالي عن الدولة فهي تعني بوضوح إذاً فصل الإسلام عن الحياة.

 

ففكرة فصل الدين عن الحياة تناقض الإسلام عقيدة وشريعة، فالحياة والكون والإنسان لها علاقة لا تنفصل عمّا قبلها وهو الله تعالى، وعمّا بعدها وهو يوم القيامة، وهذا جوهر العقيدة الإسلامية. فالحياة التي ينادى بفصلها عن الدين لها صلة بالله غير قابلة عقدياً للفصل لأنها علاقة خلق وإيجاد من عدم، وهنا تبرز أهمية الفكر المستنير الذي يجعل صاحبه يتعمق في وجود الله الخالق المدبر فيؤمن به ويأتمر بأمره. والإنسان في هذه الحياة الدنيا مقيد بأوامر الله ونواهيه وهذه هي صلة الحياة بما قبلها، أي الله، فكيف يكون الفصل بينهما بالنسبة للمسلم؟! وكذلك الإنسان مقيد بالمحاسبة على اتباع الأوامر واجتناب النواهي، وهذه هي صلة الحياة بما بعدها وهو يوم القيامة، فكيف يكون الفصل بين الحياة ويوم القيامة؟!

 

وعليه يجب على المسلم أن يسير كل أعماله في جميع مناحي الحياة بنظام الله لينال رضاه جلّ وعلا. فكيف يفصل المسلم دينه عن حياته والله يقول: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾؟! فعباداتنا وذبائحنا كلها، وحياتنا أي كل الأعمال التي تقوم في الحياة، وإشباع غرائزنا وحاجاتنا العضوية تُسير وفق شرع الله وكذلك تعالج مشاكل حياتنا بالإسلام، وأما العلمانيون ومن شايعهم بجهل من أبناء المسلمين فكأن لسان حالهم يقول قسمنا هذه الآية نصفين بين الله والبشر (قل إن صلاتي ونسكي لله رب العالمين، أما محياي ومماتي كعلماني للبشر)! أي على شاكلة قول الكفار (دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر) وتلك إذاً قسمة ضيزى والعياذ بالله!!

 

فالأمة الإسلامية لن ترضى بفصل الدين عن الدولة لأن الإسلام قد تمكن من وجدانها وقلبها وإن انحرفت الأنظمة التي تحكمها وضلت وتخلت عن الإسلام كدولة عملياً.

 

فالإسلام دين ومنه الدولة وله نظام شامل للحياة ينظم جميع العلاقات وكل مناحي الحياة؛ فنجده قد نظم علاقة الإنسان بخالقه بأحكام العقائد والعبادات، وجاء بأحكام شرعية نظمت الحياة الاجتماعية تنظيماً دقيقاً كأحكام الزواج والطلاق والإرث بأدلة قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وهذه الناحية ظلت سائرة على أساس الإسلام رغم إبعاد أحكامه عن النواحي الأخرى، ولذلك في الآونة الأخيرة تم استهدافها بقوة، وعليه نرى الآن كثرة السهام الموجهة إليها من الكفار وأذنابهم العلمانيين ليفسدوا علاقة الطهر والعفاف بين المرأة والرجل وتحويلها إلى علاقة انحلال وميوعة وعهر، فيا ويل قوم مؤمنين يرضون بفصل دينهم عن حياتهم ويخضعون لأحكام البشر بدل أحكام اللطيف الخبير. وكما جاء الإسلام بأحكام شرعية تنظم الحياة السياسية كتنصيب الحاكم وشكل الدولة ونظام الحكم فيها، وعلاقة الحاكم بالرعية، وحدد حقوق وواجبات الحاكم تجاه الرعية وحقوق وواجبات الرعية تجاه الحاكم، ثم أمر الحاكم بأن يحكم بين الناس بالإسلام لا غير، وألزم الأمة طاعته إن أقام ذلك، قال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾، وقال في حق طاعته: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، والحاكم يجب أن يحكم بين الناس بالعدل والإنصاف، وهذا لا يتحقق إلا بالحكم بما أنزل الله ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.

 

وبالمختصر المفيد إن الإسلام شمل بأحكامه التشريعية جميع مناحي الحياة، ولم يترك أي مجال أو فراغ لنملأه بأحكام وضعية فاسدة مفسدة، فلا مكان إذاً لتشريعات البشر في علاقاتنا وحياتنا، وليس للمسلم خيار في هذا كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾.

 

ومن حيث تنفيذ هذه الأحكام الشاملة وتطبيق المبدأ الإسلامي عقيدة ونظام حياة فقسم منه يقوم به المسلمون أفراداً في حياتهم بدافع تقوى الله كالعقائد والعبادات وغيرها، ويقام بذلك في ظل وجود الدولة أو عدم وجودها، وقسم أعظم من الإسلام لا يتم تطبيقه إلا بالدولة الإسلامية التي تضع أحكام الإسلام موضع التطبيق كإقامة الحدود وتنظيم المعاملات والجهاد وأحكام الرعاية وتعيين الولاة والعلاقات الخارجية وغيرها، فكيف تقام هذه الأحكام الشرعية المتعلقة بالدولة إذا فصلنا الدين عن الدولة وهي أحكام نتعبد بها لله كأحكام العبادات سواءاً بسواء، ونحن لسنا يهوداً أو نصارى نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، فترك قطع يد السارق أو استبدال حكم آخر به من عند البشر كترك الصلاة، فالحكمان هما أحكام من الله الواحد.

 

إن فكرة فصل الدين عن الحياة هي عقيدة المبدأ الرأسمالي الفاسد التي انبثقت عنها أنظمته الجائرة، وقد نشأت هذه الفكرة في ظرف تاريخي عصيب بالنسبة للغرب وذلك أن القياصرة والملوك في أوروبا وروسيا كانوا يتخذون رجال الدين مطية لقهر الناس. فنشأ عن هذا الظلم صراع عنيف قاده فلاسفة ومفكرون منهم من أنكر الدين ومنهم من اعترف به ونادى بفصله عن الحياة، وأخيراً استقر الرأي على فكرة فصل الدين عن الحياة ونتج عن ذلك طبيعياً فصل الدين عن الدولة والسياسة، فكانت هذه الفكرة حلاً وسطاً منحرفاً بين طرفي الصراع وحددت وجهة نظرهم في الحياة وعلى أساسها يعالجون مشاكلهم ويدعون العالم لاعتناق هذه العقيدة، فهذا الصراع كان مبرراً للظلم الماحق الذي وقع على الناس باسم الحق الإلهي المزعوم، وسبب هذا الظلم هو أن الدولة التي كانت تحكمهم دولة إلهية بادعائهم وليست دولة بشرية يحاسب فيها الحكام وينصحون، والسبب الثاني هو أن الدين النصراني الذي طالب أهله بفصله عن حياتهم دين محرف ولا يملك أي نظام للحياة، وعليه كانت تدار شؤونهم بأهواء القياصرة والملوك وما يسمى برجال الدين.

 

أما هذا الصراع بهذا الشكل فلم يوجد عند المسلمين على مدار تاريخ وجود دولتهم الإسلامية التي حكمت الناس بالإسلام في عالم مترامي الأطراف وقد أحسنت رعاية شؤونهم وبسطت بينهم العدل والإنصاف والأمان، لذلك لم يوجد سبب أو مبرر لنشوب مثل هذا الصراع والثورة ضد الإسلام، هذا الدين الحق، والمطالبة بفصله عن دولته الراعية العادلة، لأن الدولة الإسلامية هي دولة بشرية وليست دينية إلهية كما كان عند الغرب، وخليفتها ليس فوق المساءلة والمحاسبة والنصح.

 

والأمر الثاني الذي جعل الإسلام ناجحاً في رعاية شؤون الناس هو أنه دين له نظام شامل لديه القدرة على معالجة جميع القضايا وحل جميع المشاكل إلى قيام الساعة.

 

وعليه فإن فكرة فصل الدين عن الحياة دخيلة على الأمة الإسلامية والأداة في ذلك هم العلمانيون عملاء الغرب الذين انبهرت عيونهم بلهيب ناره الحارقة، بعد أن أعدهم كأدوات طيّعة تحمل مبدأه وحضارته إلى بلاد المسلمين، وعبر هؤلاء الخونة نجح في تصدير أفكاره إلى الأمة كفكرة فصل الدين عن الحياة والدولة وحقوق المرأة وغيرهما.

 

أما عن ثورة أهل السودان التي أسقطت النظام البائد ورجالاته فقد اندلعت من أجل رفع الظلم بجميع أشكاله عن كاهلهم وطلباً وطمعاً في حياة كريمة، ولم نر في شعاراتهم ولم نسمع من بين مطالبهم فصل الدين عن الدولة، ولكن العلمانين والفاسدين فكراً وأبواق وأدوات العدو الذين تسلقوا الثورة وسرقوها انتهزوا الفرصة وبأمر دبر بليل بأوكار الغرب في بلادنا (سفارات الغرب الكافر) وصوروا للبسطاء والثائرين أن فساد النظام البائد ناتج عن تطبيقه للإسلام السياسي مع أن القاصي والداني ومن يعرف أ، ب،ت في الفقه الإسلامي يعلمون أنه لا علاقة له بالإسلام البتة ولكنهم قصدوا التضليل بهذه الكذبة ليسوقوا لفصل الدين عن الدولة.

 

إن الموقف الشرعي الواجب على كل مسلم تجاه المطالبة بفصل الدين عن الدولة هو الإنكار والرفض الشديد والعمل على تغييره بالقلب والقول والفعل، والوقوف بصلابة بوجه المنادين بذلك، ولا بد كذلك أن نبين للناس بكل الطرق والوسائل الممكنة حرمة وخطورة هذه الدعوة الفاجرة، وما يريد الكفار وأدواتهم الخائنة من وراء هذه الفكرة إلا طمس هوية الأمة وسلبها عامل قوتها الأول ألا وهو الإسلام ممثلاً في عقيدته وشريعته وإحسان تطبيقه من دولته الإسلامية التي هي طريقته العملية لتطبيقه وتنفيذه في واقع الحياة، ونقول لهؤلاء الخائنين: هيهات أن تمرروا هذه الجريمة على أمةٍ العقيدة الإسلامية هي الروح التي تجري في جسدها والأحكام الشرعية هي الهواء الذي تتنفسه.

 

إن الطريقة العملية والجادة لإيقاف هذه الجريمة وإفشال كل مشاريع الغرب التي يسعى لإنفاذها في بلادنا هي التغيير الجذري بالعمل السياسي الذي يقدم الإسلام كمشروع عملي بكل تجلياته السياسية والاقتصادية وغيرهما دون إغفال أي جانب باتجاه دولة الخلافة التي تجعل العقيدة الإسلامية هي أساس الدولة وأساس الدستور والقوانين والنظم... وبهذا نكون قد توصلنا للدواء الشافي ألا وهو إعادة المسلمين إلى العيش عيشاً إسلامياً في دار إسلام وفي مجتمع إسلامي تسيطر عليه الأفكار والمشاعر الإسلامية وتكون جميع شؤون الحياة مسيرة وفق الأحكام الشرعية في ظل دولة إسلامية والتي هي دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة العائدة قريباً بإذن الله تعالى.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

النذير مختار عبد الله – إمام وخطيب مسجد الهدى (حلة خوجلي)

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع